محلّ ارتياح يذكر الخلد طيبه |
|
إذا عزّ أن يصدى الفتى فيه أو يضحى(١) |
هناك الجمام الزّرق تندى حفافها |
|
ظلال عهدت الدّهر فيها فتى سمحا(٢) |
تعوّضت من شدو القيان خلالها |
|
صدى فلوات قد أطار الكرى صبحا |
ومن حملي الكأس المفدّى مديرها |
|
تقحّم أهوال حملت لها الرّمحا |
أجل إنّ ليلي فوق شاطىء بيطة |
|
لأقصر من ليلي بآنة فالبطحا(٣) |
وهذه معاهد بني أمية قطعوا بها ليالي وأياما ، وظلت فيها الحوادث عنهم نياما ، فهاموا بشرق العقاب ، وشاموا به برقا يبدو من نقاب ، ونعموا بجوفيّ الرّصافة ، وطمعوا عيشا تولى الدهر جلاءه وزفافه ، وأبعدوا نصح الناصح ، وحمدوا أنس محبس (٤) ناصح ، وعموا بالزهراء ، وصمّوا عن نبأ صاحب الزوراء ، حتى رحلهم الموت عنها وقوّضهم ، وعوّضهم منها ما عوّضهم ، فصاروا أحاديث وأنباء ، ولم يتزودوا منها إلا حنوطا وكباء ، وغدت تلك المعاهد تصافحها أيدي الغير ، وتناوحها نعبات الطير ، وراحت بعد الزينة سدى ، وأمست مسرحا للبوم وملعبا للصّدى ، يسمع للجنّ بها عزيف ، ويصرع فيها البطل الباسل والنزيف ، وكذا الدنيا أعمالها خراب ، ومآلها آل وسراب (٥) ، أهلكت أصحاب الأخدود ، وأذهبت ما كان بمأرب من حيازات وحدود ، انتهى.
وقال الفتح بعد كلام ما صورته : ولما عضّته أنياب الاعتقال ، ورضّته تلك النوب الثقال ، وعوّض بخشانة العيش من اللين ، وكابد قسوة خطب لا تلين ، تذكر عهد عيشه الرقيق ، ومرحه بين الرّصافة والعقيق ، وحنّ إلى سعد زرّت عليه جيوبه ، واستهدى نسيم عيش طاب له هبوبه ، وتأسّى بمن باتت له النوائب بمرصاد ، ورمته بسهام ذات إقصاد وضيم من عهد الأحصّ إلى ذات الإصاد (٦) فقال (٧) : [الخفيف]
__________________
(١) يصدى : يعطش. يضحى : يتعرض لحر الشمس.
(٢) الجمام : جمع جمة ؛ وهي مكان اجتماع الماء.
(٣) في الديوان : شاطىء نيطة.
(٤) في ب : مجلس ناصح.
(٥) في ب ، ه : وآمالها. والآل ، والسراب بمعنى واحد ، وهو ما يحسبه الإنسان في الصحراء ماء ، وإنما هو انعكاس أشعة الشمس على الرمال.
(٦) الأحص : مكان بنجد كان يحميه كليب وائل. وذات الإصاد : من بلاد فزارة والذي ضيم في الأحص. وذات الإصاد بنو مرة ، ثم ثأروا بقتل كليب.
(٧) ديوان ابن زيدون ص ١٢٣.