في أنّه يشوبه شيء من المناسبة [كقولك بعد حمد الله ـ أمّا بعد] فإنّه كان كذا وكذا (١) ، فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثّناء إلى كلام آخر من غير ملاءمة بينهما ، لكنّه يشبه التّخلّص حيث لم يؤت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله ، بل قصد نوع من الرّبط على معنى مهما يكون من شيء بعد الحمد والثّناء فإنّه كان كذا وكذا [قيل وهو] أي قولهم بعد حمد الله ـ أمّا بعد ـ هو [فصل الخطاب].
قال ابن الأثير : والّذي أجمع عليه المحقّقون من علماء البيان أنّ فصل الخطاب هو ـ أمّا بعد ـ لأنّ المتكلّم يفتتح كلامه في كلّ أمر ذي شأن بذكر الله تعالى وتحميده ، فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض المسوق له فصّل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله : ـ أمّا بعد (٢) وقيل : فصل الخطاب ، معناه الفاصل من الخطاب ، أي الّذي يفصل بين الحقّ والباطل ، على أنّ المصدر بمعنى الفاعل ، وقيل المفصول من الخطاب ، وهو الّذي يتبيّنه من يخاطب ، أي يعلمه بيّنا لا يلتبس عليه ، فهو بمعنى المفعول [وكقوله تعالى :] عطف على قولك بعد حمد الله ، يعني من الاقتضاب القريب من التّخلّص ما يكون بلفظ ـ هذا ـ كما في قوله تعالى ، بعد ذكر أهل الجنّة [(هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)(١)] ، فهو اقتضاب فيه نوع مناسبة وارتباط ، لأنّ الواو للحال ، ولفظ هذا إمّا خبر
________________________________________________________
(١) أي فإنّ فيه شائبة من المناسبة ، وهو اقتضاب من جهة أنّه انتقال من الحمد والثّناء إلى كلام آخر بلا ربط معنوي ، ولا ملائمة بين الطّرفين ، ووجه وجود شيء من شائبة المناسبة فيه أنّه لم يؤت معه بالكلام الثّاني فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بين الطّرفين.
(٢) والحاصل إنّ لفظ أمّا بعد ، كما تقدّم في ديباجة الكتاب ، بمعنى أن يقع في الدّنيا شيء وقع مني كذا وكذا ، فمعنى الكلام أنّ ذلك الكذا مربوط بكلّ شيء وواقع على وجه اللزّوم واليقين بعد الحمد والثّناء ، لأنّهما شيء من الأشياء ولما كان معنى الكلام هذا ، فأفاد ارتباط ما بعد أمّا به ، فلا يقال : إنّه لم يرتبط بما قبله ، أي بأمّا بعد ، فأشبه التّخلّص فكان قريبا من التّخلّص.
__________________
(١) سورة ص : ٥٥.