بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٢ ـ شى : عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام لي : إن بني إسرائيل قال لهم « ادخلوا الارض المقدسة » فلم يدخلوها حتى حرمها عليهم وعلى أبنائهم ، وإنما دخلها أبناء الابناء.(١)

١٣ ـ شى : عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له ، أصلحك الله « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » أكان كتبها لهم؟ قال : إي والله لقد كتبها لهم ثم بدا له لا يدخلوها.(٢) قال : ثم ابتدأ هو فقال : إن الصلاة كانت ركعتين عند الله فجعلها للمسافر وزاد للمقيم ركعتين فجعلها أربعا.(٣)

١٤ ـ شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » قال : كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لابنائهم فدخلوها ، والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب.(٤)

١٥ ـ شى : عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ذكر أهل مصر وذكر قوم موسى وقولهم : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » فحرمها الله عليهم أربعين سنة وتيههم ، فكان إذا كان العشاء أخذوا في الرحيل ونادوا : الرحيل الرحيل ، الوحى الوحى ، (٥) فلم يزالوا كذلك حتى تغيب الشفق حتى إذا ارتحلوا واستوت بهم الارض قال الله للارض : ديري بهم ، فلم يزالوا كذلك حتى إذا أسحروا وقارب الصبح قالوا : إن هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا ، فإذا أصبحوا إذا أبنيتهم ومنازلهم التي كانوا فيها بالامس فيقول بعضهم لبعض : يا قوم لقد ظللتم وأخطأتم الطريق ، فلم يزالوا كذلك حتى أذن الله لهم فدخلوها وقد كان كتبها لهم.(٦)

١٦ ـ شى : عن داود الرقي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : كان أبوجعفر عليه‌السلام يقول : نعم الارض الشام وبئس القوم أهلها ، وبئس البلاد مصر ، أما إنها سجن

_________________

(١ و ٣ و ٤) مخطوط.

(٢) تقدم معنى البداء في ج ٤ ص ٩٢ راجعه.

(٥) الوحى الوحى أى البدار البدار.

(٦) مخطوط. وقد أخرجه وما قبله وما بعده البحرانى أيضا في تفسير البرهان ١ : ٤٥٦ و ٤٥٧.

١٨١

من سخط الله عليه ، ولم يكن دخول بني إسرائيل مصر إلا من سخط ومعصية منهم لله ، لان الله قال : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » يعني الشام فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الارض أربعين سنة في مصر وفيافيها ، ثم دخلوها بعد أربعين سنة ، قال : وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضى الله عنهم ، وقال : إني لاكره أن آكل من شئ طبخ في فخارها ، وما احب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن يورثني ترابها الذل ويذهب بغيرتي.(١)

١٧ ـ شى : عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله تعالى : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » قال : كان في علمه أنهم سيعصون ويتيهون أربعين سنة ثم يدخلونها بعد تحريمه إياها عليهم.(٢)

١٨ ـ يب : قال الصادق عليه‌السلام : نومة الغداة مشومة تطرد الرزق ، وتصفر اللون وتغيره وتقبحه ، وهو نوم كل مشوم ، إن الله تعالى يقسم الارزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وإياكم وتلك النومة ، وكان المن والسلوى ينزل على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال والطلب.(٣)

١٩ ـ م : قوله عزوجل : « وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » قال الامام عليه‌السلام : قال الله عزوجل : واذكروا يا بني إسرائيل إذ ظللنا عليكم الغمام لما كنتم في التيه تقيكم حر الشمس وبرد القمر « وأنزلنا عليكم المن والسلوى » المن : الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه ، والسلوى : السمانى أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه ، قال الله عزوجل لهم : كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا نعمتي وعظموا من عظمته ، ووقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود والمواثيق لهم محمد وآله الطيبين. قال الله عزوجل : وما ظلمونا لما بدلوا وقالوا غير ما به امروا ولم يفوا بما عليه عوهدوا لان

_________________

(١ و ٢) تفسير العياشى : مخطوط.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥.

١٨٢

كفر الكافر(١) لا يقدح في سلطاننا وممالكنا ، كما أن إيمان المؤمن(٢) لا يزيد في سلطاننا ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يضرون بها لكفرهم وتبديلهم ، ثم قال(٣) رسول الله صلى الله عليه وآله : عباد الله عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت ولا تفرقوا بيننا ، وانظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق ، ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق ، ثم إن بدلتم وغيرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم ، فكونوا لنعماء الله من الشاكرين.(٤)

ثم قال الله عزوجل : « وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية » إلى قوله تعالى : « ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون » قال الامام عليه‌السلام : قال الله عزوجل : واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لاسلافكم : ادخلوا هذه القرية وهي أريحا من بلاد الشام ، وذلك حين خرجوا من التيه ، « فكلوا منها » من القرية « حيث شئتم رغدا » واسعا بلا تعب « وادخلوا الباب » القرية « سجدا » مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال ، وأن يجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما ، « وقولوا حطة » أي قولوا : إن سجودنا لله تعظيما لمثال محمد وعلي ، واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا ، قال الله تعالى : « نغفر لكم » أي بهذا الفعل « خطاياكم » السالفة ، ونزيل عنكم آثامكم الماضية « وسنزيد المحسنين » من كان فيكم(٥) لم يقارف الذنوب التي قارفها من خالف الولاية ، وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية فإنا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات ، وذلك قوله عزوجل : « وسنزيد المحسنين ».

قوله عزوجل : « فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم » أي لم يسجدوا كما امروا ، ولا قالوا ما امروا ، ولكن دخلوها من مستقبليها بأستاههم وقالوا : هنطا سمقانا ، (٦) أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول ، قال الله

_________________

(١) في نسخة : كفر الكافرين.

(٢) في نسخة : ايمان المؤمنين.

(٣) في المصدر : ثم قال : قال. وهو الصحيح.

(٤) في المصدر : وفى نسخة من الكتاب : فكونوا النعماء الله الشاكرين.

(٥) في المصدر : من كان منكم.

(٦) في نسخة من المصدر : هطا سمقانا.

١٨٣

عزوجل : « فأنزلنا على الذين ظلموا » غيروا وبدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين « رجزا من السماء بما كانوا يفسقون » يخرجون عن أمر الله وطاعته قال : والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفا ، وهم من علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ، ولم ينزل هذا الرجز على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة يوحد(١) الله ويؤمن بمحمد ويعرف الولاية لعلي وصيه وأخيه ، ثم قال الله تعالى : « وإذ استسقى موسى لقومه » قال : واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقي(٢) لما لحقهم العطش في التيه ، وضجوا بالبكاء إلى موسى وقالوا : هلكنا بالعطش ، (٣) فقال موسى : « إلهي بحق محمد سيد الانبياء ، وبحق علي سيد الاوصياء ، وبحق فاطمة سيدة النساء ، وبحق الحسن سيد الاولياء ، وبحق الحسين سيد الشهداء ، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء » فأوحى الله تعالى : يا موسى « اضرب بعصاك الحجر » فضربه بها « فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس » كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب « مشربهم » فلا يزاحم الآخرين في مشربهم ، قال الله تعالى : « كلوا واشربوا من رزق الله » الذي آتاكموه « ولا تعثوا في الارض مفسدين » ولا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون. ثم قال الله عزوجل : « وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد « اذكروا إذ قال أسلافكم : لن نصبر على طعام واحد : المن والسلوى ، ولابد لنا من خلط معه » فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها » قال موسى : « أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير » يريد : أتستدعون الادنى(٤) ليكون لكم بدلا من الافضل ، ثم قال : « اهبطوا مصرا » من الامصار من هذه التيه(٥) « فإن لكم ما سألتم » في المصر.

_________________

(١) في المصدر : « توحد » بالتأنيت وكذا ما بعده.

(٢) في نسخة وفى المصدر : طلب لهم السقيا ، قلت : السقيا : اسم من السقى. والاستسقاء.

(٣) في المصدر : أهلكنا العطش.

(٤) في نسخة : أتستدعون الادون.

(٥) في المصدر : ثم قال : اهبطوا مصرا من هذا التيه.

١٨٤

ثم قال الله عزوجل : « وضربت عليهم الذلة » أي الجزية اخزوا(١) بها عند ربهم وعند مؤمني عباده « والمسكنة » هي الفقر والذلة « وباءوا بغضب من الله » احتملوا الغضب واللعنة من الله « ذلك بأنهم كانوا » ذلك الذي لحقهم من الذلة والمسكنة واحتملوا من غضب الله بأنهم كانوا « يكفرون بآيات الله » قبل أن ضرب عليهم هذه الذلة والمسكنة « ويقتلون النبيين بغير الحق » وكانوا يقتلونهم بغير حق بلا جرم كان منهم إليهم ولا إلى غيرهم « ذلك بما عصوا » ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبأووا بغضب من الله بما عصوا « وكانوا يعتدون » يتجاوزون أمر الله إلى أمر إبليس.(٢)

٢٠ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبدالله بن القاسم ، عن أبي سعيد الخراساني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إن |القائم عليه‌السلام إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل أحد كم طعاما ولا شرابا ، ويحمل حجر موسى بن عمران ـ وهو وقر بعير ـ (٣) فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه ، فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظامئا روي ، فهو زادهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة.(٤)

٢١ ـ م : أقبل رسول الله على اليهود وقال : احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله وخلاف كتاب الله ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم : « فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم » وامروا بأن يقولوه ، فقال الله تعالى : « فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا » عذابا « من السماء » طاعونا نزل بهم فمات منهم مائة وعشرون ألفا ، ثم أخذهم بعد ذلك فمات منهم مائة وعشرون ألفا أيضا ، وكان خلافهم أنهم لما أن بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا فقالوا : ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول ههنا؟ ظننا أنه باب منحط(٥) لابد من

_________________

(١) في نسخة : « خذوا » ولعله تصحيف « خزوا ».

(٢) تفسير العسكرى : ١٠٢ ـ ١٠٥.

(٣) أى حمل بعير.

(٤) الاصول : ٢٣١.

(٥) في نسخة وفى المصدر : باب متطأمن أى منخفض.

١٨٥

الركوع فيه ، وهذا باب مرتفع إلى متى يسخر بنا هؤلاء؟ ـ يعنون موسى ويوشع بن نون ـ ويسجدوننا في الاباطيل؟ وجعلوا أستاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطة الذي امروا به « حطا سمقانا » يعنون حنطة حمراء ، فذلك تبديلهم.(١)

تتميم : (٢) قال الثعلبي : إن الله عزوجل وعد موسى عليه‌السلام أن يورثه وقومه الارض المقدسة وهي الشام ، وكان يسكنها الكنعانيون الجبارون. وهم العمالقة من ولد عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وعد الله موسى أن يهلكهم ويجعل أرض الشام مساكن بني إسرائيل ، فلما استقرت ببني إسرائيل الدار بمصر أمرهم الله بالسير إلى أريحا أرض الشام(٣) وهي الارض المقدسة ، وقال : يا موسى إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فإني ناصركم عليهم ، وخذ من قومك اثني عشر نقيبا(٤) من كل سبط نقيبا ليكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما امروا به ، فاختار موسى النقباء من كل سبط نقيبا وأمره عليهم ، (٥) فسار موسى عليه‌السلام ببني إسرائيل قاصدين أريحا فبعث هؤلاء النقباء إليها يتجسسون له الاخبار ويعلمون علمها وحال أهلها ، فلقيهم رجلا من الجبارين يقال له عوج بن عناق ، (٦) قال ابن عمر : كان طول عوج ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاث

_________________

(١) تفسير العسكرى : ٢٢٧.

(٢) هنا زيادة في نسخة مخطوطة ليست في المطبوعة أصلا ، وقد خط عليها في نسخة مخطوطة اخرى بعدما كتبت ، وهى : قال الطبرسى رحمه‌الله في قوله تعالى : ( ادخلوا الارض المقدسة ) : هى بيت المقدس عن ابن عباس والسدى وابن زيد ، وقيل : هى دمشق وفلسطين وبعض الاردن ، عن الزجاج والفراء ، وقيل : هى الشام ، عن قتادة ، وقيل : هى أرض الطور وما حوله ، عن مجاهد ، و المقدسة المطهرة طهرت من الشرك وجعلت مسكنا وقرارا للانبياء والمؤمنين « التى كتب الله لكم » أى كتب في اللوح المحفوظ أنها لكم ، وقيل : معناه : وهب الله لكم ، عن ابن عباس ، وقيل : معناه : أمركم الله بدخوله ، عن قتادة والسدى.

فان قيل : كيف كتب لهم مع أنه حرمها عليهم؟ فجوابه أنها كانت هبة من الله لهم ثم حرمها عليهم ، عن ابن اسحاق ، وقيل : ان المراد به الخصوص وان كان الكلام على العموم فصار كأنه مكتوب لبعضهم حرام على البعض ، والذين كتب لهم هم الذين كانوا مع يوشع بن نون بعد موت موسى بشهرين.

(٣) في المصدر : من أرض الشام.

(٤) ذكر اليعقوبى في تاريخه أسماء النقباء وعدد من كان معهم من بنى اسرائيل راجعه.

(٥) أى جعله أميرا عليهم.

(٦) في المصدر : عوج بن عنق.

١٨٦

وثلاثين ذراعا وثلث ذراع بذراع الملك ، (١) وكان عوج يحتجر(٢) بالسحاب ويشرب ، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله!.(٣) ويروى أنه أتى نوحا عليه‌السلام أيام الطوفان فقال له : احملني معك في سفينتك ، فقال له : اذهب يا عدو الله فإني لم اومر بك ، وطبق الماء ما على الارض من جبل وما جاوز ركبتي عوج! وعاش عوج ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله تعالى على يد موسى عليه‌السلام ، وكان لموسى عليه‌السلام عسكر فرسخ في فرسخ ، فجاء عوج حتى نظر إليهم ، ثم أتى الجبل وقور منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله تعالى إليه الهدهد ومعه المسن ـ يعني منقاره ـ (٤) حتى قور الصخرة فانتقبت(٥) فوقعت في عنق عوج فطوقته فصرعته ، فأقبل موسى عليه‌السلام وطوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع ونزا في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلا كعبه وهو مصروع بالارض فقتله.

قالوا : فأقبلت جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى جزوا رأسه ، فلما قتل وقع على نيل مصر فجسرهم سنة ، قالوا : وكانت امه عنق ويقال عناق إحدى بنات آدم عليه‌السلام من صلبه ، (٦) فلما لقيهم عوج وعلى رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر وجعلهم في حجزته وانطلق بهم إلى امرأته ، وقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم

_________________

(١) المصدر خال عن ( ثلث ذراع ) والمذكور فيه هكذا : ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا بالذراع الاول.

(٢) في المصدر : يحتجز بالسحب ويشرب منه الماء. قال المصنف في الهامش : يحجر اما بالمهملة قال في القاموس : احتجر به : التجأ واستعاذ ، أو بالمعجمة قال الجوهرى : احتجز الرجل بازار : شده على وسطه ، أى كان السحاب في وسطه ، والاول أظهر.

(٣) هذا وما بعده من أساطير العامة ولم يرد بطرقنا في ذلك شئ.

(٤) قال الفيروز آبادى : سن السكين : أحده. وكل ما يسن به أو عليه مسن ، وقال : السنة بالسكر الفأس : منه قدس‌سره.

(٥) في المصدر : فبعث الله عليه الهدهد ومعه الطيور فجعلت تنقر بمناقيرها حتى قورت الصخرة و انثقبت. قلت : قور الشئ : قطعه من وسطه خرقا مستديرا.

(٦) توجد في المصدر المطبوع بمصر نقيصة من قوله : « فلما لقيهم » إلى قول موسى : عليه السلام فيما يأتى « رب انى لا أملك ».

١٨٧

يريدون قتالنا ، فطرحهم بين يديها ، وقال : ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك ، فجعلوا يتعرفون أحوالهم ، وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بالخشب! ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة! فلما خرجوا قال بعضهم لبعض : يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم شكوا وارتدوا عن نبي الله ، ولكن اكتموا شأنهم وأخبروا موسى وهارون فيريان فيه رأيهما ، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ، ثم انصرفوا إلى موسى عليه‌السلام بعد أربعين يوما وجاؤوا بحبة من عنبهم وقر رجل ، وأخبروا بما رأوا ، ثم إنهم نكثوا العهد وجعل كل واحد منهم ينهى سبطه وقريبه عن قتالهم ويخبرهم بما رأوا من حالهم إلا رجلان منهم وفيا بما قالا : يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ختن موسى عليه‌السلام على اخته مريم ، فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : يا ليتنا متنا في أرض مصر ، وليتنا نموت في هذه البرية ولا يدخلنا الله القرية فتكون نساؤنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم ، وجعل الرجل يقول لاصحابه : تعالوا نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر ، فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم : « قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين » قال قتادة : كانت لهم أجسام طويلة وخلقة عجيبة ليست لغيرهم « وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » فقال لهم موسى : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » فإن الله عزوجل سيفتحها عليكم ، وإن الذي أنجاكم وفلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلوا وردوا عليه أمره وهموا بالانصراف إلى مصر ، فخرق يوشع وكالب ثيابهما و هما اللذان أخبر الله عزوجل عنهما في قوله : « قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما » بالتوفيق والعصمة « ادخلوا عليهم الباب » يعني قرية الجبارين « فإذا دخلتموه فإنكم غالبون » لان الله عزوجل منجز وعده ، وإنا رأيناهم وخبرناهم فكانت أجسامهم قوية وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم « وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين » فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وعصرهما ، وقالوا : « يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » فغضب موسى ودعا عليهم فقال : « رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين » أي فاقض وافصل بيننا وبين القوم

١٨٨

العاصين ، وكانت عجلة عجلها موسى عليه‌السلام فظهر الغمام على باب قبة الزمر ، (١) فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : إلى متى يعصيني هذا الشعب؟ وإلى متى لا يصدقون بالآيات؟ لاهلكنهم جميعا ولاجعلن لك شعبا أقوى وأكثر منهم.

فقال موسى : إلهي لو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الامم الذين سمعوا : إنما قتل هذا الشعب(٢) من أجل أنه لم يستطع أن يدخلهم الارض المقدسة فقتلهم في البرية ، وإنك طويل صبرك ، كثيرة نعمك ، وأنت تغفر الذنوب ، وتحفظ الآباء على الابناء والابناء على الآباء فاغفر لهم ولا توبقهم ، فقال الله عزوجل : قد غفرت لهم بكلمتك ولكن بعدما سميتهم فاسقين ودعوت عليهم ، بي حلفت لاحر من عليهم دخول الارض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ، ولاتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الايام التي تجسسوا فيها سنة ، وكانت أربعين يوما ، ولنلقين جيفهم في هذه القفار ، وأما بنوهم الذين لم يعلموا (٣) الخير والشر فإنهم يدخلون الارض المقدسة ، فذلك قوله تعالى : « فإنها محرمة عليهم أربعين سنة » في ستة فراسخ ، (٤) وكانوا ستمائة ألف مقاتل ، فكانوا يسيرون كل يوم جادين حتى إذا أمسوا وباتوا فإذا هم في الموضع الذي ارتحلوا منه ، ومات النقباء العشرة الذين أفشوا الخبر بغتة ، وكل من دخل التيه ممن جاوز عشرين سنة مات في التيه غير يوشع وكالب ، ولم يدخل أريحا أحد ممن قالوا : « إنا لن ندخلها أبدا » فلما هلكوا وانقضت الاربعون السنة ونشأت النواشي من ذراريهم ساروا إلى حرب الجبارين ، وفتح الله لهم.

_________________

(١) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : قبة موسى ، وفى دعاء السمات : قبة الرمان ، وفى نسخة قبة الزمان ، قيل : المراد بتلك القبة هو الخبأ المحضر ، ويسميها أهل التوراة الخيمة المقدسة و قدس الاقداس ، وكانت محل تابوت الشهادة ومعبدهم. ويأتى ذكرها في كلام الثعلبى.

(٢) الشعب بالفتح : القبيلة العظيمة ذكره الفيروز آبادى. منه رحمه‌الله.

(٣) في المصدر : وليأتينهم حتفهم في هذه القفار ، وأما بنوهم الذين لم يعصونى ولم يعلموا الخير ولا الشر اه.

(٤) في المصدر : فانها محرمة عليهم أربعين سنة ، يتيهون في الارض متحيرين فلا تأس على القوم الفاسقين ، فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ.

١٨٩

* * *

*(وفى ذكر النعم (١) التى انعم الله تعالى على بنى اسرائيل في التيه)*

قال الله سبحانه : « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الذي أنعمت عليكم » أي على أجدادكم وأسلافكم ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى فلق البحر لهم ، وأنجاهم من فرعون ، و أهلك عدوهم ، وأورثهم ديارهم وأموالهم ، وأنزل عليهم التوراة فيها بيان كل شئ يحتاجون إليه ، وأعطاهم ما أعطاهم في التيه ، وذلك أنهم قالوا لموسى في التيه : أهلكتنا وأخرجتنا من العمران والبنيان إلى مفازة لا ظل فيها ولاكن(٢) فأنزل الله تعالى عليهم غماما أبيض رقيقا وليس بغمام المطر أرق وأطيب(٣) وأبرد منه فأظلهم ، وكان يسير معهم إذا ساروا ، ويدوم عليهم (٤) من فوقهم إذا نزلوا ، فذلك قوله تعالى : « وظللنا عليكم الغمام » يعني في التيه تقيكم من حر الشمس ، ومنها أنه جعل لهم عمودا من نور يضئ لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، فقالوا : هذا الظل والنور قد حصل فأين الطعام؟ فأنزل الله تعالى عليهم المن ، واختلفوا فيه فقال مجاهد : هو شئ كالصمغ كان يقع على الاشجار وطعمه كالشهد ، وقال الضحاك : هو الترنجبين ، وقال وهب : هو الخبز الرقاق ، وقال السدي : هو عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه ، وقال عكرمة : هو شئ أنزله الله عليهم مثل الرب الغليظ ، وقال الزجاج : جملة المن ما يمن الله به مما لا تعب فيه ولا نصب ، كقول النبي صلى الله عليه وآله : « الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين (٥) » قالوا : وكان ينزل عليهم هذا المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج ، لكل إنسان منهم صاع كل ليلة ، فقالوا : يا موسى قتلنا هذا المن حلاوته فادع لنا ربك يطعمنا اللحم ، فدعا موسى عليه‌السلام فأنزل الله عليهم السلوى.

_________________

(١) في المصدر : باب في ذكر النعم.

(٢) الكن بالكسر : البيت. وقاء كل شئ وستره.

(٣) في المصدر : بل أرق وأطيب.

(٤) في المصدر : وتدور عليهم.

(٥) تقدم من اليعقوبى أنه كان مثل حب الكسبرة كانوا يطحنونه ويجعلونه ارغفة.

١٩٠

واختلفوا فيه : فقال ابن عباس وأكثر الناس : هو طائر يشبه السمانى ، وقال أبوالعالية ومقاتل : هي طير حمر بعث الله سبحانه سحابة فمطرت السمانى عليهم في عرض ميل(١) وقدر طول رمح في السماء بعضها على بعض وكانت السماء تمطر عليهم ذلك ، وقيل : كانت طيرا مثل فراخ الحمام طيبا وسمنا قد تمعط(٢) ريشها وزغبها فكانت الريح تأتي بها إليهم فيصبحون وهو في معسكرهم ، وقيل : إنها طير كانت تأتيهم فتسترسل لهم فيأخذونها بأيديهم ، وقال عكرمة : هي طير تكون بالهند أكبر من العصفور ، وقيل : (٣) هو العسل بلغة كنانة ، فكان الله تعالى يرسل عليهم المن والسلوى فيأخذ كل واحد منهما(٤) ما يكفيه يوما وليلة ، فإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه يومين ، لانه لم يكن ينزل عليهم يوم السبت ، فذلك قوله تعالى : « وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا » أي وقلنا لهم : كلوا « من طيبات » حلالات « ما رزقناكم » ولا تدخروا لغد ، فخبوا لغد وتدود وفسد ما ادخروا وقطع الله عنهم ذلك ، قال الله تعالى : « وما ظلمونا » أي ما يضرونا بالمعصية ومخالفة الامر « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » يضرون باستيجابهم قطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤونة ولا مشقة في الدنيا ، ولا حساب ولا تبعة في العقبى.

ومنها أنهم عطشوا في التيه فقالوا : يا موسى من أين لنا الشراب؟ فاستسقى لهم موسى عليه‌السلام فأوحى الله سبحانه إليه : « أن اضرب بعصاك الحجر » واختلف العلماء فيه فقال وهب : كان موسى عليه‌السلام يقرع لهم أقرب حجر من عرض الحجارة فتنفجر عيونا ، لكل سبط عين ، وكانوا اثني عشر سبطا ، ثم تسيل كل عين في جدول إلى سبط ، فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله عزوجل إلى موسى : لا تقرعن الحجارة بالعصا ولكن كلمها تطعك لعلهم يعتبرون ، وكان يفعل ذلك ، فقالوا : كيف بنا لو افضينا إلى الوحل وإلى الارض التي ليست فيها حجارة؟ فأمر موسى فحمل معه حجرا فحيث ما نزلوا ألقاه.

_________________

(١) هكذا في النسخ وفيه تصحيف ، والصواب ما في المصدر وهو هكذا : هو طير أحمر بعثه الله عليهم فأمر به السماء في عرض ميل.

(٢) أى تساقط. والزغب : أول ما يبدو من الريش أو الشعر.

(٣) في المصدر : وقال المؤرخ ، وهو وهم والصحيح « مؤرج » بالجيم ، وهو عمرو بن الحارث أبوفيد السدوسى ، سمى بذلك لتأريجه الحرب بين بكر وتغلب.

(٤) في المصدر : وكان أحدهم يأخذ ما يكفيه يومه وليلته.

١٩١

وقال الآخرون : كان حجرا مخصوصا بعينه والدليل عليه قوله : « الحجر » فادخل الالف واللام للتعريف والتخصيص مثل قولك : رأيت الرجل.

ثم اختلفوا في ذلك الحجر ما هو؟ فقال ابن عباس : كان حجرا خفيفا مربعا مثل رأس الرجل ، امر أن يحمله فكان يضع في مخلاته ، فإذا احتاجوا إلى الماء ألفاه(١) وضربه بعصاه فسقاهم ، وقال أبوروق : (٢) كان الحجر من الكدان وهو حجارة رخوة كالمدر وكان فيه اثنا عشر حفرة ، ينبع من كل حفرة عين ماء عذب فيأخذونه ، فإذا فرغوا وأراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء ، وكان يسقي كل يوم ستمائة ألف.

ومنها أنهم قالوا لموسى في التيه : من أين لنا اللباس؟ فجدد الله لهم ثيابهم التي انت عليهم حتى لا تزيد على كرور الايام ومرور الاعوام إلا جدة وطراوة ولا تخلق ولا تبلى ، وتنمو على صبيانهم كما ينمون. انتهى.(٣)

اقول : لا يخفى عليك مما أوردنا في تلك الابواب أن موسى وهارون عليهما‌السلام لم يخرجا من التيه ، (٤) وإن حجر موسى عليه‌السلام كان حجرا مخصوصا وهو عند قائمنا عليه‌السلام وسيأتي الاخبار في ذلك في كتاب الغيبة.

وروى الثعلبي عن وهب بن منبه قال : أوحى الله تعالى إلى موسى أن يتخذ مسجدا لجماعتهم ، وبيت المقدس للتوراة ولتابوت السكينة ، وقبابا للقربان ، وأن يجعل لذلك المسجد سرادقات ظاهرها وباطنها من الجلود الملبسة عليها ، وتكون تلك الجلود من جلود ذبائح القربان ، وحبالها التي تمد بها من أصواف تلك الذبائح ، وعهد أن لا تغزل تلك الحبال حائض ، وأن لا يدبغ تلك الجلود جنب ، وأمره أن ينصب تلك السرادقات على عمد من نحاس طول كل عمود منها أربعون ذراعا ، ويجعل منه(٥) اثني عشر قسما مشرحا ،

_________________

(١) في المصدر : أخرجه.

(٢) بفتح الراء وسكون الواو هو عطية بن الحارث الهمدانى الكوفى صاحب التفسير.

(٣) عرائس الثعلبى ١٣٥ ـ ١٣٨ طبعة مصر.

(٤) بل توفى هارون أولا ثم موسى بعده.

(٥) في المصدر : ويجعل فيها.

١٩٢

فإذا انقضى وصار اثني عشر جزءا حمل كل جزء بما فيه من العمد سبط من أسباط بني إسرائيل ، وأمره أن يجعل سعة تلك السرادقات ستمائة ذراع في ستمائة ذراع ، وأن ينصب فيه سبع قباب ستة منها مشبكة بقضبان الذهب والفضة ، كل واحدة منهن منصوبة على عمود من فضة طوله أربعون ذراعا وعليها أربعة دسوت(١) ثياب الباطن منها سندس أخضر(٢) والثاني ارجوان أحمر ، والثالث ديباج ، والرابع من جلود القربان وقاية لها من المطر والغبار ، وحبالها التي تمد بها من صوف القربان ، وأن يجعل سعتها أربعين ذراعا ، وأن ينصب في جوفها موائد(٣) من فضة مربعة يوضع عليها القربان ، سعة كل مائدة منهن ذراع في أربعة أذرع ، كل مائدة على أربع قوائم من فضة ، طول كل قائمة ثلاثة أذرع ، لا ينال الرجال منها إلا قائما ، وأمره أن ينصب بيت القدس(٤) على عمود من ذهب طوله سبعون ذراعا وأن يضعه على سبيكة من ذهب طوله سبعون ذراعا مرصع بألوان الجواهر ، وأن يجعل أسفله مشبكا بقضبان الذهب والفضة ، وأن يجعل حبالها التي تمد بها من صوف القربان مصبوغا بألوان من أحمر وأصفر وأخضر ، وأن يلبسه سبعة من الجلال : الباطن(٥) منها سندس أخضر ، والثاني ارجوان أحمر ، والثالث أبيض وأصفر من الحرير ، وسائرها من الديباج والوشي ، والظاهر غاشية له(٦) من جلود القربان وقاية من الاذى والندى ، وأمره أن يجعل سعته سبعين ذراعا ، وأن يفرش القباب بالقز الاحمر ، فأمره أن ينصب فيه تابوتا من ذهب لتابوت الميثاق(٧) مرصعا بألوان الجواهر والياقوت الاحمر والاكهب(٨) والزمرد

_________________

(١) جمع الدست. الوسادة.

(٢) في المصدر : أربعة دسوت محلاه الباطن الاول سندس أخضر.

(٣) جمع المائدة : خوان الطعام.

(٤) في نسخة : بيت المقدس.

(٥) في المصدر : وأن يلبسه سبعة من الجلال محلاه الباطن ، الاول منها سندس أخضر. قلت الجلال جمع الجل وهو للدابة وغيرها كالثوب للانسان تصان به.

(٦) في المصدر : والثالث من الديباج الاصفر ، والرابع من الحرير الاصفر ، وكذلك أثواب نحوها ، وسائرها من الديباج والوشى ، والظاهر له غاشية من جلود القربان. قلت : الوشى : نقش الثوب ، الثياب الموشية ، والثانى هو المراد هنا.

(٧) في المصدر : كتابوت الميثاق.

(٨) الكهبة : لون ليس بخالص الحمرة. قاله المصنف في الهامش. قال الفيروز آبادى : الكهبة بالضم : غبرة مشربة سوادا. وعد الثعالبى الاكهب من لواحق السواد ، وقال في الوان متقاربة : الكهبة صفرة تضرب إلى حمرة. وفى المصدر : الاشهب.

١٩٣

الاخضر ، وقوائمه من ذهب ، وأن يجعل سعته تسعة أذرع(١) في أربعة أذرع ، وسمكه قامة موسى ، وأن يجعل له أربعة أبواب : باب يدخل منه الملائكة ، وباب يدخل منه موسى بن عمران عليه‌السلام ، وباب يدخل منه هارون عليه‌السلام وباب يدخل منه أولاد هارون ، وهم سدنة ذلك البيت وخزان التابوت ، وأمر الله سبحانه نبيه موسى عليه‌السلام أن يأخذ من كل محتلم(٢) فصاعدا من بني إسرائيل مثقالا من ذهب فينفقه على هذا البيت وما فيه ، وأن يجعل باقي المال الذي يحتاج من ذلك من الحلي والاموال التي ورثها موسى وأصحابه من فرعون وقومه ، (٣) ففعل موسى ذلك فبلغ عدد رجال بني إسرائيل ستمائة ألف وسبع مائة وثمانين.(٤) رجلا فأخذ منهم ذلك المال ، فأوحى الله عزوجل إلى موسى عليه‌السلام إني منزل عليك من السماء نارا لا دخان لها ولا تحرق شيئا ولا تنطفئ أبدا لتأكل القرابين المتقبلة ، ولتسرج منها القناديل التي في بيت المقدس ، وهي من ذهب معلقة بسلاسل من ذهب منظومة باليواقيت واللآلي وأنواع الجواهر ، وأمره أن يضع في وسط البيت صخرة عظيمة من رخام وينقر فيها نقرة لتكون كانون تلك النار التي تنزل فيها من السماء ، فدعا موسى أخاه هارون فقال : إن الله قد اصطفاني بنار ينزلها من السماء لتأكل القرابين المقبولة ، وليسرج منها في بيت المقدس ، وأوصاني بها ، وإني قد اصطفيتك لها ، واوصيك بها ، فدعا هارون ابنيه وقال لهما : إن الله تعالى قد اصطفى موسى بأمر وأوصاه به ، وإنه اصطفاني له وأوصاني به وإني قد اصطفيتكما له واوصيكما به ، وكان أولاد هارون هم الذين يلون

_________________

(١) في المصدر : سبعة أذرع.

(٢) أى بالغ ، وفى المصدر : « كل محتلم فيها » أى في النوم ، والظاهر أن كلمة ( فيها ) زائدة ، وان المراد المعنى الاول ، يدل عليه ما بعده.

(٣) كذا في النسخ والكلام ناقص. والصواب ما في المصدر وهو هكذا : وأن يحعل باقى المال الذى لا يحتاج إليه من الحلى والحلل التى ورثها الله بنى اسرائيل وموسى وأصحابه من فرعون و قومه دفينا في أرض بيت المقدس.

(٤) في المصدر : ستمائة ألف وسبعة وخمسين رجلا. وفى تاريخ اليعقوبى : وكان عددهم ممن بلغ العشرين سنة فما فوقها إلى الستين ممن يحمل السلاح ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة و خمسين رجلا.

١٩٤

سدانة بيت القدس ، (١) وأمر القربان والنيران.(٢)

بيان : كما أن سدانة بيت القدس(٣) والنار التي نزلت من السماء ومعابد بني إسرائيل كانت لاولاد هارون عليه‌السلام فكذلك سدانة الكعبة وبيوت العلم والحكمة وأنوار العلم والمعرفة التي نزلت من السماء ولم يكن فيها دخان الشك والشبهة ومثل الله بها في آية النور لاولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو من النبي صلى الله عليه وآله كهارون من موسى ، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.

(باب ٧)

*(نزول التوراة ، وسؤال الرؤية ، وعبادة العجل وما يتعلق بها)*

الايات ، البقرة « ٢ » وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون * وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون * وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتربوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم * وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ٥١ ـ ٥٦ « وقال تعالى » : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ٦٣ ـ ٦٤.

« وقال تعالى » : ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا

_________________

(١ و ٣) في نسخة : بيت المقدس.

(٢) عرائس الثعلبى : ١٣٢ ـ ١٣٣. وسدانة البيت : خدمتها. والسادن : الخادم والبواب والحاجب.

١٩٥

سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ٩٢ ـ ٩٣.

النساء « ٤ » يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا * ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ١٥٣ ـ ١٥٤.

المائدة « ٥ » ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لاكفرن عنكم سيئاتكم ولادخلنكم جنات تجري من تحتها الانهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ١٢ « وقال تعالى » : إنا أنزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا الربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ٥٤.

الاعراف « ٧ » وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين * ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين * قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين * وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ساريكم دار الفاسقين ١٤٢ ـ ١٤٥.

« وقال تعالى » : واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين * ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين * ولما رجع موسى إلى قومه غضبان

١٩٦

أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين * قال رب اغفر لي ولاخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين * إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحيوة الدنيا وكذلك نجزي المفترين * والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم * ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون * واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي اصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بآياتنا يؤمنون.

١٤٧ ـ ١٥٦ « وقال تعالى » : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما

آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ١٧١.

طه « ٢٠ » يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الايمن ونزلنا عليكم المن والسلوى * كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى * وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى * وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم اولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى * قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري * فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي * قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي * أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا * ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى * قال

١٩٧

يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * ألا تتبعن أفعصيت أمري * قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي * قال فما خطبك يا سامري * قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحيوة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا * إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما ٨٠ ـ ٩٨.

القصص « ٢٨ » ولقد آتينا موسى الكتاب من بعدما أهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ٤٣.

الطور « ٥٢ » والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور ١ ـ ٣.

النجم « ٥٣ » أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزراخرى * وأن ليس للانسان إلا ما سعى ٣٦ ـ ٣٩.

الاعلى « ٨٧ » إن هذا لفي الصحف الاولى * صحف إبراهيم وموسى ١٨ و ١٩.

تفسير : قال الطبرسي : « وإذ واعدنا موسى » أن نؤتيه الالواح على رأس أربعين ليلة ، أو عند انقضاء أربعين ليلة. قال المفسرون : لما عاد بنو إسرائل إلى مصر بعد إنجائهم من البحر وهلاك فرعون وقومه وعدهم الله إنزال التوراة والشرائع ، فخلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة ، وأنزل عليه التوراة في الالواح « ثم اتخذتم العجل » إلها « من بعده » أي من بعد غيبة موسى ، أو من بعد وعد الله إياكم بالتوراة ، أو من بعد غرق فرعون وما رأيتم من الآيات « وأنتم ظالمون » أي مضرون بأنفسكم » والفرقان « هي التوراة أيضا أو انفراق البحر أو الفرق بين الحلال والحرام » إلى بارئكم « أي خالقكم ومنشئكم « فاقتلوا أنفسكم » أي ليقتل بعضكم بعضا بقتل البرئ المجرم ، وقيل : أي استسلموا للقتل ، واختلفوا في المأمور بالقتل فروي أن موسى عليه‌السلام أمرهم أن يقوموا صفين فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم ، وجاء هارون باثني عشر ألفا ممن لم يعبد العجل ومعهم الشفار المرهفة (١) وكانوا

_________________

(١) الشفار جمع الشفرة : السكين العظيمة العريضة. سيف مرهف : محدد مرقق الحد.

١٩٨

يقتلونهم ، فلما قتلوا سبعين ألفا تاب الله على الباقين ، وجعل قتل الماضين شهادة لهم ، وقيل إن السبعين الذين كانوا مع موسى في الطور هم الذين قتلوا ممن عبد العجل سبعين ألفا ، وقيل : إنهم قاموا صفين فجعل يطعن بعضهم بعضا حتى قتلوا سبعين ألفا ، وقيل : غشيتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا ثم انجلت الظلمة فأجلوا عن سبعين ألف قتيل.(١) وروي أن موسى وهارون وقفا يدعوان الله ويتضرعان إليه ، وهم يقتل بعضهم بعضا حتى نزل الوحي برفع القتل وقبلت توبة من بقي ، وذكر ابن جريح أن السبب في أمرهم بقتل أنفسهم أن الله علم أن ناسا منهم ممن لم يعبدوا العجل لم ينكروا عليهم ذلك مخافة القتل ، مع علمهم بأن العجل باطل ، فلذلك ابتلاهم الله بأن يقتل بعضهم بعضا « ذلكم خير لكم » إشارة إلى التوبة مع القتل لانفسهم.(٢)

« لن نؤمن لك » أي لن نصدقك في أنك نبي « حتى نرى الله جهرة » أي علانية فيخبرنا بذلك ، أو لا نصدقك فيما تخبر به من صفات الله تعالى ، وقيل : إنه لما جاءهم بالالواح قالوا ذلك ، وقيل : إن « جهرة » صفة لخطابهم لموسى ، إنهم جهروا به وأعلنوه « فأخذتكم الصاعقة » أي الموت « وأنتم تنظرون » إلى أسباب الموت ، وقيل : إلى النار ، واستدل البلخي بها على عدم جواز الرؤية على الله تعالى ، ويؤكده قوله : « فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة » وتدل هذه الآية على أن قول موسى عليه‌السلام « رب أرني أنظر إليك » كان سؤالا لقومه ، لانه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى عليه‌السلام لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة وهي التي سألها لقومه. « ثم بعثناكم من بعد موتكم » أي أحييناكم لاستكمال آجالكم ، وقيل : إنهم سألوا بعد الافاقة أن يبعثوا أنبياء ، فبعثهم الله أنبياء ، فالمعنى : بعثناكم أنبياء.(٣)

_________________

(١) أجلوا عن القتيل : انفرجوا عنه.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٠٩ و ١١١ و ١١٣.

(٣) وهو لا يصح ، لان من كان في هذه الدرجة المنحطة من المعرفة وصدر منه هذا الذنب العظيم لا يليق الرسالة والنبوة وهى منصب إلهى ومقام شامخ لا يعطى الا من كان في أعلى مراتب العلم و أقصى درجة العرفان.

١٩٩

وأجمع المفسرون إلا شرذمة يسيرة أن الله تعالى لم يكن أمات موسى عليه‌السلام كما أمات قومه ، ولكن غشي عليه بدلالة قوله تعالى : « فلما أفاق » واستدل بها على جواز الرجعة.(١)

« وإذ أخذنا ميثاقكم » باتباع موسى والعمل بالتوراة « ورفعنا فوقكم الطور » قال أبوزيد : هذا حين رجع موسى من الطور فأتى بالالواح فقال لقومه : جئتكم بالالواح ، وفيها التوراة والحلال والحرام فاعملوا بها ، قالوا : ومن يقبل قولك؟ فأرسل الله الملائكة حتى نتقوا الجبل(٢) فوق رؤوسهم ، فقال موسى عليه‌السلام : إن قبلتم ما أتيتكم به وإلا ارسل الجبل عليكم ، فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين إلى الجبل ، فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم. قيل : وهذا هو معنى أخذ الميثاق لان في هذه الحال قيل لهم : « خذوا ما آتيناكم بقوة » يعني التوراة بجد ويقين ، وروى العياشي أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله تعالى : « خذوا ما آتيناكم بقوة » أبقوة بالابدان أو بقوة بالقلب؟ فقال : بهما جميعا. « واذكروا ما فيه » الضمير لما آتينا ، أي احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام ولا تنسوه ، وقيل : اذكروا ما في تركه من العقوبة وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام وقيل : أي اعملوا بما فيه ولا تتركوه « ثم توليتم » أي نقضتم العهد الذي أخذناه عليكم « فلولا فضل الله عليكم » بالتوبة « ورحمته » بالتجاوز.(٣)

« واسمعوا » أي اقبلوا ما سمعتم واعملوا به ، أو استمعوا لتسمعوا « قالوا سمعنا و عصينا » أي قالوا استهزاء : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك ، أو حالهم كحال من قال ذلك.(٤) « واشربوا في قلوبهم العجل(٥) » قال البيضاوي : أي تداخلهم حبه ، ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شعفهم به ، كما يتداخل الصبغ الثوب ، والشراب أعماق البدن « وفي قلوبهم » بيان لمكان الاشراب ، كقوله : « إنما يأكلون في بطونهم نارا ».

_________________

(١) مجمع البيان ١ : ١١٤ و ١١٥.

(٢) أى قلعوه.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٢٨.

(٤) مجمع البيان ١ : ١٦٢ و ١٦٣.

(٥) قال السيد الرضى قدس الله روحه : هذه استعارة والمراد بها صفة قلوبهم بالمبالغة في حب العجل ، فكانها تشرب حبه فمازجها ممازجة المشروب وخالطها مخالطة الشئ الملذوذ ، و حذف حب العجل لدلالة الكلام عليه ، لان القلوب لا يصح وصفها بتشرب العجل على الحقيقة.

٢٠٠