سعيد قال : خرجت مع الشريف الأصمّ القرطبي إلى بسيط الجزيرة الخضراء ـ وقد تدبج بالنوار (١) ـ فلما حركنا حسن المكان ، وتشوقنا إلى الأركان (٢) ، قال الشريف : لقد ذكرني هذا البسيط بسيط فحص السرادق ، فقلت له : فهل ثار في خاطركم نظم فيه؟ قال : نعم ، ثم أنشد : [الطويل]
ألا فدعوا ذكر العذيب وبارق |
|
ولا تسأموا من ذكر فحص السّرادق(٣) |
||
مجرّ ذيول السّكر من كلّ مترف |
|
ومجرى الكؤوس المترعات السّوابق(٤) |
||
قصرت عليه اللّحظ ما دمت حاضرا |
|
وفكري في غيب لمرآه شائقي |
||
أيا طيب أيّام تقضّت بروضة |
|
على لمح غدران وشمّ حدائق |
||
إذا غرّدت فيها حمائم دوحها |
|
تخيّلتها الكتّاب بين المهارق |
||
وما باختيار الطّرف فارقت حسنها |
|
ولكن بكيد من زمان منافق |
||
قال أبو جعفر : فلما سمعت هذا الشعر لم أتمالك من الاستعبار (٥) ، وحركني ذلك إلى أن قلت في حوز مؤمل (٦) سيد منتزهات غرناطة ، ولم يذكر هنا ما قاله فيه ، وذكره في موضع آخر لم يحضرني الآن حتى أورده هنا ، والله أعلم.
ومن منتزهات قرطبة السّدّ ، قال ابن سعيد : أخبرني والدي أن الشاعر المبرز أبا شهاب المالقي أنشده لنفسه واصفا يوم راحة بهذا السّد : [الطويل]
ويوم لنا بالسّدّ لو ردّ عيشه |
|
بعيشة أيّام الزّمان رددناه |
||
بكرنا له والشّمس في خدر شرقها |
|
إلى أن أجابت ، إذ دعا الغرب ، دعواه |
||
قطعناه شدوا واغتباقا ونشوة |
|
ورجع حديث لو رقى الميت أحياه(٧) |
||
على مثله من منزه تبتغى المنى |
|
فلله ما أحلى وأبدع مرآه |
||
شدتنا به الأرحا وألقت نثارها |
|
علينا فأصغينا له وقبلناه |
||
__________________
(١) في ب : بالأنوار.
(٢) في نسخة : إلى الأوطان ، وهو أفضل مما جاء في بقية النسخ.
(٣) العذيب وبارق : مكانان.
(٤) المترعات : المليئة.
(٥) الاستعبار : البكاء.
(٦) في ب : في جور مؤمل.
(٧) الاغتباق : شرب الغبوق. ورقى المريض : داواه بالرقية ، وهي كلام وأساليب تستعمل لشفاء المرضى.