قال : وكمل سنة سبعين ومائة ، ثم ذكر زيادة ابنه هشام الرضا وما جدّده فيه ، وأنه بناه من خمس فيء أربونة ، ثم زيادة ابنه عبد الرحمن الأوسط لما تزايد الناس ، قال : وهلك قبل أن يتم الزخرفة ، فأتمها ولده محمد بن عبد الرحمن ، ثم رمّ المنذر (١) بن محمد ما وهى منه ، وذكر ما جدده خليفتهم الناصر ونقضه للصومعة الأولى وبنيانه للصومعة العظيمة ، قال : ولما ولي الحكم المستنصر بن الناصر ـ وقد اتسع نطاق قرطبة ، وكثر أهلها ، وتبين الضيق في جامعها ـ لم يقدّم شيئا على النظر في الزيادة ، فبلغ الجهد ، وزاد الزيادة العظمى ، قال : وبها كملت محاسن هذا الجامع ، وصار في حدّ يقصر (٢) الوصف عنه ، وذكر حضوره لمشاورة العلماء في تحريف القبلة إلى نحو المشرق ، حسبما فعله والده الناصر في قبلة جامع الزهراء ، لأن أهل التعديل يقولون بانحراف قبلة الجامع القديمة إلى نحو الغرب ، فقال له الفقيه أبو إبراهيم : يا أمير المؤمنين ، إنه قد صلى إلى هذه القبلة خيار هذه الأمة من أجدادك الأئمة وصلحاء المسلمين وعلمائهم ، منذ افتتحت الأندلس إلى هذا الوقت ، متأسّين (٣) بأوّل من نصبها من التابعين كموسى بن نصير وحنش الصنعاني وأمثالهم ، رحمهم الله تعالى! وإنّما فضل من فضل بالاتباع ، وهلك من هلك بالابتداع ، فأخذ الخليفة برأيه ، وقال : نعم ما قلت ، وإنما مذهبنا (٤) الاتباع.
قال ابن بشكوال : ونقلت من خط أمير المؤمنين المستنصر أن النفقة في هذه الزيادة وما اتصل بها انتهت إلى مائتي ألف دينار وأحد وستين ألف دينار وخمسمائة دينار وسبعة وثلاثين دينارا ودرهمين ونصف.
ثم ذكر الصومعة نقلا عن ابن بشكوال فقال : أمر الناصر عبد الرحمن بهدم الصومعة الأولى سنة ٣٤٠ وأقام هذه الصومعة البديعة ، فحفر في أساسها حتى بلغ الماء مدّة من ثلاثة وأربعين يوما ، ولما كملت ركب الناصر إليها من مدينة الزهراء وصعد في الصّومعة من أحد درجيها (٥) ، ونزل من الثاني ، ثم خرج الناصر وصلى ركعتين في المقصورة ، وانصرف ، قال :
وكانت الأولى ذات مطلع واحد ، فصير لهذه مطلعين ، فصل بينهما البناء ، فلا يلتقي الراقون فيها إلا بأعلاها ، تزيد مراقي كل مطلع منها على مائة سبعا.
قال : وخبر هذه الصومعة مشهور في الأرض (٦) ، وليس في مساجد المسلمين صومعة تعدلها.
__________________
(١) رمّ : أصلح. ووهى : ضعف.
(٢) في ب ، ه : يحسر الوصف.
(٣) في ه : مؤتسين.
(٤) في ه : وإنما مذهبي الاتباع.
(٥) في ه : أحد درجيه.
(٦) في ب ، ه : مشهور في الأندلس.