وهو من الأئمة المشهورين بالمشرق والمغرب ، قال رحمه الله تعالى : أنشدني رئيس الأندلس وأديبها أبو الحسن سهل بن مالك الأزدي الغرناطي لنفسه سنة ٦٣٧ في شوّال بداره بغرناطة (١) : [البسيط]
منغّص العيش لا يأوي إلى دعة |
|
من كان ذا بلد أو كان ذا ولد |
والسّاكن النّفس من لم ترض همّته |
|
سكنى مكان ولم يسكن إلى أحد |
٦٣ ـ ومنهم الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتّوح بن عبد الله الأزدي الحميدي ، نسبة لجده حميد الأندلسي (٢).
ولد أبوه بقرطبة ، وولد هو بالجزيرة بليدة بالأندلس ، قبل العشرين وأربعمائة ، وكل يحمل على الكتف للسماع سنة ٤٢٥ ، فأول ما سمع من الفقيه أبي القاسم أصبغ ، قال : وكنت أفصح من يقرأ عليه ، وكان قد لقي ابن أبي زيد وقرأ عليه وتفقه ، وروى عنه رسالته ومختصر المدوّنة ، ورحل سنة ٤٤٨ ، وقدم مصر وسمع بها من الضّرّاب والقضاعي (٣) وغير واحد ، وكان سمع بالأندلس من ابن عبد البر وابن حزم ولازمه وقرأ عليه مصنفاته وأكثر من الأخذ عنه ، وشهر بصحبته وصار على مذهبه إلا أنه لم يكن يتظاهر به ، وسمع بدمشق وغيرها ، وروى عن الخطيب البغدادي وكتب عنه أكثر مصنفاته ، وسمع بمكة من الزنجاني ، وأقام بواسط مدّة بعد خروجه من بغداد ، ثم عاد إلى بغداد واستوطنها وكتب بها كثيرا من الحديث والأدب وسائر الفنون ، وصنف مصنفات كثيرة ، وعلق فوائد ، وخرج تخاريج للخطيب ولغيره ، وروى عنه أبو بكر الخطيب أكثر مصنفاته وابن ماكولا ، وكان إماما من أئمة المسلمين في حفظه ومعرفته وإتقانه وثقته وصدقه ونبله وديانته وورعه ونزاهته ، حتى قال بعض الأكابر ممن لقي الأئمة : لم تر عيناي مثل أبي عبد الله الحميدي في فضله ونبله ونزاهة نفسه وغزار علمه وحرصه على نشر العلم وبثه في أهله ، وكان ورعا ثقة إماما في علم الحديث وعلله ومعرفة متونه ورواته ، محققا في علم الأصول على مذهب أصحاب الحديث ، متبحّرا في علم الأدب والعربية ، ومن تصانيفه كتاب «جذوة المقتبس ، في أخبار علماء الأندلس» وكتاب «تاريخ الإسلام» وكتاب «من ادعى الأمان ، من أهل الإيمان» وكتاب «الذهب المسبوك ، في وعظ
__________________
(١) كان من أعيان مصره ، تفننا في العلوم ، وبراعة في المنثور والمنظوم ، محدثا ضابطا عدلا ، ثقة ، ثبتا ، مجوّدا للقرآن ، متقدما في العربية ، وافر النصيب من الفقه والأصول ، كاتبا ، مجيد النظم (بغية الوعاة ج ١ ص ٦٠٥) ولقد ورد التبيان في البغية.
(٢) انظر في ترجمته : شذرات الذهب ج ٣ ص ٣٩٢. وتذكرة الحفاظ : ١٢١٨ ، والصلة ص ٥٣٠.
(٣) في ج : القراعي.