بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

العدم (١) عدم القلب ، وإن أعظم المصائب مصيبة الدين ، وأسنى المرزئة(٢) مرزئته ، وأنفع الغنى غنى القلب ، فتلبث في كل ذلك ، والزم القناعة والرضى بما قسم الله ، وإن السارق إذا سرق حبسه الله من رزقه ، وكان عليه إثمه ، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجهه ، يا بني أخلص طاعة الله حتى لا تخاطها بشئ من المعاصي ، ثم زين الطاعة باتباع أهل الحق فإن طاعتهم متصلة بطاعة الله تعالى وزين ذلك بالعلم ، وحصن علمك بحلم لا يخالطه حمق ، واخزنه بلين لا يخالطه جهل ، وشدده بحزم لا يخالطه الضياع وامزج حزمك برفق لا يخالطه العنف.(٣)

١٦ ـ ص : عن سليمان بن داود ، عن يحيى بن سعيد القطان قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : قال لقمان عليه‌السلام : حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلها فما ذقت شيئا أمر من الفقر ، يا بني لا تتخذ الجاهل رسولا ، فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك فكن أنت رسول نفسك ، يا بني اعتزل الشر يعتزلك.

وقال الصادق صلوات الله عليه : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قيل للعبد الصالح لقمان : أي الناس أفضل؟ قال : المؤمن الغني ، قيل : الغني من المال؟ فقال : لا ، ولكن الغني من العلم الذي إن احتيج إليه انتفع بعلمه ، فإن استغنى عنه اكتفى ، وقيل : فأي الناس أشر؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا.(٤)

١٧ ـ نبه : قال لقمان : يا بني كما تنام كذلك تموت ، وكما تستيقظ كذلك تبعث.(٥)

وقال : يا بني كذب من قال : إن الشر يطفأ بالشر ، فإن كان صادقا فليوقد

_________________

(١) بفتح العين وسكون الدال ، أو بضم الاول مع سكون الدال وضمه : الفقدان.

(٢) المرزئة : المصيبة العظيمة.

(٣ و ٤) قصص الانبياء مخطوط.

(٥) تنبيه الخواطر ١ : ٨٠.

٤٢١

نارين ، هل تطفئ إحداهما الاخرى؟(١) وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار.(٢)

وقال يا بني بع ديناك بآخرتك تربحهما جميعا ، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا.(٣)

وكان لقمان يطيل الجلوس وحده فكان يمر به مولاه فيقول : يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك ، فيقول لقمان : إن طول الوحدة أفهم للفكرة ، وطول الفكرة دليل على طريق الجنة.(٤)

١٨ ـ كا : على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حماد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال لقمان لابنه : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وامورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واغلبهم بثلاث : بطول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ، وأجهد رأيك(٥) لهم إذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتصلي(٦) وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته ، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه ونزع عنه الامانة ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنا ، وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإن ( لا ) عي(٧) ولوم ، وإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد وتؤامروا ، (٨) وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم

_________________

(١) في المصدر : ثم لينظر هل تطفئ إحداهما الاخرى.

(٢) تنبيه الخواطر ١ : ٣٨.

(٣) تنبيه الخواطر ١ : ١٣٧.

(٤) تنبيه الخواطر ١ : ٢٥٠ و ٢٥١.

(٥) أجهد الحق : ظهر.

(٦) كناية عن التأنى في الجواب ، وعدم العجلة فيه.

(٧) العى : العجز.

(٨) أى تشاوروا.

٤٢٢

ولا تسترشدوه ، فإن الشخص الواحد في الفلات مريب ، لعله أن يكون عينا(١) للصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي يحيركم ، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى ، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه ، والشاهد يرى مالا يرى الغائب ، يا بني فإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ ، وصلها واسترح منها ، فإنها دين ، وصل في جماعة ولو على رأس زج ، (٢) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك ، وابدء بعلفها قبل نفسك ، وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الارض بأحسنها لونا ، وألينها تربة ، وأكثرها عشبا ، وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذهب في الارض ، فإذا ارتحلت فصل ركعتين ، وودع الارض التي حللت بها ، وسلم عليها وعلى أهلها ، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة ، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدء فتتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا ، وإياك والسير من أول الليل ، وعليك بالتعريس والدلجة(٣) من لدن نصف الليل إلى آخره ، وإياك ورفع الصوت في مسيرك.(٤)

أقول : قال الشيخ أمين الدين الطبرسي : اختلف في لقمان فقيل : إنه كان حكيما ولم يكن نبيا ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين ، وقيل : إنه كان نبيا ، عن عكرمة والسدي والشعبي ، وفسروا الحكمة في الآية بالنبوة ، وقيل : إنه كان عبدا أسود حبشيا ، غليظ المشافر ، (٥) مشقوق الرجلين في زمن داود عليه‌السلام ، وقال له بعض الناس : ألست كنت ترعى الغنم معنا؟ فقال : نعم ، فقال : من أين اوتيت ما أرى؟ قال :

_________________

(١) العين : الديدبان والجاسوس.

(٢) الزج : الحديدة التى في أسفل الرمح.

(٣) من عرس القوم : نزلوا من السفر لاستراحة ثم يرتحلون. والدجلة من قولهم : أدلج

القوم : ساروا الليل كله أو في آخره ، والاسم الدلجة بضم الدال وفتحها.

(٤) روضة الكافى : ٣٤٨ و ٣٤٩.

(٥) المشافر جمع المشفر : الشفة.

٤٢٣

قدر الله وأداء الامانة ، وصدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني ، وقيل : إنه كان ابن اخت أيوب ، عن وهب ، وقيل : كان ابن خالة أيوب ، عن مقاتل ، وروي عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : حقا أقول ، له يكن لقمان نبيا ولكنه كان عبدا كثير التفكر ، حسن اليقين أحب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة ، كان نائما نصف النهار إذ جاء نداء : (١) يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة؟ ثم ذكر نحوا مما مر في خبر حماد ، (٢) ثم قال : ذكر أن مولى لقمان دعاه فقال : اذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها ، فأتاه(٣) بالقلب واللسان ، فسأله عن ذلك فقال : إنهما أطيب شئ إذا طابا وأخبث شئ إذا خبثا.

وقيل : إن مولاه دخل المخرج فأطال فيه الجلوس فناداه لقمان : إن طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد ، (٤) ويورث الباسور ، ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هونا ، وقم هونا ، (٥) قال : فكتب حكمته على باب الحش.(٦)

قال عبدالله بن دينار : قدم لقمان من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل أبي؟ قال : مات ، قال : ملكت أمري ، قال : ما فعلت امرأتي؟ قال : ماتت ، قال : جدد فراشي ، قال : ما فعلت اختي؟ قال : ماتت ، قال : سترت عورتي ، قال : ما فعل أخي؟ قال : مات ، قال : انقطع ظهري.

_________________

(١) في المصدر : اذ جاءه نداء.

(٢) المتقدم في أول الباب.

(٣) قال المصنف في هامش الكتاب : كأن سقط هنا شئ ، إذ روى البيضاوى والثعلبى وغيرهما أنه أمره بعد أيام بأن يذبح شاة ويأتى بأخبث مضغتين منها ، فأتى بهما أيضا ، فسأل عن ذلك فاجاب بما في المتن انتهى. قلت : السقط من نسخة المصنف ، والا فالموجود في المصدر تمام ، وهو هكذا : فذبح شاة وأتاه بالقلب واللسان ثم أمره بمثل ذلك بعد أيام وأن يخرط منها أخبث مضغتين ، فاخرج القلب واللسان ، فسأله عن ذلك إه ولعل يخرط مصحف يأتى.

(٤) أى يوجع الكبد.

(٥) يقال : أحبب حبيبك هونا ما أى أحببه حبا مقتصدا لا افراط فيه. والهون : السكينة والوقار والحقير ، ولعل المراد هنا اما الجلوس القليل ، أو الجلوس المقتصد.

(٦) الحش مثلثة : المخرج ، وأصله بمعنى البستان ، سمى بذلك لانهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين.

٤٢٤

وقيل للقمان : أي الناس شر؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. وقيل له : ما أقبح وجهك! قال : تعيب على النقش أو على فاعل النقش؟ وقيل : إنه دخل على داود وهو يسرد الدرع(١) وقد لين الله له الحديد كالطين ، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت ، فلما أتمها لبسها ، وقال : نعم لبوس الحرب أنت ، فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله ، فقال له داود عليه‌السلام : بحق ما سميت حكيما. انتهى.(٢)

وقال المسعودي : كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حسر ، ولد على عشر سنين من ملك داود عليه‌السلام ، وكان عبدا صالحا ، ومن الله عليه بالحكمة ، ولم يزل في فيافي الارض(٣) مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أيام يونس بن متى ، حتى بعث إلى أهل نينوى من بلاد الموصل.(٤)

١٩ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يحيى بن عقبة الازدي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان فيما وعظ به لقمان ابنه : يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له ، وإنما أنت عبد مستأجر قد امرت بعمل ووعدت عليه أجرا ، فأوف عملك واستوف أجرك ، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت ، فكان حتفها(٥) عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر ، أخربها(٦) ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها ، واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع : شبابك فيما أبليته ، وعمرك فيما أفنيته ، ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته فتأهب لذلك ، وأعد له جوابا ، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا ، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه ، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه ، فخذ حذرك ، وجد في أمرك ، واكشف الغطاء عن وجهك

_________________

(١) أى يصنع الدرع وينسجها.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣١٥ ـ ٣١٧.

(٣) في المصدر : ولم يزل باقيا في الارض.

(٤) مروج الذهب هامش الكامل ١ : ٧٦.

(٥) الحتف : الموت.

(٦) أخربها أى اتركها خرابا ولا تصرف همك في عمارتها ، أو كناية عن قطع علاقة القلب منها ، وعدم الحرص عليها.

٤٢٥

وتعرض لمعروف ربك ، وجدد التوبة في قلبك ، وأكمش في فراقك(١) قبل أن يقصد قصدك ويقضي قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد.(٢)

٢٠ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عمن ذكره رفعه قال : قال لقمان عليه‌السلام لابنه : يا بني لا تقرب(٣) فيكون أبعد لك ، و لا تبعد فتهان ، كل دابه تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله؟! ولا تنشر بزك إلا عند باغيه ، كما ليس بين الذئب والكبش خلة كذلك ليس بين البار والفاجر خلة ، من يقترب من الزفت يعلق به بعضه ، كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه ، من يحب المراء يشتم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم.(٤)

٢١ ـ نبه. قال لقمان : لان يضر بك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب.(٥)

وقيل للقمان : ألست عبد آل فلان؟ قال : بلى ، قيل : فما بلغ بك ما نرى؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الامانة ، وتركي مالا يعنيني ، وغضي بصري ، وكفي لساني ، وعفتي في طعمتي ، فمن نقص عن هذا فهو دوني ، ومن زاد عليه فهو فوقي ، ومن عمله فهو مثلي. وقال : يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة ، ولا تشمت بالموت ، ولا تسخر بالمبتلى ، ولا تمنع المعروف. يا بني كن أمينا تعش غنيا. يا بني اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الارباح من غير بضاعة ، وإذا أخطأت خطيئة فابعث في أثرها صدقة تطفئها. يا بني إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير. يا بني لا ترث(٦) لمن ظلمته ، ولكن ارث لسوء ما جنيته على نفسك ، وإذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك. يا بني تعلم من العلماء ما جهلت ، وعلم الناس ما علمت.(٧)

_________________

(١) كمش في السير وغيره : أسرع.

(٢) اصول الكافى ٢ : ١٣٤ و ١٣٥.

(٣) في المصدر : لا تقرب.

(٤) اصول الكافى ٢ : ٦٤١ و ٦٤٢.

(٥) تنبيه الخواطر ٢ : ٢٦.

(٦) رثى له : رق له ورحمه.

(٧) تنبيه الخواطر ٢ : ٢٣٠ و ٢٣١.

٤٢٦

٢٢ ـ أقول : وجدت بخط أبي نور الله ضريحه ما هذا لفظه : جعفر بن الحسين(١) شيخ الصدوق محمد بن بابويه وثقه ( جش ) (٢) وله كتاب النوادر وكان ذلك عندنا فمن أخباره : بسم الله الرحمن الرحيم : عن الاوزاعي إن لقمان الحكيم لما خرج من بلاده نزل بقرية بالموصل يقال لها كوماس ، (٣) قال : قلما ضاق بها ذرعه(٤) واشتد بها غمه ولم يكن أحد يتبعه على أثره (٥) أغلق الابواب وأدخل ابنه يعظه ، فقال : يا بني إن الدنيا بحر عميق هلك فيها ناس كثير ، تزود من عملها ، واتخذ سفينة حشوها تقوى الله ، ثم اركب الفلك تنجو ، وإني لخائف أن لا تنجو ، يا بني السفينة إيمان ، وشراعها التوكل ، وسكانها الصبر ، ومجاذيفها(٦) الصوم والصلاة والزكاة ، يا بني من ركب البحر من غير سفينة غرق ، يا بني أقل الكلام ، واذكر الله عزوجل في كل مكان ، فإنه قد أنذرك وحذرك وبصرك وعلمك ، يا بني اتعظ بالناس قبل أن يتعظ الناس بك ، يا بني اتعظ بالصغير(٧) قبل أن ينزل بك الكبير ، يا بني املك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا ، يا بني الفقر خير من أن تظلم وتطغى ، يا بني إياك وأن تستدين فتخون في الدين. (٨)

٢٣ ـ ختص : عن الاوزاعي مثله ، وزاد فيه : يا بني إن تخرج من الدنيا فقيرا

_________________

(١) الظاهر هو جعفر بن الحسين بن على بن شهريار ، أبومحمد المؤمن القمى ، ذكره النجاشى في فهرسته وأطرأه بقوله : شيخ من أصحابنا القميين ثقة ، انتقل إلى الكوفة وأقام بها وصنف كتابا في المزار وفضل الكوفة ومساجدها ، وله كتاب النوادر ، أخبرنا عدة من أصحابنا رحمهم الله عن أبى الحسين بن تمام عنه بكتبه ، وتوفى جعفر بالكوفة سنة أربعين وثلاثمائة انتهى ، وعنونه العلامة في الخلاصة وقال : جعفر بن الحسن مكبرا.

(٢) أى النجاشى.

(٣) في نسخة : كومليس ، ولم نجد ذكرها في البلدان.

(٤) أى ضعفت طاقته وقل صبره.

(٥) في نسخة : ولم يكن أحد يعينه على أمره. والاثر : السنة.

(٦) المجاذيف والمجاديف جمع المجذاف والمجداف : جناح السفينة.

(٧) أى بالشئ الصغير الذى نزل من بك المصيبة والبلاء.

(٨) في نسخة : فتحزن من ( في خ ) الدين.

٤٢٧

وتدع أمرك وأموالك عند غيرك قيما فتصيره أميرا ، (١) يا بني إن الله رهن الناس بأعمالهم ، فويل لهم مما كسبت أيديهم وأفئدتهم ، يا بني لا تأمن من الدنيا والذنوب والشيطان فيها ، يا بني إنه قد افتتن الصالحون من الاولين فكيف تنجو منه الآخرون؟ يا بني اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك ، يا بني إنك لم تكلف أن تشيل الجبال ، (٢) ولم تكلف مالا تطيقه ، فلا تحمل البلاء على كتفك ، ولا تذبح نفسك بيدك ، يا بني لا تجاورن الملوك فيقتلوك ، ولا تطعهم فتكفر ، يا بني جاور المساكين ، واخصص الفقراء والمساكين من المسلمين ، يا بني كن لليتيم كالاب الرحيم ، وللارملة(٣) كالزوج العطوف ، يا بني إنه ليس كل من قال : اغفر لي غفر له ، إنه لا يغفر إلا لمن عمل بطاعة ربه ، يا بني الجار ثم الدار ، يا بني الرفيق ثم الطريق ، يا بني لو كانت البيوت على العمل(٤) ما جاور رجل جار سوء أبدا ، يا بني الوحدة خير من صاحب السوء ، يا بني الصاحب الصالح خير من الوحدة ، يا بني نقل الحجارة والحديد خير من قرين السوء ، يا بني إني نقلت الحجارة والحديد فلم أجد شيئا أثقل من قرين السوء ، يا بني إنه من يصحب قرين السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، يا بني من لا يكف لسانه يندم ، يا بني المحسن تكافأ بإحسانه ، والمسئ يكفيك مساويه ، لو جهدت أن تفعل به أكثر مما يفعله بنفسه ما قدرت عليه ، يا بني من ذا الذي عبد الله فحذله؟ ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده؟ يا بني ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره؟ ومن ذا الذي توكل على الله فوكله إلى غيره؟ ومن ذا الذي تضرع إليه جل ذكره فلم يرحمه؟ يا بني شاور الكبير ولا تستحي من مشاورة الصغير ، يا بني إياك ومصاحبة الفساق فإنما هم كالكلاب ، إن وجدوا عندك شيئا أكلوه ، وإلا ذموك وفضحوك. وإنما حبهم بينهم ساعة ، يا بني معاداة المؤمن خير من مصادقة الفاسق ، يا بني المؤمن تظلمه ولا يظلمك وتطلب عليه ويرضى عنك ، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك؟! يا بني استكثر من

_________________

(١) هكذا في النسخ وهو لا يخلو عن سقط ، ولعل الصحيح : يا بنى ان تخرج من الدنيا فقيرا خير من أن تدع أمرك.

(٢) أى أن ترفع الجبال.

(٣) الارملة : من مات زوجه.

(٤) في نسخة : على العمد.

٤٢٨

الاصدقاء ولا تأمن من الاعداء ، فإن الغل في صدورهم مثل الماء تحت الرماد ، يا بني ابدء الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام ، يا بني لا تكالب الناس(١) فيمقتوك ، ولا تكن مهينا فيضلوك ، ولا تكن حلوا فيأكلوك ، ولا تكن مرا فيلفظوك ـ ويروى : ولا تكن حلوا فتبلع ، ولا مرا فترمى ـ.

يا بني لا تخاصم في علم الله ، فإن علم الله لا يدرك ولا يحصى ، يا بني خف الله مخافة لا تيأس من رحمته ، وارجه رجاء لا تأمن من مكره ، يا بني انه النفس عن هواها ، فإنك إن لم تنه النفس عن هواها لن تدخل الجنة ولن تراها ـ ويروى انه نفسك عن هواها ، فإن في هواها رداها.

يا بني إنك منذ يوم هبطت من بطن امك استقبلت الآخرة واستدبرت الدنيا ، فإنك إن نلت مستقبلها أولى بك من مستدبرها ، يا بني إياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاوز إبليس في داره ، يا بني دع عنك التجبر والكبر ، ودع عنك الفخر ، واعلم أنك ساكن القبور ، يا بني اعلم أنه من جاور إبليس وقع في دار الهوان ، لا يموت فيها ولا يحيى ، يا بني ويل لمن تجبر وتكبر ، كيف يتعظم من خلق من طين ، وإلى طين يعود ثم لا يدري إلى ما يصير إلى الجنة فقد فاز ، أو إلى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب؟ ـ و يروى : كيف يتجبر من قد جرى في مجرى البول مرتين ـ يا بني كيف ينام ابن آدم و الموت يطلبه؟ وكيف يغفل ولا يغفل عنه؟ يا بني إنه قد مات أصفياء الله عزوجل و أحباؤه وأنبياؤه صلوات الله عليهم ، فمن ذا بعدهم يخلد فيترك؟ يا بني لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها ، يا بني لا تفشين سرك إلى امرأتك ، ولا تجعل مجلسك علي باب دارك ، يا بني إن المرأة خلقت من ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها ، وإن تركتها تعوجت ، الزمهن البيوت فإن أحسن فاقبل إحسانهن ، وإن أسأن فاصبر إن ذلك من عزم الامور.

يا بني النساء أربع : ثنتان صالحتان ، وثنتان ملعونتان ، فأما إحدى الصالحتين : فهي الشريفة في قومها ، الذليلة في نفسها ، التي إن اعطيت شكرت ،

_________________

(١) هكذا في النسخ ، ولعل الصواب : لا تكالب على الناس.

٤٢٩

وإن ابتليت صبرت ، القليل في يديها كثير ، والثاني : الولود الودود ، تعود بخير على زوجها ، هي كالام الرحيم ، تعطف على كبيرهم ، وترحم صغيرهم ، وتحب ولد زوجها و إن كانوا من غيرها ، جامعة الشمل ، مرضية البعل ، مصلحة في النفس والاهل والمال و الولد ، فهي كالذهب الاحمر ، طوبى لمن رزقها ، إن شهد زوجها أعانته ، وإن غاب عنها حفظته. وأما إحدى الملعونتين فهي العظيمة في نفسها ، الذليلة في قومها ، التي إن اعطيت سخطت ، وإن منعت عتبت(١) وغضبت ، فزوجها منها في بلاء ، وجيرانها منها في عناء ، فهي كالاسد إن جاورته أكلك ، وإن هربت منه قتلك ، والملعونة الثانية فهي قلى عن زوجها(٢) وملها جيرانها ، إنما هي سريعة السخطة ، (٣) سريعة الدمعة ، إن شهد زوجها لم تنفعه ، وإن غاب عنها فضحته ، فهي بمنزلة الارض النشاشة(٤) إن اسقيت أفاضته الماء وغرقت ، وإن تركتها عطشت ، وإن رزقت منها ولدا لم تنتفع به ، يا بني لا تتزوج بأمة فيباع ولدك بين يديك وهو فعلك بنفسك.

يا بني لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبدا ، يا بني أحسن إلي من أساء إليك ، ولا تكثر من الدنيا فإنك على غفلة منها ، (٥) وانظر إلى ما تصير منها ، (٦) يا بني لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة ، وتكلف أن ترده إليه ، يا بني لو أنه أغنى أحد عن أحد لاغنى الولد عن والده ، يا بني إن النار يحيط بالعالمين كلهم فلا ينجو منها أحد(٧) إلا من رحمه‌الله وقربه منه ، يا بني لا يغرنك خبيث اللسان فإنه يختم على قلبه ، (٨) وتتكلم جوارحه وتشهد عليه ، يا بني لا تشتم

_________________

(١) أى أنكرت عليه فعله ولامته على ذلك.

(٢) هكذا في نسخة ، وفى المطبوع : فهى عند زوجها وملها جيرانها. وكلتاهما لا تخلوان عن تصحيف. وقلى الرجل : ابغضه.

(٣) في نسخة : فهى سريعة السخطة.

(٤) أرض نشاشة : لا يجف ثراها ولا تنبت. والثرى : الندى.

(٥) في نسخة : فانك على رحلة منها.

(٦) هكذا في النسخ ، ولعل المعنى : وانظر إلى مكان تصير من الدنيا اليه وهو الاخرة.

(٧) في نسخة : فلا يجوز منها أحد.

(٨) أى يوم القيامة ، ولعل الصحيح : فانه يختم على لسانه كما قال الله تعالى وتقدس : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.

٤٣٠

الناس فتكون أنت الذي شتمت أبويك ، (١) يا بني لا يعجبك إحسانك ، ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك ، يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور ، يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ، يا بني ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ، يا بني إن كل يوم يأتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم ، يا بني إنك مدرج(٢) في أكفانك ومحل قبرك ، ومعاين عملك كله ، يا بني كيف تسكن دار من أسخطته؟ أم كيف من قد عصيته؟(٣) يا بني عليك بما يعنيك ، ودع عنك مالا يعنيك ، فإن القليل منها(٤) يكفيك ، والكثير منها لا يعنيك ، يا بني لا تؤثرن على نفسك سواها ، (٥) ولا تورث مالك أعداءك ، (٦) يا بني إنه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟ يا بني اتق النظر إلى مالا تملكه ، وأطل التفكر في ملكوت(٧) السماوات والارض والجبال وما خلق الله ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ، يا بني اقبل وصية الوالد الشفيق ، يا بني بادر بعملك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا ، وتجمع الشمس والقمر ، وتغير السماء وتطوى ، وتنزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين ، وتكلف أن تجاوز الصراط ، وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين ، يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعا ومر معي إلى الجنة : احكم سفينتك فإن بحرك

_________________

(١) فانهم بشتمك اياهم شتموهما.

(٢) درج الثوب أو الكتاب أو غيرهما : طواه ولفه ، أدرج الشئ في الشئ : أدخله و ضمنه.

(٣) لا تخلو عن سقط أو تصحيف.

(٤) مرجع الضمير غير مذكور في الكلام ، ولعله هو الدنيا ، وارجاعه إلى ( ما ) لا يخلو عن تكلف.

(٥) ترغيب في فعل المعروف ، وأن الانسان جدير بأن يصرف أمواله فيما يحسنه ، لا أن يجمعه ويتركه للوراث.

(٦) أى أولادك للاية الكريمة ، كذا قيل منه رحمه‌الله. قلت : بل الوراث مطلقا.

(٧) الملكوت : الملك العظيم ، العز والسلطان ، والملكوت السماوى : هو محل القديسين في السماء. قلت : لا يبعد أن يكون المراد منه هو الكرات الكثيرة في الجو التى تدل على عظمته وسلطانه وسعة ملكه تعالى وتقدس.

٤٣١

عميق ، وخفف حملك فأن العقبة كؤود ، (١) وأكثر الزاد فإن السفر بعيد ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير.(٢)

٢٤ ـ كنز الفوائد للكراجكي : من حكم لقمان عليه‌السلام : يا بني أقم الصلاة فإن مثل الصلاة في دين الله كمثل عمود الفسطاط ، فإن العمود إذا استقام نفعت الاطناب والاوتاد والظلال ، وإن لم يستقيم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال ، أي بني! صاحب العلماء وجالسهم ، وزرهم في بيوتهم لعلك أن تشبههم فتكون منهم ، اعلم أي بني! إني قد ذقت الصبر وأنواع المر فلم أر أمر من الفقر ، فإن افتقرت يومك(٣) فاجعل فقرك بينك وبين الله ، ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ، يا بني ادع الله ثم سل في الناس هل من أحد دعا الله فلم يجبه؟ أو سأله فلم يعطه؟ يا بني ثق بالله العظيم عزوجل : ثم سل في الناس هل من أحد وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني توكل على الله ، ثم سل في الناس من ذا الذي توكل على الله فلم يكف؟ يا بني أحسن الظن بالله ثم سل في الناس : من ذالذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به؟ يا بني من يرد رضوان الله يسخط نفسه إليه ، (٤) ومن لا يسخط نفسه لا يرضى ربه ، ومن لا يكظم غيظه يشمت عدوه ، يا بني تعلم الحكمة تشرف ، فإن الحكمة تدل على الدين ، وتشرف العبد على الحر ، و ترفع المسكين على الغني ، وتقدم الصغير على الكبير ، وتجلس المسكين مجالس الملوك وتزيد الشريف شرفا ، والسيد سوددا ، والغني مجدا ، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة؟ ولن يهيئ الله عزوجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بلا نفس ، أو مثل الصعيد بلا ماء ، ولا صلاح للجسد بغير نفس ، (٥) ولا للصعيد بغير ماء ، ولا للحكمة بغير طاعة.

_________________

(١) عقبة كأداء وكؤود : صعبة شاقة المصعد.

(٢) الاختصاص مخطوط.

(٣) في المصدر : فان افتقرت يوما.

(٤) في المصدر : يا بنى من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيرا.

(٥) في المصدر : لا صلاح للجسد بلا نفس.

٤٣٢

٢٥ ـ وأخبرني جماعة عن أبي المفضل الشيباني بإسناده عن أبي ذر رحمه‌الله(١) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني من ذا الذي ابتغى الله فلم يجده؟ ومن ذا الذي لجأ إلى الله فلم يدافع عنه؟ أم من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟(٢)

٢٦ ـ بيان التنزيل لابن شهر آشوب : قال : أول ما ظهر من حكم لقمان أن تاجرا سكر وخاطر(٣) نديمه أن يشرب ماء البحر كله وإلا سلم إليه ماله وأهله ، فلما أصبح وصحا (٤) ندم وجعل صاحبه يطالبه بذلك ، فقال لقمان : أنا اخلصك بشرط أن لا تعود إلى مثله. قل : ءأشرب الماء الذي كان فيه وقتئذ فأتني به ، أو أشرب ماءه الآن فسد أفواهه لاشربه ، أو أشرب الماء الذي يأتي به(٥) فاصبر حتى يأتي ، فأمسك صاحبه عنه.(٦)

٢٧ ـ كتاب فتح الابواب للسيد ابن طاوس قال : روي أن لقمان الحكيم قال لولده في وصيته : لا تعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم فإن ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته ، فقال ولده : ما معناه؟ احب أن أرى لذلك مثالا أو فعالا أو مقالا ، فقال له : أخرج أنا وأنت ، فخرجا ومعهما بهيمة فركبه لقمان وترك ولده

_________________

(١) الاسناد مختصر ، أو كانت نسخة المصنف ناقصة ، وما في المصدر هكذا : أخبرنى الشريف أبومنصور أحمد بن حمزة الحسينى العريضى بالرملة وأبوالعباس أحمد بن اسماعيل بن عنان بحلب وأبو المرجا محمد بن على بن طالب البلدى بالقاهرة رحمهم الله ، قالوا جميعا : أخبرنا أبوالمفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن المطلب الشيبانى الكوفى ، قال : حدثنا أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمار الثقفى ، قال : حدثنا محمد بن على بن خلف العطار ، قال : حدثنا موسى بن جعفر بن ابراهيم بن محمد ابن على بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب ، قال : حدثنا عبدالمهيمن بن عباس الانصارى الساعدى ، عن أبيه العباس بن سهل ، عن أبيه سهل بن سعيد قال بينا أبوذر قاعد. ثم ذكر حديثا في فضل على ابن أبى طالب عليه‌السلام ، ثم ذكر ما أخرجه المصنف.

(٢) كتز الكراجكى : ٢١٤ و ٢١٥.

(٣) خاطره على كذا : راهنه.

(٤) أى ذهب سكره.

(٥) هكذا في النسخ ، والظاهر أن كلمة « به » زائدة.

(٦) بيان التنزيل مخطوط.

٤٣٣

يمشي وراءه ، فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسي القلب ، قليل الرحمة ، يركب هو الدابة وهو أقوى من هذا الصبي ، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه ، وإن هذا بئس التدبير! فقال لولده : سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال : نعم ، فقال : اركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا ، فركب ولده ومشى لقمان ، فاجتازوا على جماعة اخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد ، أما أبوه فإنه ما أدب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه ، والوالد أحق بالاحترام والركوب ، وأما الولد فإنه عق والده بهذه الحال ، فكلاهما أساءا في الفعال! فقال لقمان لولده : سمعت؟ فقال : نعم ، فقال : نركب معا الدابة ، فركبا معا فاجتازا على جماعة فقالوا : ما في قلب هذين الراكبين رحمة ، ولا عندهم من الله خير ، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها و يحملانها مالا تطيق ، لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح وأجود ، فقال : سمعت؟ فقال : نعم ، فقال : هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا ، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان فاجتازا على جماعة فقالوا : هذا عجيب من هذين الشخصين ، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان! وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان ، فقال لولده : ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت إليهم ، واشتغل برضى الله جل جلاله ، ففيه شغل شاغل ، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال. (١)

_________________

(١) فتح الابواب مخطوط.

٤٣٤

(باب ١٩)

*(قصة اشمويل عليه السلام وطالوت وجالوت وتابوت السكينة)*

الايات ، البقرة « ٢ » ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وأبناءنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم * وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين * ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين ٢٤٦ ـ ٢٥١.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « هل عسيتم » أي لعلكم إن فرض عليكم المحاربة مع ذلك الملك « أن لا تقاتلوا » أي لا تفوا بما تقولون وتجبنوا(١) « من ديارنا وأبنائنا »

_________________

(١) في المصدر : وتجبنوا فلا تقاتلوا ، وإنما سألهم عن ذلك ليعرف ما عندهم من الحرص على القتال ، وهذا كأخذ العهد عليهم. ومعنى « عسيتم » قاربتم.

٤٣٥

أي من أوطاننا وأهالينا بالسبي والقهر على نواحينا « تولوا » أي أعرضوا عن القتال(١) « إلا قليلا منهم » وهم الذين عبروا النهر « قد بعث لكم طالوت ملكا » أي جعله ملكا ، وهو من ولد بنيامين ، ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة ، وسمي طالوت لطوله ، ويقال : كان سقاء ، وقيل : خربندجا ، (٢) وقيل : دباغا ، وكانت النبوة في سبط لاوي ، والمملكة في سبط يهودا ، وقيل : في سبط يوسف ، وقيل : بعثه نبيا بعد أن جعله ملكا « وزاده بسطة » أي فضيلة وسعة « في العلم والجسم » وكان أعلم بني إسرائيل في وقته وأجملهم وأتمهم وأعظمهم جسما وأقواهم شجاعة ، وقيل : كان إذا قام الرجل فبسط يده رافعا لها نال رأسه ، قال وهب : كان ذلك قبل الملك وزاده ذلك بعد الملك(٣) « فلما فصل » أي خرج من مكانه وقطع الطريق بالجنود ، اختلف في عددهم قيل : كانوا ثمانين ألف مقاتل ، وقيل : سبعين ألفا ، وذلك أنهم لما رأوا التابوت أيقنوا بالنصر فتبادروا إلى الجهاد « قال » يعني طالوت « إن الله مبتليكم بنهر » أي ممتحنكم ومختبركم ، وكان سبب ابتلائهم شكايتهم عن قلة الماء وخوف التلف من العطش ، وقيل : إنما ابتلوا ليشكروا فيكثر ثوابهم(٤) واختلف في النهر فقيل : هو نهر بين الاردن وفلسطين ، وقيل : نهر فلسطين « فليس مني » أي من أهل ولايتي وممن يتبعني « ومن لم يطعمه » أي لم يجد طعمه ولم يذق منه « إلا من اغترف غرفة بيده » أي إلا من أخذ من الماء مرة واحدة باليد ، ومن قرأ غرفة بالضم ـ وهو غير ابن كثير وأبوعمرو وأهل المدينة ـ فمعناه : إلا من شرب

_________________

(١) في المصدر : أعرضوا عن القيام به وضيعوا أمر الله.

(٢) معرب « خربنده » كلمة فارسية معناها : الحمار ، مكرى الحمار.

(٣) قال الطبرسى في المجمع : وفيها دلالة على أن من شرط الامام أن يكون أعلم من رعيته وأكمل وافضل في خصال الفضل والشجاعة ، لان الله علل تقديم طالوت عليهم بكونه اعلم واقوى ، فلولا ان ذلك شرط لم يكن له معنى. قلت : مما لا يشك فيه احد من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان امير المؤمنين عليه‌السلام كان بعد النبى صلى الله عليه وآله وسلم افضل الصحابة علما وتقوى ، واشجعهم واقواهم في دين الله واقضاهم ، فالاية تدل على انه الوصى والخليفة بعده بلا ارتياب.

(٤) في المصدر : انما ابتلوا بذلك ليصبروا عليه فيكثرثوا بهم ويستحقوا به النصر على عدوهم وليتعودوا الصبر على الشدائد فيصبروا عند المحاربة ولا ينهزموا.

٤٣٦

مقدار ملء كفه « فشربوا منه » أي أكثر من غرفة « إلا قليلا منهم » وقيل : إن الذين شربوا منه غرفة كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وقيل : أربعة آلاف رجل ، ونافق ستة وسبعون ألفا ، ثم نافق الاربعة آلاف إلا ثلاث مائة وبضعة عشر ، وقيل : من استكثر من ذلك الماء عطش ومن لم يشرب إلا غرفة روي وذهب عطشه ، ورد طالوت عند ذلك العصاة منهم فلم يقطعوا معه النهر « فلما جاوزه » أي فلما تخطى النهر طالوت والمؤمنون معه ، وروي أنه جاوز معه المؤمنون خاصة كانوا مثل عدد أهل بدر ، وقيل : بل جاوزا المؤمنون والكافرون إلا أن الكافرين انعزلوا(١) وبقي المؤمنون على عدد أهل بدر وهذا أقوى ، (٢) فلما رأوا كثرة جنود جالوت « قالوا » أي الكفار منهم « قال الذين يظنون » أي يستقنون « أنهم ملاقوا الله » أي راجعون إلى الله وإلى جزائه ، أو يظنون أنهم ملاقو الله بالقتل في تلك الوقعة ، وهم المؤمنون الذين عددهم عدة أهل بدر « كم من فئة » أي فرقة « بإذن الله » أي بنصره « افرغ علينا » أي اصبب علينا « وثبت أقدامنا » حتى لا نفر « وآتاه الله » أي داود « الملك » بعد قتل جالوت بسبع سنين « والحكمة » قبل النبوة ولم يكن نبيا قبل قتله جالوت ، فجمع الله له الملك والنبوة عند موت طالوت في حالة واحدة ، لانه لا يجوز أن يترأس من ليس بنبي على نبي ، وقيل : يجوز ذلك إذا كان يفعل ما يفعل بأمره ومشورته « وعلمه مما يشاء » من امور الدين والدنيا ، منها : صنعة الدروع فإنه كان يلين له الحديد كالشمع ، وقيل : الزبور والحكم بين الناس وكلام الطير والنمل ، وقيل : الصوت الطيب والالحان.(٣)

١ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون

_________________

(١) في المصدر : انخزلوا. أى انفردوا.

(٢) في المصدر : لقوله تعالى : « فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه » قلت : لعل الاول اولى لقوله تعالى بعد ذلك : « قالوا لا طاقة » إه. والاحاديث الاتية تدل على ذلك.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٧.

٤٣٧

له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه » قال : لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة « قال إن الله اصطفاه عليكم » وقال : « إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون » فجاءت به الملائكة تحمله ، وقال الله جل ذكره : « إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني » فشربوا منه إلا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، منهم من اغترف ، ومنهم من لم يشرب ، فلما برزوا قال الذين اغترفوا : « لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده » وقال الذين لم يغترفوا : « كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ».(١)

شى : عن أبي بصير مثله.(٢)

٢ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن يحيى الحلبي ، عن عبدالله بن سليمان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قرأ : « إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة » قال : كانت تحمله في صورة البقرة.(٣)

٣ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : « يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة » قال : رضراض(٤) الالواح فيها العلم والحكمة.(٥)

٤ ـ فس : أبي ، عن النضر ، عن يحيي الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن

_________________

(١) روضة الكافى : ٣١٦.

(٢) تفسير العياشى مخطوط.

(٣) روضة الكافى : ٣١٧ راجع ما سيأتى من الطبرسى بعد الحديث التاسع.

(٤) رضراض : ما صغر ودق من الحصى. وفى نسخة : رضاض ، وهى الفتات ممارض ، قال المصنف : والمراد اجزاؤها المنكسرة بعد ان القاها موسى عليه‌السلام ، وضمير « فيها » راجع إلى الالواح. قلت سيأتى مثل ذلك عن الطبرسى بعد الحديث التاسع ، وعن العباس بن هلال تحت رقم ١٤ ، ورضراض أو رضاض تفسير لقوله : بقية.

(٥) روضة الكافى : ٣١٧ ورواه العياشى كما يأتى تحت رقم ١٢ وفيه زيادة.

٤٣٨

أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام إن بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم ، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه ، وروي أنه أرميا النبي ، فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فاذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم ، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا : سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت ، والملك والسلطان في بيت آخر ، لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد ، فمن ذلك قالوا : (١) « ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله » فقال لهم نبيهم : « هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وأبنائنا » وكان كما قال الله تبارك وتعالى : « فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم » (٢) فقال لهم نبيهم : « إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا » فغضبوا من ذلك وقالوا : « أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال » وكانت النبوة في ولد لاوي ، والملك في ولد يوسف ، وكان طالوت من ولد ابن يامين(٣) أخي يوسف لامه ، لم يكن من بيت النبوة ، ولا من بيت المملكة ، فقال لهم نبيهم : « إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم » وكان أعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان أعلمهم إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر ، فقالوا : « لم يؤت سعة من المال » فقال لهم نبيهم : « إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة » وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه امه وألقته في اليم ، فكان في بني إسرائيل بتبركون به ، (٤) فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الالواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به ، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات ، فلم يزل

_________________

(١) في المصدر : فمن ذلك قالوا لنبى لهم : « ابعث اه ».

(٢) قد ذكر في المصدر تتمة الاية وهى : « والله عليم بالظالمين ».

(٣) هكذا في النسخ والمصدر ، وهو مصحف بنيامين ، وفى المصدر : أخو يوسف لامه و أبيه ، وتقدم الخلاف في ذلك في باب قصص يوسف عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : وكان في بنى اسرائيل معظما يتبركون به.

٤٣٩

بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم ، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم ، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت ، كما قال الله « إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة » قال : البقية : ذرية الانبياء ، وقوله : « فيه سكينة من ربكم » فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان.

حدثني أبي ، عن الحسين بن خالد ، (١) عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان ، وكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فإن تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يغلب أو يقتل ، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام ، فأوحى الله إلى نبيهم إن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه‌السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه‌السلام اسمه داود بن إيشا ، (٢) وكان إيشا راعيا وكان له عشرة بنين أصغرهم داود ، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى إيشا أن احضر واحضر ولدك ، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه الدرع درع موسى عليه‌السلام فمنهم من طال عليه ، ومنهم من قصر عنه ، فقال لايشا : هل خلفت من ولدك أحدا؟ قال : نعم أصغرهم تركته في الغنم راعيا ، فبعث إليه فجاء به فلما دعي أقبل ومعه مقلاع ، قال : فناداه ثلاث صخرات في طريقه ، فقالت : يا داود خذنا ، فأخذها في مخلاته ، وكان شديد البطش ، قويا في بدنه شجاعا ، فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوى عليه ففصل طالوت بالجنود ، وقال لهم نبيهم : يا بني إسرائيل : إن الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة ، فمن شرب منه فليس من حزب الله ، ومن لم يشرب فهو من الله(٣) إلا من اغترف

_________________

(١) في المصدر وفيما ياتى بعد ذلك عن العياشى تحت رقم ١٤ ( الحسن بن خالد ) وهو الحسن بن خالد بن عبدالرحمن بن محمد بن على البرقى. قلت : والظاهر أن الصحيح هو ما في المتن مصغرا وهو الحسين بن خالد الصيرفى من اصحاب الرضا عليه‌السلام.

(٢) في نسخة « اشى » وفى اخرى « اسى » وكذا فيما بعده ، وفى تاريخ اليعقوبى والطبرى والعرائس والمحبر ومجمع البيان « إيشا » كما في المتن ، وفى قاموس التوراة « يسا » راجع ما يأتى بعد ذلك في باب قصة داود.

(٣) في المصدر : فانه من حزب الله.

٤٤٠