منه فكأنها ما كانت ، فذكر لبعض أصحابه ـ وهو ابن الربيب المؤرخ ـ أن عنده نسخة جليلة من تاريخ عريب الذي لخص فيه تاريخ الطبري واستدرك عليه ما هو من شرطه وذيل ما حدث بعده ، فأرسل إليه في استعارتها ، فكتب إليه : يا أخي ، سدّد الله آراءك ، وجعل عقلك أمامك لا وراءك ، ما يلزمني من كونك مضيّعا أن أكون كذلك ، والنسخة التي رمت إعارتها هي مؤنسي إذا أوحشني الناس ، وكاتم سري إذا خانوني ، فما أعيرها إلا بشيء أعلم أنك تتأذّى بفقده إذا فقد جزء من النسخة ، وأنا الذي أقول :
أنس أخي الفضل كتاب أنيق إلى آخره :
وأنشد للكاتب أبي الحسن المذكور : [بحر الخفيف]
إنّ ذاك العذار (١) قام بعذري |
|
وفشا فيه للعواذل سرّي |
ما رأينا من قبل ذلك مسكا |
|
صاغ منه الإله هالة بدر |
|
||
أيّ آس (٢) من حول جنة ورد |
|
ليس منه آس (٣) مدى الدهر يبري |
ولما اشتد مرضه بين تلمسان وفاس قال هذه الأبيات ، وأوصى أن تكتب على قبره : [بحر المتقارب]
ألا رحم الله حيّا دعا |
|
لميت قضى بالفلا نحبه |
تمر السّوافي (٤) على قبره |
|
فتهدي لأحبابه تربه |
وليس له عمل يرتجى |
|
ولكنه يرتجي ربّه |
رجع إلى نظم ابن سعيد المترجم به ، فنقول : [بحر الكامل]
وقال لما سار المعظم من حصن كيفا ، وآل أمره إلى الملك ، ثم القتل والهلك : [بحر الكامل]
ليت المعظم لم يسر من حصنه |
|
يوما ولا وافى إلى أملاكه |
__________________
(١) العذار.
(٢) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.
(٣) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.
(٤) السافية : الريح التي تحمل التراب وتنثره.