تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١) (١) أي ضالا فهديناه] استعار الإحياء (٢) من معناه الحقيقي ، وهو جعل الشّيء حيّا للهداية الّتي هي الدّلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ، والإحياء والهداية ممّا يمكن احتماعهما في شيء واحد. وهذا (٣) أولى من قول المصنّف : إنّ الحياة والهداية ممّا يمكن اجتماعهما في شيء واحد ، لأنّ المستعار منه هو الإحياء لا الحياة. ـ وإنّما (٤) قال نحو : أحييناه ، لأنّ الطّرفين في استعارة الميّت للضّالّ ممّا لا يمكن
________________________________________________________
(١) والشّاهد في أنّه شبّهت الهداية أوّلا بالإحياء ، بجامع أنّ كلا منهما فتح طريق للوصول إلى الغايات والمطالب ، ثمّ طوى ذكر المشبّه وأقيم لفظ المشبّه به مكانه وهو الإحياء ، وهكذا شبّه الضّلال بالموت في كون كلّ منهما فقدانا لوسيلة الوصول إلى المقاصد ، ثمّ طوى ذكر المشبّه وأقيم المشبّه به مكانه وهو الموت ، لكن عنواني الإحياء والهداية ممّا يجوز اجتماعهما في موضوع واحد يتّصف بالحياة والاهتداء ، بخلاف عنواني الموت والضّلال فإنّهما ممّا لا يجوز فيهما الاجتماع في شيء واحد ، لأنّ الميّت لا يتّصف بضلال ولا بهداية.
(٢) أي استعار هذا اللّفظ قوله : «للهداية» متعلّق باستعار ، أي استعار لها بعد تشبيه الهداية بمعنى الدّلالة على طريق يوصل إلى المطلوب بالإحياء.
(٣) أي تعبيرنا وقولنا : بالإحياء والهداية أولى من قول المصنّف في الإيضاح.
إنّما لم يحكم بفساد كلام المصنّف لاحتمال أن يكون مراده إيقاع الاستعارة بين لازمي الهداية والإحياء المتعدّيّين ، فالمراد من الهداية في كلامه ما هو المصدر المبني للمفعول وهو الاهتداء.
(٤) أي إنّما قال المصنّف في تمثيل كون الطّرفين في شيء ممّا يمكن نحو : أحييناه ، ولم يقل : نحو (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) حتّى يكون ميّتا داخلا في التّمثيل أيضا ، مع أنّ ميّتا مستعار للضّالّ ، كما أنّ (أحييناه) مستعار ل (هديناه) ، لأنّ الطّرفين في استعارة الميّت للضّالّ ممّا لا يمكن اجتماعهما في شيء ، إذ الميّت لا يوصف بالضّلال كما لا يوصف الضّلال بالميّت ، والمراد تمثيل ما يمكن اجتماعهما في شيء واحد ، فحينئذ لو قال : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) لما طابق المثال الممثّل ، فاقتصر على قوله : نحو أحييناه ليطابق المثال للممثّل ، وهو الاستعارة الّتي يمكن اجتماع الطّرفين في شيء واحد.
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٢٢.