وكون هذا الصلاح متأخّراً في الرتبة كما تضمّنته التحريرات بقوله : فليست المصلحتان في مرتبة واحدة حتّى يقع بينهما الكسر والانكسار الخ (١). وكذلك قوله في هذا التحرير : وبالجملة المصلحة في الوجه الثالث إنّما تكون في السلوك وتطبيق العمل على مؤدّى الأمارة ، لا في نفس المودّى الخ (٢) ، كلّ هذا لا تندفع به شبهة الكسر والانكسار ، بعد فرض أنّه لا يمكن المحافظة على كلّ من المصلحتين ، سواء كانتا طوليتين أو كانتا عرضيتين ، إذ ليس ذلك إلاّمن قبيل تزاحم الفعلين المتنافيين في مقام الجعل والتشريع.
لا يقال : هذا لو كان مصلحة السلوك إلزامية ، إذ لا يمكن للشارع أن يلزم بالفعل الواقع مع إلزامه بسلوك الأمارة المفروض كونها مفوّتة للمصلحة الواقعية ، أمّا إذا كان السلوك ترخيصياً ، بمعنى كون المكلّف مخيّراً بين سلوك الطرق العلمية فيستوفي الواقع ، وسلوك الأمارة فيفوته الواقع ، لكن يحصل على مصلحة السلوك ، فلا مانع من الأمر بالسلوك أمراً غير إلزامي ، بمعنى أنّه يرخّصه في سلوك الأمارة والعمل على طبقها كما هو المفروض ، حيث إنّ المكلّف متمكّن من تحصيل العلم بالواقع المفروض إصابته ، ومع ذلك يرخّصه الشارع في العمل على طبق الأمارة المفروض خطؤها ، لأنّه لو سلكها لحصل على مصلحة السلوك وهي مصلحة تعادل المصلحة الواقعية التي تفوت بسلوكها.
لأنّا نقول : مرجع ذلك إلى أنّ الشارع عند سلوك المكلّف الأمارة يكون متنازلاً عن المصلحة الواقعية ولو بمقدار اقتضائها تعيّن ذي المصلحة ، وهذا المقدار من التنازل يكفي في سراية إشكال التصويب.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ١١٩.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٩٦.