لم يكن له مادة ، فإن كان كرا فصاعدا فهو طاهر مطهر ، لا ينجسه حصول شيء من النجاسات ، إلا ما تغيّر أحد أوصافه ، على ما قدّمنا القول فيه ، وشرحناه ، وإن كان أقل من كر ، فهو على أصل الطهارة ، ما لم يعلم فيه نجاسة ، فإن علمت فيه نجاسة ، وجرت المادة التي هي البزال له فقد طهر ، وجاز استعماله ، وإن لم يبلغ الكر مع اتصال المجرى به ، فإن انقطع المجرى اعتبرنا كونه كرا ، فإن كان أنقص من الكر ، فهو أيضا على أصل الطهارة ، مثل الاعتبار الأول ، إلا أن يقع فيه نجاسة ، ثم لا يزال هذا الاعتبار ثابتا فيه.
والمادة المذكورة لا تعدو ثلاثة أقسام : إمّا يعلم طهارتها يقينا ، أو يعلم نجاستها يقينا أو لا يعلم الطهارة ولا النجاسة. فإن علمت الطهارة ، فالحكم ما تقدّم ، وكذلك إذا لم يعلم طهارة ولا نجاسة ، فهو على أصل الطهارة في الأشياء كلّها ، والحكم ما تقدّم. فأمّا إذا علمت أنّها نجسة يقينا ، وتعيينا ، فلا يجوز اعتبار ما تقدّم ، لأنّه لا خلاف انّ الماء النجس لا يطهر بجريانه.
فإن قيل : الكلام في المادة مطلق ، لأنّ ألفاظ الأخبار عامة ، بأنّ ماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري ، إذا كانت له مادة من المجرى ، فمن قيّدها وخصّها يحتاج إلى دليل.
قلنا : الإطلاق والعموم قد يخصّ بالأدلة ، بغير خلاف بين من ضبط هذا الفن وأصول الفقه ، ومن المعلوم الذي لا خلاف فيه ، أنّ الماء النجس لا يطهر بجريانه ، ولا يطهر غيره ، إذا لم يبلغ كرا على ما مضى شرحنا له ، وفحوى الخطاب من الأخبار ينبه على ما قلناه ، لأنّ المعهود في مادة المجرى أن لا يعلم بطهارة ولا نجاسة ، فهي المرادة بالخطاب ، لأنّ الإنسان داخل الحمام لا يعلم ولا يبصر ما وراء الحائط ، فيحكم بأنّ المادة عند هذه الحال على أصل الطهارة وشاهد الحال أيضا يحكم بما قلناه ، فهذا هو المعنى بالمادة ، دون المادة المعتبر نجاستها.
وغسالة الحمام ، وهو المستنقع الذي يسمى الجئة لا يجوز استعمالها على