بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بيان : أنعم له أي قال له : نعم. والغيلة بالكسر : الاغتيال ، يقال : قتله غيلة ، و هو أن يخدعه ويذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله. ونغص كفرح : لم يتم مراده ، والبعير لم يتم شربه ، وأنغص الله عليه العيش ونغصه عليه فتنغصت : تكدرت. قال البيضاوي : قصته أنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه طمعا في ميراثه وطرحوه على باب المدينة ، ثم جاؤوا يطالبون بدمه ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبر بقاتله « لا فارض ولا بكر » لا مسنة ولا فتية ، يقال : فرضت البقرة فروضا من الفرض وهو القطع كأنها فرضت سنها ، وتركيب البكر للاولية ومنه البكرة والباكورة. انتهى.(١)

أقول : المعنى الذي ذكره علي بن إبراهيم للفارض لم أعثر عليه ، ويمكن أن يكون كناية عن غاية كبرها حيث لا تحمل ، والعوان : الوسط بين الصغيرة والكبيرة. قوله : « فاقع لونها » أي شديدة صفرة لونها ، وقيل : خالص الصفرة ، وقيل : حسن الصفرة. وروى الكليني ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن بعض أصحابه بلغ به جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من لبس نعلا صفراء لم يزل ينظر في سرور ما دامت عليه ، لان الله عزوجل يقول : « صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ».(٢)

قوله : « بقرة لا ذلول » قال البيضاوي : أي لم تذلل للكراب وسقي الحروث ، و ( لا ) ذلك صفة لبقرة ، بمعنى غير ذلول ، و ( لا ) الثانية مزيدة لتأكيد الاولى ، والفعلان صفتا ذلول ، كأنه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية « مسلمة » سلمها الله من العيوب ، أو أهلها من العمل ، أو اخلص لونها ، من سلم له كذا : إذا خلص له « لاشية فيها » لا لون فيها يخالف لون جلدها ، وهي في الاصل مصدر وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لونا آخر « وما كادوا يفعلون » لتطويلهم وكثرة مراجعتهم.(٣)

وقال الطبرسي رحمه‌الله : أي قرب أن لا يفعلوا ذلك مخافة اشتهار فضيحة القاتل ،

_________________

(١) انوار التنزيل ١ : ٨٨.

(٢) فروع الكافى ٢ : ٢٠٩.

(٣) انوار التنزيل ١ : ٨٩.

٢٦١

وقيل : كادوا أن لا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ، فقد حكي عن ابن عباس أنهم اشتروها بملء جلدها ذهبا من مال المقتول ، وعن السدي : بوزنها عشر مرات ذهبا ، وقال عكرمة : وما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير. انتهى. (١)

وقال البيضاوي : ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب وأداء الواجب ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل والشفقة على الاولاد ، و إن من حق الطالب أن يقدم قربة ، ومن حق المتقرب أن يتحرى الاحسن ويغالي بثمنه ، وإن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى والاسباب أمارات لا أثر لها ، وإن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا ولم يلحقها ضعف الكبر ، وكانت معجبة رائقة المنظر ، غير مذللة في طلب الدنيا ، مسلمة عن دنسها ، لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه فيحيى حياد طيبة ، ويعرب عما به ينكشف الحال ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارء والنزاع.(٢)

٢ ـ ن : أبي ، عن الكميداني ومحمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : إن رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له ثم أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ، ثم جاء يطلب بدمه ، فقالوا لموسى عليه‌السلام : إن سبط آل فلان قتلوا فلانا فأخبرنا من قتله ، قال : ائتوني ببقرة ، قالوا : « أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين » ولو أنهم عمدوا إلى بقرة(٣) أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر » يعني لا كبيرة ولا صغيرة « عوان بين ذلك » ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم » قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين » ولو أنهم عمدوا إلى بقرة لاجزأتهم

_________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٣٦.

(٢) انوار التنزيل ١ : ٩٠ ، قلت : التدارء : التدافع في الخصومة.

(٣) في المصدر : ولو أنهم عمدوا أى بقرة. وهكذا فيما يأتى.

٢٦٢

ولكن شددوا فشدد الله عليهم « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق » فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل ، فقال : لا أبيعها إلا بملء مسكها(١) ذهبا ، فجاؤوا إلى موسى عليه‌السلام فقالوا له ذلك ، فقال : اشتروها ، فاشتروها وجاؤوا بها ، فأمر بذبحها ثم أمر أن يضرب الميت بذنبها ، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول ، وقال : يا رسول الله إن ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي ، فعلموا بذلك قاتله ، فقال لرسول الله موسى عليه‌السلام بعض أصحابه : (٢) إن هذه البقرة لها نبأ فقال : وما هو؟ قال : إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه وإنه اشترى بيعا فجاء إلى أبيه فرأى والاقاليد(٣) تحت رأسه ، فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ أبوه فأخبره ، فقال : أحسنت خذ هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك ، قال : فقال له رسول الله موسى عليه‌السلام : انظروا إلى البر ما بلغ بأهله.(٤)

شى : عن البزنطي مثله.

بيان : لا يخفى دلالة هذا الخبر والاخبار الآتية على كون التكليف في الاول غير التكليف بعد السؤال ، وقد اختلف علماء الفريقين في ذلك ، قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : اختلف العلماء في هذه الآيات : فمنهم من ذهب إلى أن التكليف فيها متغاير ، ولو أنهم ذبحوا أولا أي بقرة اتفقت لهم كانوا قد امتثلوا الامر ، فلما لم يفعلوا كانت المصلحة أن شدد عليهم التكليف ، ولما راجعوا المرة الثانية تغيرت مصلحتهم إلى تكليف ثالث. ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر : فمنهم من قال في التكليف الاخير أنه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت ، فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني والثالث ضم تكليف إلى تكليف زيادة في الشتديد عليهم لما فيه من المصلحة ، ومنهم من قال : يجب أن

_________________

(١) المسك بالفتح فالسكون : الجلد.

(٢) في المصدر : فقال رسول الله موسى بن عمران لبعض أصحابه.

(٣) الاقاليد : المفاتيح. وفى المصدر : فرأى أن المقاليد تحت رأسه.

(٤) عيون الاخبار ١٨٦ ـ ١٨٧.

٢٦٣

يكون بالصفة الاخيرة فقط دون ما تقدم ، (١) وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للاول ، والثالث للثاني ، وقد يجوز نسخ الشئ قبل الفعل لان المصلحة يجوز أن تتغير بعد فوات وقتها ، وإنما لا يجوز نسخ الشئ قبل وقت الفعل لان ذلك يؤدي إلى البداء.

وذهب آخرون إلى أن التكليف واحد وأن الاوصاف المتأخرة إنما هي للبقرة المتقدمه ، وإنما تأخر البيان(٢) وهو مذهب المرتضى قدس الله روحه ، واستدل بهذه الآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ، قال : إنه تعالى لما كلفهم ذبح بقرة قالوا لموسى عليه‌السلام : « ادع لنا ربك يبين لنا ما هي » فلا يخلو قولهم : « ما هي » من أن يكون كناية عن البقرة المتقدمة ذكرها ، أو عن التي امروا بها ثانيا ، والظاهر من قولهم : « ما هي » يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها ، لانه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة اخرى ليستفهموا عنها ، وإذا صح ذلك فليس يخلو قوله : « إنها بقرة لا فارض ولا بكر » من أن يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الاولى أو غيرها ، وليس يجوز أن يكون كناية عن بقرة ثانية إذ الظاهر تعلقها بما تضمنه سؤالهم ، ولانه لو لم يكن الامر على ذلك لم يكن جوابا لهم ، وقول القائل في جواب من سأله ما كذا وكذا؟ : إنه بالصفة الفلانية ، صريح في أن الهاء كناية عما وقع السؤال عنه ، هذا مع قولهم : « إن البقر تشابه علينا » فإنهم لم يقولوا ذلك إلا وقد اعتقدوا أن خطابهم مجمل غير مبين ، ولو كان على ما ذهب إليه القوم فلم لم يقل لهم : وأي تشابه عليكم وإنما امرتم بذبح أي بقرة كانت؟ وأما قوله : « وما كادوا يفعلون » فالظاهر أن ذمهم مصروف إلى تقصيرهم ، أو تأخيرهم امتثال الامر بعد البيان التام لا على ترك المبادرة في الاول إلى ذبح بقرة. انتهى. (٣)

_________________

(١) بما ان التكليف الاول كان مطلقا ، فلا محالة يكون التكليف الثانى متصفا بصفاته أيضا ، لان المقيد يشتمل على ما في المطلق من الصفات.

(٢) يدل على ذلك ما سيأتى من تفسير العسكرى عليه‌السلام تحت رقم ٧ ، بل يدل على أن موسى عليه‌السلام قال لهم انكم ستؤمرون بذلك راجعه.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٣٦. فيه : أو تأخيرهم امتثال الامر بعد البيان التام وهو غير مقتض ذمهم على ترك المبادرة في الاول إلى ذبح البقرة ، فلا دلالة في الاية على ذلك.

٢٦٤

أقول : غاية ما أفاده رحمه‌الله هو أن الظاهر من الآيات ذلك ، وبعد تسليمه فقد يعدل عن الظاهر لورود النصوص المعتبرة ، وأما النسخ قبل الفعل فقد مر الكلام فيه في باب الذبيح عليه‌السلام ، وتفصيل القوم في ذلك موكول إلى مظانه من الكتب الاصولية.

٣ ـ ص : بإسناده إلى الصدوق عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : كان في مدينة اثنا عشر سبطا امة أبرار ، وكان فيهم شيخ له ابنة وله ابن أخ خطبها إليه فأبى أن يزوجها فزوجها من غير. فقعد له في الطريق إلى المسجد فقتله وطرحه على طريق أفضل سبط لهم ، ثم غدا يخاصمهم فيه ، فانتهوا إلى موسى صلوات الله عليه فأخبروه فأمرهم أن يذبحوا بقرة ، قالوا : أتتخذنا هزوا؟ نسألك من قتل هذا تقول : اذبحوا بقرة! قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولو انطلقوا إلى بقرة لاجيزت ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم ، قالوا : « ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول » فرجعوا إلى موسى وقالوا : لم نجد هذا النعت إلا عند غلام من بني إسرائيل وقد أبى أن يبيعها إلا بملء مسكها دنانير ، قال : فاشتروها ، فابتاعوها فذبحت ، قال : فأخذ جذوة من لحمها فضربه فجلس ، فقال موسى : من قتلك؟ فقال : قتلني ابن أخي الذي يخاصم في قتلى ، قال : فقتل. فقالوا : يا رسول الله إن لهذه البقرة لنبأ ، فقال صلوات الله عليه : وما هو؟ قالوا : إنها كانت لشيخ من بني إسرائيل وله ابن بار به ، فاشترى الابن بيعا فجاء لينقدهم الثمن فوجد أباه نائما ، فكره أن(١) يوقظه والمفتاح تحت رأسه ، فأخذ القوم متاعهم فانطلقوا ، فلما استيقظ قال له : يا أبت إني اشتريت بيعا كان لي فيه من الفضل كذا وكذا. وإني جئت لانقدهم(٢) الثمن فوجدتك نائما ، وإذا المفتاح تحت رأسك ، فكرهت أن اوقظك ، وإن القوم أخذوا متاعهم ورجعوا ، فقال الشيخ : أحسنت يا بني ، فهذه البقرة لك بما صنعت ، وكانت بقية كانت لهم ، فقال رسول الله عليه‌السلام : (٣) انظروا ماذا صنع به البر.(٤)

_________________

(١) في نسخة : فكده أن يوقظه. أى أتعبه.

(٢) نقد الثمن : أعطاه اياه معجلا.

(٣) أى موسى بن عمران عليه‌السلام.

(٤) قصص الانبياء مخطوط.

٢٦٥

٤ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحجال ، عن مقاتل بن مقاتل ، (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة وكان يجزيهم ما ذبحوا وما تيسر من البقر ، فعنتوا وشددوا فشدد عليهم.(٢)

٥ ـ ص : بهذا الاسناد عن ابن عيسى ، عن علي بن سيف ، عن محمد بن عبيدة ، عن الرضا عليه‌السلام قال : إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم ، قال لهم موسى عليه‌السلام : اذبحوا بقرة ، قالوا : ما لونها؟ فلم يزالوا شددوا حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا.(٣)

٦ ـ شى : عن ابن محبوب ، عن علي بن بقطين ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : إن الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة ، وإنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها فشدد الله عليهم.(٤)

٧ ـ م : قوله عزوجل : « وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة » إلى قوله : « لعلكم تعقلون » قال الامام عليه‌السلام : قال الله عزوجل ليهود المدينة : واذكروا إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا(٥) بإذن الله تعالى ويخبركم بقاتله ، وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم ، فألزم موسى عليه‌السلام أهل القبيلة بأمر الله أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل ، (٦) مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ، فإن حلفوا بذلك غرموا دية المقتول ، وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه ، فإن لم يفعلوا حبسوا في مجلس ضنك(٧) إلى أن يحلفوا أو يقروا

_________________

(١) هو مقاتل بن مقاتل بن قياما يروى عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٢ و ٣) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرج البحرانى الاخير في البرهان وفيه : العياشى عن الحسن بن على بن فضال قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام.

(٤) تفسير العياشى مخطوط.

(٥) في المصدر : حيا صويا. ( سويا خ ل ) قلت : صويا أى قويا.

(٦) في المصدر : إله موسى وبنى اسرائيل.

(٧) في نسخة : في محبس ضنك. قلت : الضنك : الضيق.

٢٦٦

أو يشهدوا على القاتل ، فقالوا : يا نبي الله أما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا أيماننا؟ قال : لا ، هكذا حكم الله.

وكان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين(١) كثر خطابها ، وكان لها بنو أعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا ، وأرادت التزويج به ، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له وغبطاه عليها لايثارها إياه ، فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل فألقياه بين أظهرهم ليلا ، فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله ، فجاء ابنا عمه القاتلان له فمزقا على أنفسهما ، وحثيا التراب على رؤوسهما ، واستعديا عليهم ، فأحضرهم موسى عليه‌السلام وسألهم فأنكروا أن يكونوا قتلوه أو علموا قاتله ، قال : فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه(٢) فقالوا : يا موسى أي نفع في أيماننا لنا إذا لم تدرء عنا الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرء عنا الايمان؟ فقال موسى عليه‌السلام : كل النفع في طاعة الله تعالى والايتمار لامره(٣) والانتهاء عما نهى عنه ، فقالوا : يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا ، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا ، لو أن الله عزوجل عرفنا قاتله بعينه وكفانا مؤونته فادع لنا ربك أن يبين لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العقاب(٤) وينكشف أمره لذوي الالباب.

فقال موسى عليه‌السلام : إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا ، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم ولا أعترض عليه فيما أمر ، ألا ترون أنه لما حرم العمل في السبت وحرم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه(٥) أن يغير ما حكم به علينا من ذلك ، بل علينا أن نسلم له حكمه ، ونلتزم ما الزمناه ، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم ، فأوحى

_________________

(١) الثخين : الغليظ ، كناية عن شدة عفتها وحجبها.

(٢) في نسخة : مما عرفتموه. وفى اخرى والمصدر : ما عرفتموه فالتزموه.

(٣) في نسخة : والايتمار بأمره.

(٤) في نسخة : ما يستحقه من العذاب.

(٥) اقترح عليه كذا أو بكذا : تحكم وسأله اياه بالعنف ومن غير روية. اقترح عليه كذا : اشتهى أن يصنعه له.

٢٦٧

الله عزوجل إليه : يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا ، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة ، فإني إنما اريد بإجابتهم إلى ما اقترحا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك ، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين ، والتفضيل لمحمد وعلي بعده على سائر البرايا ، اغنيه في هذه الدنيا في هذه القضية ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله.

فقال موسى : يا رب بين لنا قاتله ، فأوحى الله تعالى إليه : قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك ، وإلا فكفوا عن المسألة والتزموا ظاهر حكمي ، فذلك ما حكى الله عزوجل. « وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم » أي سيأمركم أن تذبحوا بقرة إن أردتم الوقوف على القاتل وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل ، فقالوا : يا موسى أتتخذنا هزوا وسخرية؟ تزعم أن الله يأمر أن نذبح بقرة ونأخذ قطعة من ميت ونضرب بها ميتا فيحيى أحد الميتين بملاقاة بعض الميت الآخر له؟ كيف يكون هذا؟ قال موسى : « أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين » أنسب إلى الله عزوجل ما لم يقل لي ، وأن أكون من الجاهلين ، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت دافعا لقول الله تعالى وأمره. ثم قال موسى عليه‌السلام : أوليس ماء الرجل نطفة ميت وماء المرأة ميت يلتقيان(١) فيحدث الله من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أوليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ في أرضيكم وتعفن(٢) وهي ميتة ، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهجة وهذه الاشجار الباسقة المؤنقة؟(٣) فلما بهرهم(٤) موسى عليه‌السلام قالوا له : « يا موسى ادع لنا ربك يبين لنا ما هي » أي ما صفتها لنقف عليها ، فسأل موسى ربه عزوجل فقال :

_________________

(١) في نسخة وفى المصدر : أوليس ماء الرجل نطفة ميتة وماء المرأة كذلك ميتان يلتقيان؟.

(٢) في المصدر : تتعفن.

(٣) بسق النخل : ارتفعت أغصانه وطال فهو باسق. مؤنقة أى حسنة معجبة.

(٤) أى غلبهم.

٢٦٨

« إنها بقرة لا فارض » كبيرة « ولا بكر » صغيرة « عوان » وسط « بين ذلك » بين الفارض والبكر « فافعلوا ما تؤمرون » إذا امرتم به « قالوا يا موسى ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها » أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها ، قال موسى عن الله تعالى بعد السؤال والجواب « إنها بقرة صفراء فاقع » حسنة لون الصفرة(١) ليس بناقص تضرب إلى بياض ، ولا بمشبع تضرب إلى السواد « لونها » هكذا فاقع « تسر » البقرة « الناظرين » إليها لبهجتها وحسنها وبريقها « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي » صفتها(٢) قال عن الله تعالى : « إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض » لم تذلل لاثارة الارض ولم ترض بها ولا تسقي الارض(٣) ولا هي ممن تجر الدوالي(٤) ولا تدير النواعير ، (٥) قد اعفيت من ذلك أجمع « مسلمة » من العيوب كلها لا عيب فيها « لا شيقة فيها » لا لون فيها من غيرها.

فلما سمعوا هذه الصفات قالوا : يا موسى أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال : بلى ، ولم يقل موسى في الابتداء بذلك ، لانه لو قال : إن الله يأمركم لكانوا إذا قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما لونها وما هي كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عزوجل ، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول : أمركم ببقرة فأي شئ وقع عليه اسم البقر فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها ، قال : فلما استقر الامر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما ، فقالا له : أما إنك كنت لنا محبا مفضلا ، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا ، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك ، فإن الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك ، ففرح الغلام ، وجاءه القوم يطلبون بقرته فقالوا : بكم تبيع بقرتك؟ قال : بدينارين والخيار

_________________

(١) في المصدر والبرهان : « فاقع لونها » حسنة الصفرة.

(٢) في نسخة : ما صفتها يريد؟ وفى المصدر وتفسير البرهان : ما صفتها؟ يزيد في صفتها. قلت : والمعنى أن ما امرنا به هذا فقط أو يزيد الله في صفتها بعد؟

(٣) الصحيح كما في المصحف الشريف والمصدر : ولا تسقى الحرث.

(٤) في نسخة وفى المصدر : الدلاء.

(٥) جمع الناءورة : آلة لرفع الماء ، قوامها دولاب كبير وقواديس مركبة على دائرة.

٢٦٩

لامي ، قالوا : قد رضينا بدينار ، فسألها فقالت : بل بأربعة ، فأخبرهم فقالوا : نعطيك دينارين ، فأخبر امه فقالت : بمائة ، (١) فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول امه ويرجع إلى امه فتضعف الثمن حتى بلغ(٢) ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ، ملؤه دنانير ، فأوجب لهم البيع ، ثم ذبحوها فأخذوا قطعة وهي عجب الذنب(٣) الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا اعيد(٤) خلقا جديدا فضربوه بها وقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين لما أحييت هذا الميت وأنطقته ليخبر عن قاتله ، فقام سالما سويا وقال : يا نبي الله قتلني هذان ابنا عمي ، حسداني على ابنة عمي فقتلاني وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذوا ديتي ، فأخذ موسى الرجلين فقتلهما ، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي ، فقالوا : يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله؟ قال موسى : قد صدقت وذلك إلى الله عزوجل ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى إني لا اخلف وعدي ولكن ليقدموا(٥) للفتى من ثمن بقرته فيملؤوا مسكها دنانير ثم احيي هذا ، فجمعوا أموالهم ووسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار ، (٦) فقال بعض بنى إسرائيل لموسى عليه‌السلام وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة : لا ندري أيهما أعجب : إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟ فأوحى الله إليه : يا موسى قل لبني إسرائيل من أحب منكم أن اطيب في الدنيا عيشه واعظم في جناني محله وأجعل بمحمد(٧) وآله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى ، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران ذكر محمد وعلي وآلهما الطيبين وكان عليهم مصليا ولهم على جميع الخلائق

_________________

(١) في المصدر والبرهان : فقالت : بثمانية.

(٢) في نسخة : فتضاعف حتى بلغ.

(٣) العجب بالفتح فالسكون : مؤخر كل شئ أصل الذنب عند رأس العصعص وفى المصدر : عجز الذنب.

(٤) في نسخة وفى المصدر : اذا اريد.

(٥) في نسخة : لم يقدموا ، وفى المصدر : ثمن بقرته.

(٦) في نسخة : خمسة آلاف آلاف. والصواب ما في المتن لما يأتى بعد ذلك.

(٧) في نسخة : واجعل لمحمد.

٢٧٠

من الجن والانس والملائكة مفضلا ، فلذلك صرفت إليه المال العظيم ليتنعم بالطيبات ، ويتكرم بالهبات والصلات ، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات ، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات.

قال الفتى : يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها ، وحسد من يحسدني لاجلها؟ قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها ، فإن الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد ، فقالها الفتى فما رامها حاسد له ليفسدها أو لص ليسرقها أو غاصب ليغصبها إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطيفة من لطائفه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه كف اضطرار.(١)

قال عليه‌السلام : فلما قال موسى للفتى ذلك وصار الله عزوجل له بمقالته حافظا قال هذا المنظور : « اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا(٢) بابنة عمي وتخزي(٣) عني أعدائي و حسادي وترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا » فأوحى الله إليه : يا موسى إن لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستين سنة ، وقد وهبت له لمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة ، صحيحة حواسه ، ثابت فيها جنانه ، قوية فيها شهواته ، يتمتع بحلال هذه الدنيا ، ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه ، فإذا حان حينه حان حينها وماتا جميعا معا فصارا إلى جناني ، فكانا زوجين فيها ناعمين ، ولو سألني يا موسى هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد واقنعه بما رزقته و ذلك هو الملك العظيم لفعلت ، ولو سألني بذلك مع التوبة(٤) أن لا افضحه لما فضحته ، و لصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل ، ولاغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا

_________________

(١) في المصدر : فكيف اضطرارا.

(٢) في نسخة : أن تبقينى في الدنيا ممتعا.

(٣) في المصدر : وتجزى عنى اعدائى.

(٤) في نسخة : ولو سألنى بذلك مع التوبة من صنيعه.

٢٧١

المال ، (١) ولو سألني بعدما افتضح وتاب إلي وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسي الناس فعله بعدما ألطف لاوليائه فيعفون عن القصاص لفعلت ، وكان لا يعيره بفعله أحد ، ولا يذكره فيهم ذاكر ، ولكن ذلك فضل اوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ، وأعدل بالمنع على من أشاء وأنا العزيز الحكيم ، (٢) فلما ذبحوها قال الله تعالى : « فذبحوها وما كادوا يفعلون » وأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ، ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم لموسى عليه‌السلام حداهم ، (٣) قال فضجوا إلى موسى عليه‌السلام وقالوا : افتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف ، وانسلخنا(٤) بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا ، فادع الله لنا بسعة الرزق ، فقال لهم موسى عليه‌السلام : ويحكم ما أعمى قلوبكم؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أوما سمعتم دعاء الفتى المقتول المنشور وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم بحواسه(٥) وسائر بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما وتتوسلون إلى الله بمثل وسيلتهما ليسد فاقتكم ، ويجبر كسركم ، ويسد خلتكم؟(٦) فقالوا : « اللهم إليك التجأنا ، وعلى فضلك اعتمدنا ، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم » فأوحى الله إليه : يا موسى قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا في موضع كذا لموضع عينه وحه أرضها قليلا ويستخرجوا ما هناك ، فإنه عشرة آلاف ألف دينار ، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم ، (٧) ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة ، ليتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين ، واعتقادهم لتفضيلهم ، فذلك ما قال الله عزوجل: « و

_________________

(١) في نسخة : بقدر هذا المال أوجده ، وفى المصدر : الذى أوجده.

(٢) في المصدر : وأنا العدل الحكيم.

(٣) في المصدر : جرهم عليه. حداهم عليه خ ل.

(٤) في نسخة : ووقعت إلى التكفف. وفى البرهان : ورفعت. وفى المصدر : وانسلختها.

(٥) في نسخة : والتمتع بحواسه. وفى المصدر : والتنعم والتمتع بحواسه.

(٦) الخلة بالفتح : الفقر والحاجة.

(٧) في المصدر : لتعود أحوالهم إلى ما كانت عليه.

٢٧٢

إذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها » اختلفتم فيها (وتدار أتم خ ل) ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض ، ودرأه عن نفسه وذويه » والله مخرج « مظهر » ما كنتم تكتمون « ما كان من خبر القاتل وما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه » فقلنا اضربوه ببعضها « ببعض البقرة » كذلك يحيي الله الموتى « في الدنيا والآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر له ، أما في الدنيا فيتلاقى ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الاصلاب والارحام حيا ، وأما في الآخرة فإن الله تعالى ينزل بين نفختي الصور بعدما ينفخ النفخة الاولى من دوين السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله فيه : « والبحر المسجور » وهي من مني كمني الرجل ، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض ويحيون ، ثم قال الله عزوجل : « ويريكم آياته » سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوة موسى عليه‌السلام نبيه وفضل محمد على الخلائق سيد عبيده وإمائه ، وتبيينه فضله(١) وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين « لعلكم تعقلون » تعتبرون وتتفكرون أن الذي فعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة ، ولا يختار محمدا وآله إلا لانهم أفضل ذوي الالباب.(٢)

بيان : ( أما وقت أيماننا أموالنا ) استبعاد منهم للحكم عليهم بالدية بعد حلفهم ، أي أليس أيماننا وقاية لاموالنا وبالعكس حتى جمعت بينهما؟ والباسقة : الطويلة. وراض الدابة : ذللها. والنواعير جمع الناعورة وهي الدولاب والدلو يستقى بها ، ونادمه منادمة ونداما : جالسه على الشراب. قوله عليه‌السلام : (ولم يقل موسى ) حاصله أنه عليه‌السلام حمل قوله

تعالى : « إن الله يأمركم » على حقيقة الاستقبال ، ولذا فسره بقوله : سيأمركم ، فوعدهم أولا بالامر ، ثم بعد سؤالهم وتعيين البقرة أمرهم ولو قال موسى أولا بصيغة الماضي ( أمركم أن تذبحوا ) لتعلق الامر بالحقيقة ، وكان يكفي أي بقرة كانت ، وهذا وجه ثالث غير ما ذهب إليه الفريقان في تأويل الآية ، لكن بقول السيد وأصحابه أنسب ، وجمعه مع الاخبار السابقة لا يخلو من إشكال ، ويمكن أن تحمل الاخبار السابقة على أنه تعالى لما علم أنه إن أمرهم ببقرة مطلقة لم يكتفوا بذلك فلذا لم يأمرهم بها أولا ، أو على أنه بعد

_________________

(١) في نسخة : وتثبيت فضله.

(٢) تفسير الامام : ١٠٨ ـ ١١٣.

٢٧٣

الوعد بالامر لو لم يسألوا عن خصوص البقرة لامرهم ببقرة مطلقة ، فلما بادروا بالسؤال شدد عليهم ، وهما بعيدان وارتكاب مثلهما فيها لهذا الخبر مع كونها أقوى وأكثر مشكل والله يعلم حقيقة الامر.(١)

وقال الثعلبي : قال المفسرون : وجد قتيل في بني إسرائيل اسمه عاميل ولم يدروا قاتله ، واختلفوا في قاتله وسبب قتله ، فقال عطا والسدي : كان في بني إسرائيل رجل كثير المال وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره ، فلما طال عليه حياته قتله ليرثه ، وقال بعضهم : كان تحت عاميل بنت عم له ، كانت مثلا في بني إسرائيل بالحسن والجمال ، فقتله ابن عمه لينكحها ، فلما قتله حمله من قريته إلى قرية اخرى فألقاه هناك ، وقال عكرمة : كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا ، لكل سبط منهم باب فوجد قتيل على باب سبط قتل وجر إلى باب سبط آخر ، فاختصم فيه السبطان ، وقال ابن سيرين : قتله القاتل ثم احتمله فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يطلب بدمه ، وقيل : ألقاه بين قريتين فاختصم فيه أهلهما فاشتبه أمر القتيل على موسى وكان ذلك قبل نزول القسامة ، فأمرهم الله بذبح البقرة فشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، وإنما كان تشديدهم تقديرا من الله به وحكمة. وكان السبب فيه على ما ذكره السدي وغيره أن رجلا من بني إسرائيل كان بارا بأبيه ، وبلغ من بره أن رجلا أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفا ، وكان فيها فضل وربح ، فقال للبائع : (٢) إن أبي نائم ، ومفتاح الصندوق تحت رأسه ، فأمهلني حتى يستيقظ فاعطيك الثمن ، قال : فأيقظ أباك وأعطني المال ، قال : ما كنت لافعل ، ولكن أزيدك عشرة آلاف فأنظرني حتى ينتبه أبي ، فقال الرجل : فأنا أحط عنك عشرة آلاف إن أيقظت أباك وعجلت النقد ، فقال : وأنا أزيدك عشرين ألفا إن انتظرت انتباهة أبي ، ففعل ولم

_________________

(١) في نسخة مخطوطة هنا زيادة لا تخلو عن تكرار وهى هكذا : ثم اعلم أن هذا الخبر يدل صريحا على ما ذهب إليه السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه وأتباعه من أن المكلف به أولا كان ما بينه تعالى لهم أخيرا فينافى الاخبار السابقة ، ويمكن حمله على أن المراد به أنه تعالى لو لم يكن يعلم سؤالهم بعد أمرهم بذبح البقرة لم يكلفهم الا بذبح بقرة غير معينة ، ولما علم سؤالهم كلفهم أولا بما بين لهم أخيرا فالباعث على ذلك هو سؤالهم لعلمه به قبل وقوعه.

(٢) في المصدر : فقال البائع : اعطنى ثمن اللؤلؤة فقال : إن ابى نائم.

٢٧٤

يوقظ أباه ، (١) فلما استيقظ أبوه أخبره بذلك فدعا له وجزاه خيرا ، وقال : هذه البقرة لك بما صنعت ، فقال رسول الله : انظروا ماذا صنع به البر.

وقال ابن عباس ووهب وغيرهما من أهل الكتب : كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل ، وكان له عجل ، فأتى بالعجل إلى غيضة(٢) وقال : اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر ، ومات الرجل فشبت العجلة في الغيضة وصارت عوانا ، وكانت تهرب من كل من رامها ، فلما كبر الصبي كان بارا بوالدته ، وكان يقسم الليلة ثلاثة أثلاث : يصلي ثلثا ، وينام ثلثا ، ويجلس عند رأس امه ثلثا ، فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهر ، ويأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه ، ويأكل ثلثه ، ويعطي والدته ثلثا ، فقالت له امه يوما : إن أباك ورثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها ، فانطلق إليها وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك ، وإن من علامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتها وصفاء لونها ، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال : أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، (٣) فاقبلت تسعى حتى قامت بين يديه ، فقبض على عنقها وقادها ، فتكلمت البقرة بإذن الله وقالت : أيها الفتى البار بوالدته اركبني فإن ذلك أهون عليك ، فقال الفتى : إن امي لم تأمرني بذلك ولكن قالت : خذ بعنقها ، قالت البقرة : بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبدا فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بوالدتك ، فصار الفتى بها فاستقبله عدو الله إبليس في صورة راع فقال : أيها الفتى إني رجل من رعاة البقر ، اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لاقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وما قدرت عليه ، وإني أخشى على نفسي الهلكة ، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجيني من الموت واعطيك أجرها

_________________

(١) في المصدر : فقال قبلت فقعد ولم يوقظ أباه.

(٢) الغيضة : الاجمة. مجتمع الشجر في مغيض الماء.

(٣) في المصدر : ويعقوب أن تردى على.

٢٧٥

بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى ، وقال : اذهب فتوكل على الله ، ولو علم الله تعالى منك اليقين لبلغك بلا زاد ولا راحلة ، فقال إبليس : إن شئت فبعنيها بحكمك ، وإن شئت فاحملني عليها واعطيك عشرة مثلها ، (١) فقال الفتى : إن امي لم تأمرني بهذا ، فبين الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة ، وغاب الراعي ، فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت البقرة إليه ، فقالت : أيها الفتى البار بوالدته ألم تر إلى الطائر الذي طار ، فإنه إبليس عدو الله اختلسني ، أما إنه لو ركبني لما قدرت علي أبدا ، فلما دعوت إله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردني إليك لبرك بامك وطاعتك لها ، فجاء بها الفتى إلى امه فقالت له : إنك فقير لا مال لك ، ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل ، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها ، قال لامه : بكم أبيعها؟ قالت : بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي ، وكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير ، فانطلق بها الفتى إلى السوق فعقبه الله(٢) سبحانه ملكا ليري خلقه قدرته ، وليختبر الفتى كيف بره بوالدته ، وكان الله به خبيرا ، فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة؟ قال : بثلاثة دنانير ، وأشترط عليك رضى امي ، فقال له الملك : ستة دنانير ولا تستأمر امك ، فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضى امي ، فردها إلى امه وأخبرها بالثمن ، فقالت : ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني ، فانطلق الفتى بالبقرة إلى السوق فأتى الملك فقال : استأمرت والدتك؟ فقال الفتى : نعم إنها أمرتني أن لا انقصها من ستة دنانير على أن أستأمرها ، قال الملك : فإني اعطيك اثني عشر(٣) على أن لا تستأمرها ، فأبى الفتى ورجع إلى امه وأخبرها بذلك ، فقالت : إن ذاك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صورة آدمي ليجربك ، فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل ذلك فقال له الملك : اذهب إلى امك وقل لها : امسكي هذه البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير ، فأمسكا البقرة وقدر الله تعالى على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافاة على بره بوالدته ،

_________________

(١) في المصدر : عشرة أمثالها.

(٢) في المصدر : فبعث الله.

(٣) في المصدر : اثنى عشر دينارا.

٢٧٦

فضلا منه ورحمة ، فطلبوها فوجدوها عند الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهبا ، وقال السدي اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا.

واختلفوا في البعض المضروب به : فقال ابن عباس : ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل ، وقال الضحاك : بلسانها ، وقال الحسين بن الفضل هذا أولى الاقاويل ، لان المراد كان من إحياء القتيل كلامه واللسان آلته ، وقال سعيد بن جبير : بعجب ذنبها ، وقال يمان(١) بن رئاب وهو أولى التأويلات بالصواب : (٢) العصعص أساس البدن الذي ركب عليه الخلق ، وإنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ، وقال مجاهد : بذنبها ، وقال عكرمة والكلبي : بفخذها الايمن ، وقال السدي : بالبضعة التي بين كتفيها ، وقيل : باذنها.(٣) ففعلوا ذلك فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دما ، وقال : قتلني فلان ، ثم سقط ومات مكانه.(٤)

أقول : وقال السيد بن طاوس رحمه‌الله في كتاب سعد السعود : وجدت في تفسير منسوب إلى أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وأما قول الله تعالى: « إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة » فذلك أن رجلين من بني إسرائيل وهما أخوان وكان لهما ابن عم أخ أبيهما وكان غنيا مكثرا ، وكانت لهما ابنة عم حسناء شابة كانت مثلا في بني إسرائيل بحسنها وجمالها خافا أن ينكحها ابن عمها ذلك الغني فعمدا فقتلاه فاحتملاه فألقياه إلى جنب قرية ليبرؤوا منه ، وأصبح القتيل بين ظهرانيهم ، فلما غم عليهم شأنه ومن قتله قال أصحاب القرية الذين وجد عندهم : يا موسى ادع الله لنا أن يطلع على قاتل هذا الرجل ، ففعل موسى ثم ذكر ما ذكره الله جل جلاله في كتابه ، وقال ما معناه : إنهم شددوا فشدد الله عليهم ، ولو ذبحوا في الاول أي بقرة كانت كافية ، فوجدوا البقرة لامرأة فلم تبعها لهم إلا بملء جلدها ذهبا ، وضربوا المقتول ببعضها ، فعاش فأخبرهم بقاتله فاخذا فقتلا فاهلكا في الدنيا ، وهكذا يقتلهما ربنا في الآخرة.(٥)

_________________

(١) في المصدر : وقال غياث.

(٢) في المصدر : وهو أولى التأويلات بالصواب ، لان عجب الذنب أساس البدن.

(٣) في نسخة : باذنيها.

(٤) عرائس الثعلبى : ١٣٠ ـ ١٣٢.

(٥) سعد السعود : ١٢١ ـ ١٢٢ ، فيه وفى نسخة : يقتله دنيا وآخرة.

٢٧٧

(باب ١٠)

*(قصة موسى عليه السلام حين لقى الخضر)*

*(وسائر قصص الخضر عليه السلام وأحواله)*

الايات ، الكهف : « ١٨ » وإذ قال موسى لفتاه « إلى قوله تعالى » : صبرا ٦٠ ـ ٨٢.

١ ـ فس : لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا : أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته ، فأنزل الله عزوجل : « وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا » قال : وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليما وأنزل الله عليه الالواح وفيها كما قال الله : « وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ » ورجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه ، قال في نفسه : ما خلق الله خلقا أعلم مني ، فأوحى الله إلى جبرئيل : أدرك موسى فقد هلك ، وأعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه ، فنزل جبرئيل على موسى عليه‌السلام وأخبره فذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب ، وقال لوصيه يوشع : إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه ، فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا ، فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستقليا على قفاه فلم يعرفاه ، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت ، وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء ، فمضى موسى عليه‌السلام ويوشع معه حتى عييا ، فقال لوصيه : « آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا » أي عناء ، فذكر وصيه السمكة فقال لموسى : إني نسيت الحوت على الصخرة ، فقال موسى : ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده ، فرجعا على آثارهما قصصا إلى عند الرجل وهو في الصلاة ، فقعد موسى حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما.

فحدثني محمد بن علي بن بلال ، عن يونس ، قال : اختلف يونس وهشام بن إبراهيم

٢٧٨

في العالم الذي أتاه موسى عليه‌السلام أيهما كان أعلم؟ وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه؟ فقال قاسم الصيقل : فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسألونه عن ذلك ، فكتب في الجواب : أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متكئا ، فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس بها سلام ، فقال : من أنت؟ قال : أنا موسى بن عمران ، قال : أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال : نعم ، قال : فما حاجتك؟ قال : جئت(١) لتعلمني مما علمت رشدا ، قال : إني وكلت بأمر لا تطيقه ، ووكلت بأمر لا اطيقه ، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ، ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول : يا ليتني كنت من آل محمد ، وحتى ذكر فلانا وفلانا(٢) ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه ، وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه ، وذكر له تأويل هذه الآية : « ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة » حين أخذ الميثاق عليهم فقال موسى : « هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا » فقال الخضر : « إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » فقال موسى : « ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا » قال الخضر : « فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا » يقول : لا تسألني عن شئ أفعله ولا تنكره علي حتى اخبرك أنا بخبره ، قال : نعم ، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر ، وقد شحنت سفينة(٣) وهي تريد أن تعبر ، فقال أرباب السفينة : نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون ، فحملوهم فلما جنحت السفينة(٤) في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها وحشاها بالخرق والطين ، فغضب موسى عليه‌السلام غضبا شديدا ، وقال للخضر : « أخرفتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا » (٥) فقال له الخضر : « ألم أقل

_________________

(١) في المصدر : جئتك.

(٢) زاد في المصدر : وفلانا.

(٣) أى ملئت.

(٤) جنحت السفينة : بلغت ماء رقيقا فلصقت بالارض.

(٥) الامر : العجيب. المنكر.

٢٧٩

إنك لن تستطيع معي صبرا » قال موسى : « لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ».

فخرجوا من السفينة فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر ، وفي اذنيه درتان ، فتأمله الخضر ثم أخذه وقتله ، فوثب موسى إلى الخضر(١) وجلد به الارض(٢) فقال : « أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا » فقال الخضر له : « ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا » قال موسى : « لئن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا » فانطلقا حتى إذا أتيا بالعشي قرية تسمى الناصرة(٣) وإليها تنسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا ، فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم ، فنظر الخضر عليه‌السلام إلى حائط قد زال لينهدم ، فوضع الخضر يده عليه ، وقال : قم بإذن الله فقام ، فقال موسى عليه‌السلام : لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويؤوونا وهو قوله : « لو شئت لتخذت عليه أجرا » فقال له الخضر عليه‌السلام : « هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا » أما السفينة التي فعلت بها ما فعلت فإنها كانت لقوم مساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ، كذا نزلت ، (٤) وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا.

« وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين » وطبع كافرا ، كذا نزلت ، فنظرت إلى جبينه و عليه مكتوب : طبع كافرا « فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما » فأبدل الله والديه بنتا ولدت سبعين نبيا.(٥) « وأما الجدار » الذي أقمته « فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما

_________________

(١) في المصدر : فقتله فوثب موسى على الخضر.

(٢) جلد به الارض : صرعه.

(٣) في نسخة وفى المصدر : « فانطلقا حتى أتيا أهل قرية » بالعشى تسمى الناصرة.

(٤) فيه غرابة وكذا فيما بعده ، حيث انهما يدلان على التحريف وهو خلاف ما عليه معظم الامامية ، ولعله أراد بذلك أن ذلك اريد مما نزلت.

(٥) في هامش المطبوع ونسخة مخطوطة : ( كان منها ومن نسلهما سبعون نبيا من انبياء بنى اسرائيل ، خ ) ولكن سائر النسخ والمصدر خالية عنه.

٢٨٠