برئت ممّن شرى دنيا بآخرة |
|
وقال : إنّ رسول الله قد كتبا |
فصنف أبو الوليد رحمه الله تعالى رسالة بيّن فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة. فرجع بها جماعة ؛ إذ ليس من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أمّيا لأنه لا يسمّى كاتبا ، وجماعة من الملوك قد أدمنوا على كتابة العلامة وهم أمّيون ، والحكم للغالب لا للصور النادرة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : «إنّا أمّة أمّيّون» أي : أكثرهم كذلك ، لندور الكتابة في الصحابة ، وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) [الجمعة : ٢] انتهى ، وبعضه بالمعنى.
وذكر ابن بسّام أن أبا الوليد الباجي نشأ وهمته في العلم ، وأنه بدأ بالأدب ، فبرز في ميادينه ، وجعل الشعر بضاعته ، فنال به من كل الرغائب ، ثم رحل فما حل بلدا إلا وجده ملآن بذكره (١) ، نشوان من قهوتي نظمه ونثره (٢) ، فمال إلى علم الديانة ، فمشى بمقياس ، وبنى على أساس ، حتى صار كثير من العلماء يسمعون منه ، ويرتاحون للأخذ عنه ، ثم كر واستقضي في طريقه بحلب ، فأقام بها نحوا من عام.
قال : وبلغني عن ابن حزم أنه كان يقول : لو لم يكن لأصحاب المذهب المالكي بعد عبد الوهاب إلا مثل أبي الوليد الباجي لكفاهم.
وصنف أبو الوليد كتبا كثيرة منها كتاب «التسديد ، إلى معرفة التوحيد» وكتاب «سنن المنهاج ، وترتيب الحجاج» وكتاب «إحكام الفصول ، في أحكام الأصول» وكتاب «التعديل والتجريح ، لمن خرّج عنه البخاري في الصحيح» وكتاب «شرح الموطأ» وهو نسختان : نسخة سماها الاستيفاء ، ثم انتقى منها فوائد سماها «المنتقى» في سبع مجلدات ، وهو أحسن كتاب ألف في مذهب مالك ، لأنه شرح فيه أحاديث الموطأ ، وفرع عليها تفريعا حسنا ، وأفرد منه شيئا سماه «الإيماء» ، وقال بعضهم : إنه صنف كتاب «المعاني ، في شرح الموطأ» فجاء عشرين مجلدا عديم النظير ، وكان أيضا صنف كتابا كبيرا جامعا. بلغ فيه الغاية سماه «الاستيفاء» وله كتاب «الإيماء» في الفقه ، خمس مجلدات ، انتهى.
ومن تصانيفه «مختصر المختصر» في مسائل المدونة ، وله كتاب «اختلاف الموطأ» وكتاب «الإشارة ، في أصول الفقه» وكتاب «الحدود» وكتاب «سنن الصالحين» وكتاب «التفسير» لم يتمه ، وكتاب «شرح المنهاج» وكتاب «التبيين ، لسبيل المهتدين» في اختصار فرق الفقهاء ، وكتاب «السراج» في الخلاف ، ولم يتم ، وغير ذلك.
__________________
(١) كناية عن ذيوع صيته.
(٢) القهوة : الخمر.