والأحسن أن يكون ـ هو ـ عائدا إلى حاضر في الذّهن (١) ، وهو مبتدأ خبره الصّنع والشّرطيّة ابتداء كلام ، وهذا (٢) كقول أبي العلاء :
هو (٣) الهجر حتّى ما يلمّ خيال (٤) |
|
وبعض صدود الزّائرين وصال |
وهذا (٥) نوع من الإعراب لطيف لا يكاد يتنبّه له إلّا الأذهان الرّاضّة (٦) من أئمّة الإعراب ، [وقول أبي الطّيّب : ومن الخير بطء سيبك] أي تأخّر عطائك [عنّي أسرع السّحب في المسير الجهام (٧)]
________________________________________________________
(١) أي الأفضل أن يكون ضمير «هو» راجعا إلى ما هو متعقّل في الذّهن ، يفسّره ما أخبر به عنه ، ولا يصحّ أن يكون للشّأن لأنّ خبره مفرد.
(٢) إشارة إلى الإعراب الثّاني ، وهو عدم كون الضّمير للشّأن.
(٣) والشّاهد في أنّه لا يصحّ أن يكون الضّمير هنا للشّأن ، إذ خبر ضمير الشّأن جملة ، ولا جملة في قوله : «هو الهجر ...».
(٤) يلمّ بمعنى ينزل ، والمعنى حتّى ما ينزل خيال من المهاجر ، وإنّما كان بعض صدود الزّائرين وصالا ، لأنّ فيه لقاء على كلّ حال.
(٥) أي هذا الإعراب ، أعنى جعل الضّمير عائدا على حاضر في الذّهن «لطيف ...».
(٦) أي المرتاضة والممارسة لصناعة الإعراب.
والحاصل إنّ الضّمير في بيت أبي تمّام يحتمل أن يكون ضمير الشّأن ، ويحتمل أن يكون عائدا على متعقّل في الذّهن ، وأمّا في بيت أبي العلاء فيتعيّن أن يكون عائدا على متعقّل في الذّهن ، ولا يجوز أن يكون ضمير الشّأن ، لأنّ ما بعده لا يصلح للخبريّة عنه ، لأنّه مفرد ، وضمير الشّأن إنّما يخبر عنه بجملة ، هذا تمّام الكلام في بيت أبي تمّام ، وأمّا الكلام الثّاني فهو قول أبي الطّيّب ومن الخير بطوء سيبك ، أي تأخّر عطائك «عنّي أسرع السّحب في المسير الجهام».
(٧) بفتح الجيم ، أي السّحاب الّذي لا ماء فيه ، والشّاهد في أنّه قد اشترك البيتان في المعنى ، أي في أن تأخّر العطاء يكون خيرا وأنفع ، ولكن بيت أبي الطّيّب أبلغ وأجود ، لأنّه زاد حسنا بضرب المثل له بالسّحاب ، فكأنّه دعوى ببيّنة وبرهان ، إذ كأنّه يقول : العطاء