بها أثافيّ القدور (١) ، ولقد كان أهلها يعفون آثار الرياح فعفت الرياح آثارهم ، وذهبت بأبدالهم وأبقت أخبارهم ، والعهد قريب ، واللقاء بعيد.
وقال عمر بن أبي ربيعة فأحسن (٢) : [السريع]
يا دار أمسى دارسا رسمها |
|
وحشا قفارا ما بها آهل |
قد جرّت الرّيح بها ذيلها |
|
واستنّ في أطلالها الوابل |
ومن كلام الفتح بن خاقان ، في قلائد العقيان ، يذكر آل عبّاد من فصل أكثر فيه التفجّع ، وأطال به التوجّع : والغصون (٣) تختال في أدواحها ، والأزاهر يحيي ميت الصبابة شذا أرواحها ، وأطيار الرياض (٤) قد أشرفت عليهم كثكالى ينحن على خرابها ، وانقراض أترابها ، والوهي بمشيدها لاعب ، وعلى كل جدار منها غراب ناعب ، وقد محت الحوادث ضياءها ، وقلصت ظلالها وأفياءها ، ولطالما أشرقت بالخلائف وابتهجت ، وفاحت من شذاهم وتأرّجت ، أيام نزلوا خلالها ، وتفيّؤوا ظلالها ، وعمروا حدائقها وجنّاتها ، ونبّهوا الآمال من سناتها ، وراعوا الليوث في آجامها ، وأخجلوا الغيوث عند انسجامها ، فأصبحت ولها [بالتداعي (٥)] تلفّع واعتجار ، ولم يبق من آثارها إلا نؤي (٦) وأحجار ، قد هوت (٧) قبابها ، وهرم شبابها ، وقد يلين الحديد ، ويبلى على طيه الجديد.
وقال أبو صخر القرطبي يذكر ذلك من أبيات ينعاهم بها : [الطويل]
ديار عليها من بشاشة أهلها |
|
بقايا تسرّ النّفس أنسا ومنظرا |
ربوع كساها المزن من خلع الحيا |
|
برودا وحلّاها من النّور جوهرا |
تسرّك طورا ثمّ تشجيك تارة |
|
فترتاح تأنيسا وتشجى تذكّرا |
ومن كلام أبي الحسن القاشاني يصف نادي رئيس خلا من ازدحام الملا وعوّضه الزمان من تواصل أحبابه هجوا وقلا :
__________________
(١) الأثافي : جمع أثفية ، وهي الحجر الذي يوضع عليه القدر.
(٢) ديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٣٠١.
(٣) في ج : والقصور.
(٤) في قلائد العقيان : وآثار الديار.
(٥) زيادة من القلائد.
(٦) النؤي : حفرة حول الخيمة تمنع السيل.
(٧) في ه : قد وهت قبابها.