ذاهبا [إلى الحكم بالتّشابه] ليكون كلّ من الشّيئين مشبّها ومشبّها به (١) [احترازا من ترجيح أحد المتساويين] في وجه الشّبه (٢) [كقوله (٣) :
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي |
|
فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب |
فو الله ما أدري أبا الخمر أسبلت جفوني*] يقال أسبل الدّمع ، والمطر إذا هطل ، وأسبلت السّماء ، والباء في قوله : أبا لخمر ، للتّعدية ، وليست بزائدة على ما توهّم بعضهم [أم من عبرتي (٤) كنت أشرب]
________________________________________________________
(١) أي في المعنى.
(٢) أي ترك التّشبيه إلى الحكم بالتّشابه لأجل الاحتراز والتّباعد من إيهام ترجيح أحد المتساويين في وجه الشّبه بحسب قصده على الآخر من دون مرجّح ، وذلك لأنّ السّابق إلى الذّهن من التّشبيه المعروف أنّ قصد المتكلّم ترجيح المشبّه به على المشبّه في وجه الشّبه.
(٣) أي قول أبي إسحاق الصّابي.
(٤) شرح مفردات البيت «الدّمع» بالدّال والعين المهملتين كفلس ماء العين ، «جرى» ماض من الجرى ، «ومدامتي» الواو بمعنى مع ، ومدامة بضمّ الميم والدّالّ المفتوحة المهملة قسم من الخمر ، وإنّما سمّى بذلك لأنّه ليس شراب يستطاع إدامة شربه إلّا هو ، «فمن» الفاء للتّعليل ومن زائدة أو ابتدائيّة متعلّقة ب «تسكب» أي بسبب كون عيني تسكب دمعا ناشئا من مثل الخمر الّتي في الكأس.
«تسكب» بسكون السّين المهملة وضمّ الكاف والموحّدة مضارع من السّكب ، بمعنى الصّبّ ، «الجفون» بالضّمّ جمع جفن ، وهو غطاء العين من أعلى وأسفل ، «العبرة» بالعين والرّاء المهملتين بينهما موحّدة ماء العين.
والشّاهد في قوله : «تشابه دمعي ومدامتي» ، حيث قصد الشّاعر التّساوي بينهما ، فعدل من التّشبيه إلى التّشابه.
لا يقال : إنّ قوله : «من مثل» يدلّ على التّشبيه ، وقوله : «تشابه» يدلّ على التّشابه فبينهما تناقض.
لأنّا نقول : إنّ سبق تشابه قرينة على أنّه لم يرد بالمثل التّشبيه المعروف ، بل أريد به ما