بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

رازقي ، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي ، لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم ، واشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق ورازق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه ومن ربوبيته وكافر بإلهيته ، يقول حزبيل هذا وهو يعني أن ربهم هو الله ربي ، ولم يقل : إن الذي قالوا إنه ربهم هو ربي ، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول : فرعون ربي وخالقي ورازقي ، فقال لهم فرعون : يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري ، وإهلاك ابن عمي والفت في عضدي ، ثم أمر بالاوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتدا وفي صدره وتدا. وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم ، فذلك ما قال الله تعالى : « فوقاه الله » يعني حزبيل « سيئات ما مكروا به » لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه « وحاق بآل فرعون سوء العذاب » وهم الذين وشوا بحزبيل إليه لما أوتد فيهم الاوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط. الخبر.(١)

بيان : وشى به إلى السلطان أي سعى ونمه. وقال الجوهري : فت الشئ : أي كسره يقال : فت عضدي وهد ركني.

٢ ـ ل : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن الفضل ، عن منصور بن عبدالله الاصبهاني ، عن علي بن عبدالله ، عن محمد بن هارون بن حميد ، عن محمد بن المغيرة الشهرزوري ، عن يحيى بن الحسين المدائني ، عن أبي لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين : مؤمن آل ياسين ، وعلي ابن أبي طالب ، وآسية امرأة فرعون.(٢)

٣ ـ ل : محمد بن علي بن إسماعيل ، عن أبي القاسم بن منيع ، عن شيبان بن فروخ ، عن داود بن أبي الفرات ، عن علباء بن أحمد ، (٣) عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خط رسول

_________________

(١) تفسير العسكرى : ١٤٣ ـ ١٤٤ ، الاحتجاج : ٢٠٦.

(٢) الخصال ج ١ : ٨٢.

(٣) في المصدر « عليا » بالياء وهو وهم والصحيح « علباء » بالكسر فالسكون فالمد ، والرجل هو ابن أحمد اليشكرى بصرى من القراء.

١٦١

الله (ص) أربع خطط في الارض ، وقال : أتدرون ما هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.(١)

٤ ـ ل : سليمان بن أحمد اللخمي ، عن علي بن عبدالعزيز ، عن حجاج بن منهال عن داود بن أبي الفرات الكندي ، عن علباء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وآله أربع خطوط ، (٢) ثم قال : خير نساء الجنة مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.(٣)

٥ ـ فس : « وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه » قال : كتم إيمانه ستمائة سنة ، قال : وكان مجذوما مكنعا ، (٤) وهو الذي قد وقعت أصابعه ، وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين ويقول: « يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ».(٥)

قوله : « فوقاه الله سيئات ما مكروا » يعني مؤمن آل فرعون ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : والله لقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه.(٦)

٦ ـ ص : حزبيل(٧) هو مؤمن آل فرعون ، أرسل فرعون رجلين في طلبه فانطلقا في طلبه فوجداه قائما يصلي بين الجبال والوحوش خلفه ، فأرادا أن يعجلاه عن صلاته ، فأمر الله دابة من تلك الوحوش كأنها بعير أن تحول بينهما وبين المؤمن فطردتهما عنه حتى قضى صلاته ، فلما رآهما أوجس في نفسه خيفة وقال : « يا رب أجرني من فرعون فإنك إلهي ، عليك توكلت وبك آمنت ، وإليك أنبت ، أسألك يا إلهي إن كان هذان الرجلان يريدان بي سوءا فسلط عليهما فرعون وعجل ذلك ، وإن هما أراداني بخير فاهدهما » فانطلقا حتى دخلا على فرعون ليخبراه بالذي عايناه ، فقال أحدهما : ما الذي نفعك أن يقتل ، فكتم عليه ، فقال الآخر :

_________________

(١) الخصال ج ١ : ٩٦.

(٢) في المصدر : أربع خطط.

(٣) الخصال ج ١ : ٩٦.

(٤) كنع يده : أشلها وأيبسها.

(٥) تفسير القمى : ٥٨٥.

(٦) تفسير القمى : ٥٨٥ ـ ٥٨٦.

(٧) في نسخة : « خربيل » في جمع الموارد.

١٦٢

وعزة فرعون لا أكتم عليه ، وأخبر فرعون على رؤوس الناس بما رأى وكتم الآخر ، فلما دخل حزبيل قال فرعون للرجلين : من ربكما؟ قالا : أنت ، فقال لحزبيل : ومن ربك؟ قال ربي ربهما ، فظن فرعون أنه يعنيه فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، وسر فرعون وأمر بالاول فصلب فنجى الله المؤمن وآمن الآخر بموسى عليه‌السلام حتى قتل مع السحرة.(١)

سن : أبي ، عن علي بن النعمان ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : « فوقاه الله سيئات ما مكروا » قال : أما لقد سطوا عليه وقتلوه ، ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.(٢)

بيان : سطا عليه أي قهر وبطن به. قال الثعلبي : قالت الرواة : كان حزبيل من أصحاب فرعون نجارا ، وهو الذي نجر التابوت لام موسى حين قذفته في البحر ، وقيل : إنه كان خازنا لفرعون مائة سنة وكان مؤمنا مخلصا يكتم إيمانه إلى أن ظهر موسى عليه‌السلام على السحرة فأظهر حزبيل إيمانه ، فاخذ يومئذ وقتل مع السحرة صلبا ، وأما امرأة حزبيل فإنها كانت ماشطة بنات فرعون وكانت مؤمنة.

وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لما اسري بي مرت بي رائحة طيبة ، فقلت لجبرئيل : ما هذه الرائحة؟ قال : هذه ماشطة آل فرعون(٣) وأولادها كانت تمشطها فوقعت المشطة من يدها فقالت : بسم الله ، فقالت بنت فرعون : أبي؟ فقالت : لا بل ربي وربك ورب أبيك ، فقالت : لاخبرن بذلك أبي ، فقالت : نعم ، فأخبرته فدعا بها وبولدها وقال : من ربك؟ فقالت : إن ربي وربك الله ، فأمر بتنور من نحاس فاحمي فدعا بها وبولدها ، فقالت : إن لي إليك حاجة ، قال : وما هي؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنها. قال : ذاك لك لمالك علينا من حق ، فأمر بأولادها فالقوا واحدا واحدا في التنور حتى كان آخر ولدها وكان صبيا مرضعا ، فقال : اصبري يا اماه إنك على الحق ، فألقيت في التنور مع ولدها.

_________________

(١) مخطوط ، فيه اضطراب وتقدم تفصيل الحكاية في الحديث الاول.

(٢) محاسن البرقى : ٢١٩.

(٣) في المصدر : قال : رائحة ماشطة آل فرعون.

١٦٣

وأما امرأة فرعون آسية فكانت من بني إسرائيل وكانت مؤمنة مخلصة وكانت تعبد الله سرا ، وكانت على ذلك إلى أن قتل فرعون امرأة حزبيل ، فعاينت حينئذ الملائكة يعرجون بروحها لما أراد الله تعالى بها من الخير فزادت يقينا وإخلاصا وتصديقا ، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها فرعون يخبرها بما صنع بها ، فقالت : الويل لك يا فرعون ، ما أجرأك على الله جل وعلا؟ فقال لها : لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ، فقالت : ما اعتراني جنون لكن آمنت بالله تعالى ربي وربك ورب العالمين ، فدعا فرعون امها فقال لها : إن ابنتك أخذها الجنون ، فاقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسى ، فخلت بها امها فسألتها موافقة (١) فيما أراد ، فأبت وقالت : أما أن أكفر بالله فلا والله لا أفعل ذلك أبدا ، فأمر بها فرعون حتى مدت بين أربعة أوتاد ثم لازالت تعذب حتى ماتت ، كما قال الله سبحانه : « وفرعون ذي الاوتاد ».

وعن ابن عباس : قال : أخذ فرعون امرأته آسية حين تبين له إسلامها يعذبها لتدخل في دينه ، فمر بها موسى وهو يعذبها فشكت إليه بإصبعها ، فدعا الله موسى أن يخفف عنها ، فلم تجد للعذاب مسا ، وإنها ماتت من عذاب فرعون لها ، (٢) فقالت وهي في العذاب : « رب ابن لي عندك بيتا في الجنة » وأوحى الله إليها : أن ارفعي رأسك ، ففعلت فاريت البيت(٣) في الجنة بنى لها من در فضحكت ، فقال فرعون : انظروا إلى الجنون الذي بها ، تضحك وهي في العذاب. انتهى.(٤)

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون » هي آسية بنت مزاحم ، قيل : إنها لما عاينت المعجز من عصا موسى وغلبت السحرة أسلمت فلما ظهر لفرعون إيمانها نهاها فأبت فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ،

_________________

(١) في المصدر : فسألتها موافقة فرعون فيما أراد.

(٢) في المصدر : فدعا الله أن يخفف عنها من العذاب ، فبعد ذلك لم تجد للعذاب ألما إلى أن مات

في عذاب فرعون.

(٣) في المصدر : فرأت البيت.

(٤) عرائس الثعلبى : ١٠٦ و ١٠٧ من طبع مصر.

١٦٤

ثم أمر أن يلقى عليها صخرة عظيمة ، فلما قربت أجلها قالت : « رب ابن لي عندك بيتا في الجنة » فرفعها الله تعالى إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب ، عن الحسن وابن كيسان ، وقيل : إنها أبصرت بيتها في الجنة من درة وانتزع الله روحها ، فالقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح ، فلم تجد ألما من عذاب فرعون ، وقيل : إنها كانت تعذب بالشمس وإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة وجعلت ترى بيتها في الجنة ، عن سلمان.(١)

(باب ٦)

*(خروجه عليه السلام من الماء مع بنى اسرائيل وأحوال التيه)*

الايات ، البقرة « ٢ » وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين * وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة و باءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ٥٧ ـ ٦١.

المائدة « ٥ » وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين * يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما

_________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٣١٩.

١٦٥

جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون * وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون * قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلا تأس على القوم الفاسقين ٢٠ ـ ٢٦.

الاعراف « ٧ » وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين * وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ١٣٨ ـ ١٤١.

« وقال تعالى » : ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون * وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا امما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن و السلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون ١٥٩ ـ ١٦٢.

تفسير : قوله تعالى : « وظللنا عليكم الغمام » قال الطبرسي رحمه لله : أي جعلنا لكم الغمام ظلة وسترة تقيكم حر الشمس في التيه « وأنزلنا عليكم المن » هو الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر ، وقيل : إنه شئ كالصمغ كان يقع على الاشجار طعمه كالزبد والعسل ، وقيل : إنه الخبز المرقق ، وقيل : إنه جميع النعم التي أتتهم مما من الله به عليهم بلا تعب (١)

_________________

(١) قال اليعقوبى : كان المن مثل حب الكسبرة يطحنونه بالارحاء ويجعلونه أرغفة فيكون طعامهم طيبا أطيب من كل شئ وكان ينزل عليهم بالليل ويجمعونه بالنهار ، فضجوا وبكوا وجعلوا يقولون. من يطعمنا لحما؟ أما تذكرون ما كنا نأكل بمصر من النون والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والفوم؟ فاشتد غم موسى لذلك فدعا فبعث لهم السلوى.

١٦٦

« والسلوى » قيل : هو السمانى ، (١) وقيل : طائر أبيض يشبه السمانى « كلوا من طيبات ما رزقناكم » أي قلنا لهم : كلوا من الشهي اللذيذ ، وقيل : المباح الحلال ، وقيل : المباح الذي يستلذ أكله « وما ظلمونا » أي فكفروا هذه النعمة وما نقصونا بكفرانهم أنعمنا « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » ينقصون ، وقيل : أي ما ضرونا ولكن كانوا أنفسهم يضرون. وكان سبب إنزال المن والسلوى عليهم أنه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس وحرب العمالقة بقوله : « ادخلوا الارض المقدسة » فوقعوا في التيه فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة ، وكلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه ، كذلك حتى تمت المدة وبقوا فيها أربعين سنة ، وفي التيه توفي موسى وهارون ، ثم خرج يوشع بن نون ، وقيل : كان الله يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الارض إلى الجانب الذي ساروا منه ، فكانوا يضلون على الطريق ، لانهم كانوا خلقا عظيما ، فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة ، وفي هذا المقدار من الارض ، ولما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوه ، فألطف الله بهم بالغمام لما شكوا حرا لشمس ، وأنزل عليهم المن من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم وقال الصادق عليه‌السلام : كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه ، فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى طلوع الشمس.

وقال ابن جريج : وكان الرجل منهم إن أخذ من المن والسلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا يوم الجمعة ، فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد ، وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة والسبت لانه كان لا يأتيهم يوم السبت ، وكانوا يخبزونه مثل القرصة ويوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن ، وكان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر الشمس ، وكان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضئ لهم مكان السراج ، وإذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد « حيث شئتم » أي

_________________

(١) السمانى بضم السين : نوع من الطيور معروف في بلاد الشام بالفرى.

١٦٧

أنى شئتم(١) « رغدا » أي موسعا عليكم مستمتعين بما شئتم من طعام القرية ، وقيل : إن هذه إباحة منه لغنائمها وتملك أموالها « وقولوا حطة » (٢) روي عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : نحن باب حطتكم(٣) « وسنزيد المحسنين » على ما يستحقونه من الثواب تفضلا « وإذ استسقى موسى » أي في التيه لما شكوا إليه الظماء فأوحى الله تعالى إليه « أن اضرب بعصاك » وهو عصاه المعروف « الحجر » أي أي حجر كان ، أو حجر مخصوص ، وسيأتي ذكر الاقوال فيه « قد علم كل اناس مشربهم » أي كل سبط موضع شربهم « كلوا واشربوا » أي قلنا لهم : كلوا واشربوا « ولا تعثوا » أي لا تسعوا في الارض فسادا.(٤) وقال البيضاوي : ومن أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله وقلة تدبره في عجائب صنعه ، فإنه لما أمكن أن يكون من الاحجار ما يحلق الشعر وينفر الخل(٥) و يجذب الحديد لم يمتنع أن يخلق الله حجرا يسخره لجذب الماء من تحت الارض ، أو لجذب الهواء من الجوانب وتصييره ماء بقوة التبريد « على طعام واحد » يريد به ما رزقوا في التيه من المن والسلوى وبوحدته أنها لا تختلف ولا تتبدل « الذي هو أدنى » أي أدون قدرا.(٦)

« إذ جعل فيكم أنبياء » إذ لم يبعث في امة ما بعث في بني إسرائيل من الانبياء « وجعلكم ملوكا » أي وجعل منكم أو فيكم ، وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الانبياء بعد فرعون ، وقيل : لما كانوا مملوكين في أبدي القبط فأنقذهم وجعلهم مالكين لانفسهم وامورهم سماهم ملوكا « وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين » من فلق البحر وتظليل الغمام والمن والسلوى ونحوها ، وقيل : أي عالمي زمانهم.

« يا قوم ادخلوا الارض المقدسة » أرض بيت المقدس لكونها قرار الانبياء ومسكن

_________________

(١) في المصدر : أى أين شئتم. م

(٢) سيأتى بعد الحديث الثامن معنى الباب والحطة.

(٣) أى من ورد في طاعتنا وعمل بأوامرنا وانتهى عن نواهينا وسار سيرتنا يحط عنه أوزاره ويغفر خطاياه.

(٤) مجمع البيان ١ : ١١٦ ـ ١٢١.

(٥) في المصدر : من الخل. ولم نفهم المراد.

(٦) انوار التنزيل ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

١٦٨

المؤمنين وقيل : الطور وما حوله ، وقيل : دمشق وفلسطين وبعض الاردن ، وقيل : الشام.(١)

« التي كتب الله لكم » قال الطبرسي : أي كتب لكم في اللوح أنها لكم ، وقيل : أي وهب الله لكم ، وقيل : أمركم الله بدخولها. فإن قيل : كيف كتب الله لهم مع قوله : « فإنها محرمة عليهم » فجوابه أنها كانت هبة من الله لهم ثم حرمها عليهم ، وقيل : الذين كتب لهم هم الذين كانوا مع يوشع بعد موت موسى بشهرين « ولا ترتدوا على أدباركم » أي لا ترجعوا عن الارض التي امرتم بدخولها ، أو عن طاعة الله.

قال المفسرون : لما عبر موسى وبنو إسرائيل البحر وهلك فرعون أمرهم الله بدخول الارض المقدسة ، فلما نزلوا عند نهر الاردن خافوا من الدخول ، فبعث موسى عليه‌السلام من كل سبط رجلا وهم الذين ذكرهم الله سبحانه في قوله : « وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا » فعاينوا من عظم شأنهم وقوتهم شيئا عجيبا ، فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى عليه‌السلام بذلك فأمرهم أن يكتموا ذلك ، فوفى اثنان منهم يوشع بن نون من سبط بنيامين ، وقيل : إنه كان من سبط يوسف ، وكالب بن يوفنا من سبط يهودا ، وعصى العشرة وأخبروا بذلك ، وقيل : كتم خمسة منهم وأظهر الباقون ، وفشا الخبر في الناس فقالوا : إن دخلنا عليهم تكون نساؤنا وأهالينا غنيمة لهم ، وهموا بالانصراف إلى مصر وهموا بيوشع وكالب ، و أرادوا أن يرجموهما بالحجارة ، فاغتاظ لذلك موسى عليه‌السلام وقال : « رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي » فأوحى الله إليه : إنهم يتيهون في الارض أربعين سنة ، وإنما يخرج منهم من لم يعص الله في ذلك ، فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخا ، وقيل : تسعة فراسخ ، وقيل : ستة فراسخ ، وهم ستمائة ألف مقاتل ، لا تنخرق ثيابهم وتنبت معهم ، و ينزل عليهم المن والسلوى ، ومات النقباء غير يوشع بن نون وكالب ، ومات أكثرهم ونشأ ذراريهم فخرجوا إلى حرب أريحا(٢) وفتحوها ، واختلفوا فيمن فتحها فقيل : فتحها موسى

_________________

(١) انوار التنزيل ١ : ١٢٨.

(٢) أريحا بالفتح والكسر ـ ورواه بعضهم بالخاء المعجمة ـ لغة عبرانية. قال ياقوت : هى مدينة الجبارين في الغور من أرض الاردن بالشام. بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس ، في جبال صعب المسلك ، سميت فيما قيل بأريحا بن مالك بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام.

١٦٩

ويوشع على مقدمته ، وقيل : فتحها يوشع وكان قد توفي موسى وبعثه الله نبيا ، وروي أنهم كانوا في المحاربة إذ غابت الشمس فدعا يوشع فرد الله عليهم الشمس حتى فتحوا أريحا ، وقيل : كان وفاة موسى وهارون في التيه ، وتوفي هارون قبل موسى بسنة وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة في ملك إفريدون ومنوجهر ، وكان عمر يوشع مائة وستة وعشرين سنة ، وبقي بعد وفاته مدبرا لامر بني إسرائيل سبعا وعشرين سنة « قالوا » يعني بني إسرائيل : « إن فيها » أي في الارض المقدسة « قوما حبارين » شديدي البأس والبطش والخلق. قال ابن عباس : بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى النقباء رآهم رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمه مع فاكهة كان حملها من بستانه وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه ، وقال للملك تعجبا منهم : هؤلاء يريدون قتالنا ، فقال الملك : ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا ، قال مجاهد : وكانت فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب! ويدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال! وإن موسى كان طوله عشرة أذرع ، وله عصا طولها عشرة أذرع ونزا من الارض مثل ذلك بلغ كعب عوج ابن عنق فقتله! وقيل : كان طول سريره ثمانمائة ذراع.

« وإنا لن ندخلها » يعني لقتالهم « فإن يخرجوا » يعني الجبارين « قال رجلان » هما يوشع وكالب ، (١) وقيل : رجلان كانا من مدينة الجبارين وكانا على دين موسى فلما بلغهما خبر موسى جاءاه فاتبعاه « من الذين يخافون » الله تعالى « أنعم الله عليهما » بالاسلام ، و قيل : يخافون الجبارين ، أي لم يمنعهم الخوف من الجبارين أن قالوا الحق ، أنعم الله عليهما بالتوفيق للطاعة « ادخلوا » يا بني إسرائيل « عليهم » على الجبارين « الباب » باب مدينتهم ، وإنما علما أنهم يظفرون بهم لما أخبر به موسى عليه‌السلام من وعد الله تعالى بالنصر ، وقيل : لما رأوه من إلقاء الرعب في قلوب الجبارين « إنا لن ندخلها » أي هذه المدينة « إنا ههنا قاعدون » إلى أن تظفر بهم وترجع إلينا فحينئذ ندخل « إلا نفسي » أي لا أملك إلا

_________________

(١) قال المسعودى في اثبات الوصية : هما يوشع وابن عمه كالب بن يوقنا ، وبه قال الطبرى الا انه قال : كالوب بن يوفنة ، وقال : وقيل : كلاب بن يوفنة ختن موسى. وتقدم في الباب الرابع قول الثعلبى وغيره.

١٧٠

تصريف نفسي في طاعتك « وأخي » أي وأخي كذلك لا يملك إلا نفسه ، أو لا أملك أيضا إلا أخي لانه يجيبني إذا دعوت « فافرق » أي فافصل « بيننا » وبينهم بحكمك فإنها « أي الارض المقدسة « محرمة عليهم » تحريم منع ، وقيل : تحريم تعبد « يتيهون » أي يتحيرون في المسافة التي بينهم وبينها لا يهتدون إلى الخروج منها. وقال أكثر المفسرين : إن موسى وهارون كانا معهم في التيه ، وقيل : لم يكونا فيه لان التيه عذاب وعذبوا عن كل يوم عبدوا فيه العجل سنة ، والانبياء لا يعذبون ، قال الزجاج إن كانا في التيه فجائز أن يكون الله سهل عليهما ذلك ، كما سهل على إبراهيم النار فجعلها عليه بردا وسلاما. ومتى قيل : كيف يجوز على عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها؟ فالجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أن يكون ذلك بأن تحول الارض التي هم عليها إذا ناموا وردوا إلى المكان الذي ابتدؤوا منه.

والآخر أن يكون بالاسباب المانعة عن الخروج عنها ، إما بأن تمحى العلامات التي يستدل بها ، أو بأن يلقى شبه بعضها على بعض ، ويكون ذلك معجزا خارقا للعادة.

وقال قتادة : لم يدخل بلد الحبارين أحد من القوم إلا يوشع وكالب بعد موت موسى بشهرين ، وإنما دخلها أولادهم معهما « فلا تأس على القوم الفاسقين » أي لا تحزن على هلاكهم لفسقهم. (١)

« يعكفون على أصنام لهم » أي يقبلون عليها ، ملازمين لها ، مقيمين عندها يعبدونها ، قال قتادة : كان اولئك القوم من لخم(٢) وكانوا نزولا بالرقة.(٣) وقال ابن جريح : كانت تماثيل بقر(٤) وذلك أول شأن العجل « إنكم قوم تجهلون »

_________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٧٨ ـ ١٨٢.

(٢) اسم لخم مالك بن عدى بن الحارث بن مرة بن ادد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سأبن يشجب ين يعرب بن قحطان.

(٣) الرقة بفتح أوله وثانيه وتشديده مدينة مشهورة على الفرات ، معدودة في بلاد الجزيرة.

(٤) وقيل : وكانوا يعبدون المشترى ويحجون إلى صنم في مشارف الشام يقال له الاقيصر.

١٧١

ربكم وعظمته ، أو نعمة ربكم فيما صنع بكم « متبر » أي مدمر مهلك « ما هم فيه » من عبادة الاصنام « أبغيكم » أي ألتمس لكم « على العالمين » أي على عالمي زمانكم ، وقيل : أي خصكم بفضائل لم يعطها أحدا غيركم ، وهو أن أرسل إليكم رجلين منكم لتكونوا أقرب إلى القبول ، وخلصكم من أذى فرعون وقومه على أعجب وجه وأورثكم أرضهم وديارهم و أموالهم.(١)

« ومن قوم موسى امة يهدون بالحق » أي جماعة يدعون إلى الحق » وبه يعدلون » أي وبالحق يحكمون ويعدلون في حكمهم ، واختلف فيهم على أقوال : أحدها : أنهم قوم من وراء الصين لم يغيروا ولم يبدلوا ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

قالوا : وليس لاحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون بالليل ، ويضحون بالنهار و يزرعون لا يصل إليهم منا أحد ولا منهم إلينا ، وهم على الحق.

قال ابن جريح : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبط تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا(٢) في الارض فساروا فيه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين! فهم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا.

وقيل : إن جبرئيل انطلق بالنبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به وصدقوه ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السبت ، وأمرهم بالصلاة والزكاة ولم تكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا.

وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد عليهم‌السلام ، وروي أن ذا القرنين رآهم(٣) فقال : لو امرت بالمقام لسرني أن اقيم بين أظهركم.

_________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤٧١ و ٤٧٢.

(٢) أى سربا في الارض.

(٣) تقدم في باب قصص ذى القرنين أنه رآهم.

١٧٢

وثانيها : أنهم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بالحق وبشريعة موسى عليه‌السلام في وقت ضلالة القوم وقتلهم أنبياءهم ، وكان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى عليه‌السلام فالتقدير : كانوا يهدون.

وثالثها : أنهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله مثل عبدالله بن سلام وابن صوريا وغيرهما وفي حديث أبي حمزة الثمالي والحكم بن ظهير أن موسى لما أخذ الالواح قال : رب إني أجد في الالواح امة هي خير امة اخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد ، قال : رب إني أجد في الالواح امة هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنة فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد ، قال : رب إني أجد في الالواح امة كتبهم في صدورهم يقرؤونها فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد ، قال : رب إني أجد في الالواح امة إذاهم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتب له عشر أمثالها ، وإن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد. قال : رب إني أجد في الالواح امة يؤمنون بالكتاب الاول والكتاب الآخر ، ويقاتلون الاعور الكذاب فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد. قال : رب إني أجد في الالواح امة هم الشافعون وهم المشفوع لهم فاجعلهم امتي ، قال : تلك امة أحمد. قال موسى : رب اجعلني من امة أحمد. قال أبوحمزة : فاعطي موسى آيتين لم يعطوها ـ يعني امة أحمد ـ قال الله : يا موسى « إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي » وقال : « ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون » قال : فرضي موسى كل الرضاء. وفي حديث غير أبي حمزة : قال النبي صلى الله عليه وآله لما قرأ « وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون » : هذه لكم ، وقد أعطى الله قوم موسى مثلها.

« وقطعناهم اثنتي عشر أسباطا امما » أي وفرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة « أسباطا » يعني أولاد يعقوب عليه‌السلام فإنهم كانوا اثني عشر ، وكان لكل واحد منهم أولاد ونسل فصار كل فرقة منهم سبطا وامة ، وإنما جعلهم سبحانه امما ليتميزوا في مشربهم ومطعمهم ، ويرجع كل امة منهم إلى رئيسهم ، فيخف الامر على موسى ولا يقع بينهم

١٧٣

اختلاف وتباغض « فانبجست » الانبجاس : خروج الماء الجاري بقلة ، والانفجار : خروجه بكثرة ، وكان يبتدئ الماء من الحجر بقلة ، ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة.(١)

١ ـ فس : « وجعلكم ملوكا » يعني في بني إسرائيل ، لم يجمع الله لهم النبوة و الملك في بيت واحد ، ثم جمع الله ذلك لنبيه.(٢) قوله : « وقطعناهم » أي ميزناهم.(٣)

٢ ـ فس : « وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى » الآية ، فإن بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا : يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء ، وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه ، وبالعشي يجئ طائر مشوي فيقع على موائدهم ، وإذا أكلوا وشبعوا طار ومر ، وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله ، فيذهب الماء إلى كل سبط في رحله ، وكانوا إثني عشر سبطا ، فلما طال عليهم الامد قالوا : « يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها » والفوم هي الحنطة ، فقال لهم موسى : « أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم » فقالوا : « يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » فنصف الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في سورة المائدة. قوله : « وقولوا حطة » أي حط عنا ذنوبنا ، فبدلوا ذلك وقالوا : حنطة ، وقال الله : « فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا » آل محمد صلوات الله عليهم حقهم « رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ».(٤)

بيان : قال البيضاوي : الفوم : الحنطة ، ويقال للخبز ، وقيل : الثوم.(٥) وقال

_________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤٨٩ و ٤٩٠.

(٢) تفسير القمى : ١٥٢.

(٣) تفسير القمى : ٢٢٦.

(٤) تفسير القمى : ٤٠ ـ ٤١.

(٥) انوار التنزيل ١ : ٢٦.

١٧٤

الفيروز آبادي : الفوم بالضم : الثوم والحنطة والحمص والخبز وسائر الحبوب التي تخبز.

٣ ـ فس : قوله : « يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » فإن ذلك نزل لما قالوا : « لن نصر على طعام واحد » فقال لهم موسى : « اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم » فقالوا : « إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » فنصف الآية ههنا ونصفها في سورة البقرة ، فلما قالوا لموسى : « إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها » فقال لهم موسى : لابد أن تدخلوها ، فقالوا له : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » فأخذ موسى بيد هارون وقال كما حكى الله : « إني لا أملك إلا نفسي وأخي » يعني هارون فافرق بيننا وبين قومنا القوم الفاسقين ، (١) فقال الله : « إنها محرمة عليهم أربعين سنة » يعني مصر أن يدخلوها أربعين سنة « يتيهون في الارض » فلما أراد موسى أن يفارقهم فزعوا وقالوا : إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب ، ففزعوا إليه وسألوه أن يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم ، فأوحى الله إليه : قد تبت عليهم(٢) على أن يدخلوا مصر ، وحرمتها عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض عقوبة لقولهم : « اذهب أنت وربك فقاتلا » فدخلوا كلهم في التوبة(٣) والتيه إلا قارون ، فكانوا يقومون في أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة ، فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الارض فردتهم إلى مكانهم ، وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ ، فبقوا على ذلك أربعين سنة ، فمات هارون وموسى في التيه ودخلها أبناؤهم وأبناء أبناءهم.(٤)

بيان : تفسير الارض المقدسة بمصر خلاف ما أجمع عليه المفسرون والمؤرخون

_________________

(١) المصدر خال عن كلمة : « قومنا ».

(٢) في المصدر : فأوحى الله اليه انى قد تبت عليهم.

(٣) في المصدر وفى نسخة : فدخلوا كلهم في القرية.

(٤) تفسير القمى : ١٥٢ ـ ١٥٣.

١٧٥

كما سيأتي ، وأما قوله تعالى : « اهبطوا مصرا » فقيل : أراد مصر فرعون الذي خرجوا منه ، وقيل : بيت المقدس ، وقيل : أراد مصرا من الامصار ، يعني إن ما تسألونه إنما يكون في الامصار كما سيجئ في الاخبار ، وقوله : « إلا قارون » أي أنه لم يدخل في التوبة ، وسيأتي شرحه وتمام القصة في باب قصص قارون.

٤ ـ فس : « وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعفكون على أصنام لهم » فإنه لما غرق الله فرعون وأصحابه وعبر موسى وأصحابه البحر نظر أصحاب موسى إلى قوم يعكفون على أصنام لهم ، فقالوا لموسى : « يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة » فقال موسى : « إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين » إلى قوله : « وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم » وهو محكم.(١)

أقول : (٢) روى الثعلبي ، عن محمد بن قيس(٣) قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا أبا الحسن ما صبرتم بعد نبيكم إلا(٤) خمسا وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا ، قال : بلى ولكن ما جف أقدامكم من البحر حتى قلتم : « يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة »!. (٥)

٥ ـ ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما انتهى بهم إلى الارض المقدسة قال لهم : « ادخلوا الارض المقدسة » إلى قوله : « فإنكم غالبون » قالوا : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون * قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين » فلما

_________________

(١) تفسير القمى : ٢٢٢.

(٢) في نسخة : بيان : أقول.

(٣) في المصدر : أخبرنى الحسن بن محمد بن قيس.

(٤) المصدر خال عن كلمة « الا ».

(٥) عرائس الثعلبى : ١١٣. وفيه : بلى قد كان صبر وخير ولكنكم ما جفت اقدامكم من حما البحر اه. م

١٧٦

أبوا أن يدخلوها حرمها الله عليهم فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة « يتيهون في الارض فلا تأس على القوم الفاسقين » قال أبوعبدالله عليه‌السلام : وكانوا إذا أمسوا نادى مناديهم : أمسيتم الرحيل ، (١) فيرتحلون بالحداء والرجز(٢) حتى إذا أسحروا أمر الله الارض فدارت بهم فيصبحون في منزلهم الذي ارتحلوا منه ، فيقولون : قد أخطأتم الطريق ، فمكثوا بهذا أربعين سنة ، ونزل عليهم المن والسلوى حتى هلكوا جميعا إلا رجلين : يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، وأبناءهم ، وكانوا يتيهون في نحو من أربعة فراسخ فإذا أرادوا أن يرتحلوا ثبت ثيابهم عليهم وخفافهم ، (٣) قال : وكان معهم حجر إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين ، فإذا ارتحلوا رجع الماء فدخل في الحجر ووضع الحجر على الدابة.(٤)

٦ ـ ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما انتهى بهم موسى عليه‌السلام إلى الارض المقدسة قال لهم : ادخلوا ، فأبوا أن يدخلوها ، فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة وكانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرحيل ، حتى إذا انتهوا إلى مقدار ما أرادوا أمر الله الارض فدارت بهم إلى منازلهم الاولى فيصبحون في منزلهم الذي ارتحلوا منه ، فمكثوا بذلك أربعين سنة ، ينزل عليهم المن والسلوى فهلكوا فيها أجمعين إلا رجلين : يوشع بن نون وكالب بن يوفنا اللذين أنعم الله عليهما ، ومات موسى وهارون عليهما‌السلام فدخلها

_________________

(١) في البرهان : استتموا الرحيل.

(٢) حد الابل : ساقها وغنى لها. وفى نسخة : بالجد والزجر.

(٣) هكذا في النسخ ، وفى البرهان : يبست ثيابهم عليهم وخفافهم. واستظهر في هامش نسخة : وكانوا ينبت ثيابهم.

(٤) الاختصاص : مخطوط ، وأخرجه البحرانى أيضا في تفسير البرهان ١ : ٤٥٥ و ٤٥٦ وزاد في آخره : وقال أبوعبدالله عليه‌السلام لبنى اسرائيل أن يدخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لهم ثم بداله فدخلها أبناء الابناء انتهى. قلت : فيه سقط ، ولعل الصحيح : قال أبوعبدالله عليه‌السلام قال الله تعالى.

١٧٧

يوشع بن نون وكالب وأبناؤهم ، وكان معهم حجر كان موسى يضربه بعصاه فينفجر منه الماء لكل سبط عين.(١)

٧ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال بنو إسرائيل لموسى عليه‌السلام حين جاز بهم البحر : خبرنا يا موسى بأي قوة وأي عدة وعلى أي حمولة نبلغ الارض المقدسة ومعك الذرية والنساء والهرمى والزمنى؟ فقال موسى عليه‌السلام : ما أعلم قوما ورثه الله من عرض الدنيا ما ورثكم ، ولا أعلم أحدا آتاه منها مثل الذي آتاكم ، فمعكم من ذلك مالا يحصيه إلا الله تعالى ، وقال موسى : سيجعل الله لكم مخرجا فاذكروه وردوا إليه اموركم ، فإنه أرحم بكم من أنفسكم ، قالوا : فادعه يطعمنا ويسقنا ويكسنا ويحملنا من الرجلة ويظلنا من الحر ، فأوحى الله تعالى إلى موسى : قد أمرت السماء أن يمطر عليهم المن والسلوى ، وأمرت الريح أن يشوي لهم السلوى ، وأمرت الحجارة أن تنفجر ، وأمرت الغمام أن تظلهم ، وسخرت ثيابهم أن تنبت بقدر ما ينبتون ، فلما قال لهم موسى ذلك سكتوا فسار بهم موسى ، فانطلقوا يؤمون الارض المقدسة وهي فلسطين ، و إنما قدسها لان يعقوب عليه‌السلام ولد بها ، وكانت مسكين أبيه(٢) إسحاق ويوسف عليهما‌السلام ، ونقلوا كلهم بعد الموت إلى أرض فلسطين.(٣)

٨ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن عبدالله ، عن كثير بن عياش ، عن أبي الجارود ، عن الباقر عليه‌السلام قال في قوله تعالى: « وادخلوا الباب سجدا » إن ذلك حين فصل موسى من أرض التيه فدخلوا العمران ، وكان بنو إسرائيل أخطؤوا خطيئة فأحب الله أن ينقذهم منها إن تابوا ، فقال لهم : إذا انتهيتم إلى باب القرية فاسجدوا وقولوا : حطة تنحط عنكم خطاياكم ، فأما المحسنون ففعلوا ما امروا به ، وأما الذين ظلموا فزعموا حنطة حمراء فبدلوا فأنزل الله تعالى رجزا.

بيان : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى: « وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا

_________________

(١) مخطوط.

(٢) الضمير يرجع إلى موسى عليه‌السلام ، وانما اطلق الاب عليهما مجازا لان موسى كان من ولد لاوى بن يعقوب.

(٣) مخطوط.

١٧٨

منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا » : أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية ههنا بيت المقدس ، ويؤيده قوله في موضع آخر : « ادخلوا الارض المقدسة » وقال ابن زيد : إنها أريحا قرية قرب بيت المقدس ، وكان فيها بقايا من قوم عاد ، فيهم عوج بن عنق ، والباب قيل هو باب حطة من بيت المقدس وهو الباب الثامن ، عن مجاهد ، وقيل : باب القبة التي يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل ، وقال قوم : هو باب القرية التي امروا بدخولها ، وقال الجبائي : والآية على باب القبة أدل لانهم لم يدخلوا القرية في حياة موسى ، وآخر الآية يدل على أنهم كانوا يدخلون على غير ما امروا به في أيام موسى.

وقوله : « سجدا » قيل : معناه : ركعا ، وهو شدة الانحناء ، عن ابن عباس ، وقال غيره : إن معناه : ادخلوا خاضعين متواضعين ، وقيل : معناه : ادخلوا الباب فإذا دخلتموه فاسجدوا لله سبحانه شكرا ، عن وهب « وقولوا حطة » قال أكثر أهل العلم : معناه : حط عنا ذنوبنا وهو أمر بالاستغفار ، وقال ابن عباس : امروا أن يقولوا هذا الامر حق ، وقال عكرمة : امروا أن يقولوا : لا إله إلا الله لانها تحط الذنوب ، واختلف في تبديلهم فقيل : إنهم قالوا بالسريانية : حطا سمقاثا ، (١) معناه : حنطة حمراء فيها شعيرة ، وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الامر ، وقيل : إنهم قالوا : حنطة تجاهلا واستهزاء ، وكانوا امروا أن يدخلوا الباب سجدا وطوطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك فدخلوه زاحفين على أستاههم. قوله : « رجزا » أي عذابا ، وقال ابن زيد : هلكوا بالطاعون فمات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا من كبرائهم.(٢)

٩ ـ شى : عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام أن رأس المهدي يهدى إلى موسى بن عيسى على طبق ، قلت : فقد مات هذا وهذا ، (٣) قال : فقد قال الله : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » فلم يدخلوها ودخلها الابناء ـ أو قال أبناء الابناء ـ (٤) فكان ذلك دخولهم ،

_________________

(١) في المصدر : هاطا سماقاتا ، وقال بعضهم : حطا سماقاتا.

(٢) مجمع البيان ١ : ١١٨ ـ ١٢٠.

(٣) أى كيف يكون ذلك وقد ماتا هما وهذا حى؟.

(٤) الترديد من الراوى.

١٧٩

فقلت : أو ترى أن الذي قال في المهدي وفي ابن عيسى يكون مثل هذا؟ فقال : نعم يكون في أولادهم ، (١) فقلت : ما ينكر أن يكون ما كان في ابن الحسن يكون في ولده؟ قال : ليس ذاك مثل ذا.(٢)

١٠ ـ شى : عن حريز ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى لا تخطؤون طريقهم ، ولا يخطئكم سنة بني إسرائيل. ثم قال أبوجعفر عليه‌السلام : قال موسى لقومه : « يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » فردوا عليه وكانوا ستمائة ألف ، فقالوا : يا موسى « إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما » أحدهما يوشع بن نون ، والآخر كالب بن يافنا ، قال : وهما ابنا عمه فقالا : « ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه » إلى قوله : « إنا ههنا قاعدون » قال : فعصى أربعون ألفا ، وسلم هارون وابناه ويوشع بن نون وكالب بن يافنا ، فسماهم الله فاسقين فقال: « لا تأس على القوم الفاسقين » فتاهوا أربعين سنة لانهم عصوا فكان حذو النعل بالنعل ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض لم يكن على أمر الله إلا علي والحسن والحسين وسلمان والمقداد وأبوذر ، فمكثوا أربعين حتى قام علي فقاتل من خالفه.(٣)

بيان : القذة : ريش السهم. وقوله : ( وسلم هارون ) أي التسليم الكامل. ولعله عليه‌السلام حسب الاربعين من زمان إظهار النبي صلى الله عليه وآله خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام وإنكار المنافقين ذلك بقلوبهم حتى أظهروه بعد وفاته صلى الله عليه وآله.

١١ ـ شى : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام عن قوله : « يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » قال : كتبها لهم ثم محاها.(٤)

_________________

(١) في البرهان : في أولادهما. قلت : ولعل الصحيح : في أولاده.

(٢) مخطوط.

(٣) مخطوط ، أخرجه البحرانى أيضا في البرهان ١ : ٤٥٦ وفيه : كالب بن يوفنا.

(٤) مخطوط.

١٨٠