أحدها : انّ ألفاظ الأجناس إذا كانت منكرات لا تفيد عند محقّقي أصول الفقه الاستغراق والعموم والشمول ، فأمّا إذا كانت معها الألف واللام ، كانت مستغرقة ، كما قال الله تعالى ( وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) وأيضا الرواية كما وردت بما ذكره السائل فقد وردت أيضا ، وأوردها من ذكر من المشايخ المصنفين في كتبهم أنّه إذا ارتمس الجنب في البئر ، نزح منها سبع دلاء وقد طهرت (١) ، أورد ذلك أبو جعفر الطوسي في نهايته (٢) ، والشيخ المفيد في مقنعته (٣) ، وابن بابويه في رسالته (٤) ، ولم يفصّلوا. والرواية بذلك عامة ، فمن قال في الإنسان أنّه عام ولم يفصّل ، يلزمه أن يقول في الجنب أنّه عام ، ولا يفصّل أيضا ، فهما سيان ، والكلام على القولين واحد حذو النعل بالنعل ، ولا أحد من أصحابنا يقدم فيقول : ينزح سبع دلاء لارتماس الجنب ، أيّ جنب كان ، سواء كافرا أو مسلما محقّا ، وهذا كما تراه وزان المسألة بعينه.
فأمّا العموم فصحيح ما قاله السائل فيه ، إلا أنّ الحكيم إذا خاطبنا بجملتين : إحداهما عامة ، والأخرى خاصة في ذلك الحكم والقصة بعينها ، فالواجب علينا أن نحكم بالخاصّ على العام ، ولم يجز العمل على العموم ، وذلك انّ القضاء والحكم بالعموم يرفع الحكم الخاصّ بأسره ، والقضاء بالخصوص لا يرفع حكم اللفظ العام من كل وجوهه ، وما جمع العمل بالمشروع بأسره أولى مما رفع بعضه ، مثال ما ذكرناه من كتاب الله تعالى قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٥) ، وهذا عموم من ارتفاع اللوم عن وطي الأزواج على كلّ حال ،
__________________
(١) الوسائل : الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، ح ٣ ، الا ان لفظ الحديث هكذا « إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبعة دلاء ».
(٢) النهاية : باب المياه وأحكامها
(٣) المقنعة : باب تطهير المياه من النجاسات ص ٦٧
(٤) رسالة ابن بابويه
(٥) المؤمنون : ٥ و ٦.