بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وقال بقلبه : سمعنا وعصينا مخالفا لما قال بلسانه ، وعفروا خدودهم اليمنى(١) وليس قصدهم التذلل لله تعالى والندم على ما كان منهم من الخلاف ، ولكنهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا ، ثم عفروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك ، ولم يفعلوا ذلك كما امروا.

فقال جبرئيل لموسى عليه‌السلام : أما إن أكثرهم لله تعالى عاصون ، ولكن الله تعالى أمرني أن ازيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا فإن الله إنما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم ، وإبقاء الذمة لهم ، (٢) وإنما أمرهم إلى الله في الآخرة يعذبهم على عقودهم وضمائرهم ، فنظر القوم إلى الجبل وقد صار قطعتين : قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقى حتى خرقت السماوات وهم ينظرون إليها إلى أن صارت إلى حيث لا يلحقها أبصارهم ، وقطعة صارت نارا ووقعت على الارض بحضرتهم فخرقتها و دخلتها وغابت عن عيونهم ، فقالوا : ما هذان المفترقان من الجبل؟ فرق صعد لؤلؤا وفرق انحط نارا؟(٣) قال لهم موسى : أما القطعة التي صعدت في الهواء فإنها وصلت إلى السماء فخرقتها إلى أن لحقت بالجنة فأضعفت أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ، وأمر الله أن يبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل ومساكن مشتملة على أنواع النعمة التي وعدها المتقين من عباده ، من الاشجار والبساتين والثمار والحور الحسان والمخلدين من الولدان كاللآلي المنثورة ، وسائر نعيم الجنة وخيراتها ، وأما القطعة التي انحطت إلى الارض فخرقتها ثم التي تليها إلى أن لحقت بجهنم فأضعفت أضعافا كثيرة ، وأمر الله تعالى أن يبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة على أنواع العذاب التي وعدها الكافرين من عباده ، من بحار نيرانها وحياض غسلينها وغساقها وأودية قيحها ودمائها وصديدها وزبانيتها بمرزباتها وأشجار زقومها وضريعها (٤) وحياتها

_________________

(١) في المصدر : وعفروا خدودهم اليمنى بالتراب.

(٢) الذمة : الامان والعهد والضمان.

(٣) في المصدر : فرقة صعدت لؤلؤا وفرقة انحطت نارا؟.

(٤) الغسلين : ما يسيل من جلود أهل النار. الغساق : ماء بارد منتن أو ما يسيل من صديد أهل النار الصديد : قيح ودم ، وهو ما يسيل من جوف أهل جهنم. أو الحميم اغلى حتى خثر. مرازب جمع المرزبة : عصية من حديد. الزقوم : شجرة في جهنم ومنها طعام أهل النار. ونبات بالبادية له زهر ياسمينى الشكل. الضريع : شئ في جهنم أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من النار. و نبات منتن يرمى به البحر. ونوع من الشكوك لا تأكله الدواب لخبثه وهو يبيس الشبرق.

٢٤١

وعقاربها وأفاعيها وقيودها وأغلالها وسلالها وأنكالها وسائر أنواع البلايا والعذاب المعد فيها. ثم قال محمد رسول الله صلى الله عليه وآله لبني إسرائيل : أفلا تخافون عقاب ربكم في جحدكم لهذه

الفضائل التي اختص بها محمدا وعليا وآلهما الطيبين؟.(١)

بيان : الساحة : ما سقط من الذهب والفضة ونحوهما كالبرادة. وطحطحت الشئ : كسرته وفرقته.

٤٩ ـ ير : اليقطيني ، عن محمد بن عمر ، عن عبدالله بن الوليد السمان قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : يا عبدالله ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى عليهم‌السلام؟ قال : قلت : جعلت فداك ومن أي الحالات تسألني؟ قال : أسألك عن العلم ، فأما الفضل فهم سواء ، قلت : جعلت فداك فما عسى أقول فيهم؟ قال : هو والله أعلم منهما ، ثم قال : يا عبدالله أليس يقولون(٢) لعلي ما للرسول من العلم؟ قال : قلت : بلى ، قال : فخاصمهم فيه إن الله تبارك وتعالى قال لموسى : « وكتبنا له في الالواح من كل شئ » فأعلمنا أنه لم يبين له الامر كله ، (٣) و قال تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وآله : « وجئنا بك على هؤلاء شهيدا(٤) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ».(٥)

أقول : ستأتي الاخبار الكثيرة في ذلك في كتاب الامامة.

٥٠ ـ كش : خلف بن حامد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي عمير ، عن يحيى الحبي ، عن أيوب بن الحر ، عن بشير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وحدثني ابن مسعود ، عن الحسن بن علي ابن فضال ، (٦) عن العباس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي

_________________

(١) تفسير العسكرى : ١٧٠ ـ ١٧٣.

(٢) أى العامة ، وهم معترفون بذلك لما رووا من حديث مدينة العلم ، وقوله : علمنى رسول الله صلى الله عليه وآله الف باب من العلم إه وغير ذلك مما تدل على سعة علمه وان محله محل هارون من موسى. وفى بعض النسخ. أليس تقولون اه.

(٣) لانه تعالى قال : « من كل شئ موعظة » ولكن قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : « ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ».

(٤) « وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ » النحل : ٩٢.

(٥) بصائر الدرجات : ٦٢.

(٦) في نسخة وفى المصدر : على بن الحسن بن فضال.

٢٤٢

عبدالله عليه‌السلام قالا : قلنا لابي عبدالله عليه‌السلام : إن عبدالله بن عجلان مرض مرضه الذي مات فيه ، وكان يقول : إني لا أموت من مرضي هذا ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : أيهات أيهات(١) أنى ذهب ابن عجلان؟ لاعرفه الله قبيحا من عمله إن موسى بن عمران اختار من قومه سبعين رجلا ، فلما أخذتهم الرجفة كان موسى أول من قام منها ، فقال : يا رب أصحابي ، فقال : يا موسى إني ابدلك منهم خيرا ، قال : رب إني وجدت ريحهم وعرفت أسماءهم ، قال ذلك ثلاثا ، فبعثهم الله أنبياء.(٢)

شى : محمد بن سالم بياع القصب ، عن الحارث بن المغيرة مثله. وفيه : لاعرفه الله شيئا من ذنوبه ، (٣) وفيه : إني ابدلك بهم من هو خير لك منهم.(٤)

شى : عن أبان بن عثمان ، عن الحارث مثله إلا أنه ذكر : فلما أخذتهم الصاعقة ، ولم يذكر الرجفة.(٥)

بيان : قوله : ( لاعرفه الله ) دعاء له بالمغفرة إذ بالعذاب وبذكر القبائح له على وجه اللوم يعرفها ، ولعل ابن عجلان إنما حكم بعدم موته في ذلك المرض لما سمع منه عليه‌السلام من كونه من أنصار القائم عجل الله فرجه ونحو ذلك ، فأشار عليه‌السلام إلى أنه لم يعرف معنى كلامنا ، بل إنما يحصل ذلك له في الرجعة ، كما أن السبعين ماتوا ثم رجعوا بدعاء موسى عليه‌السلام.

ولعل ما صدر عنهم أيضا كان سؤالا من قبل القوم لا اقتراحا منهم لئلا ينافي صيرورتهم أنبياء ، أو يكون المراد كونهم تالين للانبياء في الفضل ، أو يكون النبي هنا بمعناه اللغوي أي رجعوا مخبرين بما رأوا ، أو يقال : إنه يكفي عصمتهم بعد الرجعة وفيه إشكال ، ويأبى عن أكثر الوجوه ما سيأتي في باب أحوال سلمان رضي‌الله‌عنه أنه قال في خطبة له : فقد ارتد

_________________

(١) لغة في هيهات. وفى نسخة من المصدر : هيهات.

(٢) رجال الكشى : ١٥٨ و ١٥٩.

(٣) في تفسير البرهان : لاغفر الله شيئا من ذنوبه.

(٤ و ٥) تفسير العياشى مخطوط ، أخرجهما البحرانى عنه في تفسير البرهان ٢ : ٣٨.

٢٤٣

قوم موسى عن الاسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير(١) والسبعين الذين اتهموا موسى على قتل هارون ، فأخذتهم الرجفة من بغيهم ، ثم بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين.(٢)

٥١ ـ فس : « وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم » قال الصادق عليه‌السلام : لما أنزل الله التوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه ، فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى : إن لم تقبلوا وقع عليكم الجبل ، فقبلوه وطأطؤوا رؤوسهم.(٢)

تكملة : قال الثعلبي : قال قتادة : كان السامري عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة ، ولكن عدو الله نافق ، وقال سعيد بن جبير : كان من أهل كرمان وقال غيرهما : كان رجلا صائغا من أهل باجرمي(٤) واسمه ميخا.(٥)

وقال ابن عباس : اسمه موسى بن ظفر ، وكان منافقا قد أظهر الاسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر.(٦) وقال هارون لبني إسرائيل : إن حلي القبط غنيمة فلا تحل لكم فاجمعوها واحفروا لها حفيرة وادفنوها حتى يرجع موسى عليه‌السلام فيرى فيها رأيه ، ففعلوا وجاء السامري بالقبضة التي أخذها من تحت حافر جبرئيل فقال لهارون : يا نبي الله أقذفها فيها؟ فظن هارون أنه من الحلي ، فقال : اقذف ، فقذفها فصار عجلا جسدا له خوار.

وقال ابن عباس : أوقد هارون نارا وأمرهم بأن يقذفوها فيها فقذف السامري تلك

_________________

(١) قال الفيروزآبادى في القاموس : شبر كبقم وشير كقمير ومشبر كمحدث : أبناء هارون عليه‌السلام ، قيل : وبأسمائهم سمى النبى صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين والمحسن رضى الله عنهم.

(٢) قد ذكرنا قبلا انه يخالف ما عليه الامامية من عصمة الانبياء.

(٣) تفسير القمى : ٢٢٩.

(٤) بفتح الجيم وسكون الراء قال ياقوت : قرية من اعمال البليخ قرب الرقة من ارض الجزيرة.

(٥) قال البغدادى في المحبر ص ٣٨٧ : اسمه ميخا بن رعويل بن قاهث بن لاوى. وقال : كان اسم عجله بهيوثا.

(٦) قال المسعودى في اثبات الوصية : كان السامرى صائغا كاهنا يتنجم فرأى في نجومه ان بنى اسرائيل يقطعون البحر فدخل معهم ولم يكن منهم ، وكان من قرية من ارض مدينة الموصل من قوم يعبدون البقر.

٢٤٤

القبضة فيها وقال : كن عجلا جسدا له خوار فكان ، ويقال : إن الذي قال لبني إسرائيل : إن الغنيمة لا تحل لكم هو السامري فصدقوه فدفعوها إليه ، فصاغ منها عجلا في ثلاثة أيام ، فقذف فيه القبضة فحي وخار خورة.

وقال السدي : كان يخور ويمشي ، فلما أخرج السامري العجل وكان من ذهب مرصع بالجوهر كأحسن ما يكون فقال : « هذا إلهكم وإله موسى فنسي » أي أخطأ الطريق وتركه ههنا وخرج يطلبه فلذلك أبطأ عنكم. وفي بعض الروايات : إنه لما قذف القبضة فيها أشعر العجل وعدا وخار وصار له لحم ودم.

ويروى أن إبليس ولج وسطه فخار ومشى ، ويقال : إن السامري جعل مؤخر العجل إلى حائط وحفر في الجانب الآخر في الارض وأجلس فيه إنسانا فوضع فمه على دبره وخار و تكلم بما تكلم به فشبه على جهالهم حتى أظلهم ، وقال : إن موسى قد أخطأ ربه فأتاكم ربكم ليريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه وإنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه وإنه قد أظهر لكم العجل ليكلمكم من وسطه كما كلم موسى من الشجرة ، فافتتنوا به إلا اثني عشر ألفا ، وكان مع هارون ستمائة ألف ، فلما رجع موسى وقرب منهم سمع اللغط(١) حول العجل وكانوا يزفنون ويرقصون حوله ، ولم يخبر موسى أصحابه السبعين بما أخبره ربه من حديث العجل ، فقالوا : هذا قتال في المحلة؟ فقال موسى عليه‌السلام : ولكنه صوت الفتنة افتتن القوم بعدنا بعبادة غير الله ، فلما رآهم وما يصنعون ألقى الالواح من يده فتكسرت ، فصعد عامة الكلام الذي كان فيها ولم يبق منها إلا سدسها ، ثم اعيدت له في لوحين ، عن ابن عباس.

وعن تميم الداري : قال : قلت يا رسول الله : مررت بمدينة صفتها كيت وكيت قريبة من ساحل البحر ، فقال رسول الله : تلك أنطاكية أما إن في غار من غيرانها رضاض(٢) من ألواح موسى ، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر بها إلا ألقت عليها من بركاتها ، ولن تذهب الايام والليالي حتى يسكنها رجل من أهل بيتي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما

_________________

(١) اللغط : الصوت والجبلة ، أو أصوات مبهمة لا تفهم.

(٢) في المصدر : « رضاضا » وهو الصحيح.

٢٤٥

قالوا : فأخذ موسى شعر رأس هارون عليه‌السلام بيمينه ولحيته بشماله ، وكان قد اعتزلهم في الاثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل ، وقال يا هارون : « ما منعك » الآية. فلما علم بنو إسرائيل خطأهم ندموا واستغفروا فأمرهم موسى أن يقتل البرئ المجرم فتبرأ أكثرهم ، فأمر الله موسى أن يبرد العجل بالمبرد ويحرقه ثم يذريه في النيل فمن شرب ماءه ممن عبد العجل اصفر وجهه واسودت شفتاه ، وقيل : نبت على شاربه الذهب ، فكان ذلك علما لجرمه ، فأخذ موسى عليه‌السلام العجل فذبحه ، ثم برده بالمبارد ، ثم

حرقه وجمع رماده وأمر السامري حتى بال عليه استخفافا به ثم ذرأه في الماء ، ثم أمرهم بالشرب من ذلك الماء فاسودت شفاه الذين عبدوه واصفرت وجرههم فأقروا وقالوا : لو أمرنا الله سبحانه أن نقتل أنفسنا ليقبل توبتنا لقتلناها ، فقيل لهم : « فاقتلوا أنفسكم » فجلسوا في الافنية محتبين(١) وأصلت القوم(٢) عليهم خناجر ، فكان الرجل يرى ابنه و أباه وأخاه وقريبه وصيقه وجاره فلم يمكنهم المضي لامر الله سبحانه ، (٣) فأرسل الله عليهم ضبابة(٤) وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا ، وقيل لهم : من حل حبوته(٥) أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته ، فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر فيهم القتل وبلغ عدة القتلى سبعين ألفا دعا موسى وهارون وبكيا وجزعا وتضرعا وقالا : يا رب هلكت بنو إسرائيل ، البقية البقية ، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يرفعوا السلاح ويكفوا عن القتل ، فلما انكشفت السحابة عن القتلى اشتد ذلك على موسى عليه‌السلام فأوحى الله تعالى إليه : أما يرضيك أن يدخل(٦) القاتل والمقتول الجنة؟ فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفرا عنه ذنبه.

ثم إن موسى عليه‌السلام هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه : لا تقتله

_________________

(١) احتبى بالثوب : اشتمل به ، جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.

(٢) هكذا في النسخ ، ولعله مصحف « وأسلت ال؟ وم » من أسل الرمح : حدده. جعله كالاسل. وفى المصدر : وأظلت عليهم القوم بالسيوف والخناجر.

(٣) في المصدر : فلم يمكنه الا امضاء أمر الله.

(٤) الضبابة : سحابة يغشى الارض.

(٥) الحبوة : ما يشتمل به من ثوب أو عمامة.

(٦) في نسخة : أن أدخل.

٢٤٦

فإنه سخي ، فعلنه موسى وقال : « اذهب فإن لك في الحيوة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا « لعذابك في القيامة » لن تخلفه » وأمر موسى عليه‌السلام بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه ، فصار السامري وحشيا لا يألف ولا يؤلف ، ولا يدنو من الناس ولا يمس أحدا منهم ، فمن مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض ، فكان كذلك حتى هلك.

قالوا : ثم إن الله سبحانه أمر موسى عليه‌السلام أن يأتيه في ناس من خيار بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة قومهم العجل ، فاختار موسى سبعين رجلا فأمر عليه‌السلام أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ويتطيبوا. ثم خرج موسى عليه‌السلام بهم إلى طور سيناء فلما دنا موسى عليه‌السلام الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى عليه‌السلام ودخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا ، وكان عليه‌السلام إذا كلم ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ودخل القوم في الغمام فخروا سجدا ، فسمعوا الله سبحانه وهو يكلم موسى ويأمره وينهاه ، وأسمعهم الله تعالى : إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة ، أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري. فلما فرغ موسى من الكلام وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا : « لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة » وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا. وقال وهب : بل أرسل الله إليهم جندا من السماء فلما سمعوا حسهم ماتوا يوما وليلة ، فقال موسى : « رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا » يا رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهلكت خيارهم؟ فلم يزل موسى يناشد ربه عزوجل حتى أحياهم الله جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى : « ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ».(١)

قالوا : فلما رجع موسى عليه‌السلام إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة أبوا أن يقبلوها و يعملوا بما فيها للآصار(٢) والاثقال والاغلال التي كانت فيها ، فأمر الله تعالى جبرئيل فقلع جبلا على قدر عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل

_________________

(١) العرائس ١١٧ ـ ١١٩.

(٢) جمع الاصر وهو الثقل. العهد.

٢٤٧

وعن ابن عباس أمر الله جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم مثل الظلة ، فذلك قوله سبحانه : « وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور » الآية وقوله : « وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ».

قال عطا عن ابن عباس : رفع الله تعالى فوق رؤوسهم الطور ، وبعث نارا من قبل وجوههم ، وأتاهم البحر الملح من خلفهم ، وقيل لهم : « خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا » فإن قبلتموه وفعلتم ما امرتم به وإلا رضختكم بهذا الجبل ، وغرقتكم في هذا البحر(١) وأحرقتكم بهذه النار ، فلما رأوا أن لا مهرب لهم منها قبلوا ذلك وسجدوا على شق وجوههم وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود ، فصارت سنة في اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ، فلما زال الجبل قالوا : سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعناك.

وروى قتادة عن الحسن قال : مكث موسى عليه‌السلام بعدما تغشاه نور رب العالمين و انصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى اتخذ لنفسه برنسا وعليه برقع لا يبدي وجهه لاحد مخافة أن يموت.(٢)

_________________

(١) الصحيح كما في المصدر : اغرقتكم في هذا البحر.

(٢) العرائس : ١١٧.

٢٤٨

(باب ٨)

*(قصة قارون)*

الايات : القصص « ٢٨ » إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما اوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أ؟ لك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ٧٦ ـ ٨٢.

تفسير : « لا تفرح » أي لا تأشر ولا تمرح ولا تتكبر بسبب كنوزك « ولا تنس نصيبك من الدنيا » أي لا تترك أن تحصل بها آخرتك أو أن تأخذ منها ما يكفيك.

١ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : « إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة » والعصبة ما بين العشرة إلى خمسة عشر(١) قال : كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة اولي القوة ، فقال قارون كما حكى الله : « إنما اوتيته على علم عندي » يعني ماله ، وكان يعمل الكيمياء ، فقال الله : « أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون » أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء « فخرج

_________________

(١) في نسخة وفى المصدر : إلى تسعة عشر.

٢٤٩

على قومه في زينته » قال : في الثياب المصبغات يجرها بالارض(١) « فقال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون إنه لذو حظ عظيم » فقال لهم الخاص من أصحاب موسى عليه‌السلام : « ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون* فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله » قال : هي لغة سريانية(٢) » يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ».

وكان سبب هلاك قارون أنه لما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية أنزل الله عليهم المن والسلوى وانفجر لهم من الحجر اثنا عشرة عينا بطروا وقالوا : « لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال لهم موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم » فقالوا كما حكى الله : « إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها » ثم قالوا لموسى : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » ففرض الله عليهم دخولها وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض ، فكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء ، وكان قارون منهم ، وكان يقرء التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه ، وكان يسمى الم؟ ون لحسن قراءته ، وقد كان يعمل الكيمياء ، فلما طال الامر علي بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع أن يدخل معهم في التوبة وكان موسى يحبه فدخل إليه موسى فقال له : يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد ههنا ادخل معهم وإلا نزل بك العذاب ، فاستهان به واستهزأ بقوله ، فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ، ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر ، بيده العصا ، فأمر قارون أن يصب عليه رماد قد خلط بالماء ، فصب عليه ، فغضب موسى غضبا شديدا ، وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت

_________________

(١) في نسخة : يجرها في الارض.

(٢) في نسخة وفى المصدر : وهى لفظة سريانية.

٢٥٠

من ثيابه وقطر منها الدم ، فقال موسى : يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي! فأوحى الله إليه قد أمرت السماوات والارض أن تطعك فمرهما بما شئت ، (١) وقد كان قارون أمر أن يغلق باب القصر ، فأقبل موسى فأومأ إلى الابواب فانفرجت ودخل عليه ، فلما نظر إليه قارون علم أنه قد اوتي بالعذاب ، (٢) فقال : يا موسى أسألك بالرحم التي بيني وبينك ، فقال له موسى : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ، يا أرض خذيه ، فدخل القصر بما فيه في الارض ، ودخل قارون في الارض إلى الركبة(٣) فبكى وحلفه بالرحم ، فقال له موسى : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ، (٤) يا أرض خذيه ، فابتلعته بقصره وخزائنه ، وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله ، فعيره الله بما قاله لقارون ، فعلم موسى أن الله قد عيره بذلك ، فقال : يا رب إن قارون دعاني بغيرك ، ولو دعاني بك لاجبته ، فقال الله : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ، فقال موسى : يا رب لو علمت أن ذلك لك رضى لاجبته ، فقال الله تعالى : يا موسى وعزتي وجلالي وجودي(٥) ومجدي وعلو مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لاجبته ، ولكنه لما دعاك وكلته إليك ، يا ابن عمران لا تجزع من الموت فإني كتبت الموت على كل نفس ، وقد مهدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرت(٦) عيناك ، فخرج موسى إلى جبل طور سيناء مع وصيه ، فصعد موسى الجبل فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل ومسحاة ، (٧) فقال له موسى : ما تريد؟ قال : إن رجلا من أولياء الله قد توفي فأنا أحفر له قبرا ، فقال له موسى : أفلا اعينك عليه؟ قال : بلى ، قال : فحفرا القبر فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر ، فقال له موسى : ما

_________________

(١) في نسخة : قد امرت الارض ان تطيعك فمرها بما شئت. وكذا في المصدر الا ان فيه : الارضين.

(٢) في المصدر : قد اتى بالعذاب.

(٣) في نسخة وفى المصدر : إلى ركبتيه.

(٤) في نسخة لا يردنى كلامك.

(٥) في نسخة وفى المصدر : وحق جودى.

(٦) في نسخة : لقرت عينك.

(٧) المكتل والمكتلة : زنبيل من خوص. والمسحاة : ما يسحى به كالمجرفة

٢٥١

تريد؟ قال : أدخل القبر فأنظر كيف مضجعه؟ فقال موسى : أنا أكفيك ، فدخله موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل.(١)

بيان : قوله تعالى : « كان من قوم موسى » قيل : كان ابن عمه يصهر بن قاهث ، وموسى ابن عمران بن قاهث ، وقيل : كان ابن خالته ، قال الطبرسي : وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وقيل : كان عم موسى.(٢) وقال الطبرسي رحمه‌الله : ناء بحمله ينوء نوءا : إذا نهض به مع ثقله عليه.(٣) والمفاتح هنا : الخزائن في قول أكثر المفسرين ، وقيل : هي المفاتيح التي تفتح بها الابواب ، وروى الاعمش عن خثيمة قال : كانت من جل؟ د كل مفتاح مثل الاصبع. واختلف في معنى العصبة فقيل : ما بين عشرة إلى خمسة عشر وقيل : ما بين عشرة إلى أربعين ، وقيل : أربعون رجلا ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض. قوله : « إنما اوتيته على علم » قال البيضاوي : أي فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال ، و « على علم » في موضع الحال ، وهو علم التوراة وكان أعلمهم ، وقيل هو علم الكيمياء ، وقيل : علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب ، وقيل : علمه بكنوز يوسف.(٤)

« ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون » سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها ، أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة. قوله : « ويكأن الله » قال البغوي : قال الفراء : ويكأن كلمة تقرير ، وعن الحسن أنه كلمة ابتداء ، وقيل هو تنبيه بمنزلة ألا ، وقال قطرب : ويك بمعنى ويلك وأن منصوب بإضمار اعلم ، وقال البيضاوي عند البصريين مركب من « وي » للتعجب و « كأن » للتشبيه ، والمعنى : ما أشبه الامر إن الله يبسط(٥)

قوله : ( لا تردني من كلامك ) أي لا تقصدني بسبب كلامك ، أي لا تكلمني ، وفي

_________________

(١) تفسير القمى : ٤٩١ ـ ٤٩٣.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٢٦٦. وفيه : وقيل كان ابن عم موسى عليه‌السلام لحا انتهى. ولحا بالتشديد اى لاصق النسب.

(٣) مجمع البيان ٧ : ٢٦٥.

(٤) انوار التنزيل ٢ : ٨٩.

(٥) انوار التنزيل ٢ : ٨٩. وفيه : ان الله يبسط الرزق.

٢٥٢

بعض النسخ بالزاي المعجمة ، وفي بعضها ( لا يردني كلامك ).

٢ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في خبر يونس قال : فدخل الحوت في بحر القلزم ، ثم خرج إلى بحر مصر ، ثم دخل إلى بحر طبرستان ، ثم خرج في دجلة الغوراء.(١) قال : ثم مرت به تحت الارض حتى لحقت بقارون ، وكان قارون هلك في أيام موسى ووكل الله به ملكا يدخله في الارض كل يوم قامة رجل ، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره ، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به : أنظرني فإني أسمع كلام آدمي ، فأوحى الله إلى الملك الموكل به : أنظره ، فأنظره ، ثم قال قارون : من أنت؟ قال يونس : أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى ، قال : فما فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال : هيهات هلك ، قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال هلك ، قال : فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال : هيهات ما بقي من آل عمران أحد؟ فقال قارون : وا أسفاه على آل عمران ، فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه الخبر.(٢)

٣ ـ ص : أمر موسى عليه‌السلام قارون أن يعلق في ردائه خيوطا خضرا فلم يطعه و استكبر ، وقال : إنما يفعل ذلك الارباب بعبيدهم كيما يتميزوا ، وخرج على موسى في زينته على بغلة شهباء ، ومعه أربعة آلاف مقاتل ، وثلاث مائة وصيفة عليهن الحلي ، وقال لموسى : أنا خير منك ، فلما رأى ذلك موسى عليه‌السلام قال لقارن : ابرز بنا فادع علي وأدعو عليك ، وكان ابن عم لموسى عليه‌السلام فأمر الارض فأخذت قارون إلى ركبتيه ، فقال : انشدك الله والرحم يا موسى ، فابتلعته الارض وخسف به وبداره.(٣)

٤ ـ ص : عن محمد بن السائب ، (٤) عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال :

_________________

(١) في المصدر : دجلة الغور. وفى معجم البلدان : دجلة العوراء بالعين المهملة : اسم لدجلة البصرة علم لها.

(٢) تفسير القمى : ٢٩٤.

(٣) القصص مخطوط.

(٤) في بعض النسخ « الصائب » وهو وهم.

٢٥٣

كان قارون ابن عم موسى عليه‌السلام وكانت في زمان موسى امرأة بغي لها جمال وهيئة ، فقال لها قارون : اعطيك مائة ألف درهم وتجيئين غدا إلى موسى وهو جالس عند بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة فتقولين : يا معشر بني إسرائيل إن موسى دعاني إلى نفسه فأخذت منه مائة ألف درهم فلما أصبحت جاءت المراة البغي فقامت على رؤوسهم وكان قارون حضر في زينته ، فقالت المرأة : يا موسى إن قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقول بين بني إسرائيل على رؤوس الاشهاد : إنك دعوتني إلى نفسك ومعاذ الله أن تكون دعوتني لقد أكرمك الله عن ذلك ، فقال موسى للارض : خذيه ، فأخذته وابتلعته ، وإنه ليتجلجل ما بلغ ولله الحمد.

بيان : التجلجل : السووخ في الارض. قال الثعلبي : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأفضلهم وأجملهم ، ولم يكن فيهم اقرء للتوراة منه ، ولكنه نافق كما نافق السامري فبغى على قومه ، واختلف في معنى هذا البغي فقال ابن عباس : كان فرعون قد ملك قارون على بني إسرائيل حين كان بمصر ، وعن المسيب بن شريك أنه كان عاملا على بني إسرائيل وكان يظلمهم ، وقيل : زاد عليهم في الثياب شبرا ، وقيل : بغى عليهم بالكبر ، وقيل : بكثرة ماله وكان أغنى أهل زمانه وأثراهم.

واختلف في مبلغ عدة العصبة في هذا الموضع فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، وقال قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين ، وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ومنهم من يقول سبعون ، وقال الضحاك ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : هم ستون ، وروي عن خثيمة قال : وجدت في الانجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقرستين بغلا غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح منها كنز ، ويقال : كان أينما يذهب تحمل معه ، وكانت من حديد ، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الاصابع ، فكانت تحمل معه على أربعين بغلا ، وكان أول طغيانه أنه تكبر واستطال على الناس بكثرة الاموال ، فكان يخرج في زينته ويختال كما قال تعالى : « فخرج على قومه في زينته » قال مجاهد : خرج على براذين بيض عليها سروج الارجوان ، وعليهم المعصفرات. وقال عبدالرحمن : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات

٢٥٤

وقال مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من الذهب عليها الارجوان ومعه أربعة آلاف فارس(١) عليهم وعلى دوابهم الارجوان ، ومعه ثلاثة آلاف جارية بيض(٢) عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب ، فتمنى أهل الجهالة مثل الذي اوتيه ، كما حكى الله ، فوعظهم أهل العلم بالله أن اتقوا الله(٣) فإن ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا.

قال : ثم إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر ، لونه لون السماء. فدعا موسى بني إسرائيل وقال لهم : إن الله تعالى يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطا خضراء كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها وإنه تعالى ينزل من السماء كلامه عليكم.(٤) فاستكبر قارون وقال : إنما تفعل هذه الارباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم ، ولما قطع موسى عليه‌السلام ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة(٥) وهي رئاسة المذبح وبيت القربان لهارون ، فكان بنو إسرائيل يأتون بهديتهم ويدفعونه إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون في نفسه من ذلك ، وأتى موسى وقال : يا موسى لك الرسالة ، ولهارون الحبورة

ولست في شئ من ذلك وأنا أقرء للتوراة منكما لا صبر لي على هذا ، فقال موسى : والله ما أنا جعلتها في هارون بل الله تعالى جعلها له : فقال قارون : والله لا اصدقك في ذلك حتى تريني بيانه ، قال : فجمع موسى عليه‌السلام رؤساء بني إسرائيل وقال : هاتوا عصيكم ، فجاؤوا بها فحزمها(٦) وألقاها في قبته التي كان يعبد الله تعالى فيها ، وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا ، فأصبحت عصا هارون عليه‌السلام قد اهتز لها ورق أخضر ، وكانت من ورق شجر اللوز ، فقال موسى : يا قارون ترى هذا؟ (٧) فقال قارون : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر ،

_________________

(١) في المصدر : ومعه ألف فارس.

(٢) في المصدر : ومعه ستمائة جارية بيض.

(٣) في نسخة : ان تتقوا الله.

(٤) المصدر خلى عن تلك الجملة.

(٥) في المصدر : « الحبارة » وكذا فيما يأتى.

(٦) فحزمها بالحاء المهملة والزاى المعجمة : شد بعضها ببعض ، أو بالخاء المعجمة أيضا أى جعل في كل منها علامة. منه رحمه‌الله.

(٧) في المصدر : يا قارون ترى هذا من فعلى.

٢٥٥

فذهب قارون مغاضبا ، واعتزل موسيل بأتباعه ، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ، ولا يزيد كل يوم إلا كبرا ومخالفة ومعاداة لموسى عليه‌السلام حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملا من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.

قال ابن عباس : ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل الزكاة على موسى عليه‌السلام فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شئ شيئا ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شئ فاطعتموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم أن تجيؤوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها ، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه ، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم ، وقيل ألف دينار ، وقيل طستا من ذهب ، وقيل : حكمها وقال لها : إني امولك(١) واخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى ، فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم و تنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم ، فخرج إليهم موسى وهم في براح(٢) من الارض ، فقام فيهم خطيبا ووعظهم فيما قال : (٣) يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ، و من افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امراة جلدناه مائة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت؟ قال : وإن كنت أنا ، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، قال : أنا؟! قال : نعم ، قال : ادعوها ، فإن قالت فهو كما قالت ، فلما أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك(٤) ما

_________________

(١) في المصدر : أنا أمؤنك.

(٢) البراح بفتح الراء : المتسع من الارض لا شجر فيه ولا بناء.

(٣) في المصدر : وقال فيما قال.

(٤) في المصدر : يا فلانة أنا فعلت بك.

٢٥٦

يقول هؤلاء؟ وعظم عليها ، (١) وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت ، فلما ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن احدث اليوم توبة أفضل من أن اوذي رسول الله ، فقالت : لا ، كذبوا ، (٢) ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون(٣) ونكس رأسه وسكت الملا وعرف أنه وقع في مهلكة ، وخر موسى ساجدا يبكي ويقول : يا رب إن عدوك قد آذاني وأراد فضيحتي وشيني ، اللهم فإن كنت رسولك فاغضب لي وسلطني عليه ، فأوحى الله سبحانه أن ارفع رأسك ومر الارض بما شئت تطعك ، فقال موسى : يا بني إسرائيل إن الله تعالى قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا قارون ولم يبق معه إلا رجلان ، ثم قال موسى عليه‌السلام : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى كعابهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى حقوهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم ، وقارون وأصحابه(٤) في كل ذلك يتضرعون إلى موسى عليه‌السلام ويناشده قارون الله والرحم ، (٥) حتى روي في بعض الاخبار أنه ناشده سبعين مرة ، وموسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فانطبقت عليهم الارض ، فأوحى الله سبحانه إلى موسى : يا موسى ما أفظك! استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم ، أما وعزتي وجلالي لو إياي دعوني مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا.

قال قتادة : ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة ، وأنه يتجلجل فيها ولا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة ، فلما خسف الله تعالى بقارون وصاحبيه أصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا

_________________

(١) هكذا في النسخ والمصدر ، ولعل الصواب : « عزم عليها » أي أقسم عليها.

(٢) في المصدر : لا بل كذبوا.

(٣) أى ندم على ما فعل وعض يده غما.

(٤) في المصدر : وصاحباه.

(٥) في المصدر : يناشده قارون بالله والرحم ، وهو الصحيح. وتقدم عن القمى أنه لم ينشده بالله بل أنشده بالرحم ، ولما عير الله موسى قال موسى : يا رب انه دعانى بغيرك ولو دعانى بك لاجبته.

٢٥٧

الله تعالى موسى عليه‌السلام حتى خسف بداره وأمواله الارض ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : إني لا اعبد الارض(١) لاحد بعدك أبدا ، فذلك قوله تعالى : « فخسفنا به وبداره الارض فما كان من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ».(٢)

٥ ـ عدة : روى محمد بن خالد في كتابه ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لما صار يونس إلى البحر الذي فيه قارون قال قارون للملك الموكل به : ما هذا الدوي والهول الذي أسمعه؟ قال له الملك : هذا يونس الذي حبسه الله في بطن الحوت ، فجالت به البحار السبعة حتى صارت به إلى هذا البحر ، فهذا الدوي والهول لمكانه ، قال : أفتأذن لي في كلامه؟(٣) فقال : قد أذنت لك ، فقال له قارون : يا يونس ألا تبت إلى ربك؟ فقال له يونس : ألا تبت أنت إلى ربك؟ فقال له قارون : إن توبتي جعلت إلى موسى وقد تبت إلى موسى ولم يقبل مني ، وأنت لو تبت إلى الله لوجدته عند أول قدم ترجع بها إليه.(٤)

_________________

(١) من عبدالطريق : ذلله ومهده ، أو من أعبده الغلام : ملكه إياه. وفى المصدر : لا اعيد الارض.

(٢) عرائس الثعلبى : ١١٩ ـ ١٢٢.

(٣) في المصدر : أفتأذن لى في مكالمته.

(٤) عدة الداعى : ١٠٤ ـ ١٠٥.

٢٥٨

(باب ٩)

*(قصة ذبح البقرة)*

الايات ، البقرة « ٢ » وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون * وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ٦٧ ـ ٧٣.

تفسير : « فادارأتم » أي اختصمتم في شأنها إذ المتخاصمان يدفع بعضهم بعضا ، أو تدافعتم بأن طرح قتلها كل عن نفسه إلى صاحبه. وأصله « تدارأتم » فادغمت التاء في الدال واجتلبت لها

همزة الوسل « فقلنا اضربوه » الضمير للنفس ، والتذكير على تأويل الشخص أو القتيل « ببعضها » أي أي بعض كان ، وقيل : ضرب بفخذ البقرة وقام حيا وقال : قتلني فلان ثم عاد ميتا ، وقيل : ضرب بذنبها ، وقيل : بلسانها ، وقيل : بعظم من عظامها ، وقيل : بالبضعة التي بين الكتفين.

١ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له ، وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديئا فلم ينعموا له ، فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ، ثم حمله إلى موسى عليه‌السلام ، فقال : يا نبي الله هذا ابن عمى فقد قتل ، فقال موسى عليه‌السلام : من قتله؟ قال : لا أدري ، وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا ، فعظم

٢٥٩

ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا : ما ترى يا نبي الله؟ وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار ، وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما ، وكره ابنه أن ينبهه وينغص عليه نومه فانصرف القوم فلم يشتروا سلعته ، فلما انتبه أبوه قال له : يا بني ماذا صنعت في سلعتك؟ قال : هي قائمة لم أبعها ، لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن انبهك وانغص عليك نومك ، قال له أبوه : قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك ، وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وأمر موسى بني إسرائيل(١) أن يذبحوا تلك البقرة بعينها ، فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى : « إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة » فتعجبوا وقالوا : « أتتخذنا هزوا » نأتيك بقتيل فتقول : اذبحوا بقرة فقال لهم موسى : « أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين » فعلموا أنهم قد أخطؤوا فقالوا : « ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر » والفارض التي قد ضربها الفحل ولم تحمل ، والبكر التي لم يضربها الفحل ، فقالوا : « ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها » أي شديدة الصفرة تسر الناظرين » إليها « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض » أي لم تذلل « ولا تسقي الحرث » أي لا تسقي الزرع « مسلمة لاشية فيها » أي لا نقطة فيها إلا الصفرة « قالوا الآن جئت بالحق » هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال : لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا ، فرجعوا إلى موسى عليه‌السلام فأخبروه فقال لهم موسى : لابد لكم من ذبحها بعينها ، فاشتروها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ، ثم قالوا : يا نبي الله ما تأمرنا؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه قل لهم : اضربوه ببعضها وقولوا : من قتلك؟ فأخذوا الذنب فضربوه به وقالوا : من قتلك يا فلان؟ فقال : فلان ابن فلان ابن عمي الذي جاء به ، وهو قوله : « فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ».(٢)

_________________

(١) في المصدر : وأمر بنى إسرائيل.

(٢) تفسير القمي : ٤١ ـ ٤٢.

٢٦٠