إدريس ، فقد علّق عليه يقول : « وكأنّي بمن يسمع هذا الكلام ينفر منه ويستبعده ويقول : من قال هذا؟ ومن ينظره في كتابه؟ ومن أشار من أهل هذا الفن ـ الذين هم القدوة في هذا ـ اليه »؟.
وأحيانا نجد ابن إدريس يحتال على المقلّدة ، فيحاول أن يثبت لهم أنّ الشيخ الطوسي يذهب الى نفس رأيه ، ولو بضرب من التأويل. ففي مسألة الماء المتنجّس المتمّم كرا بمثله يفتي بالطهارة ، ويحاول أن يثبت ذهاب الشيخ الطوسي إلى القول بالطهارة أيضا فيقول : « فالشيخ أبو جعفر الطوسي ـ الذي يتمسك بخلافه ويقلّد في هذه المسألة ويجعل دليلا ـ يقوّي القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله ، وأنا أبيّن ان شاء الله أنّ أبا جعفر تفوح من فيه رائحة تسليم هذه المسألة بالكلّيّة إذا تؤمّل في كلامه وتصنيفه حق التأمّل ، وأبصر بالعين الصحيحة ، واحضر له الفكر الصافي ».
آثار هذه الحركة العلمية :
واستمرت الحركة العلمية التي نشطت في عصر ابن إدريس تنمو وتتسع وتزداد ثراء عبر الأجيال ، وبرز في تلك الأجيال نوابغ كبار صنّفوا في الأصول والفقه وأبدعوا :
فمن هؤلاء : المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ( ت ٦٧٦ ه ) وهو تلميذ تلامذة ابن إدريس ، ومؤلف الكتاب الفقيه الكبير « شرائع الإسلام » الذي أصبح بعد تأليفه محورا للبحث والتعليق والتدريس في الحوزة بدلا عن كتاب « النهاية » الذي كان الشيخ الطوسي قد ألّفه قبل « المبسوط ».
وهذا التحوّل من « النهاية » إلى « الشرائع » يرمز الى تطوّر كبير في مستوى العلم ، لأنّ كتاب « النهاية » كان كتابا فقهيا يشتمل على أمّهات المسائل الفقهية وأصولها ، أمّا الشرائع فهو كتاب واسع يشتمل على التفريع وتخريج