وهل رمي الجمار واجب ، أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا ، ولا أظن أحدا من المسلمين ، يخالف في ذلك ، وقد يشتبه على بعض أصحابنا ، ويعتقد أنّه مسنون ، غير واجب ، لما يجده من كلام بعض المصنفين ، وعبارة موهمة ، أوردها في كتبه ، ويقلّد المسطور بغير فكر ، ولا نظر ، وهذا غاية الخطأ ، وضدّ الصواب. فانّ شيخنا أبا جعفر الطوسي رحمهالله ، قال في الجمل والعقود : والرمي مسنون (١) فيظن من يقف على هذه العبارة ، أنّه مندوب ، وانّما أراد الشيخ بقوله مسنون ، أنّ فرضه عرف من جهة السنة ، لأنّ القرآن لا يدل على ذلك ، والدليل على صحّة هذا الاعتبار والقول ، ما اعتذر شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه الاستبصار ، وتأوّل لفظ بعض الاخبار ، فقال الراوي في الخبر ، في باب وجوب غسل الميّت ، وغسل من غسل ميتا ، فأورد الأخبار بوجوب الغسل ، على من غسل ميتا ، ثم أورد خبرا عن ابن أبي نجران ، يتضمن أن الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، فقال شيخنا أبو جعفر ، فما تضمن هذا الخبر ، من أن غسل الميّت سنة ، لا يعترض (٢) ما قلناه من وجوه ، أحدها أنّ هذا الخبر مرسل ، لأنّ ابن أبي نجران ، قال عن رجل ، ولم يذكر من هو ، ولا يمتنع أن يكون غير موثوق به ، ولو سلم ، لكان المراد في إضافة هذا الغسل ، إلى السنة ، أنّ فرضه عرف من جهة السنة ، لأنّ القرآن ، لا يدل على ذلك ، وانّما علمناه بالسنة (٣). هذا أخر كلام شيخنا أبي جعفر في الاستبصار.
وإذا احتمل قوله في الجمل والعقود ما ذكرناه ، كان موافقا لقوله في مبسوطة ، ونهايته ، لئلا يتناقض قولاه ، فإنّه قال في نهايته : وإذا رجع الإنسان إلى منى ، لرمي الجمار ، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيام (٤) فأتى بلفظ يقتضي
__________________
(١) الجمل والعقود : كتاب الحج ، باب ٩ فصل في نزول منى.
(٢) ج : لا يعارض
(٣) الاستبصار : كتاب الطهارة : باب ٦٠ ، ح ٩.
(٤) النهاية : كتاب الحج ، باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار.