لقصد الكناية (١) أو التّورية ، وأراد بالألوان ما فوق الواحد (٢) بقرينة الأمثلة ، فتدبيج الكناية [نحو قوله : تردي] من تردّيت الثّوب ، أخذته رداء [ثياب الموت حمرا ، فما أتي+ لها] أي لتلك الثّياب [اللّيل الآن ، وهي من سندس خضر (٣)] يعني ارتدي الثّياب الملطخة بالدّم فلم ينقض يوم قتله ، ولم يدخل في ليلته إلّا ـ وقد صارت الثّياب من سندس خضر من ثياب الجنّة ، فقد جمع بين الحمرة والخضرة ، وقد قصد بالأوّل الكناية عن القتل ، وبالثّاني الكناية عن دخول الجنّة وتدبيج التّورية (٤).
كقول الحريري : فمذ اغبرّ العيش الأخضر (٥) وازورّ (٦) المحبوب الأصفر ، اسودّ (٧)
________________________________________________________
(١) أي لقصد الكناية بالكلام المشتمل على تلك الألوان ، وسيأتي المراد من التّورية.
(٢) أي ولو كان اثنين بقرينة ما يذكره من المثال الآتي ، وذلك بناء على ما هو المصطلح عند أهل الميزان من أنّ أقل الجمع عندهم ما فوق الواحد.
(٣) أي هذا البيت لأبي تمّام من قصيدة له في رثاء محمد بن حميد الطّائي ، ومعنى البيت أنّ المرثي لبس الثّياب الملطخة بالدّم حين قتل ، ولم يدخل عليه اللّيل حتّى صارت تلك الثّياب من السّندس وصارت خضرى ، فقد جمع بين لونين فقطّ.
والشّاهد إنّ حمرة الثّياب كناية عن القتل لاستلزامه إيّاه عرفا ، مع قرينة السّياق وخضرة الثّياب كناية عن دخول الجنّة ، لما علم من أنّ أهل الجنّة يلبسون الحرير الأخضر ، وصيرورة هذه الثّياب الخضر عبارة عن انقلاب حال ـ القتل إلى حال التّنعم بالجنّة.
(٤) والمراد من التّورية أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ، ويراد من اللّفظ ما هو المعنى البعيد.
(٥) خضرة العيش كناية عن طيبه ونعومته وكماله ، لأنّ اخضرار العود والنّبات يدلّ على طيبه ونعومته ، وكونه على أكمل ـ حال ـ فيكنّى به عن لازمه في الجملة ، الّذي هو الطّيب والحسن والكمال ، واغبرار العيش كناية عن ضيقه ونقصانه ، وكونه في حال التّلف ، لأنّ اغبرار النّبات والأرض يدلّ على الذّبول والتّغيّر ، فيكنّى به عن هذا اللّازم.
(٦) أي تباعد وأعرض عنّي «المحبوب الأصفر» ، الشّاهد هنا وسيأتي فانتظر.
(٧) اسوداد اليوم كناية عن ضيق الحال ، وكثرة الهموم فيه ، لأنّ اسوداد الزّمان كاللّيل يناسبه الهموم ، ووصفه بالبياض كناية عن سعة الحال والفرح والسّرور.