قولنا : رأيت أسدا يرمي ، مستعمل في الرّجل الشّجاع (١) ، والموضوع له هو السّبع المخصوص ، وتحقيق ذلك (٢) أنّ ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به مبني على أنّه جعل أفراد الأسد بطريقة تأويل (٣) قسمين : أحدهما المتعارف : وهو
________________________________________________________
(١) أي الرّجل الشّجاع ليس معنى لفظ الأسد كي يكون استعمال اللّفظ فيما وضع له ، بل الموضوع له هو السّبع المخصوص ، فلا يكون استعمال الأسد في الرّجل الشّجاع استعمال اللّفظ ـ فيما وضع له ، فلا خلاف في أنّ الاستعارة استعمال اللّفظ في غير ما وضع له في الواقع ، وإنّما النّزاع في أنّ الاستعارة هل تسمّى مجازا لغويّا ، نظرا لما في نفس الأمر ، أو تسمّى مجازا عقليّا نظرا إلى المبالغة والادّعاء المذكور.
(٢) أي تحقيق أنّ الادّعاء المذكور لا يقتضي كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له ، وحاصل ما ذكره من التّحقيق أنّ ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به لا يقتضي كونها مستعملة فيما وضعت له ، إذ ليس معناه ما فهمه المستدلّ من ادّعاء ثبوت المشبّه به له حقيقة ، حتّى يكون استعمال لفظ المشبّه به فيه استعمالا فيما وضع له ، والتّجوز في أمر عقلي ، وهو جعل غير المشبّه به مشبّها به ، بل معناه جعل المشبّه به مؤوّلا بوصف مشترك بين المشبّه والمشبّه به ، وادّعاء أنّ لفظ المشبّه به موضوع لذلك الوصف ، وأنّ أفراده قسمان متعارف وغير متعارف ، ولا خفاء في أنّ الدّخول بهذا المعنى لا يقتضي كونها مستعملة فيما وضعت له ، لأنّ الموضوع له هو الفرد المتعارف ، والمستعمل فيه هو الفرد الغير المتعارف.
(٣) أي قوله : «بطريق التّأويل» متعلّق ب «جعل».
إن قلت :
إنّ الّذي بطريق التّأويل إنّما هو أحد القسمين وهو غير المتعارف ، وأمّا الآخر وهو المتعارف فبطريق التّحقيق ، فما قاله الشّارح من جعل أفراد الأسد قسمين بطريق التّأويل غير صحيح.
قلت :
جعل الأفراد قسمين مبنيّ على كون الأسد موضوعا للقدر المشترك بينهما الصّادق على كلّ منهما وهو مجترىء ، وكونه موضوعا لذلك ليس إلّا بطريق التّأويل ، وأمّا بطريق التّحقيق فهو منحصر في قسم واحد وهو المتعارف.