بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٥٧ ـ وقال عليه‌السلام : لا تعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله ثوابا بمصيبة ، إنما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها.

١٥٨ ـ وقال عليه‌السلام : إن لله عبادا من خلقه في أرضه يفزع إليهم في حوائج الدنيا والاخرة ، اولئك هم المؤمنون حقا ، آمنون يوم القيامة. ألا وإن أحب المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه ، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين.

١٥٩ ـ وقال عليه‌السلام : إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب ، فصلوا إخوانكم وبروا إخوانكم ، ولو بحسن السلام ورد الجواب.

١٦٠ ـ قال سفيان الثوري : دخلت على الصادق عليه‌السلام فقلت له : أوصني بوصية أحفظها من بعدك؟ قال عليه‌السلام : وتحفظ يا سفيان؟ قلت : أجل يا ابن بنت رسول الله ، قال عليه‌السلام ياسفيان : لا مروة لكذوب ، ولا راحة لحسود ، ولا إخاء لملوك ، ولا خلة لمختال. ولا سؤدد لسيئ الخلق (١) ثم أمسك عليه‌السلام فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه‌السلام : يا سفيان ثق بالله تكن عارفا. وارض بما قسمه لك تكن غنيا. صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزدد إيمانا. ولا تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره. وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزوجل. ثم أمسك عليه‌السلام فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه‌السلام : يا سفيان من أراد عزا بلا سلطان وكثرة بلا إخوان وهيبة بلا مال فلينتقل من ذل معاصي الله إلى عز طاعته.

ثم أمسك عليه‌السلام فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه‌السلام : يا سفيان أدبني أبي عليه‌السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث : فأما اللواتي أدبني بهن فانه قال لي :

يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم. ومن لا يقيد ألفاظه يندم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم. قلت : يا ابن بنت رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن؟ قال عليه‌السلام : نهاني أن اصحاب حاسد نعمة ، وشامتا بمصيبة ، أو حامل نميمة.

____________________

(١) وفى بعض النسخ «لختال». والسودد والسؤدد : الشرف والمجد.

٢٦١

١٦١ ـ وقال عليه‌السلام : ستة لا تكون في مؤمن : العسر. والنكد (١) والحسد واللجاجة ، والكذب. والبغي.

١٦٢ ـ وقال عليه‌السلام : المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الله فيه ، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلا خائفا ، ولا يمسي إلا خائفا ، ولا يصلحه إلا الخوف.

١٦٣ ـ وقال عليه‌السلام : من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ، وزكت مكتسبه ، وخرج من حد العجز.

١٦٤ ـ وقال سفيان الثوري : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال عليه‌السلام : والله إني لمحزون ، وإني لمشتغل القلب فقلت له : وما أحزنك؟ وما شغل قلبك؟ فقال عليه‌السلام لي : يا ثوري إنه من داخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه. يا ثوري ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون؟ هل الدنيا إلا أكل أكلته ، أو ثوب لبسته ، أو مركب ركبته ، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الاخرة. دار الدنيا دار زوال ودار الاخرة دار قرار أهل الدنيا أهل غفلة. إن أهل التقوى أخف أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم معونة ، إن نسيت ذكروك وإن ذكروك أعلموك ، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شئ منه. فكم من حريص على أمر قد شقى به حين أتاه. وكم من تارك لامر قد سعد به حين أتاه.

١٦٥ ـ وقيل له : ما الدليل على الواحد؟ فقال عليه‌السلام : ما بالخلق من الحاجة.

١٦٦ ـ وقال عليه‌السلام : لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة.

____________________

(١) عسر الرجل : ضاق خلقه ، وضد يسر وسهل. والنكد ـ بفتح وضم ـ : قليل الخير والعطاء. وقد مر.

٢٦٢

١٦٧ ـ وقال عليه‌السلام : المال أربعة آلاف. واثنا عشر ألف درهم كنز. ولم يجتمع عشرون ألفا من حلال. وصاحب الثلاثين ألفا هالك. وليس من شيعتنا من يملك مائة ألف درهم.

١٦٨ ـ وقال عليه‌السلام : من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله. ولا يحمدهم على ما رزق الله. ولا يلومهم على مالم يؤته الله ، فإن رزقه (١) لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كره كاره. ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت.

١٦٩ ـ وقال عليه‌السلام : من شيعتنا من لايعد وصوته سمعه ، ولاشحنه اذنه (٢) ولا يمتدح بنا معلنا (٣). ولا يواصل لنا مغضبا. ولا يخاصم لنا وليا ولا يجالس لنا عائبا. قال له مهزم (٤) : فيكف أصنع بهؤلاء المتشيعة؟ (٥) قال عليه‌السلام : فيهم التمحيص وفيهم التمييز وفيهم التنزيل (٦) تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم واختلاف يبددهم. شيعتنا من لا يهر هر يرالكلب (٧) ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل وإن مات جوعا. قلت : فأين أطلب هؤلاء؟ قال عليه‌السلام : اطلبهم في أطراف الارض

____________________

(١) مروى في الكافى ج ٢ ص ٥٧ وفيه «فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره».

(٢) كذا. وفى الكافى «ولا شحناؤه بدنه».

(٣) في بعض نسخ المصدر «ولا يمتدح بمعاملنا». قوله : «ولا يواصل لنا مغضبا» أى لا يواصل عدونا.

(٤) هو مهزم بن أبى برزة الاسدى الكوفى كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهما‌السلام.

(٥) في بعض نسخ المصدر «الشيعة».

(٦) التمحيص : الاختبار والامتحان. وفيهم التنزيل أى نزول البلية والعذب ، وفى الكافى «وفيهم التبديل» والسنون : جمع سنة أى القحط والجدب.

(٧) الهرير : صوت الكلب دون نباحه من قلة صبره على البرد.

٢٦٣

اولئك الخفيض عيشهم (١) المنتقلة دارهم ، الذين إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا. وإن مرضوا لم يعادوا. وإن خطبوا لم يزوجوا. وإن رأوا منكرا أنكروا. وإن خاطبهم جاهل سلموا ، وإن لجأ إليهم ذوالحاجة منهم رحموا. وعند الموت هم لا يحزنون. لم تختلف قلوبهم وإن رأيتهم اختلفت بهم البلدان.

١٧٠ ـ وقال عليه‌السلام : من أراد أن يطول الله عمره فليقم أمره. ومن أراد أن يحط وزره فليرخ ستره (٢). ومن أراد أن يرفع ذكره فليخمل أمره (٣).

١٧١ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاث خصال هن أشد ما عمل به العبد : إنصاف المؤمن من نفسه ، ومواساة المرء لاخيه ، وذكر الله على كل حال ، قيل له : فما معنى ذكرالله على كل حال؟ قال عليه‌السلام : يذكر الله عند كل معصية يهم بها فيحول بينه وبين المعصية.

١٧٢ ـ وقال عليه‌السلام ، المهز زيادة في القرآن (٤).

____________________

(١) خفض العيش : دناءته ، أى القليل المكفى.

(٢) أرخى الستر : أرسله وأسد له. والمراد بالستر الحياء والخوف.

(٣) أخمله : جعله خاملا أى خفيا ، مستورا. وفى بعض نسخ المصدر «فليحمل» وفى بعضها «فليجمل»

(٤) في رجال النجاشى في ترجمة أبان بن تغلب عن محمد بن موسى بن أبى مريم صاحب اللؤلؤ قال : سمعت أبان بن تغلب ـ وما رأيت أحدا أقرأ منه ـ قد يقول : «انما الهمز رياضة» وذكر قراءته ـ إلى آخر كلامه. وذكر بعض العلماء في الهامش : قد فصل في كتب الصرف أن العرب قد اختلف في كيفية التكلم بالهمزة فالقريش وأكثر أهل الحجاز خففها لانها أدخل حروف الحلق ولها نبرة كريهة يجرى مجرى التهوع فثقلت بذلك على اللافظ ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «ينزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأهل نبر ـ أى همز ـ ولو لا أن جبرئيل نزل بالهمزة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ماهمزنا» وأما باقى العرب كتميم وقيس حققها قياسا لها على سائر الحروف. وقول أبان هذا «انما الهمز رياضة» اختيار منه ـ ره ـ لغة قريش على غيرها يقول : انما الهمز أى التكلم بها والافصاح عنها مشقة ورياضة بلا ثمر فلابد فيها من التخفيف. انتهى.

٢٦٤

١٧٣ ـ وقال عليه‌السلام : إياكم (١) والمزاح ، فانه يجر السخيمة ويورث الضغينة وهو السب الاصعر.

١٧٤ ـ وقال الحسن بن راشد (٢) : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض إخوانك ، فانك لن تعدم خصلة من أربع خصال : إما كفاية ، وإما معونة بجاه ، أو دعوة مستجابة : أو مشورة برأي.

١٧٥ ـ وقال عليه‌السلام : لا تكونن دوارا في الاسواق ولا تكن شراء دقائق الاشياء بنفسك ، فإنه يكره للمرء ذي الحسب والدين أن يلي دقائق الاشياء بنفسه (٣) إلا في ثلاثة أشياء : شراء العقار والرقيق والابل.

١٧٦ ـ وقال عليه‌السلام : لا تكلم بما لا يعنيك ، ودع كثيرا من الكلام فيما يعنيك حتى تجدله موضعا. فرب متكلم تكلم بالحق بما يعنيه في غير موضعه فتعب ، ولا تمارين سفيها ولا حليما ، فان الحليم يغلبك والسفيه يرديك ، واذكر أخاك إذا تغيب بأحسن ما تحب أن يذكرك به إذا تغيبت عنه ، فان هذا هو العمل ، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالاحسان مأخوذ بالاجرام.

١٧٧ ـ وقال له يونس (٤) : لولائي لكم وما عرفني الله من حقكم أحب

____________________

(١) وفى بعض النسخ «اياك».

(٢) هو الحسن بن راشد مولى بنى العباس بغدادى كوفى من أصحاب الصادق عليه‌السلام وأدرك الكاظم عليه‌السلام وروى عنه أيضا. ويمكن أن يكون هو حسن بن راشد الطفاوى من أصحاب الصادق عليه‌السلام يروى عن الضعفاء له ، كتاب نوادر ، كثير العلم.

(٣) دقائق الاشياء : محقراتها. والعقار : الضيعة ، المتاع ، وكل ما له أصل وقرار.

والعقار في الاحاديث كل ملك ثابت له أصل كالارض والضياع والنخل. والرقيق : المملوك للذكر والانثى.

(٤) الظاهر أنه أبوعلى يونس بن يعقوب بن قيس البجلى الكوفى من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام ، ثقة معتمد عليه من أصحاب الاصول المدونة ومن أعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والاحكام والفتيا وله كتاب وكان يتوكل لابى الحسن عليه‌السلام

٢٦٥

إلي من الدنيا بحذافيرها. قال يونس : فتبينت الغضب فيه ، ثم قال عليه‌السلام : يا يونس قستنا بغير قياس ما الدنيا وما فيها هل هي إلا سد فورة ، أوستر ، عورة وأنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة.

١٧٨ ـ وقال عليه‌السلام : يا شيعة آل محمد إنه ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب ، ولم يحسن صحبة من صحبه ، ومرافقة من رافقه ، ومصالحة من صالحه ، و مخالفة من خالفه. ياشيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

١٧٩ ـ وقال عبدالاعلي (١) : كنت في حلقة بالمدينة فذكروا الجود فأكثروا فقال رجل منهم يكنى أبادلين : إن جعفرا وإنه لولا أنه ـ ضم يده ـ. فقال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : تجالس أهل المدينة؟ قلت : نعم ، قال عليه‌السلام : فما حدثت بلغني فقصصت عليه الحديث ، فقال عليه‌السلام : ويح أبي دلين إنما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها (٢) ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل معروف صدقة وأفضل

____________________

(١) ـ امه منية بنت عمار بن أبى معاوية الدهنى اخت معاوية بن عمار ـ مات رحمه‌الله في أيام الرضا عليه‌السلام بالمدينة وبعث اليه أبوالحسن الرضا عليه‌السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج اليه.

(١) هو عبدالاعلى مولى آل سام من أصحاب الصادق عليه‌السلام وأنه اذن له في الكلام لانه يقع ويطير ، وقد تضمن عدة اخبار أنه عليه‌السلام دعاه إلى الاكل معه من طعامه المعتاد ومن طعام اهدى له. ويمكن أن يكون الراوى هو عبدالاعلى بن أعين العجلى مولاهم الكوفى من أصحاب الصادق عليه‌السلام. وقيل باتحادهما.

(٢) الريشة : واحدة الريش وهو للطائر بمنزلة الشعر لغيره. ولعل المراد أنه في خفته كالريشة تتبع كل ناعق وتميل مع كل ريح وهو لم يستضئ بنور العلم الحقيقى ولم يلجأ إلى ركن وثيق. وأبودلين في بعض النسخ «أبادكين» ـ بالتصغير ـ والصحيح ابن دكين وهو فضل بن دكين المكنى بأبى نعيم كان من أكابر محدثى قدماء الاسلام وروى عنه كلا الطائفتين ولد سنة ١٣٠ وقدم بغداد فنزل الرميلة وهى محلة بها فاجتمع

٢٦٦

الصدقة صدقة عن ظهر غنى (١) وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من السفلى.

ولا يلوم الله على الكفاف ، أتظنون أن الله بخيل وترون أن شيئا أجود من الله إن الجواد السيد من وضع حق الله موضعه. وليس الجواد من يأخذ المال من غير حله ويضع في غير حقه ، أما والله إني لارجو أن ألقى الله ولم أتناول ما لا يحل بي وما ورد علي حق الله إلا أمضيته ، وما بت ليلة قط ولله في مالي حق لم أرده.

١٨٠ ـ وقال عليه‌السلام : لارضاع بعد فطام (٢) ولا وصال في صيام ، ولا يتم بعد احتلام ، ولاصمت يوم إلى الليل ، ولا تعرب بعد الهجرة ، (٣) ولا هجرة بعد ـ

____________________

الهجرة التارك لهذا الامر بعد معرفته ». فلا يعبد أن يراد بالكلام معنى عاما يشمل اليه أصحاب الحديث ونصبوا له كرسيا صعد عليه وأخذ يعظ الناس ويذكرهم ويروى لهم الاحاديث وتوفى بالكوفة سنة ٢١٠.

(١) قال الجزرى : وفيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أى ما كان عفوا قد فضل عن غنى ، وقيل : أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا اشباعا للكلام وتمكينا ، كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال. انتهى. مثله : « خير الصدقة ما أبقيت غنى » أى أبقيت بعدها لك ولعيالك غنى والمراد نفس الغنى لكنه اضيف للايضاح والبيان كما قيل :

ظهر الغيب والمراد نفس الغيب فالاضافة بيانية طلبا للتأكيد كما في حق اليقين ودار الاخرة. والمراد باليد العليا : المعطية المتعففة. واليد السفلى : المانعة أو السائلة.

(٢) أى كل طفل شرب اللبن بعد فصله عن الرضاع من امرأة اخرى لم ينشر ذلك الرضاع الحرمة ، لانه رضاع بعد فطام. «ولا وصال في صيام» أى يحرم ذلك الصوم فلا يجوز. «ولا يتم بعد احتلام» أى لا يطلق اليتيم على الصبى الذى فقد أباه اذا احتلم وبلغ واليتم ـ بفتح وضم ـ : مصدر يتم ييتم فهو يتيم. «ولا صمت يوم إلى الليل» أى ليس صومه صوما ولا يكون مشروعا فلا فضيلة له وفى الحديث «صوم الصمت حرام».

(٣) «لا تعرب بعد الهجرة» أى يحرم الالتحاق ببلاد الكفر والاقامة فيها من غير عذر ، وفى الخبر «من الكفر التعرب بعد الهجرة». وروى أيضا « أن المتعرب بعد

٢٦٧

الفتح ، ولا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين لولد مع والده (١) ولا للمموك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة.

١٨١ ـ وقال عليه‌السلام : ليس من أحد ـ وإن ساعدته الامور ـ بمستخلص غضارة عيش (٢) إلا من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء (٣) سلبته الايام فرصته لان من شأن الايام السلب ، وسبيل الزمن الفوت.

١٨٢ ـ وقال عليه‌السلام : المعروف زكاة النعم ، والشفاعة زكاة الجاه ، والعلل زكاة الابدان ، والعفو زكاة الظفر ، وما اديت زكاته فهو مأمون السلب.

١٨٣ ـ وكان عليه‌السلام يقول عند المصيبة : «الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني والحمد لله الذي لوشاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت [ كانت ] والحمد لله على الامر الذي شاء أن يكون وكان».

____________________

كل مورد بحسب الزمان والمقام. ولذا قيل : «التعرب بعد الهجرة في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه ويصير منه غريبا». ولعل المراد بالفتح فتح مكة أو مطلق الفتح فيراد به معنى عاما

(١) لعل المراد به نفى الصحة فلا ينعقد من الاصل كما يمكن أن يراد بها نفى اللزوم فينعقد الا أنه لا يلزم (٢) الغضارة ـ بالفتح ـ : طيب العيش يقال : انهم لفى غضارة من العيش أى في خير وخصب ـ من غضر غضارة ـ : أخصب ، طاب عيشه ، كثر ماله. «من خلال مكروه» بفتح الخاء أى المكروهات. وخلال الديار بالكسر : ما بين بيوتها أو ما حوالى حدودها. ولعل المراد ان النيل بغضارة العيش الكل احد لا تحصل الا بعد التعب والمشقة.

(٣) لعل المراد ان من وجد الفرصة ولم يستقدمها وينتظر زمنا حتى يستوفى من المطلوب بنحو أتم ذهبت هذه الفرصة أيضا ولم ينل بشئ من المطلوب أبدا.

٢٦٨

١٨٤ ـ وقال عليه‌السلام : يقول الله : من استنقذ حيرانا من حيرته سميته حميدا وأسكنته جنتي (١).

١٨٥ ـ وقال عليه‌السلام : إذا أقبلت دنيا قوم كسوا محاسن غيرهم ، وإذا أدبرت سلبوا محاسن أنفسهم.

١٨٦ ـ وقال عليه‌السلام : البنات حسنات والبنون نعم ، فالحسنات تثاب عليهن والنعمة تسال عنها.

١٠٩ ـ ف (٢) : ومن حكمه عليه‌السلام لا يصلح من لا يعقل (٣) ولا يعقل من لا يعلم ، وسوف ينجب من يفهم ، ويظفر من يحلم ، والعلم جنة ، والصدق عز ، والجهل ذل ، و الفهم مجد (٤) والجود نجح ، وحسن الخلق مجلبة للمودة ، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس (٥) والحزم مشكاة الظن (٦) والله ولي من عرفه وعدو من تكلفه والعاقل غفور والجاهل ختور (٧) ، وإن شئت أن تكرم فلن ، وأن شئت أن تهان فاخشن ، ومن كرم أصله لان قلبه ، ومن خشن عنصره غلظ كبده (٨) ومن فرط تورط (٩) ومن خاف العاقبة تثبت فيها لا يعلم ، ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه (١٠) ، ومن لم يعلم لم يفهم ، ومن لم يفهم لم يسلم ، ومن لم يسلم لم يكرم ومن لم يكرم تهضم ، ومن تهضم كان ألوم (١١) ومن كان كذلك كان أحرى أن

____________________

(١) في بعض النسخ المصدر «اسميه» ، قوله : «حميدا». وفى بعض النسخ : «جهيدا» ويمكن أن يقرأ «جهبذأ».

(٢) التحف : ٣٥٦.

(٣) رواها الكلينى في الكافى ج ١ ص ٢٦ وفيه «لا يفلح من لا يعقل».

(٤) المجد : العز والرفعة. والنجح : الفوز والظفر.

(٥) اللبس ـ بالفتح ـ : الشبهة ، أى لا تدخل عليه الشبهات.

(٦) المشكاة : كوة غير نافذة ، وأيضا : ما يوضع فيها المصباح. وفى الكافى «والحزم مساءة الظن» والمساءة مصدر ميمى.

(٧) ختر ـ كضرب ونصر ـ ختورا : خبث وفسد. والختر : الغدر والخديعة.

(٨) العنصر : الاصل. «وغلظ كبده» أى قسا قلبه.

(٩) أى من قصر في طلب الحق وفعل الطاعات أوقع نفسه في ورطات المهالك.

(١٠) أى ذل نفسه.

(١١) تهضم من باب التفعيل. وفى بعض النسخ «يهضم» في الموضعين أى يظلم ويغضب.

٢٦٩

يندم ، إن قدرت أن لا تعرف فافعل ، وما عليك إذا لم يثن الناس عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عندالله محمودا ، إن أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان يقول : «لا خير في الحيادة إلا لاحد رجلين : رجل يزداد كل يوم فيها إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة (١)». إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل وإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن. صومعة المسلم بيته ، يحبس فيه نفسه وبصره ولسانه وفرجه. إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

ثم قال عليه‌السلام : كم من مغرور بما أنعم الله عليه ، وكم من مستدرج بستر الله عليه ، وكم من مفتون بثناء الناس عليه. إني لاجور النجاة لمن عرف حقنا من هذه الامة إلا [ ل ] أحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر ، وصاحب هوى ، والفاسق المعلن ، الحب أفضل من الخوف ، والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالي غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله ، كن ذنبا ولا تكن رأسا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «من خاف كل لسانه».

١١٠ ـ سر : (٢) ابن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الجزري قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ، ومن خاف الله خاف منه كل شئ ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ ، ومن رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله عنه باليسير من العمل ، ومن لم يستحي من طلب الحلال وقنع به خفت مؤونته ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق به لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام.

١١١ ـ سر : (٣) من كتاب أبي القاسم بن قولويه ، عن عنبسة العابد قال : قال رجل لابي عبدالله عليه‌السلام : أوصني قال : أعد جهازك ، وقدم زادك وكن وصي

____________________

(١) في بعض نسخ الكافى «سيئته بالتوبة».

(٢) و (٣) السرائر باب النوادر آخر أبواب الكتاب.

٢٧٠

نفسك ، لا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك.

١١٢ ـ أقول : روى الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله ـ (١) بإسناده عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، عن عبدالله بن سليمان النوفلي قال : كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قال : فإذا بمولى لعبدالله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه ففضة وقرأه فإذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداءه ولا أراني فيه مكروها فانه ولي ذلك والقادر عليه ، إعلم سيدي ومولاي إني بليت بولاية الاهواز فإن رأى سيدي أن يحد لي حدا أو يمثل لي مثلا لاستدل به على ما يقر بني إلى الله عزوجل وإلى رسوله ويلخص في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما بذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس وإلى من أستريح ومن أثق وآمن وألجأ إليه في سري؟ فعسى أن يخلصني الله بهدايتك ودلالتك ، فانك حجة الله على خلقه ، وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك.

قال عبدالله بن سليمان فأجابه أبوعبدالله عليه‌السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم جا ملك الله بصنعه ، ولطف بك بمنه ، وكلاك برعايته ، فانه ولي ذلك. أما بعد فقد جاء إلي رسولك بكتابك فقرأته ، وفهمت جميع ما ذكرته ، وسألت عنه ، وزعمت أنك بليت بولاية الاهواز فسرني ذلك و ساءني ، وساخبرك بما ساءني من ذلك ، وما سرني إن شاء الله تعالى فأما سروري بولايتك فقلت : عسى أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعز بك ذليلهم ويكسو بك عاريهم ، ويقوي بك ضعيفهم ، ويطفئ بك نار المخالفين عنهم ، وأما الذي ساءني من ذلك فان أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس ، فاني ملخص لك جميع ما سألت عنه إن أنت عملت به ، ولم تجاوزه

____________________

(١) كتاب الغيبة الملحق بكشف الفوائد ص ٢٦٤ وقد مر بعضه في مواعظ النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ج ٧٧ ص ١٨٩ مع اختلاف في بعض الموارد. والظاهر المنقول ههنا من نسخة وهنالك من نسخة اخرى وكان فيهما اختلاف.

٢٧١

رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالى.

أخبرني يا عبدالله أبي ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه».

واعلم أني ساشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه واعلم أن خلاصك ونجاتك من حقن الدماء وكف الاذى من أولياء الله والرفق بالرعية والتأني ، وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف ، وشدة في غير عنف ، و مدارأة صاحبك ومن يرد عليك من رسله. واترق فتق رعيتك (١) بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله.

إياك والسعاة وأهل النمايم فلا يلتزقن منهم بك أحد ، ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا ، فيسخط الله عليك ويهتك سترك ، واحذر مكر خوز الاهواز (٢) فان أبي أخبرني ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا» فأما من تأنس به تستريح إليه وتلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك على دينك ، وميز أعوانك وجرب الفريقين (٣) فان رأيت هنالك رشدا فشأنك وإياه.

وإياك أن تعطي درهما ، أو تخلع ثوبا ، أو تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو متمزح إلا أعطيت مثله في ذات الله ، ولتكن جوائزك و عطاياك وخلعك للقواد والرسل والاجناد (٤) وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والاخماس ، وما أردت أن تصرفه في وجوه البر والنجاح العتق والصدقة والحج و

____________________

(١) الرتق : ضد الفتق أى أصلح ذات بينهم.

(٢) الخوز بالمعجمتين وضم أولهما جيل من الناس واسم لجميع بلا خوزستان.

(٣) أى اجعل لهم علامة يعرفون بها وعلى هذا فمعنى «جرب الفريقين أى جرب من تأنس وأعوانك ، ويمكن أن يراد بتمييز الاعوان تشخيص العدو والصديق منهم فيكون التجربة متعلقة بهما.

(٤) كذا. وفى نسخة« الاخبار ».

٢٧٢

المشرب والكسوة التي تصلي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله تعالى عزوجل وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أطيب كسبك ، يا عبدالله اجهد أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه الاية التي قال الله عزوجل «الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (١)» ولا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في بطون خالية لتسكن بها غضب الله تبارك وتعالى.

واعلم أني سمعت من أبي يحدث من آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لاصحابه يوما : «ما آمن بالله واليوم الاخر من بات شبعان و جاره جائع» فقلنا : هلكنا يا رسول الله ، فقال : من فضل طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفئون بها غضب الرب (٢) وسانبئك بهوان الدنيا وهوان شرفها على ما مضى من السلف والتابعين.

فقد حدثني محمد بن علي بن الحسين قال عليه‌السلام : لما تجهز الحسين عليه‌السلام إلى الكوفة أتاه ابن عباس فنا شده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطف فقال : أنا أعروف بمصرعي منك وما وكدي من الدنيا إلا فراقها (٣) ، ألا اخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه‌السلام والدنيا؟ فقال له : بلى لعمري إني لاحب أن تحدثني بأمرها ، فقال أبي : قال علي بن الحسين عليه‌السلام : سمعت أبا عبدالله الحسين عليه‌السلام يقول : حدثني أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : إني كنت بفدك في بعض حيطانها ، وقد صارت لفاطمة عليها‌السلام قال : فاذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها ، فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل نساء قريش فقالت : يا ابن أبي طالب هل

____________________

(١) التوبة : ٣٥.

(٢) قوله : «فقلنا هلكنا» أى هكنا بما قلت ، أو نحن نشبع وجيراننا يبيتون جياعا وليس عندنا ما يشبعهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من فضل طعامكم» أى انفقوا فضل طعامكم وفضل ثيابكم وان كان خلقا باليا خرقا ، تسكن به غضب ربكم.

(٣) الوكد ـ كفلس ـ : المراد ، والمقصد ، والهم. و ـ كقفل ـ : السعى والجهد.

٢٧٣

لك أن تتزوج بي فاغنيك عن هذه المسحاة وأدلك على خزائن الارض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك؟ فقال لها : من أنت حتى أخطبك من أهلك فقالت :

أنا الدنيا قال لها : فارجعي واطلبي زوجا غيري [ فلست من شأني ]. وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول :

لقد خاب من عزته دنيا دنية

وماهي إن غرت قرونا بنائل

أتتنا على زي العزيز بثينة

وزينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها : غري سواي فإنني

عزوف عن الدنيا فلست بجاهل

وما أنا والدنيا فان محمدا

أحل صريعا بين تلك الجنادل (١)

وهبها أتتنا بالكنوز ودرها

وأموال قارون وملك القبائل

أليس جميعا للفناء مصيرنا

ويطلب من خزانها بالطوائل (٢)

فغري سواي إنني غير راغب

بما فيك من ملك وعز ونائل

فقد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل

فاني أخاف الله يوم لقائه

وأخشى عذابا دائما غير زائل »

حواست جمع كن

حواست جمع كن

فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله محمودا غير ملوم ولا مذموم. ثم اقتدت به الائمة من بعده بماقد بلغكم لم يتلطخوا بشئ من بوائقها صلوات الله عليهم أجمعين وأحسن مثواهم.

وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والاخرة ، وعن الصادق المصدق رسول الله فان أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتجافى عنك عزوجل بقدرته.

يا عبدالله إياك أن تخيف مؤمنا فان أبي محمد بن علي حدثني ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه كان يقول : « من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها

____________________

(١) الجنادل : الصخور.

(٢) الطوائل جمع طائلة وهى العداوة.

٢٧٤

أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله ، وحشره في صورة الذر لحمه وجسده وجميع أعضائه حتى يورده مورده ».

وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله ، وآمنه يوم الفزع الاكبر ، وآمنه عن سوء المنقلب ، ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحديها الجنة ، ومن كسا أخاه المؤمن من عرى كساه الله من سندس الجنة وإستبرقها و حريرها ولم يزل يخوض في رضوان الله مادام على المكسو منها سلك ، ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة ، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم رية ، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين ، وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ، ومن حمل أخاه المؤمن من رحله حمله الله على ناقة من نوق الجنة ، وباهى به الملائكة المقربين يوم القيامة ، ومن زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها ويشد عضده ويستريح إليها ، زوجه الله من الحور العين ، وآنسه بمن أحب من الصديقين من أهل بيت نبيه وإخوانه وآنسهم به ، ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلزلة الاقدام ، ومن زار أخاه المؤمن إلى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله ، وكان حقيقا على الله أن يكرم زائره ».

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لاصحابه يوما : « معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه ، فلا تتبعوا عثراة المؤمنين فانه من اتبع عثرة مؤمن اتبع الله عثراته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته ».

وحدثني أبي عن علي عليه‌السلام أنه قال : « أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته ولا ينتصف من عدوه ، وعلى أن لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه ، لان كل مؤمن ملجم ، وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة ، أخذ الله ميثاق المؤمن على أشياء

٢٧٥

أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته ، يبغيه ويحسده ، والشيطان يغويه ويمقته ، و السلطان يقفو أثره ، ويتبع عثراته ، وكافر بالذي هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا وإباحة حريمه غنما ، فما بقاء المؤمن بعد هذا ».

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«نزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن الله يقرء عليك السلام ويقول : اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا فالمؤمن مني وأنا منه ، من استهان بمؤمن فقد استقبلني بالمحاربة».

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال يوما : «ياعلي لا تناظر رجلا حتى تنظر في سريرته ، فان كانت سريرته حسنة فان الله عزوجل لم يكن ليخذل وليه وإن كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساويه ، فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما عمله من معاصي الله عزوجل ما قدرت عليه».

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لاخلاق لهم (١)».

ياعبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : «من قال في مؤمن ما رأت عيناه وسمعت اذناه ما يشينه ويهدم مروته ، فهو من الذين قال الله عزوجل : « إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم (٢) ».

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته وثلبه أو بقه الله بخطيئته (٣) حتى يأتي

____________________

(١) أى لا نصيب لهم في الاخرة.

(٢) النور : ١٩.

(٣) ثلبه أى عابه ولامه واغتابه أوسبه. وأو بقه أى أهلكه وذلله. وفى بعض النسخ «بخطبه» والخطب الامر العظيم المكروه.

٢٧٦

بمخرج مما قال ، ولن يأتي بالمخرج منه أبدا ، ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل البيت عليهم‌السلام سرورا ومن أدخل على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرورا ، ومن أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرورا فقد سر الله ، ومن سر الله فحقيق عليه أن يدخله الجنة حينئذ ».

ثم إني اوصيك بتقوى الله ، وإيثار طاعته ، والاعتصام بحبله فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلى صراط مستقيم ، فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه فانه وصية الله عزوجل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها ولا يعظم سواها ، واعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشئ أعظم من التقوى ، فانه وصيتنا أهل البيت ، فان استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل.

قال عبدالله بن سليمان : فلما وصل كتاب الصادق عليه‌السلام إلى النجاشي نظر فيه فقال : صدق والله الذي لا إله إلا هو مولاي ، فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا ، فلم يزل عبدالله يعمل به في أيام حياته.

١١٣ ـ كتاب الاربعين (١) في قضاء حقوق المؤمنين وأعلام الدين : قال جعفر ابن محمد الصادق عليه‌السلام : المؤمن يداري ولا يماري. وقال عليه‌السلام : من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كان في غده شرا من يومه فهو مفتون ، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه ، ومن دام نقصه فالموت خير له ، ومن أدب من غير عمد كان للعفو أهلا. وقال عليه‌السلام : اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وشق المهج.

وقال عليه‌السلام لجاهل سخي خير من ناسك بخيل.

وسئل عليه‌السلام عن التواضع فقال : هو أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقا.

وقال عليه‌السلام : إذا دق العرض استصعب جمعه.

وقال عليه‌السلام : المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل. والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله.

____________________

(١) مخطوط.

٢٧٧

وقال عليه‌السلام : كتاب الله عزوجل على أربعة أشياء : على العبارة والاشارة ، واللطائف ، والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والاشارة للخواص ، واللطائف للاولياء والحقائق للانبياء.

وقال عليه‌السلام : من سأل فوق قدره استحق الحرمان.

وقال عليه‌السلام : من أكرمك فأكرمه ، ومن استخفك فأكرم نفسك عنه.

وقال عليه‌السلام : من أخلاق الجاهل الاجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم.

وقال عليه‌السلام : سرك من دمك فلا تجريه في غير أوداجك.

وقال عليه‌السلام : صدرك أوسع لسرك.

وقال عليه‌السلام : أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلا من ظلم من دونه ، ولم يصفح عمن اعتذر إليه ، والقادر على الشئ سلطان.

وقال عليه‌السلام : إن القلب يحيى ويموت فاذا حيي فأدبه بالتطوع ، وإذا مات فاقصره على الفرائض.

وقال عليه‌السلام : لا تحدث من تخاف أن يكذبك ، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك ، ولا تثق إلى من تخاف أن يعذبك (١) ومن لم يواخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلا بايثاره على نفسه دام سخطه ، ومن عاتب على كل ذنب كثر تبعته.

وقال عليه‌السلام : من عذب لسانه زكي عقله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره.

وقال عليه‌السلام : إن الزهاد في الدنيا نور الجلال عليهم ، وأثر الخدمة بين أعينهم ، وكيف لا يكونون كذلك وإن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك الدنيا فيرى عليه أثره فكيف بمن ينقطع إلى الله تعالى لا يرى أثره عليه.

وقال عليه‌السلام : صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة قال الله تعالي : «والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (٢)».

____________________

(١) كذا والظاهر «يغدربك». (٢) الرعد : ٢٢.

٢٧٨

٢٤

* ( باب ) *

«( ما روى عن الصادق عليه‌السلام من وصاياه لاصحابه )»

١ ـ ف (١) : وصيته عليه‌السلام لعبدالله بن جندب (٢) روي أنه عليه‌السلام قال : يا عبدالله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا ، ولقد جلت الاخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا ، ثم قال : آه آه على قلوب حشيت نورا وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الارقم (٣) والعدو الاعجم (٤) أنسوا بالله واستوحشوا مما به استأنس المترفون ، أولئك أوليائي حقا ، وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية.

يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه ، فان رأى حسنة استزاد منها. وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزي يوم القيامة. طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من ـ

____________________

* (الحامش) * (١) التحف ص ٣٠١.

(٢) بضم الكاف وسكون النون وفتح الدال. هو عبدالله بن جندب البجلى الكوفى ثقة جليل القدر من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام وانه من المخبتين وكان وكيلا لابى ابراهيم وأبى الحسن عليهما‌السلام. كان عابدا رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الاخبار. ولما مات رحمه‌الله قام مقامه على بن مهزيار.

(٣) حشيت أى ملات. والشجاع ـ بالكسر والضم ـ : الحية العظيمة التى تواثب الفارس وربما قلعت رأس الفارس وتكون في الصحارى ويقوم على ذنبه. والارقم : الحية التى فيها سواد وبياض وهو أخبث الحيات ، ويحتمل أن يكون «الشجاع الاقرع» وهو حية قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمها.

(٤) الاعجم الدابة وسميت به لانها لا تتكلم. وكل من لا يقدر على الكلام أو لا يفهم الكلام فهو أعجم.

٢٧٩

نعيم الدنيا وزهرتها ، طوبى لعبد طلب الاخرة وسعى لها ، طوبى لمن لم تلهه الاماني الكاذبة. ثم قال عليه‌السلام : رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا ، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم ، ليس [ وا ] كمن يذيع أسرارنا.

يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله ، ويشفقون أن يسلبوا ما اعطوا من الهدى ، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا مما أظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربهم يتوكلون.

يا ابن جندب قديما عمر الجهل وقوي أساسه وذلك لا تخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعمله يريد سواه أولئك هم الظالمون.

يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ، ولاظلهم الغمام ، و لاشرقوا نهارا ، ولاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم.

يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم ، فكل من قصدنا وتولانا ، ولم يوال عدونا وقال ما يعلم ، وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة.

يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله ، ولا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله. قلت : فمن ينجو؟ قال : الذين هم بين الرجاء والخوف ، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب.

يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين ، ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.

يا ابن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار ، فما في الجسد شئ أقل شكرا من العين واللسان ، فان ام سليمان قالت لسليمان عليه‌السلام : يا بني إياك و النوم ، فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم.

يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه (١) ومصائده

____________________

(١) فتحاموا شباكه : اجتنبوها وتوقوها. والشباك ـ جمع شبكة ـ بالتحريك ـ : شركة الصياد يعنى حبائل الصيد.

٢٨٠