الثاني : أن يكون في مقابلته عوض للمتألّم يزيد على الألم ، بحيث لو عرض على المتألّم الألم والعوض اختار الألم ، وإلّا لزم الظلم والجور من الله سبحانه على عبيده ؛ لأنّ إيلام الحيوان وتعذيبه على غير ذنب ولا لفائدة تصل إليه ظلم وجور ، وهو على الله تعالى محال (١).
وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فجوّزوا أن يؤلم الله عبده بأنواع الألم من غير جرم ولا ذنب لا لغرض وغاية ولا يوصل إليه العوض ، ويعذّب الأطفال والأنبياء والأولياء من غير فائدة ولا يعوّضهم على ذلك بشيء ألبتّة (٢) ، مع أنّ العلم الضروري حاصل لنا بأنّ من فعل من البشر مثل هذا عدّه العقلاء ظالما جائرا سفيها.
فكيف يجوز للإنسان نسبة الله تعالى إلى مثل هذه النقائص ولا يخشى ربّه؟!
وكيف لا يخجل منه غدا يوم القيامة إذا سألته الملائكة يوم الحساب :
هل كنت تعذّب أحدا من غير استحقاق ولا تعوّضه عن ألمه عوضا يرضى به؟!
فيقول : كلّا ، ما كنت أفعل ذلك.
فيقال له : كيف نسبت ربّك إلى هذا الفعل الذي لم ترضه لنفسك؟!
* * *
__________________
(١) الذخيرة في علم الكلام : ٢٣٩ ، تقريب المعارف : ١٣٧ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٥٠ ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٣٠.
(٢) اللمع في الرّد على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٦ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٢ ـ ٣٨٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٤٤ ، المواقف : ٣٣٠.