ووجه الشبّه (١) الاشتغال التّامّ وركوب المسالك (٢) الصّعبة فيه (٣) غير مبال بمهلكة (٤) ولا محترز عن معركة ، وهذا التّشبيه المضمر في النّفس استعارة بالكناية [فأثبت له] أي للصّبا بعض ما يخصّ تلك الجهة ، أعني [الأفراس والرّواحل] الّتي بها قوام جهة المسير (٥) والسّفر فإثبات الأفراس والرّواحل استعارة تخييليّة.
[فالصّبا] على هذا التّقدير (٦) [من الصّبوة (٧) بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة] يقال : صبا يصبو صبوة وصبوّا ، أي مال إلى الجهل والفتوّة ، كذا في الصحّاح ، لا من الصّباء (٨) بالفتح والمدّ ، يقال : صبي صباء ، مثل سمع سماعا ، أي لعب مع الصّبيان.
[ويحتمل أنّه] أي زهيرا [أراد] بالأفراس والرّواحل [دواعي النّفوس وشهواتها (٩)
________________________________________________________
(١) أي يظهر ممّا ذكر الشّارح أنّ وجه الشبّه مركّب من عدّة أمور ، وفيه إشارة إلى أنّ وجه الشبّه في المكنيّة قد يكون مركّبا ، قاله في الأطول ، وقوله : «الاشتغال التّامّ» أي لأجل تحصيل المراد.
(٢) أي سلوك المسالك الصّعبة في كلّ من السّير والصّبا.
(٣) أي في الصّبا.
(٤) أي من غير مبالاة في ذلك الشّغل بمهلكة تعرض فيه ، ولا احتراز عن معركة تنال فيه.
(٥) أي قوام المسير إلى الجهة.
فإن قلت : كثيرا ما تقطع المسافات بدون الأفراس والرّواحل بل المشي ، وحينئذ فالمناسب أنّ بها كماله لا قوامه.
قلت : الكلام في السّير المعتدّ به ، وهو الّذي يتحقّق به الوصول بسرعة ، وهو لا يكون عادة بدون الأفراس والرّواحل ، ولو باعتبار حمل زاد المسافر ومائه ، أو الكلام باعتبار الغالب بمعنى أنّه في الغالب لا يتأتّى قطعها إلّا بما ذكر.
(٦) أي وهو أن يكون الصّبا مشبّها ، وجهة المسير مشبّها بها.
(٧) أي مأخوذ منها فيفسّر بمعناها
(٨) أي أنّه لا يكون مأخوذا من الصّبا بالمدّ بحيث يفسّر بمعناه ، وهو اللّعب مع الصّبيان
(٩) أي فشبّه دواعي النّفوس وشهواتها بالأفراس بجامع أنّ كلا منهما آلة لتحصيل ما لا يخلو الإنسان عن المشقّة في تحصيله ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة