مطلع قصيدة لأبي الطّيّب ، والعذيب وبارق موضعان ، وـ ما بين ـ ظرف للتّذكّر ، أو للمجر والمجرى اتّساعا في تقديم الظّرف على عامله المصدر أو ـ ما بين ـ مفعول تذكّرت ، ومجر بدل منه ، والمعنى أنّهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين ، وكانوا يجرون الرّماح عند مطاردة الفرسان ، ويسابقون على الخيل ، فالشّاعر الثّاني أراد بالعذيب تصغير العذب ، يعني شفة الحبيبة ، وببارق ثغرها التّشبيه بالبرق ، وبما بينهما ريقها ، وهذا توريّة ، وشبه تبختر قدّها بتمائل الرّمح ، وتتابع دموعه بجريان الخيل السّوابق ، [ولا يضرّ] في التّضمين [التّغيير اليسير] لما قصد تضمينه ، ليدخل في معنى الكلام ، وكقول الشّاعر في يهودي به داء الثّعلب (١) :
أقول لمعشر غلطوا وغضوا |
|
من الشّيخ الرّشيد وأنكروه |
هو ابن جلا وطلاع الثّنايا |
|
متى يضع العمامة تعرفوه (٢) |
البيت لسحيم بن وثيل ، وهو ـ أنا ابن جلا ـ على طريقة التّكلّم ، فغيّره إلى طريقة الغيبة ، ليدخل في المقصود [وربّما سمّي تضمين البيت فما زاد] على البيت (٣) ،
________________________________________________________
وأخذ هذا الشّاعر المصراع الأوّل منه ، وجعله مصراعا ثانيا لبيته الأوّل ، وأخذ المصراع الثّاني منه ، وجعله مصراعا ثانيا لبيته الثّاني ، فاشتمل كلّ من المصراعين على التّوريّة والتّشبيه ، حيثما يأتي في كلام التفتازاني حيث أراد أبو الطّيّب من (العذيب وبارق) معنييهما القريبين ، أي الموضعين المعروفين فهذا الشّاعر أراد في تضمينه بالعذيب وبارق معنييهما البعيدين ، لأنّه جعل العذيب تصغيرا للعذب ، وعنى به شفة الحبيبة ، وببارق ثغرها الشّبيه بالبرق ، وبما بينهما ريقها ، وشبّه تبختر قدّها بتمايل الرّمح ، وجريان دمعة الشّاعر بجريان الخيل السّوابق ، فزاد هذا الشّاعر أبي الطّيّب بهذه النّكتة ، أي التّوريّة والتّشبيه ، فصار أحسن.
(١) هو مرض يسقط الشّعر من الرّأس فيصير أقرع.
(٢) هما لضياء الدّين موسى بن ملهم ، الكاتب من شعراء الدّولة العباسيّة ، واليهودي هو الرّشيد عمر الفوّي ، و «غضّوا» مأخوذ من غضّ البصر. وحاصل المراد : أنّ النّاس غلّطوا ، ولم يعرفوا هذا اليهودي الأقرع الّذي أظهر رأسه الّذي لا شعر عليه ليعرفوه. وأمّا الشّاهد في قول سحيم فبيّنه التفتازاني بقوله : «فغيّره» سحيم إلى طريق الغيبة ليدخل في المقصود ، وقد كان في الأصل بطريق التّكلّم ، في : أنا وأضع.
(٣) كتضمين بيتين أو أكثر استعانة.