لكونها (١) بمنزلة العلّة الفاعليّة للنّعمة ، لأنّ النّعمة منها تصدر وتصل إلى المقصود بها [و] كاليد في [القدرة (٢)] لأنّ أكثر ما يظهر سلطان القدرة يكون في اليد ، وبها تكون الأفعال الدالّة على القدرة من البطش والضّرب والقطع والأخذ ، وغير ذلك (٣) ، [والرّاوية] الّتي هي في الأصل اسم للبعير (٤) الّذي يحمل المزادة إذا استعملت [في المزادة] ، أي المزود (٥) الّذي يجعل فيه الزّاد ، أي الطّعامّ المتّخذ للسّفر ، والعلاقة كون البعير حاملا لها ، وبمنزلة العلّة المادّيّة (٦).
________________________________________________________
(١) أي اليد بمعنى الجارحة لا بمعنى اللّفظ ، ففيه استخدام.
(٢) أي كاليد إذا استعملت في القدرة كما في قولك : للأمير يد ، أي قدرة ، فإنّ استعمالها فيها مجاز مرسل ، وذلك لأنّ الآثار تظهر باليد غالبا ، مثل الضّرب والبطش والقطع والأخذ والدّفع والمنع ، فينتقل من اليد إلى الآثار الظّاهرة بها ، ومن الآثار إلى القدرة الّتي هي أصلها ، فهي مجاز عن الآثار ، من إطلاق اسم السّبب على المسبّب والآثار يصحّ إطلاقها مجازا على القدرة من إطلاق اسم المسبّب على السّبب ، فالعلاقة في إطلاق اليد على القدرة كون اليد كالعلّة الصّوريّة للقدرة وآثارها ، إذ لا تظهر القدرة وآثارها إلّا باليد ، كما لا يظهر المصوّر إلّا بصورته ، فرجعت العلاقة هنا إلى معنى السّببيّة ، وما في قوله : «لأنّ أكثر ما يظهر سلطان القدرة» مصدريّة ، والمعنى لأنّ أكثر ظهور سلطان القدرة ، وتأثيرها يكون باليد.
(٣) أي كالدّفع والمنع ، وحاصل الكلام في المقام أنّ الأفعال الدالّة على القدرة لمّا كانت لا تظهر إلّا باليد صارت القدرة وآثارها كلّ منهما لا يظهر إلّا باليد ، وإن كان ظهور أحدهما مباشرة ، والآخر بواسطة ، وحيث كان كلّ منهما لا يظهر إلّا باليد صارت اليد كالعلّة الصّوريّة لهما.
(٤) أي البغل والحمار الّذي يستقى عليه ، والعامّة تسمّي المزادة راوية ، وذلك جائز على الاستعارة كما في الصحّاح.
(٥) وقيل إنّ تفسير المزادة بالمزود خطأ ، لأنّ المزادة ظرف الماء الّذي يستقى به على الدّابّة ، أمّا المزود فظرف الطّعامّ ، والرّاوية إنّما تستعمل عرفا في المزادة لا في المزود.
(٦) أي قوله : «بمنزلة العلّة المادّيّة» عطف على قوله : «حاملا لها» ، أي والعلاقة كون البعير حاملا لها ، فالعلاقة هي المجاورة ، وبمنزلة العلّة المادّيّة لأنّه لا وجود لها بوصف كونها مزادة في العادة إلّا بحمل البعير لها ، فيكون توقّفها بهذا الوصف على البعير ، كتوقّف الصّورة على المادّة ، فالعلاقة حينئذ هي مطلق السّببيّة.