بالحكم الأوّل أيضاً يكون متعلّقاً لكلّ من العلم والجهل ، فهو بالنسبة إلى العلم والجهل المتعلّقين به يحتاج إلى متمم الجعل بالقياس إليه وهكذا ، فيلزم التسلسل. وسيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث جعل الأحكام الظاهرية في موارد الأمارات والأُصول الشرعية (١) ، وفيما علّقناه على ما حرّرناه عنه قدسسره في ذلك المبحث ، ما فيه زيادة توضيح لهذه الجهات ، فراجع ص ٧٦ ممّا حرّرناه هناك (٢).
ومن ذلك كلّه يظهر لك أنّ قيام الدليل الخارجي على اختصاص الحكم في بعض الموارد بصورة العلم ، لا يحتاج إلى جعل ثانٍ يكون محصّله رفع ذلك الحكم عن الجاهل به ، نظير النسخ ، على وجه يكون الحكم الواقعي ثابتاً للذات معرّاة عن كلّ من العلم والجهل ، ويكون تحقّق الجهل موجباً للحكم الشرعي برفع ذلك الحكم ، ليكون لازمه تحقّق الحكم في حقّ الجاهل في الرتبة السابقة على الجهل ، ونفيه ورفعه عنه في رتبة الجهل ، على وجه يكون الجهل بالحكم الواقعي موضوعاً للحكم الشرعي برفعه ، فإنّ ذلك عين التناقض ، ولا يدفعه اختلاف المرتبة.
بل المراد من الاختصاص المذكور هو قيام الدليل الخارجي على كون المجعول له ذلك الحكم الواقعي ، هو خصوص الذات التي يعلم الله تعالى أنّها يتحقّق منها العلم بذلك ، لا على وجه يكون العلم دخيلاً في الموضوع ، وإلاّ لزم كون الحكم سابقاً في الرتبة على العلم لتعلّقه به ، ومتأخّراً في الرتبة عنه لكونه مأخوذاً في موضوعه.
هذا هو خلاصة الإشكال في أخذ التقييد أو الاطلاق لحاظيين في مثل
__________________
(١) راجع الحاشية المفصّلة الآتية في الصفحة : ٣١٢ وما بعدها.
(٢) مخطوط لم يطبع بعد.