بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وبغي عليكم (١). قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم.

عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر ، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم (٢) استودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته. ثم لم يزل يقول : لا إله إلا الله حتى مضى.

١٩

* ( باب ) *

* «( مواعظ الحسن بن على عليهما‌السلام )» *

١ ـ مع (٣) : الطالقاني ، عن محمد بن سعيد بن يحيي ، عن إبراهيم بن الهيثم ، عن امية البلدي ، عن أبيه ، عن المعافى بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح ابن هاني ، عن أبيه شريح قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن ابنه الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : يا بني ما العقل؟ قال : حفظ قلبك ما استودعته ، قال : فما الحزم؟ قال :

أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك ، قال : فما المجد؟ قال : حمل المغارم وابتناء المكارم ، قال : فما السماحة؟ قال : إجابة السائل وبذل النائل (٤) ، قال : فما الشح؟ قال : أن ترى القليل سرفا ، وما أنفقت تلفا ، وقال : فما الرقة؟ قال : طلب اليسير ، ومنع الحقير ، قال : فما الكلفة؟ قال : التمسك بمن لا يؤمنك ، والنظر فيما لا يعنيك ، قال : فما الجهل؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها

____________________

(١) في الكافى «يكفيكم الله من أذاكم وبغى عليكم».

(٢) أى حفظ رعايته وامتثال أمره. وفى الكافى بتقديم «نبيكم» على «فيكم».

(٣) معانى الاخبار ص ٤٠١.

(٤) النائل : ما ينال.

١٠١

والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا.

ثم أقبل على الحسين ابنه عليهما‌السلام فقال له : يا بني ما السؤدد؟ قال : اصطناع ـ العشيرة واحتمال الجريرة ، قال : فما لغنى؟ قال : قلة أمانيك ، والرضا بما يكفيك؟ قال : فما الفقر؟ قال : الطمع وشدة القنوط ، قال : فما اللؤم؟ قال : احراز المرء نفسه ، وإسلامه عرسه ، قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك أميرك ، ومن يقدر على ضرك ونفعك.

ثم التفت إلى الحارث الاعور فقال : يا حارث علموا هذه الحكم أولادكم فإنها زياده في العقل والحزم والرأي.

٢ ـ ف (١) : أجوبة الحسن بن علي عليهما‌السلام عن مسائل سأله عنها أميرالمؤمنين عليه‌السلام أو غيره في معان مختلفة.

قيل له عليه‌السلام : ما الزهد؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا. قيل :

فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس. قيل : ما السداد؟ قال : دفع المنكر بالمعروف قيل : فما الشرف؟ قال : إصطناع العشيرة وحمل الجريرة. قيل : فما النجدة؟ (٢) قال : الذب عن الجار والصبر في المواطن والاقدام عند الكريهة.

قيل : فما المجد؟ قال : أن تعطي في الغرم (٣) وأن تعفو عن الجرم. قيل : فما المروة؟ قال : حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف (٤) وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق ، والتحبب إلى الناس. قيل فما الكرم؟ قال : الابتداء بالعطية قبل

____________________

(١) التحف ص ٢٢٥.

(٢) اصطناع العشيرة : الاحسان اليهم. والجريرة : الذنب والجناية. والنجدة :

الشجاعة والشدة والبأس.

(٣) الغرم ـ بتقديم المعجمة المضمومة : ما يلزم اداؤه.

(٤) الكنف ـ محركة ـ : الجانب والناحية. وكنف الانسان : حضنه والعضدان الصدر. وقوله : «وتعهد الصنيعة» أى اصلاحها وانماؤها.

١٠٢

المسألة وإطعام الطعام في المحل (١) قيل : فما الدنيئة؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير. قيل : فيما اللؤم؟ قال : قلة الندى وأن ينطق بالخنى (٢). قيل : فما السماح؟ قال : البذل في السراء والضراء. قيل : فما الشح؟ قال : أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا. قيل : فما الاخاء؟ قال : الاخاء في الشدة والرخاء. قيل : فما الجبن؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.

قيل : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما قسم لها وإن قل. قيل : فما الفقر؟ قال :

شره النفس إلى كل شئ. قيل : فما الجود؟ قال : بذل المجهود. قيل : فما الكرم؟ قال : الحفاظ في الشدة والرخاء (٣) قيل : فما الجرأة؟ قال : مواقفة الاقران (٤). قيل : فما المنعة؟ قال : الشدة البأس ومنازعة أعز الناس (٥).

قيل : فما الذل؟ قال : الفرق عند المصدوقة (٦). قيل : فما الخرق؟ قال :

مناواتك أميرك ومن يقدر على ضرك (٧). قيل : فما السناء؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح (٨). قيل : فما الحزم؟ قال : طول الاناة والرفق بالولاة والاحتراس

____________________

(١) المحل ـ بالفتح ـ : الشدة والجدب. يقال : زمان ماحل أى مجدب.

(٢) اللؤم ـ مصدر من لؤم الرجل لؤما وملاءمة ـ كان دنى الاصل شحيح النفس فهو لئيم. والندى ـ كعمى ـ : الجود والفضل والخير. والخنى ـ مقصورا ـ : الفحش في الكلام.

(٣) الحفاظ ـ ككتاب ـ : الذب عن المحارم المنع لها والمحافظة على العهد والوفاء والتمسك بالود.

(٤) في بعض النسخ «قيل : فما الجزاء». والمواقفة ـ بتقديم القاف ـ : المحاربة ، يقال : واقفه في الحرب أو الخصومة أى وقف كل منهما مع الاخر.

(٥) المنعة : العز والقوة. ولعل المراد بالبأس والمنازعة : الجهاد في الله أو الهيبة في أعين الناس. وبأعز الناس أقواهم.

(٦) الفرق ـ محركة ـ : الخوف والفزع. والمصدوقة : الصدق.

(٧) المناواة : المعاداة.

(٨) السناء ـ بالمهملة ممدودا ـ : الرفعة.

١٠٣

من جميع الناس (١). قيل : فما الشرف؟ قال : موافقة الاخوان وحفظ الجيران.

قيل : فما الحرمان؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك. قيل : فما السفه؟ قال : اتباع الدناة ومصاحبة الغواة. قيل : فما العي (٢)؟ قال : العبث باللحية وكثرة التنحنح عند المنطق. قيل : فما الشجاعة؟ قال : مواقفة الاقران والصبر عند الطعان. قيل فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك. قيل : وما السفاه (٣)؟ قال : الاحمق في ماله المتهاون بعرضه. قيل : فما اللؤم؟ قال : إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه (٤).

٣ ـ ف (٥) : ومن حكمه عليه‌السلام :

أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم ، ووفقه الله للرشاد ، وسدده للحسنى ، فإن جار الله آمن محفوظ ، وعدوه خائف مخذول ، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر ، واخشوا الله بالتقوى ، وتقربوا إلى الله بالطاعة فإنه قريب مجيب ، قال الله تبارك وتعالى : «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (٦)» فاستجيبوا لله وآمنوا به ، فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا و [ عز ] الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا [ له ] وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له ، ولا ينكروا أنفسهم

____________________

(١) الاناة : الوقار والحلم. وفى بعض النسخ «الاناة».

(٢) العى : العجر في الكلام.

(٣) السفاه ـ بالكسر ـ : الجهل وأيضا جمع سفيه.

(٤) العرس ـ بالكسر ـ : حليلة الرجل ورحلها.

(٥) التحف ص ٢٢٧ ومضمون هذا الخبر مروى في روضة الكافى عن أميرالمؤمنين (ع) في خطبته التى خطبها بذى قار ولا عجب أن يشتبه الكلامان لان مستقاهما من قليب ومفرغهما من ذنوب كما قال المعصوم عليه‌السلام.

(٦) سورة البقرة ١٨٢.

١٠٤

بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهدى (١).

واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى (٢) ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه ، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ، ورأيتم الفرية على الله والتحريف ، ورأيتم كيف يهوي من يهوي. ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون.

والتمسوا ذلك عند أهله ، فإنهم خاصة نور يستضاء بهم ، وأئمة يقتدى بهم ، بهم عيش العلم وموت الجهل ، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم (٣) وحكم منطقهم عن صمتهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من الله سنة (٤) ومضى فيهم من الله حكم ، إن في ذلك لذكرى للذاكرين ، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته ، فإن رواة الكتاب كثير ، ورعاته قليل ، والله المستعان.

٤ ـ ف (٥) : وروى عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني :

١ ـ قال عليه‌السلام : ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.

٢ ـ وقال عليه‌السلام : اللؤم أن لا تشكر النعمة.

٣ ـ وقال عليه‌السلام لبعض ولده : يا بني لا تواخ أحدا حتى تعرف موارده

____________________

(١) في بعض النسخ «ولا ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلن بعد الهدى».

(٢) في بعض النسخ «حتى تعرفوا بصبغة الهدى».

(٣) كذا. ولعل الضمير في «جهلهم» راجع إلى المخالفين كما يظهر من السياق والمعنى أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم. أو عن عدم جهلهم أوانه تصحيف «جهدهم».

وفى الروضة «هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حكمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم الخ».

(٤) في بعض النسخ «من الله سبقة».

(٥) التحف ٣٣٣.

١٠٥

ومصادره فإذا استنبطت الخبرة (١) ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة.

٤ ـ وقال عليه‌السلام : لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة ، والاجمال في الطلب من العفة ، وليست العفة بدافعة رزقا ، ولا الحرص بجالب فضلا ، فإن الرزق مقسوم ، واستعمال الحرص استعمال المآثم.

٥ ـ وقال عليه‌السلام : القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه ، لا شئ أقرب من يد إلى جسد ، وإن اليد تفل فتقطع وتحسم (٢).

٦ ـ وقال عليه‌السلام : من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن (٣) أنه في غير الحال التي اختارها الله له.

٧ ـ وقال عليه‌السلام : الخير الذي لا شرفيه : الشكر مع النعمة ، والصبر على النازلة.

٨ ـ وقال عليه‌السلام لرجل أبل من علة (٤) : إن الله قد ذكرك فاذكره ، وأقالك فاشكره (٥).

٩ ـ وقال عليه‌السلام : العار أهون من النار.

١٠ ـ وقال عليه‌السلام عند صلحه لمعاوية : إنا والله ماثنانا عن أهل الشام بالسلامة

____________________

(١) الخبرة ـ مصدر ـ : الاختيار والعلم عن تجربة. والعشرة ـ بالكسر ـ المخالطة والصحبة.

(٢) تفل : تكسر وتثلم. و «تحسم» أصله القطع والمراد به تتابع بالمكواة حتى يبرد.

(٣) في بعض النسخ «يتميز».

(٤) أبل من مرضه : برئ منه.

(٥) الاقالة : فسخ البيع وأقالك الله أى غفر لك وتجاوز عنك.

١٠٦

والصبر ، فثبت السلامة (١) بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مبداكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم.

١١ ـ وقال عليه‌السلام : ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه.

١٢ ـ وقيل له : فيك عظمة فقال عليه‌السلام : بل في عزة قال الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (٢)».

____________________

(١) فيه تصحيف والصحيح «فسلبت السلامة» كما في اسد الغابة ج ٢ ص ١٣ وهذه الخطبة تكشف الغطاء عن سر صلح الامام المجتبى سبط المصطفى عليهما آلاف التحية والثناء. مختارها في هذا الكتاب وكتاب الملاحم والفتن للسيد بن طاووس رحمة الله وتمامها في كتاب اسد الغابة قد يعجبنى ذكرها بنصحها :

قال الجزرى : «أخبرنا أبومحمد القاسم بن على بن الحسن الدمشقى اجازة أخبرنا أبى أخبرنا أبو السعود ، حدثنا أحمد بن محمد بن العجلى ، أخبرنا محمد بن محمد ابن أحمد العكبرى ، أخبرنا محمد بن أحمد بن خاقان ، أخبرنا أبوبكر بن دريد قال :

قام الحسن بعد موت أبيه أميرالمؤمنين فقال بعد حمد الله عزوجل : انا والله ماثنانا عن أهل الشأم شك ولا ندم وانما كنا نقاتل أهل الشأم بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة بالعداوة ، والصبر بالجزع ، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم ، فاصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ألا وانا لكم كما كنا ولستم لنا كما كنتم ، ألا وقد اصبحتم ، بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له ، وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره ، فاما الباقى فخاذل ، وأما الباكى فثائر ، ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزولا نصفة ، فان اردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزوجل بظباء السيوف ، وان أردتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى». فناداه القوم من كل جانب : البقية البقية فلما أفردوه امضى الصلح ». انتهى ، وقوله : « البقية البقية » تحذير يعنى احفظ البقية.

(٢) المنافقون : ٨. وفى نسخة «فيكم» مكان «فيك». ورواه الساروى في المناقب وفيه : «فيك عظمة».

١٠٧

١٣ ـ وقال عليه‌السلام في وصف أخ كان له صالح (١) : كان من أعظم الناس في عيني ، صغر الدنيا في عينه (٢) كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة ، كان لا يشتكي ولا يتسخط ولا يتبرم ، كان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال بذ القائلين (٣) كان ضعيفا مستضعفا ، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا (٤).

كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت ، كان لا يقول مالا يفعل ، ويفعل مالا يقول ، كان إذا عرض له أمر ان لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله.

١٤ ـ وقال عليه‌السلام : من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : آية محكمة ، وأخا مستفادا ، وعلما مستطرفا ، ورحمة منتظرة ، وكلمة تدله على الهدى ، أو ترده عن ردى ، وترك الذنوب حياء أو خشية.

____________________

(١) رواه الكلينى (ره) في الكافى عن الحسن بن على عليهما‌السلام بنحو أبسط. وأورده الرضى (ره) في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام هكذا «وقال (ع) كان لى فيما مضى اخ في الله ـ الخ» قال ابن ميثم : ذكر هذا الفصل ابن المقفع في ادبه ونسبه إلى الحسن ابن على عليهما‌السلام والمشار اليه قيل : أبوذر الغفارى وقيل : هو عثمان بن مظعون انتهى.

وقيل : لا يبعد أن يكون المراد به أباه عليه‌السلام عبر عنه عليه‌السلام هكذا لمصلحة.

(٢) أى كان أعظم الصفات التى صارت سببا لعظمته في عينى هو أن صغرالدنيا في عينه ، والصغر كعنب وقفل : خلاف الكبر وبمعنى الذل والهوان وهو خبر «كان» وفاعل «عظم» ضمير الاخ وضمير «به» عائد إلى الموصول والباء للسببية.

(٣) يتبرم اى لا يتسأم ولا يتضجر ولا يغتم. وبذ القائلين. أى غلبهم وسبقهم وفاقهم.

(٤) «كان ضعيفا مستضعفا» كناية عن تواضعه ولين كلامه وسجاحة أخلاقه. «فاذا جاء الجد كان ليثا عاديا» الليث : الاسد وهو كناية عن التصلب في ذات الله وترك المداهنة في أمر الدين واظهار الحق وفى لفظ الجد بعد ذكر الضعف أشعار بذلك. ولعل المراد البسالة في الحرب والشجاعة.

١٠٨

١٥ ـ ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا : يهنيك الفارس ، فقال عليه‌السلام :

أي شئ هذا القول؟ ولعله يكون راجلا ، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن رسول الله؟ فقال عليه‌السلام : إذا ولد لاحدكم غلام؟ فأتيتموه فقولوا له : شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ، بلغ الله به أشده (١) ورزقك بره.

١٦ ـ وسئل عن المروة؟ فقال عليه‌السلام : شح الرجل على دينه ، وإصلاحه ماله ، وقيامه بالحقوق.

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : إن أبصر الابصار ما نفذ في الخير مذهبه. وأسمع الاسماع ما وعى التذكير وانتفع به. أسلم القلوب ما طهر من الشبهات.

١٨ ـ وسأله رجل أن يخيله (٢) قال عليه‌السلام : إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك ، أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب ، أو تغتاب عندي أحدا. فقال له الرجل :

ائذن لي في الانصراف ، فقال عليه‌السلام : نعم إذا شئت.

١٩ ـ وقال عليه‌السلام : إن من طلب العبادة تزكى لها ، إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضواها ، اليقين معاذ للسلامة ، من تذكر بعد السفر اعتد ، ولا يغش العاقل من استنصحه ، بينكم وبين الموعظة حجاب العزة ، قطع العلم عذر المتعلمين (٣) ، كل معاجل يسأل النظرة (٤) ، وكل مؤجل يتعلل بالتسويف.

٢٠ ـ وقال عليه‌السلام : اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات (٥) وهاذم اللذات ، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى في مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل (٦) ، فاتعظوا

____________________

(١) وفى بعض النسخ «رشده». ورواه الكلينى في الكافى قسم الفروع.

(٢) في بعض النسخ «يعظه» مكان يخيله اى يغيره وهو أيضا كناية عن الموعظة.

(٣) كذا وفى كلام أبيه عليه‌السلام في النهج «المعللين».

(٤) النظرة : الامهال والتأخيرر.

(٥) النقمات : جمع نقمة : اسم من الانتقام.

(٦) السناد ـ ككتاب ـ : النافة الشديدة القوية. ومن الشئ عماده.

١٠٩

عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالاثر ، وازدجروا بالنعيم (١) وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معتصما ونصيرا ، وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما (٢) وكفى بالجنة ثوابا ، وكفى بالنار عقابا ووبالا.

٢١ ـ وقال عليه‌السلام : إذا لقى أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته.

٢٢ ـ ومر عليه‌السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه (٣) فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا ، وقصر آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون ، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه ، والمسيئ مشغول بإساءته ، ثم مضى.

٥ ـ ف (٤) : موعظة منه عليه‌السلام :

إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا ، وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم ، وقسم بينكم معائشكم ، ليعرف كل ذي لب منزلته ، وأن ما قدر له أصابه ، وما صرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا ، وفرغكم لعبادته ، وحثكم على الشكر ، وافترض عليكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى باب كل توبة ، ورأس كل حكمة ، وشرف كل عمل ، بالتقوى فاز من فاز من المتقين. قال الله تبارك وتعالى : «إن للمتقين مفازا (٥)». وقال : «وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون (٦)» فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ، ويسدده في

____________________

(١) كذا ، والظاهر «بالنقم».

(٢) الحجيج : المغالب باظهار الحجة.

(٣) المضمار : المدة والايام التى تضمر فيها للسباق. وموضع السباق أيضا.

(٤) التحف ص. ٢٣٢

(٥) سورة النبأ : ٣٢.

(٦) سورة الزمر : ٦١.

١١٠

أمره ، ويهيئ له رشده ، ويفلجه بحجته ، ويبيض وجهه ، ويعطيه رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.

٦ ـ كشف (١) : عن الحسن بن علي عليهما‌السلام قال : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مروة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تدرك الداران جميعا ، ومن حرم من العقل حرمهما جميعا.

وقال عليه‌السلام : علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك وعلمت مالم تعلم.

وسئل عليه‌السلام عن الصمت فقال : هو ستر العمى ، وزين العرض ، وفاعله في راحة وجليسه آمن.

وقال عليه‌السلام : هلاك الناس في ثلاث : الكبر والحرص والحسد ، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس ، والحرص عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة ، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل.

وقال عليه‌السلام : لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله وتخاف يده ، أو يستفيد من علمه ، أو ترجو بركة دعائه ، أو تصل رحما بينك وبينه.

وقال عليه‌السلام : دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي : أتجزع فقلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه فقال عليه‌السلام : ألا اعلمك خصالا أربع إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وإن أنت ضيعتهن فاتك الداران ، يا بني لا غنى أكبر من العقل ، ولا فقر مثل الجهل ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا عيش ألذ من حسن الخلق. [ فهذه سمعت عن الحسن يرويها عن أبيه عليهما‌السلام فاروها إن شئت في مناقبه أو مناقب أبيه ] (٢).

وقال عليه‌السلام : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد.

وقال عليه‌السلام : اجعل ما طلبت من الدنيا فلن تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك ، واعلم أن مروة القناعة والرضا أكثر من مروة الاعطاء ، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها

____________________

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ١٩٦.

(٢) بين القوسين كلام الاردبيلى في (كشف) ولا يناسب هذا الكتاب.

١١١

وسئل عن العقوق فقال : أن تحرمهما وتهجرهما (١).

وروي أن أباه عليا عليه‌السلام قال له : قم فاخطب لاسمع كلامك ، فقام فقال :

الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه ، ومن سكت علم ما في نفسه ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه معاده ، أما بعد فإن القبور محلتنا ، والقيامة موعدنا ، والله عارضنا ، إن عليا باب من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج عنه كان كافرا.

فقام إليه علي عليه‌السلام فالتزمه فقال : بأبي أنت وامي «ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم».

ومن كلامه عليه‌السلام : يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا ، ومن ارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيا ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا ، إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ، ويأملون بعيدا ، أصبح جمعهم بوارا وعملهم غرورا ، ومساكنهم قبورا ، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك فخذ مما في يديك لما بين يديك ، فإن المؤمن يتزود ، والكافر يتمتع ، وكان عليه‌السلام يتلو بعد هذه الموعظة : «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى».

ومن كلامه عليه‌السلام إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور ، فليجل جال بضوئه وليلجم الصفة فإن التلقين (٢) حياة القلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.

٧ ـ د (٣) : قال عليه‌السلام : العقل حفظ قلبك ما استودعته ، والحزم أن تنتظر فرصتك ، وتعاجل ما أمكنك ، والمجد حمل المغارم وابتناء المكارم ، والسماحة إجابة السائل ، وبذل النائل ، والرقة طلب اليسير ومنع الحقير ، والكلفة

____________________

(١) يعنى الوالدين.

(٢) كذا وفى المصدر «وليلجم الصفة قلبه فان التفكير حياة القلب البصير» والصواب كما في الكافى ج ٢ ص ٥٩٩ «فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره فان التفكر حياة قلب البصير».

(٣) مخطوط.

١١٢

التمسك لمن لا يؤاتيك ، والنظر بما لا يعنيك ، والجهل وإن كنت فصيحا.

وقال عليه‌السلام : ما فتح الله عزوجل على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة ، ولا فتح الرجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد.

وقيل له عليه‌السلام : كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : أصبحت ولي رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني ، والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي لا أجد ما احب ، ولا أدفع ما أكره ، والامور بيد غيري ، فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني ، فأي فقير أفقر مني؟.

وقال عليه‌السلام : المعروف مالم يتقدمه مطل ، ولا يتبعه من ، والاعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد.

وسئل عليه‌السلام عن البخل : فقال : هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا ، وقال عليه‌السلام : من عدد نعمه محق كرمه.

وقال عليه‌السلام : الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم.

وقال عليه‌السلام : الوعد مرض في الجود ، والانجاز دواؤه.

وقال عليه‌السلام : الانجاز دواء الكرم.

وقال عليه‌السلام : لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا.

وقال عليه‌السلام : المزاح يأكل الهيبة ، وقد أكثر من الهيبة الصامت.

وقال عليه‌السلام : المسؤول حر حتى يعد ومسترق المسؤول حتى ينجز (١).

وقال عليه‌السلام : المصائب مفاتيح الاجر.

وقال عليه‌السلام : النعمة محنة فإن شكرت كانت نعمة ، فإن كفرت صارت نقمة.

وقال عليه‌السلام : الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.

وقال عليه‌السلام : لا يعرف الرأي إلا عند الغضب.

وقال عليه‌السلام : من قل ذل ، وخير الغنى القنوع ، وشر الفقر الخضوع.

____________________

(١) «يعد» مضارع من وعد ، والمسترق هو السائل يعنى هو الذى يطلب الرق.

١١٣

وقال عليه‌السلام : كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيك.

٨ ـ د : روي أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال للحسن عليه‌السلام : قم فاخطب لاسمع كلامك فقام وقال : الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه ، ومن سكت علم ما في نفسه ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه معاده ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم.

أما بعد فإن القبور محلتنا ، والقيامة موعدنا ، والله عارضنا ، وإن عليا باب من دخله كان آمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ، فقام إليه عليه‌السلام فالتزمه وقال : بأبي أنت وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

٩ ـ د : اعتل أميرالمؤمنين عليه‌السلام بالبصرة فخرج الحسن عليه‌السلام يوم الجمعة فصلى الغداة بالناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا ورهطا وبيتا والذي بعث محمدا بالحق لا ينقص أحد من حقنا إلا نقصه الله من علمه ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا عاقبة ، ولتعلمن نبأه بعد حين.

١٠ ـ د : قال مولينا الحسن عليه‌السلام : إن الله عزوجل أدب نبيه أحسن الادب فقال : «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (١)» فلما وعى الذي أمره قال تعالى : «ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا (٢)» فقال لجبرئيل عليه‌السلام : وما العفو؟ قال : أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، فلما فعل ذلك أوحى الله إليه «إنك لعلى خلق عظيم (٣)».

وقال : السداد دفع المنكر بالمعروف ، والشرف اصطناع العشيرة وحمل الجريرة ، والمروة العفاف وإصلاح المرء ماله ، والرقة النظر في اليسير ومنع الحقير ، واللؤم إحراز المرء نفسه وبذله عرسه ، السماحة البذل في العسر واليسر ، الشح أن ترى ما في يديك شرفا ، وما أنفقته تلفا ، الاخاه الوفاء في الشدة

____________________

(١) الاعراف : ١٩٩. (٢) الحشر : ٧.

(٣) القلم : ٤.

١١٤

الرخاء ، الجبن الجرأة على الصديق والنكول عن العدو ، والغنيمة في التقوى والزهادة في الدنيا في الغنيمة البادرة ، الحلم كظم الغيظ ، وملك النفس الغنى بما قسم الله لها وإن قل فإنما الغنى غني النفس ، الفقر شدة النفس في كل شئ ، المنعة شدة البأس ومنازعة أشد الناس ، الذل التضرع عند المصدوقة الجرأة مواقفة الاقران ، الكلفة كلامك فيما لا يعنيك ، والمجد أن تعطي في العدم وأن تعفو عن طول الاناة ، والاقرار بالولاية ، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم ، السرور موافقة الاخوان وحفظ الجيران ، السفه اتباع الدناة ومصاحبة الغواة ، الغفلة تركك المسجد وطاعتك المفسد ، الحرمان ترك حظك وقد عرض عليك ، السفيه الاحمق في ماله ، المتهاون في عرضه ، يشتم فلا يجيب ، المتحرم بأمر عشيرته هو السيد.

١١ ـ الدرة الباهرة (١) : قال الحسن بن علي عليهما‌السلام : المعروف مالم يتقدمه مطل ولم يتعقبه من ، والبخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا ، من عدد نعمه محق كرمه ، الانجاز دواء الكرم ، لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا ، التفكر حياة قلب البصير ، أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا صاقت بالمذنب المعذرة.

١٢ ـ اعلام الدين (٢) : قال الحسن بن علي عليهما‌السلام : المصائب مفاتيح الاجر.

وقال عليه‌السلام : تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت.

وقال عليه‌السلام : عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.

وقال عليه‌السلام : أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة.

وقيل له عليه‌السلام : فيك عظمة قال : لا بل في عزة قال الله تعالى : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (٣)».

____________________

(١) مخطوط.

(٢) مخطوط.

(٣) المنافقون : ٨.

١١٥

وقال عليه‌السلام : صاحب الناس مثل ما تحب أن يصاحبوك به.

وكان يقول عليه‌السلام : ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك ، فخذ مما في يديك لما بين يديك ، فإن المؤمن يتزود وإن الكافر يتمتع ، وكان ينادي مع هذه الموعظة «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى».

٢٠

* ( باب ) *

* «( مواعظ الحسين بن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما )» *

١ ـ لى (١) : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : سئل الحسين بن علي عليهما‌السلام فقيل له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال : أصبحت ولي رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني ، والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي ، لا أجد ما احب ، ولا أدفع ما أكره ، والامور بيد غيري ، فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني ، فاي فقير أفقرمني؟.

٢ ـ ف (٢) : عن الحسين عليه‌السلام في قصار هذه المعاني :

١ ـ قال عليه‌السلام : في مسيره إلى كربلا (٣) : إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها ، فلم يبق منها إلا صبابة كصابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل (٤) ، ألا ترون أن الحق لا يعمل به ، وأن الباطل لا ينتهى

____________________

(١) المجالس : المجلس التاسع والثمانون ص ٣٦٢.

(٢) التحف ص ٢٤٥.

(٣) ذلك في موضع يقال : ذى حسم ونقل هذا الكلام الطبرى في تاريخه «عن عقبة ابن أبى العيزار قال : قام الحسين عليه‌السلام بذى حسم فحمد الله واثنى عليه ثم قال : « أما بعد انه قد نزل من الامر ما قد ترون .. الخ » مع اختلاف يسير.

(٤) الصبابة ـ بالضم ـ : بقية الماء في الاناء. والمرعى : الكلاء. والوبيل : الوخيم.

١١٦

عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا ، فإني لا أرى الموت إلا الحياة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم (١) يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء (٢) قل الديانون.

٢ ـ وقال عليه‌السلام لرجل اغتاب عنده رجلا : يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار.

٣ ـ وقال عنده رجل : إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع (٣) فقال الحسين عليه‌السلام : ليس كذلك ، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.

٤ ـ وقال عليه‌السلام : ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته.

٥ ـ وقال عليه‌السلام : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبداة الاحرار ، وهي أفضل العبادة.

٦ ـ وقال له رجل : ابتداء كيف أنت عافاك الله؟ فقال عليه‌السلام له : السلام قبل الكلام عافاك الله ، ثم قال عليه‌السلام : لا تأذنوا لاحد حتى يسلم.

٧ ـ وقال عليه‌السلام : الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.

٨ ـ وكتب إلى عبدالله بن العباس حين سيره عبدالله بن الزبير (٤) إلى

____________________

(١) في بعض النسخ «لغو على ألسنتهم».

(٢) محص الله الرجل : اختبره.

(٣) اسدى اليه : أحسن اليه. والوابل : المطر الشديد.

(٤) انما وقع هذا التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار الامام السبط المفدى فالكتاب هذا لا يمكن أن يكون للحسين السبط عليه‌السلام ولعله لولده الطاهر على بن الحسين السجاد سلام الله عليهما فاشتبه على الراوى على بن الحسين بالحسين بن على صلوات الله عليهم.

١١٧

اليمن : أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا وحط به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون. ولو لم توجر إلا فيما تحت لقل الاجر (١) ، عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى ، والشكر عند النعمى (٢) ولا أشمت بنا ولا بك عدوا حاسدا أبدا ، والسلام.

٩ ـ وأتاه رجل فسأله فقال عليه‌السلام : إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة (٣) ، فقال الرجل : ما جئت إلا في إحديهن ، فأمر له بمائة دينار.

١٠ ـ وقال لابنه علي بن الحسين عليهما‌السلام : أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل.

١١ ـ وسأله رجل عن معنى قول الله : «وأما بنعمة ربك فحدث (٤)» قال عليه‌السلام : أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه.

١٢ ـ وجاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة فقال عليه‌السلام : يا أخا الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة (٥) وارفع حاجتك في رقعة ، فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله ، فكتب : يا أبا عبدالله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه ينظرني إلى ميسرة ، فلما قرأ الحسين عليه‌السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة (٦) فيها ألف دينار ، وقال عليه‌السلام له : أما خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة : إلى

____________________

(١) في بعض النسخ «لقاء الاجر».

(٢) والنعمى : الدعة والراحة وخفض العيش.

(٣) الغرم : أداء شئ لازم ، وما يلزم أداؤه ، والضرر والمشقة. والفادح : الصعب المثقل. والمدقع : الملصق بالتراب. والحمالة : الدية والغرامة والكفالة.

(٤) سورة الضحى : ١١.

(٥) البذلة : ترك الصون.

(٦) الصرة ـ بالضم فالتشديد ـ : ما يصرفيه الدراهم والدينار.

١١٨

ذي دين ، أو مروة ، أو حسب ، فأما ذوالدين فيصون دينه ، وأما ذوالمروة فإنه يستحيي لمروته ، وأما ذوالحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك ، فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.

١٣ ـ وقال عليه‌السلام : الاخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ لك ، وأخ عليك وأخ لا لك ولا له. فسئل عن معنى ذلك؟ فقال عليه‌السلام : الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء ، فهذا لك وله لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا ، وإذا دخل الاخاء في حال التناقص بطل جميعا.

والاخ الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة ، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء ، فهذا موفر (١) عليك بكليته. والاخ الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر (٢) ويغشي السرائر ، ويكذب عليك بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد ، فعليه لعنة الواحد. والاخ الذي لا لك ولاله فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا (٣) فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحا مالديك.

١٤ ـ وقال عليه‌السلام : من دلائل علامات القبول : الجلوس إلى أهل العقول.

ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر (٤) ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه ، وعلمه بحقائق فنون النظر.

١٥ ـ وقال عليه‌السلام : إن المؤمن اتخذ الله عصمته ، وقوله مرآته. فمرة ينظر في نعت المؤمنين ، وتارة ينظر في وصف المتجبرين ، فهو منه في لطائف ، ومن نفسه في تعارف ، ومن فطنته في يقين ، ومن قدسه على تمكين (٥).

____________________

(١) في بعض النسخ «موفور عليك».

(٢) الدوائر. النوائب ، يقال : دارت الدوائر أى نزلت الدواهى والنوائب.

(٣) اى فابعده الله من رحمته بعدا.

(٤) الممارة : المجادلة والمنازعة. وفى بعض النسخ «لغير أهل الفكر».

(٥) أى ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة.

١١٩

١٦ ـ وقال عليه‌السلام : إياك وما تعتذر منه ، فإن المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر.

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : للسلام سبعون حسنة ، تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد.

١٨ ـ وقال عليه‌السلام : البخيل من بخل بالسلام.

١٩ ـ وقال عليه‌السلام : من حاول امرا (١) بمعصية الله كان أفوت لما يرجو ، وأسرع لما يحذر (٢).

٣ ـ ف (٣) موعظة منه عليه‌السلام : أوصيكم بتقوى الله واحذركم أيامه وأرفع لكم أعلامه ، فكان المخوف قد أفد بمهول وروده ، ونكير حلوله ، وبشع مذاقه ، فاعتلق مهجكم (٤) وحال بين العمل وبينكم ، فبادروا بصحة الاجسام في مدة الاعمار كأنكم ببغتات طوارقه (٥) فتنقلكم من ظهر الارض إلى بطنها ، ومن علوها إلى سفلها ، ومن انسها إلى وحشتها ، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ، ومن سعتها إلى ضيقها ، حيث لا يزار حميم ، ولا يعاد سقيم ، ولا يجاب صريخ. أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ، ونجانا وإياكم من عقابه ، وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه.

عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم ومدى مظعنكم (٦) كان حسب العامل

____________________

(١) في بعض النسخ «من حاول أمرعا».

(٢) في بعض النسخ «أسرع لمجئ ما يحذر».

(٣) التحف ص ٢٣٩.

(٤) أفد ـ كفرح ـ : عجل ودنا وأزف. والمهول : ذوالهول. وبشع : ضد حسن وطيب اى كريه الطعم والرائحة. والمهج ـ كغرف ـ : جمع مهجة ـ كغرفة ـ : الدم ، أودم القلب والمراد به الروح.

(٥) بغتات : جمع بغتة. والطوارق : جمع الطارقة : الداهية.

(٦) القصر : الجهد والغاية. والمرمى : مصدر ميمى أو مكان الرمى وزمانه. والمدى : الغاية والمنتهى. ويذهل : ينسى ويسلو ـ من الذهول ـ : الذهاب عن الامر

١٢٠