لأنّ السّكّاكي نفسه قد فسّر الوضع (١) بتعيين اللّفظ بإزاء المعنى بنفسه (٢) ، وقال : وقولي بنفسه احتراز عن المجاز المعيّن بازاء معناه بقرينة : ولا شكّ أنّ دلالة الأسد على الرّجل الشّجاع إنّما هو بالقرينة (٣) ، فحينئذ (٤) لا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التّأويل ، وفي تعريف المجاز بالتّحقيق.
اللهمّ (٥) إلّا أن يقصد زيادة الإيضاح لا تتميم الحدّ ، ويمكن الجواب بأنّ السّكّاكي لم يقصد أنّ مطلق الوضع (٦) بالمعنى الّذي ذكره يتناول الوضع بالتّأويل ،
________________________________________________________
(١) أي فسّر الوضع المطلق ،
(٢) أي ليدلّ عليه بنفسه من غير قرينة.
(٣) أي لتدخل الاستعارة في تعريف المجاز.
(٤) أي فحين إذ كان الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بالتّأويل «لا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التّأويل» لإخراج الاستعارة ، وذلك لأنّه لا يقال إنّ الكلمة مستعملة فيما وضعت له إلّا إذا لم يكن هناك تأويل بأن استعملت فيما وضعت له تحقيقا ، فالاستعارة خارجة بقيد الوضع وقيد عدم التّأويل بعده غير محتاج إليه في إخراجها ، وكذلك لا حاجة لتقييد الوضع في تعريف المجاز بالتّحقيق لإدخال الاستعارة فيه ، وذلك لأنّه حيث قيل كلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له ينصرف الوضع المستفاد من الموضوعة إلى الوضع الحقيقي ، فيكون الوضع الحقيقي منفيّا فيبقى الوضع التّأويلي ، وهو الّذي للاستعارة ، وحينئذ فالاستعارة داخلة في التّعريف بقيد الوضع ، ولا حاجة إلى قيد التّحقيق بعده لإدخالها فيه.
(٥) أي هذا جواب من جانب السّكّاكي ، وحاصله أنّ قوله : «بالتّحقيق» في تعريف المجاز اللّغوي ، وقوله : «من غير تأويل» في تعريف الحقيقة اللّغويّة إنّما هو لزيادة الإيضاح والكشف ، أي ليتّضح المراد من الوضع كلّ الاتّضاح ، فقول السّكّاكي : «وقولي بالتّحقيق للاحتراز ...» معناه لزيادة ظهور الاحتراز الحاصل بالوضع ، لا أنّه لأصل ـ الاحتراز حتّى يكون ذلك القيد تتميما للحدّ لا لزيادة ـ الإيضاح. وردّ هذا الجواب بأنّ هذا لا يصحّ في كلام السّكّاكي لأنّه جعله للاحتراز لا لزيادة الإيضاح.
(٦) أي لم يقصد أنّ مطلق الوضع بمعنى تعيين اللّفظ بازاء المعنى بنفسه يتناول الوضع بالتّأويل أيضا حتّى لزم أن يكون القيد الأوّل قيد احتراز ، والثّاني قيد إدخال.