وقال في المغرب ـ عند تعرضه لذكر جامع قرطبة ـ ما نصه : اعتمدت فيما نقلته (١) في هذا الفصل على كتاب ابن بشكوال ، فقد اعتنى بهذا الشأن أتم اعتناء وأغنى عن الاستطلاع إلى كلام غيره.
عن الرازي أنه لما افتتح المسلمون الأندلس امتثلوا ما فعله أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد عن رأي عمر رضي الله تعالى عنه بالشام من مشاطرة الروم في كنائسهم مثل كنيسة دمشق وغيرها مما أخذوه صلحا ، فشاطر المسلمون أعاجم قرطبة كنيستهم العظمى التي كانت داخل مدينتها تحت السور ، وكانوا يسمونها بسنت بنجنت (٢) ، وابتنوا في ذلك الشطر مسجدا جامعا ، وبقي الشطر الثاني بأيدي النصارى ، وهدمت عليهم سائر الكنائس بحضرة قرطبة ، واقتنع المسلمون بما في أيديهم ، إلى أن كثروا ، وتزيدت عمارة قرطبة ، ونزلها أمراء العرب ، فضاق عنهم ذلك المسجد وجعلوا يعلقون منه سقيفة بعد سقيفة يستكنّون بها ، حتى كان الناس ينالون في الوصول إلى داخل المسجد الأعظم مشقة لتلاصق تلك السقائف ، وقصر أبوابها ، وتطامن سقفها ، حتى ما يمكن أكثرهم القيام على اعتدال لتقارب سقفها من الأرض ولم يزل المسجد على هذه الصفة إلى أن دخل الأمير عبد الرحمن بن معاوية المرواني إلى الأندلس ، واستولى على إمارتها ، وسكن دار سلطانها قرطبة ، وتمدّنت به ، فنظر في أمر الجامع ، وذهب إلى توسعته وإتقان بنيانه ، فأحضر أعاظم النصارى ، وسامهم بيع ما بقي بأيديهم من كنيستهم لصق الجامع ليدخله فيه وأوسع لهم البذل وفاء بالعهد الذي صولحوا عليه ، فأبوا من بيع ما بأيديهم ، وسألوا بعد الجد بهم أن يباحوا بناء كنيستهم (٣) التي هدمت عليهم بخارج المدينة على أن يتخلوا للمسلمين عن هذا الشطر الذي طولبوا به ، فتم الأمر على ذلك ، وكان ذلك سنة ثمان وستين ومائة ، فابتنى عند ذلك عبد الرحمن المسجد الجامع على صفة ذكرها لا حاجة إلى تفسير (٤) الزيادة فيه ، وإنما الحاجة في وصفه بكماله ، وفي بنائه لهذه الزيادة يقول دحية بن محمد البلوي (٥) من قصيدة : [الطويل]
وأنفق في دين الإله ووجهه |
|
ثمانين ألفا من لجين وعسجد |
توزّعها في مسجد أسّه التّقى |
|
ومنهجه دين النّبيّ محمّد |
ترى الذّهب النّاري فوق سموكه |
|
يلوح كبرق العارض المتوقّد |
__________________
(١) في ب ، ه : فيما أنقله في هذا ...
(٢) في ب : بشنت بنجنت.
(٣) في ه : كنائسهم.
(٤) في ه : لا حاجة في تفسير الزيادات فيه.
(٥) في ه : البلوني.