بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قلت : يا ابن رسول الله وما هي؟ قال : أما مصائده فصد عن بر الاخوان ، وأما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله ، أما إنه ما يعبدالله بمثل نقل الاقدام إلى بر الاخوان وزيارتهم ، ويل للساهين عن الصلوات ، النائمين في الخلوات ، المستهزئين بالله وآياته في الفترات (١) «أولئك ( الذين ) لا خلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله [ ولا ينظر إليهم ] يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (٢)».

يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقدهون عليه الجليل ورغب من ربه في الوتح الحقير (٣) ومن غش أخاه وحقره وناواه (٤) جعل الله النار مأواه ، ومن حسد مؤمنا انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.

يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر واحد ، وما عذب الله امة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.

يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم : لا تذهبن بكم المذاهب فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الاخوان في الله. وليس من شيعتنا من يظلم الناس.

يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للاخوان وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا ، شيعتنا لا يهرون هرير الكلب ، ولا يطمعون طمع الغراب ، ولا يجاورون لنا عدوا ، ولا يسألون لنا مبغضا ، ولو ماتوا جوعا ، شيعتنا لا يأكلون الجري (٥) ولا يمسحون على الخفين ، ويحافظون على الزوال ، ولا

____________________

(١) الفترة : الضعف والانكسار ، والمراد بها زمان ضعف الدين.

(٢) آل عمران : ٧٧.

(٣) كذا في الوافى «الوتح الحقير» والوتح ـ بالتحريك وككتف ـ : القيل التافه مى الشئ. وفى أكثر نسخ المصدر «الربح».

(٤) أى عاداه وأصله الهمزة من النوء. بمعنى النهوض والطلوع.

(٥) الجرى ـ كذمى ـ : سمك طويل أملس وليس عليه فصوص. وقيل : مار ماهى.

٢٨١

يشربون مسكرا. قلت : جعلت فداك فأين أطلبهم؟ قال عليه‌السلام : على رؤوس الجبال وأطراف المدن. وإذا دخلت مدينة فسل (١) عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله : «وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى (٢)» والله لقد كان حبيب النجار وحده.

يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك ، وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء.

يا ابن جندب أحبب في الله وابغض في الله ، واستمسك بالعروة الوثقى ، واعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول : «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (٣)» فلا يقبل إلا الايمان ، ولا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بيقين ، ولا يقين إلا بالخشوع وملاكها كلها الهدى ، فمن اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا «والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (٤)».

يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره ، وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا ، واجعل الموت نصب عينك ، ولا تدخر شيئا لغد ، و اعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت.

يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه ، من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه. وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا ، ولكل عسر يسرا ، صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال ، أو رزية (٥) فانما يقبض عاريته ويأخذ

____________________

(١) الظاهر أن مراده عليه‌السلام في دولة الفسق وزمن الكفر.

(٢) يس : ١٩.

(٣) طه : ٨٤. وفى المصدر : الا من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى ».

(٤) البقرة : ٢١٠.

(٥) الرزية : المصيبة أصله من رزأ أى أصاب منه شيئا ونقض. وفى بعض النسخ « أو ذرية» وهى الصواب.

٢٨٢

هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك ، وارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته ، وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته ، ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر و تعجب بعملك ، فان أفضل العمل العبادة والتواضع ، فلا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك ، واقنع بما قسمه الله لك ، ولا تنظر إلا إلى ما عندك ، ولا تتمن ما لست تناله ، فان من قنع شبع ، ومن لم يقنع لم يشبع ، وخذ حظك من آخرتك ، ولا تكن بطرا في الغنى ، ولا جزعا في الفقر ، ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك ، ولا تشار (١) من فوقك ، ولا تسخر بمن هودونك ، ولا تنازع الامر أهله ، ولا تطع السفهاء ، ولا تكن مهينا تحت كل أحد ، ولا تتكلن على كفاية أحد ، وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم ، واجعل قلبك قريبا تشاركه (٢) واجعل علمك والدا تتبعه ، واجعل نفسك عدوا تجاهده ، وعارية تردها ، فانك قد جعلت طبيب نفسك ، وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ، ودللت على الدواء. فانظر قيامك على نفسك ، وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن والذكر لها ، و لكن اتبعها بأفضل منها ، فان ذلك أجمل بك في أخلاقك ، وأوجب للثواب في آخرتك ، وعليك بالصمت تعد حليما ـ جاهلا كنت أو عالما ـ فإن الصمت زين لك عند العلماء ، وستر لك عند الجهال.

يا ابن جندب إن عيسى بن مريم عليه‌السلام قال لاصحابه : « أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟ قالوا : بل نرد عليها ، قال : كلا ، بل تكشفون عنها كلها ـ فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ـ فقيل : يا روح الله وكيف ذلك؟ قال : الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.

____________________

(١) ولا تشار أى ولا تخاصم.

(٢) في بعض النسخ «تتنازله» وفى بعضها «تشاوره».

٢٨٣

إياكم والنظرة فانها تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عنيه لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد. إنما الناس رجلان مبتلى ومعافي ، فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية ».

يا ابن جندب صل من قطعك ، واعط من حرمك ، وأحسن إلى من أساء إليك وسلم على من سبك ، وأنصف من خاصمك ، واعف عمن ظلمك ، كما أنك تحب أن يعفى عنك ، فاعتبر بعفوالله عنك ، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الابرار و الفجار ، وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.

يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك ، فانك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك ، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رؤوس الاشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك. واخفض الصوت ، إن ربك الذي يعلم ما تسرون وما تعلنون ، قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه ، وإذا صمت فلا تغتب أحدا ، ولا تلبسوا صيامكم بظلم ، ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس ، مغبرة وجوههم ، شعثة رؤوسهم ، يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيام.

يا ابن جندب الخير كله أمامك ، وإن الشر كله أمامك ، ولن ترى الخير والشر إلا بعد الاخرة ، لان الله عزوجل جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار ، لانهما الباقيان ، والواجب على من وهب الله له الهدى وأكرمه بالايمان وألهمه رشده ، وركب فيه عقلا يتعرف به نعمه ، وآتاه علما وحكما يدبر به أمر دينه ودنياه (١) أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره ، وأن يذكر الله ولا ينساه وأن يطيع الله ولا يعصيه ، للقديم الذي تفرد له بحسن النظر ، وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا ، وللجزيل الذي وعده ، والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته وما يعجز عن القيام به وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك

____________________

(١) «الواجب» مبتدأ وخبره جملة «أن يوجب على نفسه الخ».

٢٨٤

وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض (١) عما أمره وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه ، متقلدا لهواه ، ماضيا في شهواته ، مؤثرا لدنياه على آخرته ، وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس ، وما ينبغي لاحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الابرار. أما إنه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامة ، ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء ، وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحل الحسرة والندامة ، فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الاخرة.

يا ابن جندب قال الله عزوجل في بعض ما أوحي : « إنما اقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ، ويقطع نهاره بذكري ، ولا يتعظم على خلقي ، ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب (٢) فذلك يشرق نوره مثل الشمس ، أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ، أكلاه بعزتي (٣) وأستحفظه ملائكتي ، يدعوني فالبيه ، ويسألني فاعطيه ، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ، ولا تتغير عن حالها.

يا ابن جندب الاسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوقار ، ومروته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكل شئ أساس ، وأساس الاسلام جبنا أهل البيت.

يا ابن جندب إن الله تبارك وتعالى سورا من نور ، محفوفا بالزبرجد و الحرير ، منجدا بالسندس (٤) والديباج ، يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا ، فإذا على الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت الاكباد من طول

____________________

(١) الضمير يرجع إلى «من وهب الله».

(٢) في بعض النسخ «ويواسى الغريب» يقال : واسى الرجل اى آساه وعاونه.

(٣) كلا الله فلانا : حفظه وحرسه.

(٤) منجدأ أى مزينا.

٢٨٥

الموقف ادخل في هذا السور أولياء الله ، فكانوا في أمن الله وحرزه ، لهم فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين. وأعداء الله قد ألجمهم العرق ، وقطعهم الفرق ، وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم ، فيقولون : «ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار (١)» فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم ، فذلك قوله عزوجل : «اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار (٢)». وقوله : «فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون (٣)» فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب.

٢ ـ ف (٤) : وصيته عليه‌السلام لابي جعفر محمد بن النعمان الاحول (٥)

____________________

(١) ص : ٢٦ (٢) ص : ٦٣.

(٣) المطففين : ٣٤ ، ٣٥.

(٤) التحف ص ٣٠٧.

(٥) هو أبوجعفر محمد بن على بن النعمان الكوفى المعروف عندنا بصاحب الطاق أو مؤمن الطاق والمخالفون يلقبونه شيطان الطاق ، كان صيرفيا في طاق المحامل بالكوفة يرجع اليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال : شيطان الطاق وهو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام كان رحمه‌الله ثقة ، متكلما ، حاذقا ، كثير العلم ، حسن الخاطر ، حاضر الجواب حكى عن أبى خالد الكابلى أنه قال : رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة ازاره وهو دائب يجيبهم ويسألونه فدنوت منه وقلت : ان أبا عبدالله عليه‌السلام نهانا عن الكلام. فقال : وأمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا والله ولكنه أمرنى أن لا اكلم أحدا قال : فاذهب وأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبى عبدالله عليه‌السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق وما قلت له وقوله : اذهب وأطعه فيما أمرك. فتبسم أبوعبدالله عليه‌السلام وقال : يا أبا خالد ان صاحب الطاق يكلم الناس فيطير وينقض وأنت ان قصوك لن تطير اهل. وله مع أبى حنيفة حكايات نقلها المؤرخون وأهل السير فمنها أنه لما مات الصادق عليه‌السلام رأى أبوحنيفة مؤمن الطاق فقال له : مات امامك ، قال : نعم أما امامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. وله كتب منها كتاب الامامة وكتاب المعرفة

٢٨٦

قال أبوجعفر : قال لي الصادق عليه‌السلام : إن الله عزوجل عير أقواما في القرآن بالاذاعة فقلت له : جعلت فداك أين قال؟ قال : قوله : «وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به (١)» ثم قال : المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا ، رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. والله إني لاعلم بشراركم من البيطار بالدواب ، شراركم الذين لا يقرؤون القرآن إلا هجرا ، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا ، ولا يحفظون ألسنتهم (٢).

إعلم أن الحسن بن علي عليهما‌السلام لما طعن واختلف الناس عليه سلم الامر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة «عليك السلام يا مذل المؤمنين» ، فقال عليه‌السلام : «ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين ، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الامر لابقى أنا وأنتم بين أظهرهم ، كما عاب العالم السفينة لتبقى لاصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم».

يا ابن النعمان إني لا حدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك لعنته ولابراءة منه. فان أبي كان يقول : «وأي شئ أقر للعين من التقية ، إن التقية جنة المؤمن (٣) ولولا التقية ما عبدالله». وقال الله عزوجل : «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقيه (٤)».

____________________

وكتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول وكتاب في اثبات الوصية وغير ذلك.

وما قيل : ان الطاق حصن بطبرستان وبه سكن محمد بن النعمان المعروف سهو ولعل أصله منها والا كان رحمه‌الله يسكن الكوفة كما يظهر من مباحثاته مع أبى حنيفة وامثاله.

(١) النساء : ٨٢.

(٢) الهجر ـ بالضم ـ : الهذيان والقبيح من الكلام. والدبر ـ بضم فسكون أو بضمتين ـ من كل شئ مؤخره وعقبه. (٣) لان بها يحفظ أساس الاسلام واصوله ، ورواه الكلينى في الكافى عن محمد بن عجلان.

(٤) آل عمران : ٢٧.

٢٨٧

يا ابن النعمان إياك والمراء ، فانه يحبط عملك. وإياك والجدال ، فانه يوبقك. وإياك وكثرة الخصومات ، فانها تبعدك من الله. ثم قال : إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام ، كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد وإلا قال : ما أنا لما أروم بأهل (١) ، إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الاذى ، اولئك النجباء الاصفياء الاولياء حقا وهم المؤمنون. إن أبغضكم إلي المتراسون (٢) المشاؤون بالنمائم ، الحسدة لاخوانهم ، ليسوا مني ولا أنا منهم. إنما أوليائي الذين سلموا لامرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل امورنا. ثم قال : والله لو قدم أحدكم ملء الارض ذهبا على الله ، ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار.

يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا ، بل هو أعظم وزرا ، بل هو أعظم وزرا.

يا ابن النعمان إنه من روى علينا حديثا (٣) فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطاء.

يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية ، فان المتعرض للدولة قاتل نفسه (٤) وموبقها ، إن الله يقول : «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (٥)».

____________________

(١) رام الشئ يروم روما ، أراده.

(٢) تراس القوم الخبر : تساروه. وارتس الخبر في الناس : فشا وانتشر. ويحتمل أن يكون كما في بعض نسخ الحديث «المترأسون» بالهمزة من ترأس أى صار رئيسا.

(٣) في بعض النسخ «حديثنا».

(٤) كان ذلك اذا حفظ بها اصول الاسلام وأساس الدين وضرورياته والا فلا يجوز بل حرام فليس هذا بعمل التقية.

(٥) البقرة : ١٩٥.

٢٨٨

يا ابن النعمان إنا أهل بيت لايزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من أهل ديننا ، فاذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا ، وكلما ذهب واحد جاء آخر.

يا ابن النعمان من سئل عن علم ، فقال : لا أدري فقد ناصف العلم ، والمؤمن يحقد مادام في مجلسه ، فاذا قام ذهب عنه الحقد.

يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم ، لانه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل عليه‌السلام وأسره جبرئيل عليه‌السلام إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسره محمد (ص) إلى علي عليه‌السلام ، وأسره علي عليه‌السلام إلى الحسن عليه‌السلام ، وأسره الحسن عليه‌السلام إلى الحسين عليه‌السلام ، وأسره الحسين عليه‌السلام إلى علي عليه‌السلام ، وأسره علي عليه‌السلام إلى محمد عليه‌السلام ، وأسره محمد عليه‌السلام إلى من أسره ، فلا تعجلوا فوالله لقد قرب هذا الامر ثلاث مرات فأذعتموه ، فأخره الله ، والله مالكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم.

يا ابن النعمان ابق على نفسك فقد عصيتني. لا تذع سري ، فان المغيرة بن سعيد (١) كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حر الحديد. وإن أبا الخطاب

____________________

(١) كان هو من الكذابين الغالين كبنان والحارث الشامى وعبدالله بن عمر بن الحرث وأبى الخطاب وحمزة بن عمارة البربرى وصائد النهدى ومحمد بن فرات وأمثالهم ممن اعيروا الايمان فانسلخ منهم وانهم يدسون الاحاديث في كتب الحديث حتى أنهم عليهم‌السلام قالوا : لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا. ولا تقبلوا علينا الا ما وافق الكتاب والسنة. وفى المستدرك عن قاضى مصر نعمان بن محمد بن منصور المعروف بأبى حنيفة المغربى المتوفى ٣٦٣ صاحب دعائم الاسلام أنه ذكر قصة الغلاة في عصر أميرالمؤمنين عليه‌السلام واحراقه اياهم بالنار ثم قال : وكان في أعصار الائمة من ولده عليهم‌السلام من قبل ذلك ما يطول الخبر بذكرهم كالمغيرة بن سعيد من أصحاب أبى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام ودعائه فاستزله الشيطان ـ إلى أن قال : ـ واستحل المغيرة وأصحابه المحارم كلها وأباحوها وعطلوا الشرائع وتركوها و انسلخوا من الاسلام جملة ، وبانوا من جميع شيعة الحق واتباع الائمة ، وأشهر

٢٨٩

كذب علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد ، ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والاخرة وأعطاه حظه ، ووقاه حر الحديد وضيق المحابس ، إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل فدعا الله موسى بن عمران عليه‌السلام فقال : يا موسى إنهم أظهروا الزنى والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة ، فقال : إلهي تحنن

____________________

أبوجعفر عليه‌السلام لعنهم والبراءة منهم الخ.

وقد تظافرت الروايات بكونه كذابا كان يكذب على أبى جعفر عليه‌السلام وفى رواية عن أبى عبدالله عليه‌السلام أنه يقول : «كان المغيرة بن سعيد تتعمد الكذب على أبى ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسدوها إلى أبى ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبى من الغلو فذاك ممادسه المغيرة بن سعيد في كتبهم» وفى رواية قال أبوجعفر عليه‌السلام : هل تدرى ما مثل المغيرة؟ قال ـ الراوى ـ : قلت : لا. قال عليه‌السلام : مثله مثل بلعم بن باعور. قلت : ومن بلعم؟ قال عليه‌السلام : الذى قال الله عزوجل : «الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان وكان من الغاوين».

وأما أبوالخطاب فهو محمد بن مقلاص أبى زينب الاسدى الكوفى البراد يكنى أبا ظبيان غال ملعون من أصحاب أبى عبدالله عليه‌السلام في أول أمره ثم أصابه ما أصاب المغيرة فانسلخ من الدين وكفر ، وردت روايات كثيرة في ذمه ولعنه وحكى عن قاضى نعمان أنه ممن استحل المحارم كلها ورخص لاصحابه فيها وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا :

يا أبا الخطاب خفف عنا ، فيأمرهم بتركه حتى تركوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور وقال : من عرف الامام حل له كل شئ كان حرم عليه ، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما‌السلام فلم يقدر عليه بأكثر من أن يلعنه ويتبرأ منه وجمع أصحابه فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه وعظم أمره على أبى عبدالله عليه‌السلام واستفظعه واستهاله انتهى ، ولعنه الصادق عليه‌السلام ودعا عليه باذاقة حر الحديد فاستجاب الله دعاءه فقتله عيسى بن موسى العباسى والى الكوفة. ولمزيد الاطلاع راجع الرجال لابى عمر والكشى ـ رحمه‌الله ـ.

٢٩٠

برحمتك عليهم (١) فإنهم لا يعقلون. فأوحى الله إليه أني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما. فأذاعوا ذلك وأفشوه ، فحبس عنهم القطر أربعين سنة وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم.

يا أبا جعفر مالكم وللناس كفوا عن الناس ، ولا تدعوا أحدا إلى هذا الامر (٢) ، فوالله لو أن أهل السماوات [ والارض ] اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه. كفوا عن الناس ولا يقل : أحدكم أخي وعمي وجاري. فإن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه ، فلا يسمع معروفا إلا عرفه ، ولا منكرا إلا أنكره ، ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

يا ابن النعمان إن أردت أن يصفولك ود أخيك فلا تمازحنه ، ولا تمارينه ، ولا تباهينه (٣) ولا تشارنه ، ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك ، فإن الصديق قد يكون عدوك يوما.

يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن : سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الامام ، فأما السنة من الله عزوجل فهو أن

____________________

(١) تحنن عليه : ترحم عليه.

(٢) أى كفوا عن دعوتهم إلى دين الحق في زمن شدة التقية. قال عليه‌السلام هذا الكلام في زمان العسرة والشدة على المؤمنين في دولة العباسية ، وحاصل الكلام أن من يريد الله هدايته لن يستطيع أحد أن يضله وهكذا من لم يرد الله أن يهديه لن يستطيع أحد أن يهديه. ورواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٢١٣ عن ثابت بن سعيد وفيه «لا تدعو أحدا إلى أمركم فوالله لو أن أهل الارضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه ولو أن أهل السماوات وأهل الارضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا .. الخ».

(٣) أى لا تفاخرنه. و «لا تشارنه» أى ولا تخاصمنه.

٢٩١

يكون كتوما للاسرار يقول الله جل ذكره : «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (١)» وأما التي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالاخلاق الحنيفية ، وأما التي من الامام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج.

يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان ، ولا بكثرة الهذيان ، ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة.

يا ابن النعمان من قعد إلى ساب أولياء الله فقد عصى الله. ومن كظم غيظا فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الاعلى (٢). ومن استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حرالحديد وضيق المجالس.

يا ابن النعمان لا تطلب العلم لثلاث : لترائي به ، ولا لتباهي [ به ] ، ولا لتماري ولا تدعه لثلاث : رغبة في الجهل ، وزهادة في العلم : واستحياء من الناس ، والعلم [ ال ] مصون كالسراج المطبق عليه.

يا ابن النعمان إن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء ، فجال القلب بطلب الحق. ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره (٣).

يا ابن النعمان إن حبنا أهل البيت ـ ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ولا ينزله إلا بقدر ، ولا يعطيه إلا خير الخلق ، وإن له غمامة كغمامة القطر ، فاذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطل السحاب (٤) فتصيب الجنين في بطن امه.

____________________

(١) الجن : ٢٦.

(٢) أى في الدرجة الرفيعة العالية.

(٣) الوكر : عش الطائر أى بيته وموضعه.

(٤) تهطل المطر : نزل متتابعا عظيم القطر.

٢٩٢

٣ ـ ف (١) : رسالته عليهما‌السلام إلى جماعة شيعته وأصحابه (٢) أما بعد فسلوا ربكم العافية. وعليكم بالدعة والوقار (٣) والسكينة والحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم. وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحملوا الضيم منهم ، وإياكم ومما ظتهم (٤) دينوا فيما بينكم وبينهم ـ إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم و نازعتموهم الكلام ، فانه لابد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم ـ بالتقية (٥) التي أمركم الله بها ، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر. ولو لا أن الله يدفعهم عنكم لسطوابكم (٦) وما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة إن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل ـ أصل الخلق ـ مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته (٧) وحسن خلقه وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه ، وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ، ورزقه الله مودة الناس و مجاملتهم ، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ.

وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل ـ أصل الخلق ـ كافرا (٨) لم يمت

____________________

(١) التحف ص ٣١٣.

(٢) هذ الرسالة مختارة من التى رواها الكلينى (ره) في الروضة ونقله المؤلف في هذا الجزء ص ٢١٠.

(٣) الدعة : الخفض والطمأنينة.

(٤) المجاملة : المعاملة بالجميل. والضيم : الظلم. والمماظة ـ بالمعجمة ـ : شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم.

(٥) «بالتقية» متعلق بدينوا وما بينهما معترض.

(٦) السطو : القهر. اى وثبوا عليكم وقهروكم ، وفى بعض النسخ «لبطشوا بكم».

(٧) العريكة : الطيبعة والخلق والنفس.

(٨) مر كلام فيه ص ٢٢٢.

٢٩٣

حتى يحبب إليه الشر ويقر به منه ، فاذا حبب إليه الشر وقر به منه ابتلي بالكبر والجبرية ، فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها ، فبعد ما بعد حال المؤمن والكافر ، فسلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أكثروا من الدعاء ، فان الله يحب من عباده الذين يدعونه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة. وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فان الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين ، إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير.

وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقومو الله قانتين ، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم. وعليكم بحب المساكين المسلمين ، فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت (١) وقد قال أبونا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم». واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس (٢) أشد مقتا ، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين ، فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم فان الله أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله و رسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات من الغاوين.

إياكم والعظمة والكبر ، فان الكبر رداء الله ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة.

إياكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فانه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه. ومن نصره الله غلب

____________________

(١) حقره استصغره وهان قدره وصغر. ومقت فلانا : أبغضه.

(٢) المحقرة : الحقارة أى الذلة والهوان.

٢٩٤

وأصاب الظفر من الله.

إياكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فان الكفر أصله الحسد (١).

إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم ، فان أبانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة».

إياكم أن تشره نفوسكم (٢) إلى شئ مما حرم الله عليكم ، فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها و كرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الابدين.

٤ ـ ما (٣) : عن الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن محمد بن أحمد بن زكريا ، عن الحسين علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمش ، عن عمرو ابن سعيد بن هلال قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أوصني فقال : اوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد ، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لاورع فيه ، وانظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك فكثيرا ما قال الله عزوجل لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم» (٤) وقال عز ذكره : «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا» (٥) فان نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السعف. وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس لم يصابوا بمثله أبدا ولن يصابوا بمثله أبدا.

____________________

(١) لان الشيطان أول من حسد فكفر وأخرجه الله من الجنة.

(٢) شره فلان ـ كفرح ـ : غلب حرصه واشتد ميله.

(٣) الامالى ج ٢ ص ٢٩٤.

(٤) التوبة : ٥٥ و ٨٥. المنافقون : ٤ نظيرها.

(٥) طه : ١٣١.

٢٩٥

٢٥

* ( باب ) *

* «( مواعظ موسى بن جعفر وحكمه عليهما‌السلام )» *

١ ـ ف (١) : وصيته عليه‌السلام لهشام وصفته للعقل : إن الله تبارك وتعالى (٢) بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : « فبشر عباد الذين يستمعون القول

____________________

(١) التحف ص ٣٨٣.

(٢) رواه الكلينى في المجلد الاول من كتابه الكافى مع اختلاف نشيراليه. وهشام هو أبومحمد وقيل : أبوالحكم هشام بن الحكم البغدادى الكندى مولى بنى شيبان ممن اتفق الاصحاب على وثاقته وعظم قدره ورفعة منزلته عند الائمة عليهم‌السلام ، وكانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاصول وغيرها ، صحب أبا عبدالله وبعده أبا الحسن موسى عليهما‌السلام وكان من أجلة أصحاب أبى عبدالله عليه‌السلام وبلغ من مرتبة علوه عنده أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه وفى مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبى جعفر الاحول وغيرهم فرفعه على جماعتهم وليس فيهم الا من هو أكبر سنا منه ، فلما رأى أبوعبدالله عليه‌السلام أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال : «هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده». وكان له أصل وله كتب كثيرة ، وان الاصحاب كانوا يأخذون عنه. مولده بالكوفة ومنشاؤه واسط وتجارته بغداد وكان بياع الكرابيس وينزل الكرخ من مدينة السلام بغداد في درب الجنب ، ثم انتقل إلى الكوفة في أواخر عمره ونزل قصر وضاح وتوفى سنة ١٩٩ أو ١٧٩ في أيام الرشيد مستترا وكان لاستتاره قصة مشهورة في المناظرات ، وترحم عليه الرضا عليه‌السلام وقيل في شأنه : « انه من متكلمى الشيعة وبطائنهم ومن دعى له الصادق عليه‌السلام فقال : أقول لك ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحسان : لا تزل مؤيدا بروج القدس ما نصرتنا بلسانك. وهو الذى فتق الكلام في الامامة وهذب المذهب وسهل طريق الحجاج فيه. وكان حاذقا بصناعة الكلام ، حاضر الجواب.

وكان أولا من أصحاب الجهم بن صفوان ثم انتقل إلى القول بالامامة بالدلائل والنظر وهو منقطعا إلى البرامكة ملازما ليحيى بن خالد وكان القيم بمجالس كلامه ونظره ثم تبع

٢٩٦

فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم الله وأولئك هم اولوا الالباب (١) ».

يا هشام بن الحكم إن الله عزوجل أكمل للناس (٢) الحجج بالعقول ، و أفضى إليهم بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالادلاء ، فقال : «وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (٣)». «إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار» ـ إلى قوله ـ لايات لقوم يعقلون (٤) ». يا هشام قد جعل الله عز وجل ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا ، فقال : « وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لايات لقوم يعقلون (٥) ».

وقال : « حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (٦) » وقال : «ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الارض بعد موتها إن في ذلك لايات لقوم يعقلون (٧)».

يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبتهم في الاخرة ، فقال : «وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (٨)». وقال :

____________________

الصادق عليه‌السلام فانقطع اليه وتوفى بعد نكبة البرامكة بمدة يسيره وقيل : بل في خلافة المأمون. وان العامة طعنوا فيه. وورد في الاخبار ذم له من جهة القول بالتجسم وان الاصحاب اخذوا في الذب عنه تنزيها لساحته عن ذلك ، ووردت روايات في مدحه ودل على جلالته هذه الروايات المذكورة في المتن الجامعة لابواب الخير والفلاح.

(١) الزمر : ١٩.

(٢) في بعض النسخ «أكمل الناس».

(٣) البقرة : ١٦٢.

(٤) البقرة : ١٦٣. والمراد باختلافهما ذهابهما ومجيئهما.

(٥) النحل : ١٢.

(٦) الزخرف : ١ ، ٢ ، ٣.

(٧) الروم : ٢٣. «خوفا» أى للمسافر. و «طمعا» للحاضر.

(٨) الانعام : ٣٢.

٢٩٧

«وما اوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها وما عندالله خير وأبقى أفلا تعقلون (١)».

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه ، فقال عزوجل : «ثم دمرنا الاخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون (٢)».

يا هشام ثم بين أن العقل مع العلم ، فقال : «وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (٣)».

يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون. فقال : «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون» (٤) وقال : «إن شر الدواب عندالله الصم البكم الذين لا يعقلون» (٥). وقال :

«ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعقلون (٦)».

ثم ذم الكثرة ، فقال : «وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله (٧)» وقال : «ولكن أكثرهم لا يعلمون (٨)». « وأكثرهم

____________________

(١) القصص : ٦٠.

(٢) الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩.

(٣) العنكبوت : ٤٣.

(٤) البقرة : ١٦٥. ألفينا أى وجدنا.

(٥) الانفال : ٢٢. ومثلها قوله تعالى في سورة البقرة : ٤١ ، ١٦٦. وسورة يونس : ٤٣ ، وسورة الفرقان : ٤٦. وسورة الحشر : ١٤.

(٦) هذه الاية في سورة لقمان : ٢٤ وفيه «بل أكثرهم لا يعلمون» كما في بعض نسخ الكافى ولعله سهو من الراوى أو اشتباه من النساخ.

(٧) الانعام : ١١٦.

(٨) الانعام : ٣٧. ونظيرها قوله تعالى : «بل أكثرهم لا يعلمون». النحل : ٧٧ وآية ١٠٣. وسورة الانبياء آية ٢٤. وسورة النمل آية ٦٢. وسورة لقمان : ٢٤.

٢٩٨

لا يشعرون (١) ».

يا هشام ثم مدح القلة ، فقال : «وقليل من عبادي الشكور (٢)». وقال :

«وقليل ماهم (٣)» وقال : «وما آمن معه إلا قليل (٤)».

يا هشام ثم ذكر أولي الالباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية ، فقال : «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الالباب (٥)» : يا هشام إن الله يقول : «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلل (٦)» يعني العقل. وقال : «ولقد آتينا لقمن الحكمة (٧)» قال : الفهم والعقل.

يا هشام إن لقمان قال لابنه : «تواضع للحق تكن أعقل الناس (٨).

يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الايمان (٩) وشراعها التوكل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر».

____________________

وسورة الزمر : ٣٠ وكذا قوله تعالى : «بل أكثرهم لا يعقلون» سورة العنكبوت : ٦٣ وقوله تعالى : «وأكثرهم لا يعقلون» سورة المائدة : ١٠٢.

(١) مضمون مأخوذ من آى القرآن.

(٢) سبأ : ١٣.

(٣) ص : ٢٣. «ما» تأكيد القلة.

(٤) هود : ٤٢.

(٥) البقرة : ٢٧٢. ونظيرها في سورة آل عمران : ١٨٧. وسورة الرعد :

١٩ وسورة ص : ٢٨ ، وسورة الزمر : ١٢. وسورة المؤمن : ٥٦.

(٦) ق : ٣٦.

(٧) لقمان : ١١. إلى هنا كان في الكافى بتقديم وتأخير.

(٨) وزاد في الكافى : وان الكيس لدى الحق يسير ».

(٩) الحشو : ماحشى بن الشئ أى ملاء به والظاهر أن ضمير» فيها « يرجع إلى

٢٩٩

يا هشام لكل شئ دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت.

ولكل شئ مطية ، ومطية العاقل التواضع (١) وكفى بك جهلا أن تركب مانهيت عنه.

يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس : [ في يدك ] لؤلوة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة ، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس : إنها جوزة ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.

يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله. وأعلمهم بأمرالله أحسنهم عقلا ، وأعقلهم (٢) أرفعهم درجة في الدنيا والاخرة.

يا هشام مامن عبد إلا وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلا رفعه الله ولا يتعاظم إلا وضعه الله.

ياهشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسول والانبياء. والائمة وأما الباطنة فالعقول.

يا هشام إن العاقل ، الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله : من أظلم نور فكره (٣) بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

____________________

الدنيا وضمير حشوها وما بعده يرجع إلى السفينة. وفى بعض النسخ «فلتكن سفينتك منها». و «حشوها» في بعض النسخ «جسرها». وشراع السفينة ـ بالكسر ـ : ما يرفع فوقها من ثوب وغيره ليدخل فيه الريح فتجريها.

(١) في الكافى مكان العاقل «العقل» في الموضعين.

(٢) في الكافى «وأكملهم عقلا».

(٣) في الكافى «من أظلم نور تفكر».

٣٠٠