[كالتّوبيخ في قول الخارجيّة : أيا شجر الخابور] هو نهر من ديار بكر [ما لك مورقا] ، أي ناضرا ذا ورق كأنّك لم تجزع على ابن طريف. والمبالغة في المدح ، كقوله : (١)
ألمع برق سريّ أم ضوء مصباح |
|
أم ابتسامتها بالمنظر (٢) الضّاحي |
________________________________________________________
فتكون أستر. وأمّا النّكتة فهي كالتّوبيخ في قول الخارجيّة هي ليلى بنت طريف ترثي أخاها الوليد ، حين قتله يزيد بن المزيد الشّيباني
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنّك لم تجزع على ابن طريف |
قال في معجم البلدان : الخابور اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة ، وقال فيه أيضا : ديار بكر ، هي بلاد كبيرة واسعة تنسب إلى بكر بن وائل.
والشّاهد إنّ الشّاعرة تعلم أنّ الشّجر لم يجزع على ابن طريف ، لأنّ الجزع لا يكون إلّا من العاقل ، لكنّها تجاهلت ، فأظهرت أنّه من ذوي العقول ، وأنّه يجزع عليه جزعا يوجب ذبوله ، وأنّه لا يخرج ورقه ، فاستعملت لفظ كأنّ الدّال على الشّكّ في جزعه ، وإذا كان الشّجر يوبخ على عدم الجزع فغيره أحرى بأن يكون موبخا.
فالتّجاهل هنا المؤدّي لتنزيل غير العالم منزلة العالم ، صار وسيلة للتّوبيخ على كونه مورقا ناضرا لا ذابلا ، ووسيلة إلى ادّعاء أنّ مآثره بلغت إلى حيث تعلم بها الجمادات ، ولو لا ذلك التّنزيل والادّعاء لما حسن التّوبيخ.
(١) أي قول البحتري :
(٢) أراد بالمنظر الوجه ، والضّاحي هو الظّاهر حسّا ومعنى ، فإنّه يعلم أن ليس إلّا ابتسامتها ، فلما تجاهل وأظهر أنّه التبس عليه الأمر ، فلم يدر هل ذلك اللّمعان المشاهد من أسنانها عند الابتسام لمع برق سريّ أم هو ضوء مصباح ، أم هو ضوء ابتسامتها الكائنة في منظرها الضّاحي.
أفاد التّجاهل المنزّل منزلة الجهل غاية المدح ، وأنّها بلغت إلى حيث يتحيّر في الحاصل منها ، ويلتبس المشاهد منها.
وأمّا الشّاهد : فهو أنّ البحتري تجاهل ، وادّعى أنّه التبس عليه الأمر ، والدّليل على ذلك أنّه بالغ في مدح ابتسامتها حيث لم يفرق بينها وبين لمع البرق ، وضوء المصباح.