بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٤١ ـ قال علي بن شعيب (١) دخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : يا علي بن أحسن الناس معاشا؟ قلت : ياسيدي أنت أعلم به مني. فقال عليه‌السلام : يا علي بن حسن معاش غيره في معاشه.

يا علي بن أسوء الناس معاشا؟ قلت : أنت أعلم ، قال : من لم يعش غيره في معاشه.

يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية مانأت عن قوم فعادت إليهم (٢).

____________________

سهل والمأمون في ايوان الحبرى بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا عليه‌السلام : ان رجلا من بنى اسرائيل سألنى بالمدينة فقال : النهار خلق قبل أم الليل ، فما عندكم؟ قال :

فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شئ ، فقال الفضل للرضا عليه‌السلام : أخبرنا بها ـ أصلحك الله ـ قال : نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل : من جهة الحساب فقال : قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها؟ فزحل في الميزان والمشترى في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر في الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل. وفى قوله تعالى «لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار» أى قد سبقه النهار. انتهى.

أقول : لما كان وجود الليل والنهار أمران منتزعان من الشمس وحركته فهما مولودان لدورتها. وتقدم الامر الانتزاعى على منشأ الانتزاع مما ريب فيه. وبعبارة اخرى لما كان وجود الليل والنهار فرع وجود الشمس فاذا كان الشمس كان النهار فاذا كان النهار كان الليل. فوجود الليل منتزع من النهار. فتأمل. وفى قوله عليه‌السلام : «أم حسابك» اشارة إلى أن الجواب على وفق مذهب السائل. والاية في سورة يس : ٤٠.

(١) قال صاحب تنقيح المقال ـ ره ـ لم اقف عليه بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفنا فيها على على بن أبى شعيب المدائنى وقال : له كتاب صغير والظاهر كونه اماميا.

(٢) الجوار ـ بالكسر ـ مصدر بمعنى المجاورة. ونأت عن قوم أى بعدت عنه.

والمراد ان النعمة وحشية فيجب على من أصابها ونال منها ان أراد بقاءها ودوامها ان يعامل معها معاملة الحيوان الوحشى الذى اذا هرب لم يعد.

٣٤١

يا علي إن شر الناس من منع رفده ، وأكل وحده ، وجلد عبده.

٤٢ ـ وقال له عليه‌السلام رجل في يوم الفطر : إني أفطرت اليوم على تمروطين القبر. فقال عليه‌السلام : جمعت السنة والبركة.

٤٣ ـ وقال عليه‌السلام لابي هاشم الجعفري : يا أبا هاشم العقل حباء من الله ، والادب كلفة ، فمن تكلف الادب قدر عليه ، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا (١).

٤٤ ـ وقال أحمد بن عمر (٢) والحسين بن يزيد : دخلنا على الرضا عليه‌السلام فقلنا : إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يرد ذلك إلينا؟ فقال عليه‌السلام : أي شئ تريدون تكونون ملوكا؟ أيسركم أن تكونوا مثل طاهر وهرثمة (٣) وإنكم على خلاف ما أنتم عليه؟ فقلت :

____________________

(١) الحباء ـ بالكسر ـ : العطية. والمراد ان العقل غريزة موهبة من الله فكان في فطرة الانسان وجبلته فليس للكسب فيه أثر فمن لم يكن فيه عقل ليس له صلاحية اكتساب العقل بخلاف الادب فان الادب هو السيرة والطريقة الحسنة في المحاورات والمعاشرات فيمكن للانسان تحصيله بأن يتجشمه ويتكلفه. وأبوهاشم الجعفرى هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله ابن جعفر بن أبى طالب الذى تقدم شرح حاله في ص ٣٤٠.

(٢) هو أحمد بن عمر بن أبى شعبة الحلبى ثقة من أصحاب الامام السابع والثامن عليهما‌السلام وله كتاب. وأما الحسين بن يزيد هو ابن عبدالملك النوفلى المتطبب من أصحاب الامام الثامن. كان أديبا شاعرا سكن الرى ومات بها ـ رحمه‌الله ـ.

(٣) الظاهر هو أبوالطيب أو أبوطلحة طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان الملقب بذواليمينين والى خراسان كان من أكبر قواد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته ، كان جده زريق بن ماهان أو باذان مجوسيا فأسلم على يد طلحة الطلحات الخزاعى المشهور بالكرم والى سجستان وكان مولاه ، ولذلك اشتهر الطاهر بالخزاعى ، وكان هو الذى سيره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الامين محمد بن زبيدة ببغداد لما خلع المأمون بيعته وسيرالامين على بن عيسى بن ماهان لدفعه فالتقيا بالرى وقتل

٣٤٢

لا والله ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه.

فقال عليه‌السلام : إن الله يقول : «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (١)».

أحسن الظن بالله ، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه (٢) ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل ، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعم أهله ، وبصره الله داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.

____________________

على بن عيسى وكسر جيش الامين وتقدم الطاهر إلى بغداد وأخذ ما في طريقه من البلاد وحاصر بغداد وقتل الامين سنة ١٩٨ وحمل برأسه إلى خراسان وعقد للمأمون على الخلافة فلما استقل المأمون بالملك كتب اليه وهو مقيم ببغداد وكان واليا عليها بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع ما افتتحه من البلاد وهى العراق وبلا الجبل وفارس وأهواز والحجاز واليمن وأن يتوجه هوالى الرقة ، وولاه الموصل وبلاد الجزيرة والشأم والمغرب فكان فيها إلى أن قدم المأمون بغداد فجاء اليه وكان المأمون يرعاه لمناصحته وخدمته ولقبه ذواليمينين وذلك لانه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين في وقعته مع على بن عيسى بن ماهان حتى قال بعض الشعراء : «كلتا يديك يمين حين تضربه» فبعثه إلى خراسان فكان واليا عليها إلى أن توفى سنة ٢٠٧ بمرو وهو الذى أسس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها من ٢٠٥ إلى ٢٥٩ وكان طاهر من أصحاب الرضا عليه‌السلام كان متشيعا وينسب التشيع أيضا إلى بنى طاهر كما في مروج الذهب وغيره. ولد طاهر سنة ١٥٩ في توشنج من بلاد خراسان وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل.

وهرثمة هو هرثمة بن أعين كان أيضا من قواد المأمون وفى خدمته وكان مشهورا معروفا بالتشيع محبا لاهل البيت من أصحاب الرضا عليه‌السلام بل من خواصه وأصحاب سره ويأخذ نفسه انه من شيعته وكان قائما بمصالحه وكانت له محبة تامة واخلاص كامل له ، توفى بمرو سنة ٢٠٠ في السجن.

(١) سبأ : ١٢.

(٢) قيل : معناه أنه عزوجل عند ظن عبده في حسن عمله وسوء عمله لان من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.

٣٤٣

٤٥ ـ وقال له ابن السكيت (١) : ما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال عليه‌السلام :

العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه ، والكاذب على الله فيكذبه. فقال ابن السكيت : هذا والله هو الجواب.

____________________

(١) هو أبويوسف يعقوب بن اسحاق الدورقى الاهوازى من رجال الفرس ، المعروف بابن السكيت كان أحد أعلام اللغويين وجهابذة المتأدبين ، حامل لواء علم العربية والادب والشعر واللغة ويتصرف في أنواع العلوم ، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة وكان من عظماء الشيعة ومن خواص أصحاب الامام التاسع والعاشر ، وكان المتوكل الخليفة العباسى قد ألزمه تأديب أولاده وكان في أول أمره يؤدب مع أبيه بمدينة السلام في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب فجعل يتعلم النحو. وكان أبوه رجلا صالحا وأديبا عالما وكان من أصحاب الكسائى ، حسن المعرفة بالعربية وحكى عنه أنه كان قد حج فطاف بالبيت وسعى وسأل الله تعالى أن يعلم ابنه العلم.

كان لابن السكيت تصانيف جيدة مفيدة منها اصلاح المنطق في اللغة ، ونقل عن ابن خلكان أنه قال بعد نقل كلام : «ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ولا يعرف في حجمه مثله في بابه وقد عنى به جماعة واختصره الوزير أبوالقاسم الحسين بن على المعروف بابن المغربى. وهذبه الخطيب أبوزكريا التبريزى ـ إلى أن قال ـ : ولم يكن بعد ابن الاعرابى أعلم باللغة من ابن السكيت الخ».

كان مولده ـ رحمه‌الله ـ في حوالى سنة ١٨٥ وعاش نحو ثمان وخمسين سنة وقتله المتوكل العباسى وسببه ان المتوكل قال له يوما : أيما أحب ابناى هذان أى المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ؟ فقال ابن السكيت : والله ان قنبرا خادم على بن أبى طالب خير منك ومن أبنيك. فقال المتوكل للاتراك : سلوا لسانه من قفاه ، ففعلوا فمات. وقيل :

أثنى على الحسن والحسين (ع) ، ولم يذكرا بنيه فأمر المتوكل فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم ـ رحمة الله عليه.

٣٤٤

٤٦ ـ وقال عليه‌السلام : لا يقبل الرجل يد الرجل فإن قبلة يده كالصلاة له (١).

٤٧ ـ وقال عليه‌السلام : قبلة الام على الفم ، وقبلة الاخت على الخد ، وقبلة الامام بين عينيه.

٤٨ ـ وقال عليه‌السلام : ليس لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملوك وفاء ولا لكذوب مروة.

٢ ـ ما (٢) : عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن مسعر بن علي بن زياد ، عن حريز بن سعد بن أحمد بن مالك ، عن العباس بن المأمون ، عن أبيه قال : قال لي علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ثلاثة موكل بها ثلاثة : تحامل الايام علي ذوي الادوات الكاملة ، واستيلاء الحرمان على المتقدم في صنعته ، ومعاداة العوام على أهل المعرفة.

أقول : قد مضى بعض حكمه عليه‌السلام في النظم في أبواب أحواله عليه‌السلام.

٣ ـ ص (٣) : بإسناده إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي بن سيف ، عن محمد بن عبيدة قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام فبعث إلى صالح بن سعيد فحضرنا جميعا فوعظنا ثم قال : إن العابد من بني إسرائيل لم يكن عابدا حتى يصمت عشر سنين ، فإذا صمت عشر سنين كان عابدا ثم قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : كن خيرا لا شر معه ، كن ورقا لا شوك معه ، ولا تكن شوكا لا ورق معه ، وشرا لا خير معه ، ثم قال إن الله تعالى يبغض القيل والقال ، وإيضاع المال ، وكثرة السؤال ، ثم قال : إن بني إسرائيل شددوا فشددالله عليهم قال لهم موسى عليه‌السلام : اذبحوا بقرة ، قالوا : مالونها ، فلم يزالوا شددوا حتى ذبحوا بقرة يملا جلدها ذهبا ، ثم قال إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : إن الحكماء ضيعوا الحكمة لما وضعوا عند غير أهلها.

____________________

(١) في الكافى ج ٢ ص ١٨٥ باسناده عن رفاعة بن موسى عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : لا يقبل رأس أحد ولا يده الا يد رسول الله أو من اريد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) الامالى ج ٢ ص ٩٨.

(٣) مخطوط.

٣٤٥

٤ ـ ضا (١) : سلوا ربكم العافية في الدنيا والاخرة ، فإنه أروي عن العالم أنه «قال الملك الخفي : إذا حضرت (٢) لم يؤبه لها ، وإن غابت عرف فضلها» واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات ساعة لله لمناجاته ، وساعة لامر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان الثقات ، والذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات ، لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ، ولا بطول العمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل ، ومن حدثها بطول العمر حرص ، اجعلوا لانفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال ، وما لم يثلم المروة ولا سرف فيه ، واستعينوا بذلك على امور الدنيا فإنه نروي «ليس منا من ترك دنياه لدينه ، ودينه لدنياه» ، وتفقهوا في دين الله فإنه أروي «من لم يتفقه في دينه ما يحظئ أكثر مما يصيب ، فإن الفقه مفتاح البصيرة ، وتمام العبادة ، والسبب إلى المنازل الرفيعة ، وحاز المرء المرتبة الجليلة في الدين والدنيا ، فضل الفقيه على العباد كفضل الشمس على الكواكب ، ومن لم يتفقه في دينه لم يزك الله له عملا».

وأروي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : «لو وجدت شابا من شبان الشيعة لا يتفقه لضربته ضربة بالسيف» وروي غيري عشرون سوطا ، وأنه قال : «تفقهوا وإلا أنتم أعراب جهال».

وروي أنه قال : «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الانبياء في بني إسرائيل».

روي «أن الفقيه يستغفر له ملائكة السماء وأهل الارض والوحش والطير وحيتان البحر» وعليكم بالقصد في الغنى والفقر ، والبر من القليل والكثير فإن الله تبارك وتعالى يعظم شقة التمرة حتى يأتي يوم القيامة كجبل احد.

إياكم والحرص والحسد فإنهما أهلكا الامم السالفة ، وإياكم والبخل فإنها عاهة لا تكون في حر ولا مؤمن ، إنها خلاف الايمان.

____________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام باب حق النفوس من باب الديات.

(٢) أى اذا حضرت العافية لا يلتفت اليها واذا غابت ظهر فضلها.

٣٤٦

عليكم بالتقية ، فإنه روي «من لا تقية له لا دين له» ، وروي «تارك التقية كافر» وروي «اتق حيث لا يتقى ، التقية دين منذ أول الدهر إلى آخره» وروي «أن أبا عبدالله عليه‌السلام كان يمضي يوما في أسواق المدينة وخلفه أبوالحسن موسى فجذب رجل ثوب أبي الحسن ثم قال له : من الشيخ فقال : لا أعرف (١).

تزاوروا تحابوا وتصافحوا ولا تحاشموا فانه روي» المحتشم والمحتشم (٢) في النار «لا تأكلوا الناس بآل محمد فإن التأكل بهم كفر ، لا تستقلوا قليل الرزق فتحرموا كثيره ، عليكم في اموركم بالكتمان في امور الدين والدنيا فإنه روي « أن الاذاعة كفر» وروي «المذيع والقاتل شريكان» وروي «ما تكتمه من عدوك فلا يقف عليه وليك» لا تغضبوا من الحق إذا صدعتم ، ولا تغرنكم الدنيا فإنها لا تصلح لكم كما لا تصلح لمن كان قبلكم ممن اطمأن إليها ، وروي «أن الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنة مأواه ، والدنيا جنة الكافر ، والقبر سجنه ، والنار مأواه».

عليكم بالصدق وإياكم والكذب فإنه لا يصلح إلا لاهله ، أكثروا من ذكر الموت فإنه أروي «أن ذكر الموت أفضل العبادة». وأكثروا من الصلواة على محمد وآله عليهم‌السلام والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في آناء الليل والنهار فإن الصلاة على محمد وآله أفضل أعمال البر ، واحرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ودفع المكروه عنهم ، فإنه ليس شئ من الاعمال عندالله عزوجل بعد الفرائض أفضل من إدخال السرور على المؤمن.

لا تدعوا العمل الصالح والاجتهاد في العبادة اتكالا على حب آل محمد عليهم‌السلام ،

____________________

(١) سأل الرجل عن أبى الحسن من الرجل يعنى أبا عبدالله فقال أبوالحسن عليه‌السلام «انى لا أعرف» فقط بدون ذكر مفعول لا أعرف ، وهذا من أحسن التورية.

(٢) حشمه : آذاه وأغضبه بتسميعه ما يكره. واحتشم منه وعنه غضب وانقبض واستحيا. وفى بعض النسخ «ولا تحاشموا» أى لا تغاضبوا فان المتغاضبان في النار.

٣٤٧

لا تدعوا حب آل محمد عليهم‌السلام والتسليم لامرهم اتكالا على العبادة فإنه لا يقبل أحدهما دون الاخر.

واعلموا أن رأس طاعة الله سبحانه التسليم لما عقلناه ، وما لم نعقله ، فان رأس المعاصي الرد عليهم ، وإنما امتحن الله عزوجل الناس بطاعته لما عقلوه وما لم يعقلوه إيجابا للحجة وقطعا للشبهة ، واتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ، ولا يفوتنكم خير الدنيا فإن الاخرة لا تلحق ولا تنال إلا بالدنيا.

٥ ـ ضا (١) : نروي «انظر إلى من هودونك في المقدرة ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك وأحرى أن تستوجب الزيادة ، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين والبصيرة أفضل عندالله من العمل الكثير على غير يقين والجهد ، واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله ، والكف عن أذى المؤمن ، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ، ولا مال أنفع من القنوع ، ولا جهل أضر من العجب ، ولا تخاصم العلماء ولا تلاعبهم ولا تحاربهم ولا تواضعهم (٢)» ونروي «من احتمل الجفا لم يشكر النعمة» «وأروي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : « رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم ، وأيم الله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا أعز ولما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ ».

وأروي عن العالم أنه قال : « عليكم بتقوى الله والورع والاجتهاد وأداء الامانة وصدق الحديث ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلوا في عشائركم ، وصلوا أرحامكم ، وعودوا مرضاكم ، واحضروا جنائزكم ، كونوا زينا ولا تكونوا شينا ، حببونا إلى الناس ، ولا تبغضونا ، جر وإلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، وما قيل فينا من خير فنحن أهله ، وما قيل فينا من شر فما نحن

____________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام أواخر باب مكارم الاخلاق.

(٢) كذا. وواضعه أى راهنه ، وفى الامر : واقفه فيه ، وواضعه البيع : تاركه ، والرهان : أبطله.

٣٤٨

كذلك ، الحمدلله رب العالمين ».

ويروى» أن رجلا قال للصادق السلام والرحمة عليه : يا ابن رسول الله فيم المروة فقال : ألا يراك [ الله ] حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك.

٦ ـ كشف (١) قال الابي في نثر الدرر ، سئل الرضا عليه‌السلام عن صفة الزاهد ، فقال : متبلغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرم بحياته.

وسئل عليه‌السلام عن القناعة فقال : القناعة تجتمع إلى صيانة النفس وعز القدر ، وطرح مؤن الاستكثار (٢) ، والتعبد لاهل الدنيا ، ولا يسلك الطريق القناعة إلا رجلان إما متعلل (٣) يريد أجر الاخرة ، أو كريم متنزه عن لئام الناس.

وامتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام ، فقال : اغسلها والغسلة الاولى لنا ، وأما الثانية فلك ، فإن شئت فاتركها.

قال عليه‌السلام : (٤) في قول الله تعالى : «فاصفح الصفح الجميل (٥)» قال : عفو بغير عتاب. وفي قوله «خوفا وطمعا» (٦) قال خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم.

٧ ـ ومن تذكرة (٧) ابن حمدون قال عليه‌السلام : من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل ، وقال : لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة (٨) ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراء البغي ، وقال : الناس ضربان بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد.

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٩٦.

(٢) في بعض النسخ «مؤونة الاستكثار».

(٣) في بعض النسخ «متعبد». (٤) المصدر ج ٣ ص ٩٩.

(٥) غافر : ٨٤.

(٦) الرعد : ١٣.

(٧) كشف الغمة ج ٣ ص ١٠٠.

(٨) نكث الصفقة أى نقض العهد. وبالفارسية «بيمان شكنى».

٣٤٩

٨ ـ كش (١) : عن حمدويه عن الحسن بن موسى ، عن إسماعيل بن مهران (٢) عن أحمد بن محمد قال : كتب الحسين بن مهران إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام كتابا قال فكان [ يمشي ] شاكا في وقوفه قال : فكتب إلى أبي الحسن يأمره وينهاه ، فأجابه أبو الحسن بجواب وبعث به إلى أصحابه فنسخوه ورد [ وا ] إليه لئلا يستره حسين بن مهران وكذلك كان يفعل إذا سئل عن شئ فأحب ستر الكتاب فهذه نسخة الكتاب الذي أجابه به : بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك جائني كتابك تذكر فيه الرجل الذي عليه الجناية والعين (٣) وتقول : أخذته وتذكر ما تلقاني به وتبعث إلي بغيره فاحتججت فيه فأكثرت وعميت (٤) عليه أمرا وأردت الدخول في مثله تقول إنه عمل (٥) في أمري بعقله وحيلته نظرا منه لنفسه وإرادة أن تميل إليه قلوب الناس ليكون مثله الامر بيده وليته (٦) يعمل فيه برأيه ويزعم أني طاوعته فيما أشار به علي وهذا أنت تشير علي فيما يستقيم عندك في العقل والحيلة بعدك ، لا يستقيم الامر إلا بأحد أمرين إما قبلت الامر على ما كان يكون عليه ، وإما أعطيت القوم ما طلبوا وقطعت عليهم ، وإلا فالامر عندنا معوج ، والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مال وذاهبون به ، فالامر ليس بعقلك ولا بحيلتك يكون ، ولا تفعل الذي نحلته بالراي والمشورة (٧) ولكن الامر إلى الله عزوجل وحده لا شريك له يفعل في خلقه ما يشاء ، من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا هادي له ، ولن تجد له مرشدا ، فقلت : واعمل في أمرهم واحتل فيه فكيف لك بالحيلة والله يقول : «وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا في التورية والانجيل ـ إلى قوله عزوجل ـ وليقترفوا ما هم مقترفون» (٨) فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا

____________________

(١) اختيار رجال الكشى ص ٥٠٠. (٢) في التحرير الطاووسى «اسماعيل ابن موسى». (٣) في المصدر «الخيانة والغبن».

(٤) في المصدر «عممت».

(٥) في بعض النسخ «بقول انه عمل في أمرى».

(٦) في المصدر «الامر بيده واليه يعمل». (٧) في بعض النسخ «والشهرة».

(٨) الانعام : ١١٣.

٣٥٠

وأسلموا وقد كان مني ما أنكرت (١) وأنكروا من بعدي ومدلي بقائي ، وما كان ذلك إلا رجاء الاصلاح لقول أميرالمؤمنين عليه‌السلام : «واقتربوا واقتربوا وسلوا وسلوا فان العليم يفيض فيضا وجعل يمسح بطنه ويقول : ما ملئ طعاما ولكن ملاته علما والله ما آية انزلت في بر ولا بحر ولا سهل ولا جبل إلا أني أعلمها وأعلم فيمن نزلت» وقول أبي عبدالله عليه‌السلام : إلى الله أشكو أهل المدينة إنما أنا فيهم كالشعر انتقل يريدونني ألا أقول الحق والله لا أزال أقول الحق حتى أموت فلما قلت : حقا اريد به حقن دمائكم وجمع أمركم على ما كنتم عليه أن يكون سركم مكتوما عندكم غير فاش في غيركم ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرا أسره الله تعالى إلى جبرئيل ، وأسره جبرئيل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسره محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي ، وأسره علي إلى من شاء ، ثم قال قال أبوجعفر ثم أنتم تحدثون به في الطريق فأردت حيث مضى صاحبكم أن ألف أمركم عليكم لئلا تضعوه في غير موضعه ولا تسألوا عنه غير أهله فيكون في مسألتكم إياهم هلاككم ، فلما دعا إلى نفسه (٢) ولم يكن داخله » ، ثم قلتم : لا بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك ولا يتحول عنه إلى غيره قلت (٣) لانه كان له من التقية والكف أولى ، وأما إذا تكلم فقد لزمه الجواب فيما يسأل عنه وصار الذي كنتم تزعمون أنكم تذمون به فإن الامر مردود إلى غيركم وإن الفرض عليكم اتباعهم فيه إليكم فصبرتم (٤) ما استقام في عقولكم وآرائكم وصح به القياس عندكم بذلك لازما لما زعمتم من أن لا يصح أمرنا زعمتم حتى يكون ذلك علي لكم فإن قلتم لم يكن كذلك لصاحبكم فصار الامر ان وقع إليكم نبذتم أمر ربكم وراء ظهوركم فلا أتبع أهواءكم قد ظلت إذا وما أنا من المهتدين ، وما كان بد من أن تكونوا كما كان من قبلكم قد اخبرتم أنها السنن والامثال القذة بالقذة وما كان يكون ما طلبتم من الكف أولا ومن الجواب آخرا شفاء لصدوركم

____________________

(١) في المصدر «ما كان منى ما امرتك وأنكروا».

(٢) في المصدر «فكم دعا إلى نفسه». (٣) في بعض النسخ «قلتم».

(٤) في بعض النسخ «فصيرتم».

٣٥١

ولاذهاب شككم وقد كان بد من أن يكون ما قد كان منكم ولا يذهب عن قلوبكم حتى يذهبه الله عنكم ، ولو قدر الناس كلهم على أن يحبونا ويعرفوا حقنا ويسلموا لامرنا فعلوا ، ولكن الله يفعل ما يشاء ويهدي إليه من أناب ، فقد أجبتك في مسائل كثيرة فانظر أنت ومن أراد المسائل منها وتدبرها فإن لم يكن في المسائل شفاء فقد مضى إليكم مني ما فيه حجة ومعتبر وكثرة المسائل معتبة عندنا مكروهة إنما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا سبيلا إلى الشبهة والضلالة ، ومن أراد لبسا لبس الله عليه ووكله إلى نفسه ولا ترى أنت وأصحابك إني أجبت بذلك وإن شئت صمت فذاك إلي لا ما تقوله أنت وأصحابك لا تدرون كذا وكذا ، بل لابد من ذلك إذا نحن منه على يقين وأنتم منه في شك (١).

٩ ـ د (٢) : من كتاب الذخيرة قال الرضا : من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصرفهم ، ومن فهم علم ، وصديق الجاهل في تعب ، وأفضل المال ماوقي به العرض ، وأفضل العقل معرفة الانسان نفسه ، والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه.

وقال عليه‌السلام : الغوغاء قتلة الانبياء (٣) والعامة اسم مشتق من العمى ، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتى قال : «بل هم أضل سبيلا» (٤).

وقال عليه‌السلام : قال لي المأمون : هل رويت شيئا من الشعر؟ قلت : ورويت منه الكثير ، فقال : أنشدني أحسن مارويته في الحلم فأنشدته (٥) :

إذا كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن اقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلي من النهى

هربت لحلمي كي أجل عن المثل

____________________

(١) اعلم أن النسخ في هذا المكتوب مشوة لايسعنا تصحيها.

(٢) العدد القوية : مخطوط.

(٣) كذا. (٤) الفرقان : ٤٧.

(٥) رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ص ٣٠٤.

٣٥٢

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى

عرفت له حق التقدم والفضل

قال المأمون : من قائله؟ قلت : بعض فتياننا قال : فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل ، فقلت :

إني ليهجرني الصديق تجنبا

فاريه أن الهجرة أسبابا

وأراه إن عاتبته أغريته

فأرى له ترك العتاب عتابا

وإذا ابتليت بجاهل متحلم

يجد المحال من الامور صوابا

أوليته عني السكوت وربما

كان السكوت عن الجواب جوابا

فقال : من قائله؟ قلت بعض فتياننا.

ومن كتاب النزهة قال : مولينا الرضا عليه‌السلام من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل ، من كثرت محاسنه مدح بها واستغنى التمدح بذكرها (١) من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر به ، من لم تتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه وانتظر به أن يصلحه شر ، ومن طلب الامر من وجهه لم يزل ، وإن زل لم تخذله الحيلة ، لا يعدم المرء دائرة الشر مع نكث الصفقة ، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي. الناس ضربان بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد ، طوبى لمن شغل قلبه بشكر النعمة ، لا يختلط بالسلطان في أول اضطراب الامور يعني أول المخالطة (٢) القناعة تجمع إلى صيانة النفس وعز القدرة وطرح مؤونة الاستكثار ، والتعبد لاهل الدنيا ، ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان إما متعبد يريد أجر الاخرة أو كريم يتنزه عن لئام الناس.

كفاك من يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء الحساب في العاقبة ، الاسترسال بالانس يذهب المهابة.

وقال عليه‌السلام للحسن بن سهل في تغريته : التهنية بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة.

وقال عليه‌السلام : من صدق الناس كرهوه ، المسكنة مفتاح البؤس ، إن للقلوب

(١) و (٢) كذا.

٣٥٣

إقبالا وإدبارا ونشاطا وفتورا فإذا أقبلت بصرت وفهمت وإذا أدبرت كلت وملت ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها واتركوها عند إدبارها وفتورها ، لا خير في المعروف إذا رخص. وقال عليه‌السلام للصوفية لما قالوا له : إن المأمون قدرد هذا الامر إليك وإنك لاحق الناس به إلا أنه يحتاج من يتقدم منك بقدمك إلى لبس الصوف (١) وما يخشن لبسه : ويحكم إنما يراد من الامام قسطه وعدله ، إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز ، والخير معروف «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق» وإن يوسف الصديق لبس الديباج المنسوج بالذهب وجلس على متكآت فرعون.

قال عليه‌السلام في صفة الزاهد : متبلغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرم بحياته. وقال في تفسير «فاصفح الصفح الجميل» (٢) : عفو بغير عتاب.

وقال للمأمون لما أراد قتل رجل : إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا ، فعفا عنه.

وقال بعض أصحابه : روي لنا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» فما معناه؟ قال : من زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى عباده فقد قال بالتفويض ، قلت : يا ابن رسول الله والقائل به مشرك؟ فقال : نعم ، ومن قال بالجبر فقد ظلم الله تعالى ، فقلت : يا ابن رسول الله فما أمر بين أمرين؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما امروا به ، وترك ما نهوا عنه.

وقال وقد قال له رجل : إن الله تعالى فوض إلى العباد أفعالهم؟ فقال :

هم أضعف من ذلك وأقل ، قال : فجبرهم؟ قال : هو أعدل من ذلك وأجل ، قال :

فكيف تقول؟ قال : نقول : إن الله أمرهم ونهاهم وأقدرهم على ما أمرهم به و نهاهم عنه.

سأله عليه‌السلام الفضل بن الحسن بن سهل الخلق مجبورون؟ قال : الله أعدل من أن يجبر ويعذب ، قال : فمطلقون؟ قال : الله أحكم أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه.

(١) كذا. (٢). الحجر : ٨٥.

٣٥٤

اصحب السلطان بالحذر ، والصديق بالتواضع ، والعدو بالتحرز ، والعامة بالبشر.

الايمان فوق الاسلام بدرجة ، والتقوى فوق الايمان بدرجة ، واليقين فوق التقوى بدرجة. ولم يقسم بين العباد شئ أقل من اليقين.

وسئل عن المشية والارادة فقال : المشية الاهتمام بالشئ ، والارادة إتمام ذلك الشئ ، الاجل آفة الامل ، والعرف ذخيرة الابد (١) ، والبر غنيمة الحازم ، والتفريط مصيبة ذي القدرة ، والبخل يمزق العرض ، والحب داعي المكاره.

وأجل الخلائق (٢) وأكرمها اصطناع المعروف ، وإغاثة الملهوف ، وتحقيق أمل الامل ، وتصديق مخيلة الراجي ، والاستكثار من الاصدقاء في الحياة والباكين بعد الوفاة.

من كتاب الدر (٣) قال عليه‌السلام : اتقوا الله أيها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا أنكم لا تشكرون الله بشئ بعد الايمان بالله ورسوله ، وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد عليهم‌السلام أحب إليكم من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنات ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله. من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسرو من خاف أمن ومن اعتبر أبصر ومن أبصرفهم ومن فهم عقل. وصديق الجاهل في تعب وأفضل المال ما وقي به العرض وأفضل العقل معرفة الانسان نفسه ، والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه ، الغوغاء قتلة الانبياء ، والعامة اسم مشتق من العمى ، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتى قال «بلهم أضل سبيلا». صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله ، العقل حباء من الله عزوجل ، والادب كلفة ، فمن تكلف الادب قدر عليه ، ومن تكلف العقل لم يزده إلا جهلا ، التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب

(١) في بعض النسخ «والعزم ذخيرة الابد». (٢) جمع الخليقة. (٣) كذا.

٣٥٥

أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن أتى إليه سيئة واراها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين.

١٠ ـ الدرة الباهرة (١) : قال الرضا عليه‌السلام : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.

وقال عليه‌السلام : من طلب الامر من وجهه لم يزل فإن زل لم تخذ له الحيلة.

وقال عليه‌السلام : لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي.

وقال عليه‌السلام : الانس يذهب المهابة ، والمسألة مفتاح في البؤس.

وأراد المأمون قتل رجل فقال له عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال :

إن الله لا يزيد بحسن العفو إلا عزا ، فعفا عنه.

وقال عليه‌السلام : اصحب السلطان بالحذر ، والصديق بالتواضع ، والعدو بالتحرز ، والعامة بالبشر.

وقال عليه‌السلام : المشية الاهتمام بالشئ ، والارادة إتمام ذلك الشئ.

١١ ـ كنز الكراجكى (٢) : عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن صالح ، عن سعد بن عبدالله ، عن أيوب بن نوح قال : قال الرضا عليه‌السلام : سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء : من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزء بنفسه ، ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزء بنفسه. ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزء بنفسه ، ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزء بنفسه ، ومن تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزء بنفسه ، ومن ذكر الله ولم يستبق إلى لقائه فقد استهزء بنفسه.

١٢ ـ اعلام الدين (٣) : قال الرضا عليه‌السلام : من رضي عن الله تعالى بالقليل من

(١) مخطوط.

(٢) المصدر : ص ١٥٠.

(٣) مخطوط.

٣٥٦

الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل.

وقال عليه‌السلام : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.

وقال عليه‌السلام : لا يسلك طريق القناعة إلا رجلان إما متعبد يريد أجر الاخرة أو كريم يتنزة من لئام الناس.

وقال عليه‌السلام : الاسترسال بالانس يذهب المهابة.

وقال عليه‌السلام : من صدق الناس كرهوه.

وقال عليه‌السلام للحسن بن سهل : وقد عزاه بموت ولده : التهنية بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة.

وقال عليه‌السلام : إن للقلوب إقبالا وإدبارا ونشاطا وفتورا ، فإذا أقبلت بصرت وفهمت ، وإذا أدبرت كلت وملت ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها ، واتركوها عند إدبارها وفتورها.

وقال عليه‌السلام للحسن بن سهل وقد سأله عن صفة الزاهد فقال عليه‌السلام : متبلغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرم بحياته.

وقال عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : «فاصفح الصفح الجميل» فقال : عفوا من غير عقوبة ولا تعنيف ولا عتب.

واتي المأمون برجل يريد أن يقتله والرضا عليه‌السلام جالس فقال : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال : إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا ، فعفا عنه.

وسئل عليه‌السلام عن المشية والارادة فقال : المشية الاهتمام بالشئ والارادة إتمام ذلك الشئ.

وقال عليه‌السلام : الاجل آفة الامل ، والعرف ذخيرة الابد ، والبر غنيمة الحازم ، والتفريط مصيبة ذوي القدرة ، والبخل يمزق ، العرض ، والحب داعي المكاره ، وأجل الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف ، وإغاثة الملهوف ، وتحقيق

٣٥٧

أمل الامل ، وتصديق مخيلة الراجي ، والاستكثار من الاصدقاء في الحياة يكثر الباكين بعد الوفاء.

٢٧

* ( باب ) *

«( مواعظ أبى جعفر محمد بن على الجواد صلوات الله عليه )»

١ ـ ف (١) : قال الجواد عليه‌السلام رجل ، أوصني. قال : وتقبل؟ قال : نعم ، قال : توسد الصبر ، واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم أنك لن تخلو من عين الله ، فانظر كيف تكون.

وقال عليه‌السلام : أوحى الله إلى بعض الانبياء : أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة ، وأما انقطاعك إلي فيعززك بي ولكن هل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا.

وكتب إلى بعض أوليائه أما هذه الدنيا فإنا فيها مغترفون ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان ، والاخرة هي دار القرار.

وقال عليه‌السلام : المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينصحه.

٢ ـ كا : من الروضة (٢) عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن يزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، والحسين بن محمد الاشعري ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن يزيد بن عبدالله ، عمن حدثه قال : كتب أبوجعفر عليه‌السلام إلى سعد الخير :

بسم الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من

____________________

(١) التحف ص ٤٥٥.

(٢) الكافى ج ٨ ص ٥٢ تحت رقم ١٦.

٣٥٨

التلف ، والغنيمة في المنقلب ، إن الله عزوجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله (١) ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله ، وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة ، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب (٢) من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة ، يلتمسون تلك الفضيلة ، نبذوا طغيانهم من الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات ، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد ، وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم ، واعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه ، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه ، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه ، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات ، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة ، فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدء العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى ، وكل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه.

وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون (٣) فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا (٤) فالامة يصدرون عن أمر

____________________

(١) عزب أى بعد ، وفى بعض النسخ «نفى بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله».

(٢) العصب : جمع العصبة أو هى من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى الاربعين.

(٣) أى جعلوا ولى الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه وجعلوهم رؤساء على أنفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها.

(٤) أى جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل أوصبى غير عاقل. وقوله : «بعد أمرالله» أى صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الاتيان للسؤال والاخذ والرجوع بالقبول. كما قال المؤلف.

٣٥٩

الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، بئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله (١) وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضا الناس بعد رضا الله ، فأصبحت الامة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة ، معجبون مفتونون فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم ، وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين ، إن نبيا من الانبياء كان يستكمل الطاعة (٢) ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فيخرج به من الجنة (٣) وينبذ به في بطن الحوت ، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة.

فاعرف أشباه الاحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ثم اعرف أشباههم من هذه الامة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده (٤) فهم مع السادة والكبرة فإذا تفرقت قادة الاهواء كانوا مع أكثرهم دنيا وذلك مبلغهم من العلم (٥) ، لا يزالون كذلك في

____________________

(١) «ولاية الناس» هو المخصوص بالذم.

(٢) اشار به إلى يونس عليه‌السلام. والمراد بعصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير اذن ربه ، روى أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى. واعلم أن العصيان هنا ترك الافضل والاولى وذلك لانه لم يكن هناك أمر من الله تعالى حتى عصاه بترك الاتيان به أو نهى منه حتى خالفه بارتكابه فاطلاق لفظ العصيان مجاز عن ترك الاولى والافضل وذلك بالنسبة إلى درجات كمالهم بمنزلة العصيان.

(٣) اطلاق الجنة على الدنيا لعل بالاضافة إلى بطن الحوت. كما في الوفى.

(٤) شبه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحطام بالاحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالاخرة بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها وأكل أموال الناس بالباطل وصدهم عن سبيل الله كما أنهم كانوا كذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدة مواضع ، والمراد بالسادة والكبرة السلاطين والحكام وأعوانهم الظلمة. والكلام يدل على أن التحريف الواقع في القرآن كان في معناه لا في ألفاظه كما توهمه بعض من لا خبرة له بمعاريض الكلام.

(٥) اشارة إلى الاية ٣١ من سورة النجم «فأعرض عمن تولى عن ذكرنا». والطبع ـ بالتحريك ـ : الرين و ـ بالسكون ـ الختم.

٣٦٠