[ولأنّ نيل الشّيء (١) بعد طلبه ألذّ] وموقعه (٢) في النّفس ألطف ، وإنّما (٣) يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقّته أو ترتيب بعض المعاني على بعض (٤) ، وبناء ثان (٥) على أوّل ، وردّ تال إلى سابق ، فيحتاج إلى نظر وتأمّل (٦).
________________________________________________________
(١) أي حصول الشّيء بعد طلبه ألذّ من حصوله بلا طلب ، إذ حصول ما يحرّك الشّوق إليه فيه لذّتان ، أي لذّة حصوله لحسنه لذاته ، ولذّة دفع ألم الشّوق إليه بخلاف ما يحصل بلا طلب ، وحيث إنّ المعنى الغريب المذكور لا يحصل عادة إلّا بعد الطّلب والشّوق إليه فيكون ألذّ.
(٢) أي مكانته ومنزلته في النّفس ألطف ، أي أحسن وأحلى.
(٣) جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ الغرابة تقتضي عدم الظّهور وخفاء المراد لاقتضائها قلّة الوجود المقتضية لعدم إدراك كلّ أحد ، فيحتاج إلى مزيد التّأمّل والنّظر ، ولا شكّ أنّ عدم الظّهور وخفاء المراد يوجب التّعقيد ، وقد تقدّم في أوّل الكتاب أنّه مخلّ بالفصاحة ، والإخلال بالفصاحة يخلّ بالبلاغة ، وحينئذ فلا تكون الغرابة موجبة لبلاغة التّشبيه ، فبطل قول المصنّف والتّشبيه البليغ ما كان من هذا الضّرب.
وحاصل الجواب : إنّ الخفاء ، وعدم الظّهور تارة ينشأ عن لطف المعنى ودقّته ، وهذا محقّق للبلاغة ، وهو المراد هنا ، تارة ينشأ عن سوء تركيب الألفاظ ، وعن اختلال الانتقال من المعنى الأوّل إلى المعنى الثّاني ، وهذا هو المحقّق للتّعقيد المخلّ بالفصاحة ، كما في قوله :
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا |
|
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه |
على ما تقدّم تقريره في محلّه.
(٤) أي كالتّرتيب في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(١) الآية ، فإنّ خضرة النّبات مرتّبة على الماء ، واليبس مرتّب على الخضرة.
(٥) قوله : «وبناء ثان» عطف على «ترتيب بعض المعاني على بعض» عطف تفسير ، أو عطف لازم على ملزوم ، وكذا قوله : «ردّ تال إلى سابق».
(٦) أي فيحتاج إلى نظر ، وتأمّل ثان حتّى يصادف ما فيه من الخصوصيّات والمزايا ،
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٥.