الأولى تكون حقيقة من الثانية إذا حصلت المخالفة للتكليف ؛ لأنّ المخالفة لا بدّ أن تكون بنقيض المطلوب ، فيكون التكليف بالمطلوب راجعا إلى التكليف بالجمع بينه وبين نقيضه ، بل قد يرجع إلى التكليف بالجمع بين الضدّين أيضا.
مثلا : إذا كلّف الكافر بالإيمان ، والحال أنّ كفره لازم لتعلّق الإرادة الإلهيّة به ، يكون مكلّفا بأن يجمع الضدّين : الإيمان والكفر ، والنقيضين : الإيمان وعدمه ، وكلاهما ممتنع لنفس مفهومه.
وأمّا قوله : « فهذا محلّ النزاع » ..
ففيه ما لا يخفى ؛ لأنّه في المرتبتين الأوليين ـ أيضا ـ محلّ النزاع بيننا وبينهم.
أمّا الأولى : فلما عرفت أنّهم يجوّزونه فيها وقالوا بوقوعه ، ونحن نمنع من جوازه ووقوعه أصلا ؛ لأنّ محلّ التكليف مطاق عندنا في هذه المرتبة.
وأمّا الثانية : فلأنّا نمنع منه في غيرها ـ فضلا عنها ـ وهم يجوّزونه فيها ؛ لأنّهم يقولون ـ كما ذكر الخصم ـ : إنّ التكليف بهذا القسم الثاني فرع تصوّره ، فمن يقول بتصوّره لا يمنع من التكليف به ، ومن ينكر تصوّره لا يمنع من التكليف به من حيث هو ، وإنّما يمنع منه لعدم إمكان تصوّر الممتنع لذاته لا لعدم جواز التكليف بما لا يطاق.
ولا أدري كيف لا يمكن تصوّره ، فهل يمتنع تصوّره على الباري تعالى أو على عباده؟!
وأمّا تعليله لعدم الجواز في المرتبة الثانية بقوله : « التكليف بالممتنع طلب تحصيل ما لم يمكن بالذات » ، فممّا لا يرضى به الأشاعرة ؛ لأنّه ليس