بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٦٠ ـ نهج : فأوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال.

٦١ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة القاصعة : إن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم ، ولقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون عليهما‌السلام على فرعون عليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز و بقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل؟ فهلا القي عليهما أساورة من ذهب إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه ، ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الارض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحل الانباء ، ولما وجب للقابلين اجور المبتلين ، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين.

بيان : الاساورة جمع للاسورة التي هي جمع السوار. والذهبان بالكسر والضم جمع الذهب. والعقيان بالكسر هو الذهب الخالص. وقيل : ما ينبت منه نباتا. والبلاء : الامتحان. واضمحل الانباء أي سقط الوعد والوعيد.

قال الثعلبي : قال العلماء بأخبار الماضين : لما كلم الله موسى وبعثه إلى مصر خرج ولا علم له بالطريق ، وكان الله تعالى يهديه ويدله وليس معه زاد ولا سلاح ولا حمولة(١) ولا شئ غير عصاه ومدرعة صوف وقلنسوة من صوف ونعلين ، يظل صائما ، ويبيت قائما ، ويستعين بالصيد وبقول الارض حتى ورد مصر ، ولما قرب مصر أوحى الله سبحانه إلى أخيه هارون يبشره بقدوم موسى ويخبره أنه قد جعله لموسى وزيرا ورسولا معه إلى فرعون ، وأمره أن يمر يوم السبت لغرة ذي الحجة متنكرا إلى شاطئ النيل ليلتقي في تلك الساعة بموسى ، قال : فخرج هارون وأقبل موسى عليه‌السلام فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس ، فاتفق أنه كان يوم ورود الاسد الماء ، وكان لفرعون اسد تحرسه في غيضة

_________________

(١) في المصدر بعد ذلك : ولا صاحب له ولا شئ اه. م

١٤١

محيطة بالمدينة من حولها ، وكانت ترد الماء غبا ، وكان فرعون إذ ذاك في مدينة حصينة عليها سبعون سورا ، في كل سور رساتيق وأنهار(١) ومزارع وأرض واسعة ، في ربض كل سور(٢) سبعون ألف مقاتل ، ومن وراء تلك المدينة غيضة(٣) تولى فرعون غرسها بنفسه وعمل فيها وسقاها بالنيل ، ثم أسكنها الاسد فنسلت(٤) وتوالدت حتى كثرت ، ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه ، وجعل خلال تلك الغيضة طرقا تفضي من يسلكها إلى أبواب من أبواب المدينة معلومة ليس لتلك الابواب طريق غيرها ، فمن أخطأ وقع في الغيضة فأكلته الاسد(٥) وكانت الاسود إذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها ثم تصدر مع الليل ، قال : فالتقى موسى وهارون يوم ورودها ، فلما أبصرتهما الاسد مدت أعناقها و رؤوسها إليهما وشخصت أبصارها نحوهما ، وقذف الله تعالى في قلوبها الرعب ، فانطلقت نحو الغيضة منهزمة هاربة على وجوهها تطأ بعضها بعضا حتى اندست في الغيضة ، وكان لها ساسة يسوسونها وذادة يذودونها ويشلونها بالناس(٦) فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون ولم يشعروا من أين اتوا ، فانطلق موسى وهارون عليهما‌السلام في تلك المسبعة(٧) حتى وصلا إلى باب المدينة الاعظم الذي هو أقرب أبوابها إلى منزل فرعون ، وكان منه يدخل ومنه يخرج ، وذلك ليلة الاثنين بعد هلال ذي الحجة بيوم ، فأقاما عليه سبعة أيام فكلمهما واحد من الحراس وزبرهما(٨) وقال لهما : هل تدريان لمن هذا الباب؟ فقال موسى

_________________

(١) في المصدر : وكان بين كل سورين بساتين وانهار اه. م

(٢) الربض : ما حول المدينة من بيوت ومساكن. سور المدينة. وفى المصدر : وأرض واسعة في ربض ، لكل سور اه.

(٣) الغيضة : مجتمع الشجر في مغيض الماء. الاجمة.

(٤) في المصدر : فتناسلت. م

(٥) في المصدر : فتاكله الاسود. م

(٦) في المصدر : ويسلطونها على الناس. م

(٧) في المصدر : في تلك الغيضة. م

(٨) زبره عن الامر : منعه ونهاه عنه ، زبر السائل : انتهره. وليست هذه الكلمة في المصدر.

١٤٢

عليه‌السلام : إن هذا الباب والارض كلها وما فيها لرب العالمين ، وأهلها عبيد له ، فسمع ذلك الرجل قولا لم يسمع مثله قط ولم يظن أن أحدا من الناس يفصح بمثله ، فلما سمع ما سمع أسرع إلى كبرائه الذين فوقه فقال لهم : سمعت اليوم قولا وعاينت عجبا من رجلين هو أعظم عندي وأفظع وأشنع مما أصابنا في الاسد ، وما كانا ليقدما على ما أقدما عليه إلا بسحر عظيم ، وأخبرهم القصة فلا يزال ذلك يتداول بينهم حتى انتهى إلى فرعون.

وقال السدي بإسناده : سار موسى عليه‌السلام بأهله نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف امه وهي لا تعرفه ، وإنما أتاهم في ليلة كانوا يأكلرن فيها الطفيشل ونزل في جانب الدار ، فجاء هارون فلما أبصر ضيفه سأل عنه امه ، فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه فلما أن قعد تحدثا فسأله هارون فقال : من أنت؟ فقال : أنا موسى ، فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه ، فلما أن تعارفا قال له موسى : يا هارون انطلق معي إلى فرعون ، فإن الله عزوجل قد أرسلنا إليه ، فقال هارون : سمعا وطاعة ، فقامت امهما فصاحت(١) وقالت : انشدكما الله أن تذهبا(٢) إلى فرعون فيقتلكما ، فأتيا ومضيا(٣) لامر الله سبحانه فانطلقا إليه ليلا فأتيا الباب والتمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون وفزع البواب ، وقال فرعون : من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة؟! فأشرف عليهما البواب فكلمهما ، فقال له موسى : أنا رسول رب العالمين ، فأتى(٤) فرعون فأخبره وقال : إن ههنا إنسانا مجنونا يزعم أنه رسول رب العالمين.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار : خرج موسى لما بعثه الله سبحانه حين قدم مصر على فرعون هو وأخوه هارون حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الاذن عليه وهما يقولان : إنا رسول رب العالمين ، فأذنوا بنا هذا الرجل ، (٥) فمكثا سنتين يغدوان إلى بابه و

_________________

(١) في المصدر : فصاحت وضجت اه. م

(٢) في المصدر : ان لا تذهبا. م

(٣) في المصدر : فأبيا عليهما ومضيا. م

(٤) في المصدر : ففزع البواب واتى اه. م

(٥) المصدر خال من هذه الجملة. م

١٤٣

يروحان لا يعلم بهما ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلعب عنده ويضحكه فقال له : أيها الملك إن على بابك رجلا(١) يقول قولا عجيبا يزعم أن له إلها غيرك ، فقال : ببابي؟(٢) أدخلوه ، فدخل موسى ومعه هارون عليه‌السلام على فرعون.(٣) قالوا : فلما أذن فرعون لموسى وهارون دخلا عليه فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء وهو : « لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللهم إني أدرؤك(٤) في نحره و أعوذ بك من شره وأستعينك(٥) عليه فاكفنيه بما شئت » قال : فتحول ما بقلب موسى من الخوف أمنا ، وكذلك من دعا بهذا الدعاء وهو خائف آمن الله خوفه ، ونفس كربته ، وهون عليه سكران الموت.

ثم قال فرعون لموسى : من أنت؟ قال : أنا رسول رب العالمين ، فتأمله فرعون فعرفه فقال له : « ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين » معناه : على ديننا هذا الذي تعيبه ، (٦) فقال موسى : « فعلتها إذا وأنا من الضالين » المخطئين ، (٧) ولم أرد بذلك القتل « ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما » أي نبوة(٨) « وجعلني من المرسلين » ثم أقبل موسى ينكر عليه ما ذكر فقال : « وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل » أي اتخذتهم عبيدا تنزع أبناءهم من أيديهم تسترق من شئت ، (٩) أي إنما صيرني إليك ذلك ، قال فرعون : « وما رب

_________________

(١) في المصدر : رجلين ، وهكذا ثنى جميع الضمائر الاتية. م

(٢) المصدر خال من هذه الكلمة. م

(٣) العرائس : ١١٤ ـ ١١٥. م

(٤) في المصدر : أدرء بك. م

(٥) في المصدر : واستعين بك. م

(٦) أى معنى « ولبثت فينا من عمرك سنين » أنك لبثت على ديننا الذى تعيبه.

(٧) في المصدر : اى من المخطئين. م

(٨) المصدر خال عن قوله : اى نبوة. م

(٩) في المصدر بعد ذلك : وتقتل من شئت. م

١٤٤

العالمين * قال رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين » قال فرعون لمن حوله : ألا تستمعون؟ إنكارا لما قال ، قال موسى : « ربكم ورب آبائكم الاولين » فقال فرعون « إن رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون » يعني ما هذا بكلام صحيح(١) إذ يزعم أن لكم إلها غيري ، قال موسى : « رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون » فقال فرعون لموسى : « لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنك من المسجونين * قال أولو جئتك بشئ مبين » تعرف به صدقي وكذبك ، وحقي وباطلك ، قال فرعون : « فأت به إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين » فاتحة فاها قد ملات ما بين سماطي فرعون ، (٢) واضعة لحييها الاسفل في الارض والاعلى في سور القصر حتى رأى بعض من كان خارجا من مدينة مصر رأسها ، ثم توجهت نحو فرعون ليأخذه فارفض(٣) عنها الناس وذعر عنها فرعون ، ووثب عن سريره و أحدث حتى قام به بطنه(٤) في يومه ذلك أربعين مرة! وكان فيما يزعمون لا يسعل ولا يصدع(٥) ولا يصيبه آفة مما يصيب الناس ، وكان يقوم في أربعين يوما مرة ، وكان أكثر ما يأكل الموز لكيلا يكون له ثفل(٦) فيحتاج إلى القيام ، وكان هذه الاشياء مما زين له أن قال ما قال ، لانه ليس له من الناس شبيه ، قالوا : فلما قصدته الحية صاح : يا موسى انشدك بالله وحرمة الرضاع إلا أخذتها وكففتها عني ، وإني اؤمن بك وارسل معك بني إسرائيل ، فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت ، ثم نزع يده من جيبه فأخرجها بيضاء مثل الثلج ، لها شعاع كشعاع الشمس ، فقال له فرعون : هذه يدك ، فلما قالها فرعون أدخلها موسى جيبه ثم أخرجها الثانية لها نور ساطع في السماء تكل منها الابصار ، وقد أضاءت ما حولها ، يدخل نورها في البيوت ، ويرى من الكوى من وراء الحجب ، فلم يستطع فرعون النظر إليها ، ثم ردها موسى إلى جيبه ثم أخرجها فإذا هي على لونها الاول ، قالوا : فهم فرعون بتصديقه فقام إليه هامان وجلس بين يديه فقال له : بينا أنت إله تعبد إذ أنت تابع لعبد؟! فقال

_________________

(١) في المصدر : ما هذا بكلام رجل صحيح العقل. م

(٢) أى جانباه. وفى المصدر : قد ملات ما بين جانبى القصر.

(٣) في المصدر : فانفض. م

(٤) في المصدر : قام من بطنه. م

(٥) في المصدر : لا يسعل ولا يتمخط ولا يتصدع رأسه. م

(٦) في نسخة : ثقل.

١٤٥

فرعون لموسى : أمهلني اليوم إلى غد ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : أن قل لفرعون : إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددت(١) شابا طريا ، فاستنظره فرعون ، فلما كان من الغد دخل عليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه ، فقال له هامان : والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا ، ونفخ في منخره ، ثم قال له هامان : أنا أردك شابا ، فأتاه بالوسمة فخضبه بها!(٢) فلما دخل عليه موسى فرآه على تلك الحالة هاله ذلك ، فأوحى الله تعالى : لا يهولنك ما رأيت فإنه لم يلبث إلا قليلا حتى يعود إلى الحالة الاولى.

وفي بعض الروايات أن موسى وهارون لما انصرفا من عند فرعون أصابهما المطر في الطريق ، فأتيا على عجوز من أقرباء امهما ، ووجه فرعون الطلب في أثرهما ، فلما دخل عليهما الليل ناما في دارها وجاءت الطلب إلى الباب والعجوز منتبهة ، فلما أحست بهم خافت عليهما فخرجت العصا من صير الباب والعجوز تنظر(٣) فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعة أنفس ، ثم عادت ودخلت الدار ، فلما انتبه موسى وهارون أخبرتهما بقصة الطلب ونكاية العصا منهم(٤) فآمنت بهما وصدقتهما.(٥)

توضيح : الغيضة : موضع تنبت فيه الاشجار الكثيرة. وربض المدينة بالتحريك : ما حولها. والاندساس : الاختفاء. وأشليت الكلب على الصيد : أغريته. الطفيشل كسميدع : نوع من المرق. والارفضاض : التفرق. والطلب بالتحريك : جمع طالب. والصير بالكسر : شق الباب.

ثم قال الثعلبي : قالت العلماء بأخبار الانبياء : إن موسى وهارون عليهما‌السلام وضع فرعون أمرهما وما أتيابه من سلطان الله سبحانه على السحر وقال للملا من حوله(٦) :

_________________

(١) في المصدر : ورددتك. م

(٢) في المصدر : فأتاه بالوشم فخضبه به. م

(٣) في المصدر : من جانب الباب والعجوز تنظر اليها. م

(٤) في نسخة : ونكاية العصا فيهم.

(٥) العرائس : ١١٦. م

(٦) في نسخة : قال للملا من قومه ، وفى المصدر : قال للملا حوله. وهو الصحيح.

١٤٦

« إن هذان لساحران يريدان » إلى قوله : « فماذا تأمرون » ءأقتلهما؟(١) فقال العبد الصالح خربيل(٢) مؤمن آل فرعون : « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم » إلى قوله : « فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا » قال فرعون : « ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد » وقال الملا من قوم فرعون : « أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم » وكانت لفرعون مدائن فيها السحرة عدة للامر إذا حزبه.(٣)

وقال ابن عباس : قال فرعون لما رأى من سلطان الله في اليد والعصا : (٤) إنا لا نغالب موسى إلا بمن هو مثله ، فأخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها الغرماء(٥) يعلمونهم السحر كما يعلم الصبيان (الكتابة خ ل) في الكتاب ، فعلموهم سحرا كثيرا ، وواعد فرعون موسى موعدا فبعث فرعون إلى السحرة فجاء بهم ومعهم معلمهم ، فقالوا له : (٦) ماذا صنعت؟ فقال : قد علمتهم سحرا لا يطيقه سحرة أهل الارض إلا أن يكون أمر من السماء فإنه لا طاقة لهم به ، ثم بعث فرعون الشرطي في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحرا إلا أتى به.(٧)

واختلفوا في عدد السحرة(٨) الذين جمعهم فرعون ، فقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين ساحرا ، اثنان منهم من القبط وهما رأسا القوم ، وسبعون من بني إسرائيل ، وقال الكلبي : كانوا سبعين ساحرا غير رئيسهم ، وكان الذي يعلمهم ذلك رجلين مجوسيين من أهل نينوى ،

_________________

(١) في المصدر : قالوا اقتلهما. م

(٢) في المصدر : حزقيل. م

(٣) حزبه أمر أى أصابه ، وفى المصدر : معدة للامر اذا أحزنه. م

(٤) في المصدر بعد ذلك : ما رأى. م

(٥) في المصدر : الغرقاء. م

(٦) في المصدر : فجئ بهم ومعهم معلمهم فقال له. م

(٧) في المصدر : فلم يتركوا في مملكته ساحرا الا اتوا به. م

(٨) في المصدر : عدة السحرة. م

١٤٧

وقال كعب : كانوا اثني عشر ألفا ، وقال السدي : كانوا بضعا وثلاثين ألفا ، وقال عكرمة : سبعين ألفا ، وقال محمد بن المنكدر : ثمانين ألفا فاختار منهم سبعة آلاف ليس منهم إلا ساحر ماهر ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار من اولئك السبعمائة سبعين من كبرائهم و علمائهم ، قال مقاتل : وكان رئيس السحرة أخوين بأقصى مدائن مصر ، فلما جاءهما رسول فرعون قالا لامهما : دلينا على قبر أبينا. فدلتهما عليه ، فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما ، فقالا : إن الملك وجه إلينا أن نقدم عليه لانه أتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح ولهما عز ومنعة وقد ضاق الملك ذرعا(١) من عزهما ، ومعهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لهما شئ ، تبلع الحديد والخشب والحجر ، فأجابهما أبوهما : انظرا إذا هما ناما فإن قدرتما أن تسلا العصا فسلاها ، فإن الساحر لا يعمل سحره وهو نائم ، وإن عملت العصا وهما نائمان فدلك أمر رب العالمين ، ولا طاقة لكما بهما ولا للملك ولا لجميع أهل الدنيا ، فأتياهما في خفية وهما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا.

قالوا : ثم واعدوه يوم الزينة وكان يوم سوق لهم ، عن سعيد بن جبير ، وقال ابن عباس : كان يوم عاشوراء ، ووافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة وهو يوم النيروز ، وكان يوم عيد لهم يجتمع إليه الناس من الآفاق ، قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم : وكان اجتماعهم للميقات بالاسكندرية ، ويقال : بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة(٢) يومئذ ، قالوا : ثم قال السحرة لفرعون : « أئن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين » قال فرعون : وإنكم إذا لمن المقربين عندي في المنزلة ، فلما اجتمع الناس جاء موسى وهو متكئ على عصاه ومعه أخوه هارون حتى أتى(٣) الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف قومه ، فقال موسى عليه‌السلام للسحرة حين جاءهم : « ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى » فتناجى السحرة بينهم وقال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر ، فذلك قوله تعالى : « فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى » فقالت السحرة :

_________________

(١) أى ضاق صدره وضعفت طاقته.

(٢) في المصدر : بلغ ذنب الحية الجزيرة من وراء ، البحرة. م

(٣) في المصدر : حتى أتيا المجمع. م

١٤٨

لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله ، وقالوا : بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، وكانوا قد جاؤوا بالعصي والحبال تحملها ستون بعيرا ، (١) فلما أبوا إلا الاصرار على السحر قالوا لموسى : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى؟ قال : بل ألقوا أنتم ، فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملات الوادي يركب بعضها بعضا تسعى ، فذلك قوله تعالى: « يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى » وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ولقد عادت حيات وما يعدون عصاي هذه ، أو كما حدث نفسه(٢) فأوحى الله تعالى إليه : « لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى » ففرج عن موسى و ألقى عصاه من يده فإذا هي ثعبان مبين ، كأعظم ما يكون أسود مدلهم(٣) على أربع قوائم قصار غلاظ شداد ، وهو أعظم وأطول من البختي ، وله ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه وعنقه وكاهله ، لا يضرب ذنبه على شئ إلا حطمه وقصمه ، و يكسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب ، ويطحن كل شئ ، ويضرم حيطان البيوت بنفسه نارا ، وله عينان تلتهبان نارا ، ومنخران تنفخان سموما ، وعلى مفرقه شعر كأمثال الرماح ، وصارت الشعبتان له فما سعته اثنا عشر ذراعا ، وفيه أنياب وأضراس ، وله فحيح وكشيش وصرير وصريف ، فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم وعصيهم وهي حيات(٤) في عين فرعون وأعين الناس ، تسعى تلقفها وتبتلعها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، وانهزم الناس فزعين هاربين منقلبين ، فتزاحموا وتضاغطوا ووطئ بعضهم بعضا حتى مات منهم يومئذ في ذلك الزحام ومواطئ الاقدام خمسة وعشرون ألفا ، و

_________________

(١) قال اليعقوبى : فعملوا من جلود البقر حبالا مجوفة وعصيا مجوفة ويزوقونها ويصيرون فيها الزيبق ثم أحموا المواضع التى أرادوا أن يلقوا فيها الحبال والعصى ، ثم جلس فرعون فالقى السحرة حبالهم وعصيهم فلما حمى الزيبق تحرك ومشت الحبال والعصى.

(٢) في المصدر : فلما حدث نفسه. م

(٣) في المصدر : كأعظم ما يكون من الثعابين ، اسود مدلهم. م

(٤) في المصدر : وهى تخيل. م

١٤٩

انهزم فرعون فيمن انهزم منخوبا(١) مرعوبا عازبا عقله ، (٢) وقد استطلق بطنه في يومه ذلك عن أربعمائة جلسة!(٣) ثم بعد ذلك إلى أربعين مرة في اليوم والليلة على الدوام إلى أن هلك! فلما انهزم الناس وعاين السحرة ما عاينوا وقالوا : لو كان سحرا لما غلبنا ، ولما خفي علينا أمره ولئن كان سحرا فأين حبالنا وعصينا؟ فالقوا سجدا وقالوا : « آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون » وكان فيهم اثنان وسبعون شيخا قد انحنت ظهورهم من الكبر ، وكانوا علماء السحرة ، وكان رئيس جماعتهم أربعة نفر : (٤) سابور وعادور و حطحط(٥) ومصفا ، وهم الذين آمنوا حين رأوا ما رأوا من سلطان الله تعالى ، ثم آمنت السحرة كلهم ، فلما رأى فرعون ذلك أسف وقال لهم متجلدا : آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ، فقالوا : « لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض » إلى قوله تعالى : « والله خير وأبقى » فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم على جذوع النخل ، وهو أول من فعل ذلك ، فأصبحوا سحرة كفرة وأمسوا شهداء بررة ، ورجع فرعون مغلوبا(٦) معلولا ، ثم أبى إلا إقامة على الكفر و التمادي فيه ، فتابع الله تعالى عليه بالآيات وأخذه وقومه بالسنين إلى أن أهلكهم ، وخرج موسى عليه‌السلام راجعا إلى قومه والعصا على حالها حية تتبعه وتبصبص حوله وتلوذ به كما يلوذ الكلب الالوف بصاحبه ، والناس ينظرون إليها ينخزلون ويتضاغطون حتى دخل موسى عسكر بني إسرائيل وأخذ برأسها فإذا هي عصاه كما كانت أول مرة ، وشتت الله على فرعون أمره ، ولم يجد على موسى سبيلا ، فاعتزل موسى في مدينته ولحق بقومه

_________________

(١) نخب : كان منزوع الفؤاد جبانا ، والمنخوب : الجبان الذاهب القلب. وفى المصدر : متخوفا. م

(٢) في المصدر : ذاهبا عقله.

(٣) في المصدر : اربعمائة مرة. م

(٤) هكذا في النسخ وفى تاريخ الطبرى ، وفى المصدر : خمسة نفر ، وزاد « حفظ ».

(٥) في المصدر : وحفظ وخطط. وفى نسخة من العرائس : « غادر » بدل « عادور »

(٦) في المصدر : مغلوبا مهزوما مكسورا. م

١٥٠

وعسكروا مجتمعين إلى أن صاروا ظاهرين ظافرين.(١)

بيان : المدلهم : المظلم. وفحيح الافعي : صوتها من فيها. والكشيش : صوتها من جلدها. والمنخوب : الجبان الذي لا فؤاد له.

ثم قال الثعلبي : فلما خاف فرعون على قومه أن يؤمنوا بموسى عزم على بناء صرح يقوى به سلطانه ، فقال : « يا هامان ابن لي صرحا » الآية ، فجمع العمال والفعلة حتى اجتمع له خمسون ألف بناء سوى الاتباع والاجراء ممن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب والابواب ويضرب المسامير ، فلم يزل يبني ذلك الصرح إلى أن فرغ منه في سبع سنين وارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق منذ خلق الله السماوات والارض ، فبعث الله عزوجل جبرئيل وضرب بجناحه الصرح فقطعه ثلاث قطع : وقعت قطعة منها في البحر ، واخرى في الهند ، واخرى في المغرب.

وقال الضحاك : بعثه الله وقت الغروب(٢) فقذف به على عسكر فرعون فقتل منهم ألف ألف رجل ، (٣) وقالوا : ولم يبق أحد عمل فيه شيئا إلا أصابه موت أو حريف أو عاهة ، ثم إن فرعون بعد ذلك عزم على قتال موسى فأراه الله الآيات(٤) فلما لم يؤمن أوحى الله تعالى إلى موسى : أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أهل أبيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن واضربوا بدمائها على الابواب ، فإني مرسل على أعدائكم عذابا وإني سآمر الملائكة(٥) فلا يدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرها فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم و أموالهم فتسلمون أنتم ويهلكون هم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا(٦) فإنه أسرع لكم ، ثم اسر بعبادي حتى تنتهي بهم إلى البحر فيأتيك أمري ، ففعلت ذلك بنو إسرائيل ، فقالت القبط لبني إسرائيل ، لم تعالجون هذا الدم على أبوابكم؟ فقالوا : إن الله سبحانه مرسل عذابا فنسلم

_________________

(١) العرائس : ١١٦ ـ ١١٨. م

(٢) المصدر خال من قوله : وقت الغروب. م

(٣) في المصدر : الفى الف رجل. م

(٤) العرائس : ١١٩. م

(٥) في المصدر : سارسل الملائكة. م

(٦) في المصدر : ثم اخبزوا فطيرا. م

١٥١

وتهلكون ، فقالت القبط : فما يعرفكم ربكم إلا بهذه العلامات؟ فقالوا : هكذا أمرنا نبينا ، فاصبحوا وقد طعن أبكار آل فرعون وماتوا كلهم في ليلة واحدة وكانوا سبعين ألفا ، واشتغلوا بدفنهم وبما نالهم من الحزن على المصيبة ، وسرى موسى بقومه متوجهين إلى البحر وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا لا يعد فيهم ابن سبعين سنة لكبره ، ولا ابن عشرين سنة لصغره ، وهم المقاتلة سوى الذرية ، وكان موسى عليه‌السلام على الساقة ، وهارون على المقدمة ، فلما فرغت القبط من دفن أبكارهم وبلغهم خروج بني إسرائيل قال فرعون : هذا عمل موسى قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، ثم خرجوا ولم يرضوا أن ساروا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالنا معهم ، فنادى في قومه كما قال الله سبحانه : « فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون » ثم تبعهم فرعون بجنوده وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف ، كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة وبيده حربة.

وقال ابن جريج : أرسل فرعون في أثر موسى وقومه ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور(١) مع كل ملك ألف ، ثم خرج فرعون خلفهم في الدهم(٢) وكانوا مائة ألف رجل كل واحد منهم راكبا حصانا أدهم ، فكان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم ، وذلك حين طلعت الشمس وأشرقت ، كما قال الله سبحانه « فأتبعوهم مشرقين » فلما تراءى الجمعان ورأت بنو إسرائيل غبار عسكر فرعون قالوا : يا موسى أين ما وعدتنا من النصر والظفر؟ هذا البحر أمامنا ، إن دخلناه غرقنا ، وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا ، ولقد اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا ، فقال موسى : استعينوا(٣) بالله واصبروا إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، وقال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم و يستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون.(٤)

قالوا : فلما انتهى موسى عليه‌السلام إلى البحر هاجت الريح ترمي بموج كالجبال ،

_________________

(١) ملك مسور : مسود قدير.

(٢) الدهم : العدد الكثير.

(٣) في المصدر : فقال موسى لقومه : يا قوم استعينوا اه. م

(٤) العرائس : ١٢٣. م

١٥٢

فقال له يوشع بن نون : يا مكلم الله(١) أين امرت وقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ فقال موسى : ههنا ، فخاض يوشع الماء وجاز البحر ما يواري حافر دابته الماء ، وقال خربيل(٢) يا مكلم الله أين امرت؟ قال : ههنا ، فكبح فرسه بلجامه(٣) حتى طار الزبد من شدقيه ثم أقحمه البحر فرسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا ، فأوحى الله سبحانه إلى موسى : « أن اضرب بعصاك البحر » فضرب فلم يطعه فأوحى الله إليه : أن كنه ، فضرب موسى بعصاه ثانيا وقال : انفلق أبا خالد!(٤) فانفلق ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، فإذا خربيل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده ، وظهر في البحر اثنا عشر طريقا لاثني عشر سبطا ، لكل سبط طريق ، وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبسا.

وعن عبدالله بن سلام أن موسى لما انتهى إلى البحر قال : « يا من كان قبل كل شئ ، والمكون لكل شئ ، والكائن بعد كل شئ اجعل لنا مخرجا ».

وعن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنه قال عند ذلك: « اللهم لك الحمد و إليك المشتكى وأنت المستعان(٥) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » قالوا : فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا فخافوا وقال كل سبط : قد قتل إخواننا ، فأوحى الله سبحانه إلى جبال الماء : أن تشبكي فصار الماء شبكات ينظر بعضهم إلى بعض ، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين ، ولما خرجت ساقة عسكر موسى من البحر وصلت مقدمة عسكر فرعون إليه ، و أراد موسى أن يعود البحر إلى حاله الاولى فأوحى الله سبحانه : أن اترك البحر رهوا

_________________

(١) في المصدر يا كليم الله. م

(٢) في المصدر : « حزقيل » في المواضع.

(٣) كبح الدابة باللجام : جذبها به لتقف ولا تجرى.

(٤) كنية للبحر.

(٥) في المصدر بعد ذلك : وعليك التكلان. م

١٥٣

إنهم جند مغرقون ، فلما وصل فرعون قال لقومه : انظروا إلى البحر قد انفلق لهيبتي حتى ادرك أعدائي وعبيدي ، ولم تكن في خيل فرعون انثى فجاء جبرئيل على فرس انثى وعليه عمامة سوداء وتقدمهم وخاض البحر وظن أصحاب فرعون أنه منهم ، فلما سمعت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها ، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم(١) ويقول لهم : الحقوا بأصحابكم ، فلما أراد فرعون أن يسلك طريق البحر نهاه وزيره هامان وقال : إني قد أتيت هذا الموضع مرارا ومالي عهد بهذه الطرق ، وإني لا آمن أن يكون هذا مكرا من الرجل يكون فيه هلاكنا وهلاك أصحابنا ، فلم يطعه فرعون وذهب حاملا(٢) على حصانه أن يدخل البحر ، فامتنع ونفر حتى جاء جبرئيل على رمكة بيضاء فخاض البحر فتبعها حصان فرعون ، فلما توافوا في البحر وهم أولهم بالخروج أمر الله البحر فالتطم عليهم فغرقهم أجمعين بمرأى من بني إسرائيل ، قالوا : فلما سمعت بنو إسرائيل صوت التطام البحر قالوا لموسى : ما هذه الوجبة؟(٣) فقال لهم : إن الله سبحانه قد أهلك فرعون وكل من كان معه ، فقالوا : إن فرعون لا يموت لانه خلق خلق من لا يموت ، ألم تر أنه كان يلبث كذا وكذا يوما لا يحتاج إلى شئ مما يحتاج إليه الانسان؟ فأمر الله سبحانه البحر فألقاه على نجوة من الارض وعليه درعه حتى نظر إليه بنو إسرائيل. ويقال : لو لم يخرجه الله تعالى ببدنه لشك فيه بعض الناس ، فبعث موسى جندين عظيمين من بني إسرائيل كل جند اثنا عشر ألفا إلى مدائن فرعون ، وهي يومئذ خالية من أهلها لم يبق منهم إلا النساء والصبيان والزمنى والمرضى والهرمى ، وأمر على الجند بن يوشع بن نون وكالب بن يوفنا(٤) فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من أموالهم و كنوزهم ، وحملوا من ذلك ما استقلت به الحمولة(٥) عنها ، وما لم يطيقوا حملها باعوه من قوم آخرين ، فذلك قوله تعالى: « كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم *

_________________

(١) أى يسوقهم شديدا ، وفى المصدر : يستحثهم.

(٢) في المصدر : معاجلا. م

(٣) الوجبة : السقطة مع الهدة. أو صوت الساقط. وفى المصدر : هذه الضوضاء.

(٤) تقدم الخلاف في ضبطه.

(٥) أى ما أطاقته الحمولة.

١٥٤

ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين » ثم إن يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم وعاد إلى موسى بمن معه سالمين غانمين.(١)

تذنيب : قال السيد المرتضى قدس‌سره : فإن قيل : كيف جاز لموسى أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصي وذلك كفر وسحر وتلبيس وتمويه ، والامر بمثله لا يحسن؟ قلنا : لابد من أن يكون في أمره عليه‌السلام بذلك شرط ، فكأنه قال : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، وكان فيما تفعلونه حجة ، وحذف الشرط لدلالة الكلام عليه و اقتضاء الحال له ، ويمكن أن يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الالقاء على وجه يساويه فيه ، ولا يخيلون فيما ألقوه السعي والتصرف من غير أن يكون له حقيقة لان ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل ، وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به ليظهر حجته.(٢)

أقول : يمكن أن يقال : الامر بالسحر إذا كان مشتملا على بيان بطلانه وظهور المعجزة وعدم مبالاته بما صنعوا مع أن القوم لا ينتهون عنه بعدم أمره بل بنهيه أيضا ليس بقبيح ، (٣) فيكن أن يكون مخصصا لعمومات النهي عن الامر بالسحر إن كانت ولو كان لمحض دليل العقل ، فلا يحكم في خصوص تلك الصورة بشئ من القبح ، أو يقال : إنه لم يكن المراد به الامر حقيقة بل كان الغرض عدم خوفه ومبالاته بما سحروا به ، فيمكن إرجاعه إلى أمر التسوية ، وقيل : إنه لم يأمر بالسحر بل بالالقاء وهو أعم منه.

ثم قال السيد : فإن قيل : فمن أي شئ خاف موسى عليه‌السلام؟ أوليس خوفه يقتضي شكه في صحة ما أتى به؟ قلنا : إنما رأى من قوة التلبيس والتخييل ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم ينعم النظر(٤) فآمنه الله تعالى من ذلك ، وبين له أن حجته ستتضح للقوم بقوله تعالى: « لا تخف إنك أنت الاعلى ». (٥)

_________________

(١) العرائس : ١٢٣ ـ ١٢٦. وفيه : غانمين شاكرين م

(٢) تنزيه الانبياء : ٧٠ ـ ٧١. م

(٣) بل ربما يمكن أن يقال بحسن ذلك ، إذ فيه إبطال الباطل وإرشاد الجاهل إلى بطلان عملهم وأن عمله ليس من سنخ عملهم وسحرهم ، بل هو من عند الله ، وعمله من صنع الله.

(٤) أى لم يحقق النظر فيما صنعوا.

(٥) تنزيه الانبياء : ٧١. م

١٥٥

اقول : قد مر خبر في علة ذلك الخوف في إلقاء إبراهيم عليه‌السلام في النار ، (١) وقيل كان لا يلقي العصا إلا بوحي ، ولما أبطأ الوحي خاف تفرق بعض الناس قبل أن يؤمر بالالقاء ، وقيل : كان خوفه ابتداء على مقتضى الجبلة البشرية.

ثم قال السيد رحمه‌الله : فإن قيل : فما معنى قوله : « ربنا إنك آتيت فرعون و ملاه » الآية؟ قلنا : أما قوله : « ليضلوا عن سبيلك » ففيه وجوه :

أولها : أنه أراد : لئلا يضلوا فحذف ، وهذا له نظائر كثيرة في القرآن وكلام العرب فمن ذلك قوله : « أن تضل إحديهما(٢) » وإنما أراد : لئلا تضل ، وقوله : « أن تقولوا يوم القيمة(٣) » وقوله : « أن تميد بكم(٤) » وقال الشاعر :

نزلتم منزل الاضياف منا

فعجلنا القرى أن تشتمونا

وثانيها : أن اللام ههنا هي لام العاقبة وليست بلام الغرض كقوله : « ليكون لهم عدوا وحزنا (٥) ».

وثالثها : أن يكون مخرج الكلام مخرج النفي والانكار على من زعم أن الله تعالى فعل ذلك ليضلهم.

ورابعها : أن يكون أراد الاستفهام فحذف حرفه المختص به. (٦)

_________________

(١) وهو خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمى سأل عن أبى عبدالله عليه‌السلام عن موسى بن عمران لما رأى حبالهم وعصيهم كيف أوجس في نفسه خيفة ولم يوجسها إبراهيم؟ قال : إن ابراهيم عليه‌السلام حين وضع في المنجنيق كان مستندا إلى ما في صلبه من انوار حجج الله عزوجل ولم يكن موسى عليه‌السلام كذلك.

(٢) البقرة : ٢٨٢. والظاهر أن الاية لا تحتاج إلى تقدير ، والمعنى : أن تنسى احدى المرأتين فتذكرها الاخرى.

(٣) الاعراف : ١٧٢.

(٤) النحل : ١٥ ، لقمان : ١٠.

(٥) القصص : ٨.

(٦) تنزيه الانبياء : ٧٣ ـ ٧٥ ولخصه المصنف. م

١٥٦

(باب ٥)

*(أحوال مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون)*

الايات ، المؤمن « ٤٠ » ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون و هامان وقارون فقالوا ساحر كذاب * فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال * وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الارض الفساد * وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب * وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب * يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الارض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد * وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فماله من هاد * ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فلما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ٢٣ ـ ٣٤.

« وقال تعالى » : وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب * ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجوة وتدعونني إلى النار * تدعونني لاكفر بالله واشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني

١٥٧

إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار * فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ٣٨ ـ ٤٦.

التحريم « ٦٦ » وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ١١.

تفسير : قوله تعالى : « يكتم إيمانه » قال الطبرسي رحمه‌الله : على وجه التقية قال أبوعبدالله عليه‌السلام : التقية من ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له ، والتقية ترس الله في الارض لان مؤمن آل فرعون لو أظهر الاسلام لقتل ، قال ابن عباس : لم يكن مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى فقال : إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك ». قال السدي ومقاتل : كان ابن عم فرعون(١) وكان آمن بموسى وهو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وقيل : إنه كان ولي عهده من بعده وكان اسمه جيبا ، وقيل : اسمه خربيل.(٢)

وقال البيضاوي : الرجل إسرائيلي ، أو غريب موحد كان ينافقهم « أتقتلون رجلا » أتقصدون قتله « أن يقول » لان يقول أو وقت أن يقول ، من غير روية وتأمل في أمره « ربي الله » وحده « فعليه كذبه » لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله « يصبكم بعض الذي يعدكم » أي فلا أقل من أن يصيبكم بعضه « إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب » احتجاج ثالث ذو وجهين :

أحدهما : أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات.

_________________

(١) سيأتى في الحديث الاول ان اسمه حزبيل وانه كان ابن عم فرعون وولى عهده وخليفته. وقال البغدادى في المحبر : كان اسم مؤمن آل فرعون حزبيل أو خزبيل وهو أخو آسية امرأة فرعون. وقال هشام : حزبيل زوج الماشطة ، وكان فرعون قد جعله على نصف الناس. وقال الطبرى : اسمه فيما يزعمون حبرك. وسيجئ ما يحكيه الثعلبى في ذلك بعد الحديث السابع.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٥٢١. م

١٥٨

وثانيهما : أن من خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ، ولعله أراد به المعنى الاول ، وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم ، (١) وعرض به لفرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب « ظاهرين » غالبين عالين في الارض أرض مصر « فمن ينصرنا من بأس الله » أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا عنه أحد « ما اريكم » ما اشير إليكم « إلا ما أرى » وأستصوبه من قتله « إني أخاف عليكم » في تكذيبه والتعرض له « مثل يوم الاحزاب » مثل أيام الامم الماضية ، يعني وقائعهم « مثل دأب قوم نوح » مثل جزاء ما كانوا عليه دائبين من الكفر وإيذاء الرسل « يوم التناد » يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة ، أو يتصايحون بالويل والثبور ، أو يتنادى أصحاب الجنة و أصحاب النار « يوم تولون » عن الموقف « مدبرين » منصرفين عنه إلى النار ، وقيل : فارين عنها « من عاصم » يعصمكم من عذابه « ولقد جاءكم يوسف » أي يوسف بن يعقوب ، على أن فرعونه فرعون موسى ، أو على نسبة أحوال الآباء إلى الاولاد ، أو سبطه يوسف بن إبراهيم ابن يوسف « من قبل » من قبل موسى « من هو مسرف » في العصيان « مرتاب » شاك فيما تشهد له البينات « وقال الذي آمن » يعني مؤمن آل فرعون. وقيل : موسى « سبيل الرشاد » أي سبيلا يصل سالكه إلى المقصود « متاع » أي تمتع يسير لسرعة زوالها « بغير حساب » أي بغير تقدير وموازنة بالعمل ، بل أضعافا مضاعفة « ما ليس لي به » أي بربوبيته علم ، والمراد نفي المعلوم « لا جرم » لا رد لما دعوه إليه ، وجرم فعل بمعنى حق ، وفاعله « أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة » أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا ، وقيل : جرم بمعنى كسب ، وفاعله مستكن فيه ، أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له ، بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته ، وقيل : من الجرم بمعنى القطع والمعنى : لا قطع لبطلان دعوة الوهية الاصنام أي لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقا « وأن مردنا إلى الله » بالموت « وأن المسرفين » في الضلالة والطغيان « وافوض أمري إلى الله » ليعصمني من كل سوء « إن الله بصير بالعباد » فيحرسهم « فوقاه الله سيئات ما مكروا » شدائد مكرهم ، وقيل : الضمير لموسى « وحاق بآل فرعون » أي بفرعون وقومه ، واستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك ، وقيل :

_________________

(١) الشكيمة : الانفة. وفلان شديد الشكيمة اى أنوف أبى لا ينقاد.

١٥٩

بطلبة المؤمن من قومه ، فإنه فر إلى جبل فأتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش صفوف حوله فرجعوا رعبا فقتلهم « سوء العذاب » الغرق أو القتل أو النار.(١)

وقال الطبرسي رحمه‌الله : « فوقاه الله » أي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى عليه‌السلام حتى عبر البحر معه « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا » أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا ومساء فيعذبون ، وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لان نار القيامة لا يكون غدوا وعشيا ، ثم قال : إن كانوا إنما يعذبون في النار غدوا وعشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء ، ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة ، ألم تسمع قوله عزوجل : « ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » وهذا أمر لآل فرعون بالدخول ، أو أمر للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب وهو عذاب جهنم.(٢)

١ ـ م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري ، عن آبائه ، عن الصادق عليهم‌السلام قال : كان حزبيل(٣) مؤمن آل فرعون يدعو قوم فرعون إلى توحيد الله ، ونبوة موسى ، وتفضيل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع رسل وخلقه ، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه‌السلام والخيار من الائمة على سائر أوصياء النبيين ، وإلى البراءة من ربوبية فرعون ، فوشى به الواشون إلى فرعون وقالوا : إن حزبيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادتك ، فقال لهم فرعون : ابن عمي وخليفتي على ملكي وولي عهدي ، إن فعل ما قلتم فقد استحق أشد العذاب على كفره نعمتي ، فإن كنتم(٤) عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لايثاركم الدخول في مكانه ، فجاء بحزبيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا : أنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر نعماءه؟ فقال حزبيل : أيها الملك هل جربت علي كذبا قط؟ قال : لا ، قال : فسلهم من ربهم؟ فقالوا : فرعون ، قال : ومن خالقكم؟ قالوا : فرعون هذا ، قال : ومن رازقكم الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا : فرعون هذا ، قال حزبيل : أيها الملك فاشهدك وكل من حضرك أن ربهم هو ربي ، وخالقهم هو خالقي ، ورازقهم هو

_________________

(١) انوار التنزيل ٢ : ١٥١ ـ ١٥٣. م

(٢) مجمع البيان ٨ : ٥٢٥ ـ ٥٢٦. م

(٣) في نسخة « حزقيل » وفى اخرى « خربيل » في جميع المواضع.

(٤) في نسخة : على كفره لنعمتى ، وان كنتم.

١٦٠