الأرض مثله وطوله مائة ذراع في عرض ثمانين ، وفيه من السواري الكبار ألف سارية ، وفيه مائة وثلاثة عشر ثريا للوقود أكبرها تحمل ألف مصباح ، وفيه من النقوش والرقوم ما لا يقدر أحد على وصفه ، وبقبلته صناعات تدهش العقول ، وعلى فرجة المحراب سبع قسيّ قائمة على عمد طول كل قوس فوق القامة قد تحير الروم والمسلمون في حسن وضعها ، وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة اثنان أخضران واثنان لازورديان ، ليس لها قيمة لنفاستها ، وبه منبر ليس على معمور الأرض أنفس منه ولا مثله في حسن صنعته ، وخشبه ساج وآبنوس وبقمّ وعود قاقلي ، ويذكر في تاريخ بني أمية أنه أحكم عمله ونقشه في سبع سنين ، وكان يعمل فيه ثمانية صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال محمدي ، فكان جملة ما صرف على المنبر لا غير عشرة آلاف مثقال وخمسون مثقالا ، وفي الجامع حاصل كبير ملآن من آنية الذهب والفضة لأجل وقوده ، وبهذا الجامع مصحف يقال : إنه عثماني ، وللجامع عشرون بابا مصفحات بالنحاس الأندلسي مخرمة تخريما عجيبا بديعا يعجز البشر ويبهرهم ، وفي كل باب حلقة في نهاية الصنعة والحكمة ، وبه الصومعة العجيبة التي ارتفاعها مائة ذراع بالمكي المعروف بالرشاشي (١) ، وفيه من أنواع الصنائع الدقيقة ما يعجز الواصف عن وصفه ونعته ، وبهذا الجامع ثلاثة أعمدة حمر ، مكتوب على الواحد اسم محمد ، وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف ، وعلى الثالث صورة غراب نوح ، والجميع خلقة ربانية ، وأما القنطرة التي بقرطبة فهي بديعة الصنعة ، عجيبة المرأى ، فاقت قناطر الدنيا حسنا ، وعدد قسيّها سبعة عشر قوسا ، سعة كل قوس منها خمسون شبرا وبين كل قوسين خمسون شبرا ، وبالجملة فمحاسن قرطبة أعظم من أن نحيط بها وصفا (٢) ، انتهى ملخصا.
وهو وإن تكرر بعضه مع ما قدمته فلا يخلو من فائدة زائدة ، والله الموفق.
وما ذكره في طول المسجد وعرضه مخالف لما مر ، ويمكن الجواب بأن هذا الذراع أكبر من ذلك ، كما أشار إليه هو في أمر الصومعة ، وكذا ما ذكره في عدد السواري ، إلا أن يقال : ما تقدم باعتبار الصغار والكبار ، وهذا العدد الذي ذكره هنا إنما هو للكبار فقط ، كما صرح به ، والله تعالى أعلم.
وأما الثريات فقد خالف في عددها ما تقدم ، مع أن المتقدم هو قول ثقات مؤرخي الأندلس ، ونحن جلبنا النقل من مواضعه ، وإن اختلفت طرقه ومضموناته.
__________________
(١) ذراع ينسب إلى الرشاش الذي اتخذ طوله وحدة قياس الأطوال (طبقات الزبيدي ص ٢٨٤).
(٢) في ب : أن يحيط بها وصف.