بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

طمع وطبع ، ولا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير ، يصبر منهم العلماء على الاذى والتعنيف ، ويعيبون على العلماء بالتكليف (١) والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة ، إن رأواتائها ضالا لا يهدونه ، أو ميتا لا يحيونه ، فبئس ما يصنعون لان الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما امروا به وأن ينهوا عما نهوا عنه ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الاثم والعدوان ، فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا : طغت وإن علموا الحق (٢) الذي تركوا قالوا : خالفت ، وإن اعتزلوهم قالوا : فارقت وإن قالوا : هاتوا برهانكم على ما تحدثون ، قالوا : نافقت وإن أطاعوهم [ قالوا : ] عصت الله عزوجل (٣) فهلك جهال فيما لا يعلمون ، اميون فيما يتلون ، يصدقون بالكتاب عند التعريف ويكذبون به عند التحريف ، فلا ينكرون.

اولئك أشباه الاحبار والرهبان ، قادة في الهوى ، سادة في الردى ، وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الاخرى ، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ، ولا يدرون ما هو وصدقوا ، تركهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على البيضاء (٤) ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف ، فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم ، صاروا إمامين داع إلى الله تبارك وتعالى ، وداع إلى النار ، فعند ذلك نطق الشيطان فعلى صوته على لسان أوليائه وكثر خيله ورجله (٥) وشارك في المال والولد من أشركه ، فعمل بالبدعة ، وترك الكتاب والسنة ، ونطق أولياء الله بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك

____________________

(١) «منهم» أى من أشباه الاحبار والرهبان «العلماء» يعنى العلماء بالله الربانيين «بالتكليف» يعنى تكليفهم بالحق.

(٢) في بعض النسخ «عملوا الحق». (٣) ليس في بعض النسخ «قالوا».

(٤) يعنى الشريعة ، الواضح مجهولها عن معلومها وعالمها عن جاهلها.

(٥) الخيل : جماعة الفرسان والرجل : جماعة المشاة أى أعوانه القوية والضعيفة.

٣٦١

اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل (١) وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه ، فاعرف هذا الصنف وصنف آخر فأبصرهم رأي العين تحيا (٢) وألزمهم حتى ترد أهلك ، فان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين.

إلى ههنا رواية الحسين ، وفي رواية محمد بن يحيى زيادة :

«لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن كان دونهم (٣) عسف من أهل العسف وخسف (٤) ودونهم بلايا تنقضي ثم تصير إلى رخاء. ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولولا أن تذهب بك الظنون عني (٥) لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ، ولكني أتقيك واستبقيك ، وليس الحليم الذي لا يتقى أحدا في مكان التقوى ، والحلم لباس العالم فلا تعرين ومنه والسلام».

٣ ـ كا (٦) : رسالة أيضا منه إليه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع قال : كتب أبوجعفر عليه‌السلام إلي سعد الخير :

____________________

(١) أى تركوا نصرة الحق. وفى بعض النسخ «تخادن» من الخدن وهو الصديق.

وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفى بعض النسخ «تهاون» أى عن نصرة الحق وهذا أنسب بالتخاذل كما أن التهادن أنسب بالتخادن.

(٢) في بعض نسخ المصدر «نجباء» وفى بعضها «نجيا».

(٣) في بعض النسخ «اليه فان دونهم» وهو الصواب أى فلا ينظرون إلى البلاء لانها تنقضى ولا تبقى.

(٤) العسف : الجور والظلم وهو في الاصل أن يأخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم. قيل : هو ركوب الامر من غير روية. والخسف : النقصان والهوان. وقوله :

«تنقضى» جزاء الشرط.

(٥) أى يصير ظنك السيئ بى سببا لا نحرافك عنى وعدم اصغائك إلى بعد ذلك.

(٦) الكافى ج ٨ ص ٥٦ تحت رقم ١٧.

٣٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد جائني كتابك تذكر فيه معرفة مالا ينبغي تركه. وطاعة من رضا الله رضاه ، فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته تعجب (١) إن رضا الله وطاعته ونصيحته لا تقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء ، أخلاء من الناس ، قد اتخذهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات ، وكان يقال : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار (٢) ولولا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب الله ، واعيذك بالله وإيانا من ذلك لقربت على بعد منزلتك.

واعلم رحمك الله أنا لا ننال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس ولا ولايته إلا بمعاداتهم ، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.

يا أخي إن الله عزوجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون معهم على الاذى ، يجيبون داعي الله ، ويدعون إلى الله فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة ، إنهم يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله من العمى ، كم من قتيل لا بليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضال قد هدوه ، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد وأقبح آثار العباد عليهم.

٤ ـ الدرة الباهرة (٣) قال أبوجعفر الجواد عليه‌السلام : كيف يضيع من اله كافله؟

____________________

(١) في بعض النسخ «فعجب».

(٢) المستفاد من قوله عليه‌السلام : «تذكر فيه ـ إلى آخره ـ» ان سعدا ذكر في كتابه أنه عرف كذا وأنه قبل منه لنفسه كذا وانه تعجب من كذا بأن يكون إلى قوله : «ومن جيفة الحمار» من كلام سعد ويحتمل أن يكون فعجب أو تعجب إلى اختلاف النسختين من كلام الامام عليه‌السلام. وقوله : «أخلاء». جمع خلو ـ بالكسر ـ وهو الخالى عن الشئ ويكون بمعنى المنفرد ويقال : اخلاء اذا انفرد أى هم أخلاء عن أخلاق عامة الناس وأطوارهم الباطلة أو منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم. (المرآة)

(٣) مخطوط.

٣٦٣

وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ، ومن عمل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح ، القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالاعمال ، من أطاع هواه أعلى عدوه مناه ، من هجر المدارأة قاربه المكروه ، و من لم يعرف الموارد أعيته المصادر ، ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة وللعاقبة المتعبة ، من عتب من غير ارتياب أعتب من غير استعتاب ، راكب الشهوات لا تستقال له عثرة ، اتئد تصب أوتكد (١) الثقة [ بالله ] ثمن لكل غال وسلم إلى كل عال ، إياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره (٢) إذا نزل القضاء ضاق الفضاء ، كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة ، غنى المؤمن غناه عن الناس ، نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر ، لا يضرك سخط من رضاه الجور ، من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض بالعطية.

٥ ـ اعلام الدين (٣) : قال أبوجعفر محمد بن علي الجواد عليهما‌السلام : كيف يضيع من الله كافله؟ وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ، ومن عمل على غير علم ما أفسد أكثر مما يصلح.

وقال عليه‌السلام : من أطاع هواه أعطى عدوه مناه.

وقال عليه‌السلام : من هجر المدارأة قارنه المكروه ، ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر ، ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة والمعاقبة المتعبة.

وقال عليه‌السلام : قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا لما تهواه.

وقال عليه‌السلام : راكب الشهوات لا تقال عثرته.

وقال عليه‌السلام : الثقة بالله تعالى ثمن لكل غال ، وسلم إلى كل عال.

وقال عليه‌السلام : إياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف يحسن منظره ويقبح أثره.

____________________

(١) اتئد في أمرك ـ من باب الافتعال ـ أى تثبت. والتؤدة : الرزانة. وكاد يفعل وكيد اى قارب.

(٢) السيف المسلول هو الذى اخرج من غمده وبالفارسية شمشير كشيده شده.

(٣) مخطوط.

٣٦٤

وقال عليه‌السلام : ض الحوائج تطلب بالرجاء وهي تنزل بالقضاء ، والعافية أحسن عطاء.

وقال عليه‌السلام : إذا نزل القضاء ضاق الفضاء.

وقال عليه‌السلام : لا تعادي أحدا حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى ، فإن كان محسنا فإنه لا يسلمه إليك وإن كان مسيئا فان علمك به يكفيكه فلا تعاده.

وقال عليه‌السلام : لا تكن وليالله في العلانية ، عدوا له في السر.

وقال عليه‌السلام : التحفظ على قدر الخوف.

وقال عليه‌السلام : عز المؤمن في غناه عن الناس.

وقال عليه‌السلام : نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر.

وقال عليه‌السلام : لا يضرك سخط من رضاه الجور.

وقال عليه‌السلام : من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض منه بالعطية.

وقال عليه‌السلام : الايام تهتك لك الامر عن الاسرار الكامنة.

وقال عليه‌السلام : تعرف عن الشئ إذا صنعته لقلة صحبته إذا أعطيته (١).

٢٨

* ( باب ) *

* «( مواعظ ابى الحسن الثالث عليه‌السلام وحكمه )» *

١ ـ ف (٢) : قال أبوالحسن الثالث عليه‌السلام : ١ ـ الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أو جبت الشكر ، لان النعم متاع ، والشكر نعم وعقبى.

٢ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله جعل الدنيا دار بلوى ، والاخرة دار عقبى ، وجعل بلوى الدنيا لثواب الاخرة سببا وثواب الاخرة من بلوى الدنيا عوضا.

٣ ـ وقال عليه‌السلام : إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحمله ، وإن المحق السفيه ، يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه.

٤ ـ وقال عليه‌السلام : من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك.

٥ ـ وقال عليه‌السلام : من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.

____________________

(١) كذا. وفى بعض النسخ «لا تعرف». (٢) التحف ص ٤٨٣.

٣٦٥

٦ ـ وقال عليه‌السلام : الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون.

٢ ـ كشف (١) : من دلائل الحميري عن فتح بن يزيد الجرجاني قال : ضمني وأبا الحسن طريق منصر في من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته وهو يقول : من اتقى الله يتقى ، ومن أطاع الله يطاع ، قال : فتلطفت إلى الوصول إليه ، فسلمت عليه فرد علي السلام وأمرني بالجلوس وأول ما ابتدأني به أن قال :

يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق ، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والاوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والابصار عن الاحاطة به ، جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيف الكيف فلا يقال كيف ، وأين الاين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والاينية ، هو الواحد الاحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فجل جلاله ، أم كيف يوصف بكنهه.

محمد ، وقد قرنه الجليل باسمه ، وشركه في عطائه ، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته إذ يقول : «وما نقموا إلا أن أغنيهم الله ورسوله من فضله» (٢) وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها : «ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا» (٣) أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال : «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم» (٤) وقال : «ولوردوه إلى [ الله وإلى ] الرسول وإلى اولي الامر منهم» (٥) وقال :

«إن الله يأمركم أن تودوا الامانات إلى أهلها» (٦) وقال : « فسئلوا أهل الذكر

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١٧٦.

(٢) التوبة : ٧٥. (٣) الاحزاب : ٦٦.

(٤) النساء : ٥٩. (٥) النساء : ٨٣. بدون ما بين القوسين

(٦) النساء : ٥٨.

٣٦٦

إن كنتم لا تعلمون » (١).

يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لامرنا ، فنبينا أفضل الانبياء ، وخليلنا أفضل الاخلاء ، و [ وصيه ] أكرم الاوصياء ، اسمهما أفضل الاسماء ، وكينتهما (٢) أفضل الكنى وأحلاها ، لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد ، ولو لم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا احد ، أشد الناس تواضعا ، أعظمهم حلما ، وأنداهم كفا ، وأمنعهم كنفا ، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما ، فاردد إليهما الامر وسلم إليهم ، أماتك الله مماتهم ، وأحياك حياتهم ، إذا شئت رحمك الله.

قال فتح : فخرجت فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت : يا ابن رسول الله أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمر هاليلتي ، قال : سل وإن شرحتها فلي ، وإن أمسكتها فلي ، فصحح نظرك وتثبت في مسألتك ، واصغ إلى جوابها سمعك ، ولا تسأل مسألة تعنت واعتن بما تعتني به ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، منهيان عن الغش ، وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك فإن شاء العالم أنبأك بإذن الله ، إن الله لم يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم ، وكل ما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه ، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته ، وجواز عدالته.

يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك وشككك في بعض ما أنبأتك حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم ، فقلت : من أيقنت أنهم كذا فهم أرباب؟ معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله ، داخرون راغبون ، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به ، فقلت :

جعلت فداك فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع

____________________

(١) الانبياء : ٧.

(٢) أى النبي والوصى.

٣٦٧

بخلدي (١) أنكم أرباب ، قال : فسجد أبوالحسن عليه‌السلام وهو يقول في سجوده : «راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا» قال : فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي ، ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك وتهلك ، وما ضر عيسى إذا هلك من هلك ، فاذهب إذا شئت رحمك الله.

قال : فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم ، وحمدت الله على ما قدرت عليه ، فلما كان في المنزل الاخر دخلت عليه وهو متك ، وبين يديه حنطة مقلوة (٢) يعبث بها وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك آفة والامام غير مأوف؟ فقال : اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل اسوة كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الاسواق ، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق لانه جسم الاجسام وهو لم يجسم ، ، ولم يجزأ بتناه ، ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، مبرء من ذاته ما ركب في ذات من جسمه ، الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الاشياء مجسم الاجسام ، وهو السميع العليم ، اللطيف الخبير ، الرؤف الرحيم ، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربوب ، ولا الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ولكنه فرق بينه وبين من جسمه ، وشيئ الاشياء إذ كان لا يشبهه شئ يرى ، ولا يشبه شيئا.

٣ ـ الدرة الباهرة (٣) : قال أبوالحسن الثالث عليه‌السلام : من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه ، الغنى قلة تمنيك والرضا بما يكفيك ، والفقر شرة النفس وشدة القنوط ، والراكب الحرون أسير نفسه (٤) والجاهل أسير لسانه ، الناس في الدنيا بالاموال وفي الاخرة بالاعمال.

____________________

(١) الخلد ـ بالتحريك ـ : الضمير والباطن.

(٢) قلى اللحم وغيره : أنضجه في المقلى. شايد مراد كندم بريان باشد.

(٣) مخطوط. (٤) الحرون الشموس معرب جموش.

٣٦٨

وقال عليه‌السلام لشخص وقد أكثر من إفراط الثناء عليه : اقبل على ما شأنك فإن كثرة الملق يهجم على الظنة ، وإذا حللت من أخيك في محل الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النية. المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان ، العقوق ثكل من لم يثكل ، الحسد ماحي الحسنات والدهر جالب المقت ، والعجب صارف عن طلب العلم داع إلى الغمط (١) والجهل ، والبخل أذم الاخلاق ، والطمع سجية سيئة ، والهزء فكاهة السفهاء وصناعة الجهال ، والعقوق يعقب القلة وتؤدى إلى الذلة.

٤ ـ اعلام الدين (٢) : قال أبوالحسن الثالث عليه‌السلام : من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.

وقال عليه‌السلام : المقادير تريك مالم يخطر ببالك.

وقال عليه‌السلام : من أقبل مع ... ولي مع انقضائه (٣).

وقال عليه‌السلام : راكب الحرون أسير نفسه ، والجاهل أسير لسانه.

وقال عليه‌السلام : الناس في الدنيا بالاموال وفي الاخرة بالاعمال.

وقال عليه‌السلام : المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحلل العقدة والوثيقة ، وأقل مافيه أن يكون فيه المغالبة ، والمغالبة اس أسباب القطيعة.

وقال عليه‌السلام : العتاب مفتاح الثقال ، والعتاب خير من الحقد.

وقال عليه‌السلام : المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان.

وقال يحيى بن عبدالحميد : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لرجل ذم إليه ولدا له فقال : العقوق ثكل من لم يثكل.

وقال عليه‌السلام : الهزل فكاهة السفهاء ، وصناعة الجهال.

وقال عليه‌السلام في بعض مواعظه : السهر ألذ للمنام ، والجوع يزيد في طيب الطعام.

( يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار ).

____________________

(١) الغمط : احتقار الناس.

(٢) مخطوط. (٣) فيه سقط.

٣٦٩

وقال عليه‌السلام : اذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ، ولا حبيب ينفعك.

وقال عليه‌السلام : اذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم.

وقال عليه‌السلام : الغضب على من تملك لؤم.

وقال عليه‌السلام : الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة.

وقال عليه‌السلام : خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشر من الشر جالبه ، وأهول من الهول راكبه.

وقال عليه‌السلام : إياك والحسد فإنه يبين فيك ولا يعمل في عدوك.

وقال عليه‌السلام : إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن بأحد سوءا حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لاحد أن يظن بأحد خيرا ما لم يعلم ذلك منه.

وقال عليه‌السلام للمتوكل في جواب كلام دار بينهما : لا تطلب الصفا ممن كدرت عليه ، ولا الوفاء لمن غدرت به ، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه ، فإنما قلب غيرك كقلبك له.

وقال له وقد سأله عن العباس (١) : ما تقول بنو أبيك فيه؟ فقال : ما يقولون في رجل فرض الله طاعته على الخلق وفرض طاعة العباس عليه.

وقال عليه‌السلام : القوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها ، واعلموا أن النفس أقبل شئ لما أعطيت وأمنع شئ لما منعت.

٢٩

* ( باب ) *

* «( مواعظ أبى محمد العسكرى عليهما‌السلام وكتبه إلى اصحابه )» *

١ ـ ف (٢) : قال عليه‌السلام : لا تمار فيذهب بهاؤك. ولا تمازح فيجترأ عليك.

____________________

(١) يعنى عباس بن عبدالمطلب.

(٢) التحف ص ٤٨٦.

٣٧٠

٢ ـ وقال عليه‌السلام : من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم.

٣ ـ وكتب عليه‌السلام إلى رجل سأله دليلا : من سأل آية أو برهانا فاعطي ماسأل ، ثم رجع عمن طلب منه الاية عذب ضعف العذاب. ومن صبر اعطي التأييد من الله. والناس مجبولون على حيلة إيثار الكتب المنشرة ، نسأل الله السداد (١) فإنما هو التسليم أو العطب ولله عاقبة الامور.

٤ ـ وكتب إليه بعض شيعته يعرفه اختلاف الشيعة ، فكتب عليه‌السلام : إنما خاطب الله العاقل. والناس في على طبقات : المستبصر على سبيل نجاة ، متمسك بالحق ، متعلق بفرع الاصل ، غيرشاك ولامرتاب ، لايجد عني ملجأ. وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه.

وطبقة استحوذ عليهم الشيطان ، شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم. فدع من ذهب يمينا وشمالا ، فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي. وإياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فإنهما يدعوان إلى الهلكة.

[ ٥ ـ وقال عليه‌السلام : من الذنوب التي لا تغفر : ليتني لا اؤاخذ إلا بهذا (٢).

ثم قال عليه‌السلام : الاشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الاسود في الليلة المظلمة (٣).

٦ ـ وقال عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الاعظم من سواد العين إلى بياضها. ]

____________________

(١) أى من عادة الناس أن يكتبوا كتبا مزورة وينتشرونها. والعطب : الهلاك.

(٢) أى قول الرجل المذنب ذلك اذا قيل له : لا تعص.

(٣) المسح ـ بالكسر ـ : البلاس والتقيد بالاسود تأكيد في اخفائه وعدم رؤيته بخلاف ما اذا كان غير الاسود لانه ربما يمكن أن يراه اذا كان أبيضا.

٣٧١

٧ ـ وخرج في بعض توقيعاته عليه‌السلام عند اختلاف قوم من شيعته في أمره :

مامني أحد من آبائي بمثل مامنيت به من شك هذه العصابة في ، فإن كان هذا الامر أمرا اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع. وإن كان متصلا ما اتصلت امور الله فما معنى هذا الشك؟؟.

٨ ـ وقال عليه‌السلام : حب الابرار للابرار ثواب للابرار. وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار. وبغض الفجار للابرار زين للابرار ، وبغض الابرار للفجار خزي على الفجار.

٩ ـ وقال عليه‌السلام : من التواضع السلام على كل من تمر به ، والجلوس دون شرف المجلس.

١٠ ـ وقال عليه‌السلام : من الجهل الضحك من غير عجب.

١١ ـ وقال عليه‌السلام : من الفواقر التي تقصم الظهر (١) جار إن رأى حسنة أخفاها وإن رأى سيئة أفشاها.

١٢ ـ وقال عليه‌السلام لشيعته : أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الامانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم (٢) وأدوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه ، وأدى الامانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرني ذلك.

اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا ، جروا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما

____________________

(١) الفواقر : جمع فاقرة أى الداعية العظيمة فكأنها تكسر فقر الظهر.

(٢) الضمير يرجع إلى المخالفين أو مطلق الناس. وفى المصدر كلها بضمير الخطاب.

٣٧٢

وصيتكم به ، واستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام.

١٣ ـ وقال عليه‌السلام : ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة ، وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.

١٤ ـ وقال عليه‌السلام : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه شاهدا (١) ويأكله غائبا ، إن اعطي حسده ، وإن ابتلي خانه (٢) ١٥ ـ وقال عليه‌السلام : الغضب مفتاح كل شر.

١٦ ـ [ وقال عليه‌السلام : لشيعته في سنة ستين ومائتين : أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم (٣). والان نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم ، فانه من أدل دليل عليكم في ولايتنا ـ أهل البيت ـ.

فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم. وقال عليه‌السلام لهم : حدثوا بهذا شبعتنا. ]

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : أقل الناس راحة الحقود (٤).

١٨ ـ وقال عليه‌السلام : أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب.

١٩ ـ وقال عليه‌السلام : إنكم في آجال منقوصة ، وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة ، من يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرا يحصد ندامة ، لكل زارع مازرع ، لا يسبق بطيئ بحظه ، ولا يدرك حريص مالم يقدر له ، من اعطي خيرا فالله أعطاه ، ومن وقي شرا فالله وقاه.

____________________

(١) أطرا فلانا : أحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.

(٢) في بعض النسخ «خذله».

(٣) أى بينكم وفى جماعتكم.

(٤) الحقود : الكثير الحقد.

٣٧٣

٢٠ ـ وقال عليه‌السلام : المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر.

٢١ ـ وقال عليه‌السلام : قلب الاحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه.

٢٢ ـ وقال عليه‌السلام : لا يشغلك رزق مضمون من عمل مفروض.

٢٣ ـ وقال عليه‌السلام : من تعدى في طهوره كان كناقضه.

٢٤ ـ وقال عليه‌السلام : ما ترك الحق عزيز إلا ذل ، ولا أخذه به ذليل إلا عز.

٢٥ ـ وقال عليه‌السلام : صديق الجاهل تعب.

٢٦ ـ وقال عليه‌السلام : خصلتان ليس فوقهما شئ : الايمان بالله ونفع الاخوان.

٢٧ ـ وقال عليه‌السلام : جرأة الولد على والده في ضعره تدعو إلى العقوق في كبره.

٢٨ ـ وقال عليه‌السلام : ليس من الادب إظهار الفرح عند المحزون.

٢٩ ـ وقال عليه‌السلام : خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت.

٣٠ ـ وقال عليه‌السلام : رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز.

٣١ ـ وقال عليه‌السلام : التواضع نعمة لا يحسد عليها.

٣٢ ـ وقال عليه‌السلام : لا تكرم الرجل بما يشق عليه.

٣٣ ـ وقال عليه‌السلام : من وعظ أخاه سرا فقد زانه. ومن وعظه علانية فقد شانه.

٣٤ ـ وقال عليه‌السلام : ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تحيط بها.

٣٥ ـ وقال عليه‌السلام : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله.

٢ ـ ف (١) : كتابه عليه‌السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري : سترنا الله (٢) وإياك بستره وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم و نعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم ، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى

____________________

(١) التحف ص ٤٨٤.

(٢) هو ثقة من أصحاب أبى محمد العسكرى عليه‌السلام وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا.

٣٧٤

من كان مثلك ـ ممن قد رحمه‌الله وبصره بصيرتك ـ نعمته. وقدر تمام نعمته دخول الجنة وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلا والحمدلله تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها ، وأنا أقول (١) الحمدلله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الابد بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة. وأيم الله إنها (٢) لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الاولى ذكرها. ولقد كانت منكم في أيام الماضي عليه‌السلام إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه امور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق.

فاعلم يقينا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا.

يا إسحاق (٣) ليس تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذا يقول : «رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (٤)». وأى آية أعظم من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الاولين النبيين وآبائه الاخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته. فأين يتاه بكم (٥) وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الاخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم

____________________

(١) في بعض النسخ «فأنا أقول».

(٢) في بعض النسخ «وانها أيم الله».

(٣) في بعض النسخ «يا ابن اسماعيل».

(٤) طه : ١٢٦.

(٥) تاه يتيه : ضل وذهب متحيرا.

٣٧٥

بل رحمة منه ـ لا إله إلا هو ـ عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله ، لولا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء من ولده لكنتم حيارى (١) كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة (٢) إلا من بابها ، فلما من عليكم بإقامة الاولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : «أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٣)» ففرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ، قال الله : «قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (٤)» واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم.

ولولا ما هو يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا ولا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه‌السلام وأنتم في غفلة مما إليه معادكم (٥). ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده (٦) وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كل حال. وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين. فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه. فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الامر ، رحم الله ضعفكم وغفلتكم و

____________________

(١) الحيارى ـ بالفتح والضم ـ : جمع حيران.

(٢) في بعض النسخ «قرية».

(٣) المائدة : ٥.

(٤) الشورى ، ٢٣.

(٥) في بعض النسخ «معاذكم».

(٦) ابراهيم بن عبده ومحمد بن موسى النيسابورى كانا من أصحاب الهادى والعسكرى عليهما‌السلام وروى الكشى ـ ره ـ بعض توقيعات في حقهما.

٣٧٦

صبركم على أمركم ، فما أغر الانسان بربه الكريم ، ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت (١) قلقا وخوفا من خشية الله ، ورجوعا إلى طاعة الله ، اعملوا ما شئتم «فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (٢)» والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

كش (٣) : حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لاسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه‌السلام توقيع فوقع عليه‌السلام : يا إسحاق بن إسماعيل سترنا الله وإياك بستره إلى آخر الخبر مع تغيير وزيادات أوردتها في أبواب تاريخه عليه‌السلام.

٣ ـ الدرة الباهرة (٤) : قال أبومحمد العسكري عليه‌السلام : إن للسخاء مقدارا فإن زاد عليه فهو سرف ، وللحزم مقدارا فإن زاد عليه فهو جبن ، وللاقتصاد مقدارا فإن زاد عليه فهو بخل ، وللشجاعة مقدارا ، فإن زاد عليه فهو تهور. كفاك أدبا تجنبك ما تكره من غيرك ، احذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا حزبت ، خير إخوانك من نسي ذنبك إليه ، أضعف الاعداء كيدا من أظهر عداوته ، حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ، من أنس بالله استوحش من الناس ، من لم يتق وجوه الناس لم يتق الله ، جعلت الخباثت في بيت وجعل مفتاحه الكذب ، إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودعوها. اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره ، من أكثر المنام رأى الاحلام ( الظاهر أنه عليه‌السلام يعني أن طلب الدنيا كالنوم وما يصير منها كالحلم ).

وقال عليه‌السلام : الجهل خصم والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلب من لم يجرعه

____________________

(١) في بعض النسخ «لصدعت».

(٢) اقتباس من الاية الواردة في سورة التوبة : ١٠٦.

(٣) مختار رجال الكشى صص ٤٨١.

(٤) مخطوط.

٣٧٧

الحلم غصص الغيظ. إذا كان المقضي كائنا فالضراعة لماذا؟ نائل الكريم يحببك إليه ونائل اللئيم يضعك لديه ، من كان الورع سجيته ، والافضال حليته انتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه ، وتحصن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه.

وقال بعض الثقات : وجدت بخطه عليه‌السلام مكتوبا على ظهر كتاب : قد صعد ناذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية ، ونورنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في الاجل ، وأسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين ، ومصابيح الامم ، ومفاتيح الكرم ، فالكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة (١) وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزاكية ، صاروا لنا ردءا وصونا وعلى الظلمة إلبا وعونا ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النبران لتمام الطواوية والطواسين من السنين.

أقول : هذه حكمة بالغة ونعمة سابغة تسمعها الاذان الصم وتقصر عليها الجبال الشم صلوات الله عليهم وسلامه.

٤ ـ أعلام الدين (٢) : قال أبومحمد الحسن العسكري عليه‌السلام : من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم.

وقال عليه‌السلام : لا يعرف النعمة إلا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلا العارف.

وقال عليه‌السلام : ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فإن لكل يوم رزقا جديدا. واعلم أن الالحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والامن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغير نوع من أدب الله ، والحظوظ مراتب ،

____________________

(١) كذا. والصاقورة : السماء الثالثة. وباطن القحف المشرف على الدماغ والمراد الاول. والباكورة : أول ما يدرك من الفاكهة ، وأول كل شئ.

(٢) مخطوط.

٣٧٨

فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، وإنما تنالها في أوانها ، واعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع امورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويخشاك القنوط ، واعلم أن للسخاء مقدارا ، فان زاد عليه فهو سرف ، وأن للحزم مقدارا فإن زاد عليه فهو تهور ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت.

وقال عليه‌السلام : خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه.

وقال عليه‌السلام : أضعف الاعداء كيدا من أظهر عداوته.

وقال عليه‌السلام : حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن.

وقال عليه‌السلام : أولى الناس بالمحبة منهم من أملوه.

وقال عليه‌السلام : من آنس بالله استوحش الناس ، وعلامة الانس بالله الوحشة من الناس.

وقال عليه‌السلام : جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها.

وقال عليه‌السلام : إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودعوها.

وقال عليه‌السلام : اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره.

وقال عليه‌السلام : الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرعه الحلم غصص الصبر والغيظ.

وقال عليه‌السلام : من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة.

وقال عليه‌السلام : المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والارزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالامساك عنها.

وقال عليه‌السلام : نائل الكريم يحببك إليه ويقربك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه.

وقال عليه‌السلام : من كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه.

وقال عليه‌السلام : السهر ألذ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام. ( رغب به عليه‌السلام على صوم النهار وقيام الليل ).

٣٧٩

وقال عليه‌السلام : إن الوصول إلى الله عزوجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل.

من لم يحسن ان يمنع لم يحسن ان يعطي.

وقال عليه‌السلام للمتوكل : لا تطلب الصفا ممن كدرت عليه ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه فإنما قلب غيرك لك كقلبك له.

٣٠

* ( باب ) *

* «( مواعظ القائم عليه‌السلام وحكمه )» *

١ ـ الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة : مما كتبه عليه‌السلام جوابا لاسحاق بن يعقوب إلى العمري ـ رحمه‌الله ـ أما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون ، وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ، وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكل فإنما يأكل النيران ، وأما الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث ، وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل قال : «يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم (١)» إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي ، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب ، وإني أمان لاهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء.

٣١

* ( باب ) *

( وصية المفضل بن عمر لجماعة الشيعة )

١ ـ ف (٢) : اوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وشهادة أن لا إله إلا الله

____________________

(١) مائدة : ١٠١.

(٢) التحف ص ٥١٣.

٣٨٠