وقال ابن ماكولا في حقه : إنه فقيه ، متكلم ، أديب ، شاعر ، سمع بالعراق ، ودرس الكلام وصنف إلى أن مات ، وكان جليلا رفيع القدر والخطر.
وقال غير واحد : إنه ولد سنة ٤٠٣ ، وارتحل سنة ٤٢٦ ، وجاور ثلاثة أعوام ملازما لأبي ذر الهروي (١) الحافظ يخدمه ، ورحل إلى بغداد ودمشق ، ولقي في رحلته غير واحد ، وتفقه بالقاضي أبي الطيب الطّبري وغيره.
وقال أبو علي بن سكرة : ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي ، وما رأيت أحدا على هيئته وسمته وتوقير مجلسه ، ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم ، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشاشي ، فقلت له : أدام الله تعالى عزك! هذا ابن شيخ الأندلس ، فقال : لعله ابن الباجي ، فقلت : نعم ، فأقبل عليه.
قال القاضي عياض : وكثرت القالة في القاضي أبي الوليد لمداخلته الرؤساء ، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره ، وكان يبعث إلى تلك النواحي خلفاءه ، وربما أتاها المرة ونحوها ، وكان في أول أمره مقلا حتى احتاج إلى القصد بشعره ، واستأجر نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته مستفيضا لحراسة درب ، وقد جمع ابنه شعره.
قال : ولما قدم الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة ، إلا أنه كان خارجا عن المذهب ، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه ، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه ، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل ، وحل بجزيرة ميورقة ، فرأس فيها ، واتبعه أهلها ، فلما قدم أبو الوليد كلموه في ذلك ، فدخل إليه ، وناظره وشهر باطله ، وله معه مجالس كثيرة.
ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه ، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر الصائغ وكفره بإجازة الكتب (٢) على الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم ، وأنه تكذيب للقرآن ، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام ، حتى أثاروا عليه الفتنة وقبّحوا عليه عند العامة ما أتى به ، وتكلم به خطباؤهم في الجمع ، وقال شاعرهم : [البسيط]
__________________
(١) الهروي : غير موجودة في ب.
(٢) الكتب ، بفتح الكاف وسكون التاء : مصدر كتب يكتب ؛ والموضوع الذي يدور عليه الكلام هو ما حدث في صلح الحديبية حين كتب علي «هذا ما صالح عليه رسول الله» فقال سهيل بن عمرو : لو شهدت أنك رسول الله ما حاربتك ، اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمر النبي عليا أن يمحو كلمة «رسول الله» ويكتب مكانها «محمد بن عبد الله» فأكبر علي ذلك ، فأخذ منه رسول الله الرق ، وكتب بيده اسمه ومعلوم أنه أمّي ، والأمي لا يقرأ ولا يكتب.