بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

معرفته بقدره ، ومن حكمته علمه بنفسه ، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره ، وعنايته بإصلاح عيوبه.

٦٧ ـ وقال عليه‌السلام : لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

٦٨ ـ وقال عليه‌السلام : الفضائل أربعة أجناس : أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة والثاني العفة وقوامها في الشهوة ، والثالث القوة وقوامها في الغضب. والرابع العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس.

٦٩ ـ وقال عليه‌السلام : العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء.

٧٠ ـ وقال عليه‌السلام : يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم.

٧١ ـ وقال عليه‌السلام : أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة ، والجدل يورث الرياء (١) ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل ، والطامع في وثاق الذل ، ومن أحب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا.

٧٢ ـ وقال عليه‌السلام : العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.

٧٣ ـ وقال عليه‌السلام : الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها.

٧٤ ـ وقال عليه‌السلام : التوبة على أربعة دعائم : ندم بالقلب ، واستغفار باللسان وعمل بالجوارح ، وعزم أن لا يعود ، وثلاث من عمل الابرار إقامة الفرائض واجتناب المحارم واحتراس من الغفلة في الدين ، وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة ، وأربع من كن فيه استكمل الايمان :

من أعطى لله ومنع في الله وأحب لله وأبغض فيه ، وثلاث من كن فيه لم يندم : ترك العجلة والمشورة والتوكل عند العزم على الله عزوجل.

٧٥ ـ وقال عليه‌السلام : لوسكت الجاهل ما اختلف الناس.

٧٦ ـ وقال عليه‌السلام : مقتل الرجل بين لحييه ، والرأي مع الاناة ، وبئس الظهير الرأي الفطير (٢).

____________________

(١) في بعض نسخ المصدر «يورث الشك».

(٢) الفطير : كل ما أعجل عن ادراكه يقال : «اياك والرأى الفطير» أى بديهى

٨١

٧٧ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة : الانصاف في المعاشرة والمواساة في الشدة والانطواع ، والرجوع على قلب سليم (١).

٧٨ ـ وقال عليه‌السلام : فساد الاخلاق بمعاشرة السفهاء وصلاح الاخلاق بمنافسة العقلاء ، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته ، والناس إخوان ، فمن كانت إخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة ، وذلك قوله تعالى «الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» (٢).

٧٩ ـ وقال عليه‌السلام : من استحسن قبيحا كان شريكا فيه.

٨٠ ـ وقال عليه‌السلام : كفر النعمة داعية المقت ، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك.

٨١ ـ وقال عليه‌السلام : لا يفسدك الظن على صديق وقد أصلحك اليقين له. ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه ، استصلاح الاخيار بإكرامهم والاشرار بتأديبهم ، والمودة قرابة مستفادة ، وكفى بالاجل حرزا ، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها ، ولا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إلا غفر الله له قبل أن يستغفره.

٨٢ ـ وقال عليه‌السلام : الشريف كل الشريف من شرفه علمه ، والسؤدد حق السؤدد (٣) لمن اتقى الله ربه ، والكريم (٤) من أكرم عن ذل النار وجهه.

____________________

من غير روية.

(١) الانطواع : الانقياد. والقياس الانطياع بالياء.

(٢) الزخرف : ٦٧.

(٣) السؤدد : القدر الرفيع ، كرم المنصب ، السيادة.

(٤) كذا والظاهر سقط «كل الكريم» من قلم الناسخ.

٨٢

٨٣ ـ وقال عليه‌السلام : من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان.

٨٤ ـ وقال عليه‌السلام : اثنان عليلان أبدا : صحيح محتم ، وعليل مخلط (١). موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالاجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر.

٨٥ ـ وقال عليه‌السلام : لا تعاجلوا الامر قبل بلوغة فتندموا ، ولا يطولن عليكم الامد فتقسوا قلوبكم ، وارحموا ضعفاءكم ، واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم.

من كتاب مطالب السؤول (٢).

٨٦ ـ من كلامه عليه‌السلام غرك غرك ، فصار قصار ذلك ذلك ، فاخش فاحش فعلك فعلك بهذا تهدا.

٨٧ ـ ومن كلامه عليه‌السلام : العالم حديقة سياحها الشريعة ، والشريعة سلطان تجب له الطاعة ، والطاعة سياسة يقوم بها الملك ، والملك راع يعضده الجيش ، والجيش أعوان يكفلهم المال ، والمال رزق يجمعه الرعية ، والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل أساس به قوام العالم.

٨٨ ـ نهج (٣) : قال عليه‌السلام : الاقاويل محفوظة والسرائر مبلوة (٤) وكل نفس بما كسبت رهينة ، والناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله (٥) سائلهم متعنت ، ومجيبهم متكلف ، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط ، ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللحظة ، وتستحيله الكلمة الواحدة (٦). معاشر الناس اتقوا الله

____________________

(١) احتمى المريض : امتنع ومنه اتقاه. وخلط المريض ـ من باب التفعيل ـ :

أكل ما يضره.

(٢) المصدر ص ٦١.

(٣) المصدر أبواب الحكم تحت رقم ٣٤٣.

(٤) بلاها الله واختبرها وعلمها. يريد أن ظاهر الاعمال وخفيها معلوم لله.

(٥) منقوصون : أى مغبونون. أو مأخوذون عن رشدهم وكمالهم. ومدخولون أى مغشوشون مصابون بالدخل ـ محركة ـ وهو مرض العقل والقلب.

(٦) أصلبهم : أى أثبتهم قدما في دينه. وتنكؤه ـ كتمنعه ـ أى تسيل جرحه وتأخذ بقلبه. واللحظة : النظرة إلى مشتهى. وتسحيلة : تحوله عما هو عليه ، أراد اللحظة والكلمة ممن تستهويه الدنيا وتسحيله لغيره.

٨٣

فكم من مؤمل مالا يبلغه ، وبان مالا يسكنه وجامع ما سوف يتركه ، ولعله من باطل جمعه ، ومن حق منعه. أصابه حراما واحتمل به آثاما ، فباء بوزره ، وقدم على ربه آسفا لاهفا ، قد خسر الدنيا والاخرة ، ذلك هو الخسران المبين.

٨٩ ـ وقال عليه‌السلام : (١) المنية ولا الدنية؟ والتقلل ولا التوسل (٢) ومن لم يعط قاعدا لم يعط قائما ، والدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر.

٩٠ ـ وقال عليه‌السلام : (٣) مسكين ابن آدم : مكتوم الاجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة ، وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة (٤).

٩١ ـ كنز الكراجكى : (٥) وروي أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام مر على المدائن فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه :

جرت الرياح على رسوم ديارهم

فكأنهم كانوا على ميعاد

فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أفلا قلتم «كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم ٨ ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين» (٦).

٩٢ ـ من كتاب مطالب السؤول (٧) لكمال الدين محمد بن طلحة : من

____________________

(١) النهج أبواب الحكم تحت رقم ٣٩٦.

(٢) المنية : الموت. والدنية : التذلل والنفاق. والتقليل : الاكتفاء بالقليل.

يعنى الشريف يرضى بالقليل ولا يتوسل إلى الناس أو الدنيا.

(٣) النهج أبواب الحكم تحت رقم ٤١٩.

(٤) البقة : حيوان عدسى مفرطح ، خبيث الرائحة ، لذاع. وشرق بريقه غص.

والعرقة واحدة العرق.

(٥) المصدر ص ١٤٥.

(٦) الدخان : ٢٥ إلى ٢٩.

(٧) المصدر ص ٦١.

٨٤

نظمه عليه‌السلام :

دليلك أن الفقر خير من الغنى

وأن قليل المال خير من المثري (١)

لقاؤك مخلوقا عصى الله بالغنى

ولم تر مخلوقا عصى الله بالفقر

وقوله :

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وكل الذي دون الوفات قليل

وإن افتقادي واحدا بعد واحد

دليل على أن لا يدوم خليل

وقوله :

علل النفس بالكفاف وإلا

طلبت منك فوق ما يكفيها

ما لما قد مضى ولا للذي لم

يأت من لذة لمستحليها

إنما أنت طول مدة ما

عمرت كالساعة التي أنت فيها

وقوله عليه‌السلام يرثى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أمن بعد تكفين النبي ودفنه

بأثوابه آسى على هالك ثوى

رزينا رسول الله فينا فلن نرى

بذاك عديلا ما حيينا من الرزى

وكان لنا كالحصن من دون أهله

لهم معقل فيها حصين من العدى

وكنا بمرآه نرى النور والهدى

صباح مساء راح فينا أو اغتدى

فقد غشيتنا ظلمة بعد موته

نهارا وقد زادت على ظلمة الدجى

فياخير من ضم الجوانح والحشا

ويا خير ميت ضمه التراب والثرى

كأن امور الناس بعدك ضمنت

سفينة موج البحر والبحر قدسما (٢)

وضاق فضاء الارض عنهم برحبه

لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى

فقد نزلت للمسلمين مصيبة

كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقل الناس تلك مصيبة

ولن يجبر العظم الذي منهم وهى

وفي كل وقت للصلاة يهيجه

بلال ويدعو باسمه كل من دعا

____________________

(١) المثرى من الثروة وهو كثير المال.

(٢) في المصدر «والبحر قد طمى» وراجع في شرح مشكل هذه الاشعار أواخر ج ١٢.

٨٥

ويطلب أقوام مواريث هالك

وفينا مواريث النبوة والهدى

وقد نقلت (١) هذه المرثية عنه بزيادة اخرى فما رأيت إسقاطها فأثبتها على صورتها وهي هذه :

أمن بعد تكفين النبي ودفنه

بأثوابه آسى على ميت ثوى

لقد غاب في وقت الظلام لدفنه

عن الناس من هو خير من وطئ الحصا

رزينا رسول الله فينا فلن نرى

لذاك عديلا ما حيينا من الرزى

رزينا رسول الله فينا ووحيه

فخير خيار ما رزينا ولا سوى

فمثل رسول الله إذ حان يومه

لفقدانه فليبك يا عيش من بكى

وكان لنا كالحصن من دون أهله

لهم معقل منه حصين من العدى

وكنا برؤياه نرى النور والهدى

صباح مساء راح فينا أو اغتدى

فقد غشيتنا ظلمة بعد موته

نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى

وكنابه شم الانوف بنجوة

على موضع لا يستطاع ولا يرى

فيا خير من ضم الجوانح والحشا

وياخير ميت ضمه التراب والثرى

كأن امور الناس بعدك ضمنت

سفينة موج البحر والبحر قد طمى

وهم كالاسارى من توقع هجمة

من الشر يرجو من رجاها على شفا

وضاق فضاء الارض عنهم برحبه

لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى

فيالانقطاع الوحي عنا بنوره

إذا أمرنا أعشى لفقدك أو دجى

لقد نزلت بالمسلمين مصيبة

كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا

فياحزننا إنا رزينا نبينا

على حين تم الدين واشتدت القوى

فلن يستقل الناس تلك مصيبة

ولن يجبر العظم الذي منهم وهى

كأنا لاولى شبهة سفر ليلة

أضلوا الهدى لا نجم فيها ولا ضوا

فيامن لامر اعترانا بظلمة؟

وكنت له بالنور فينا إذا اعترى

____________________

(١) من كلام المؤلف أو أحد تلاميذه لان ما يأتى من المراثى إلى قوله «الاطرق الناعى» ليس في مطالب السؤول.

٨٦

فتجلو العمى عنا فيصبح مسفرا

لنا الحق من بعد الرخا مسفر اللوا

وتجلو بنور الله عنا ووحيه

عمى الشرك حتى يذهب الشك والعمى

تطاول ليلى أنني لا أرى له

شبيها ولم يدرك له الخلق منتهى

وفي كل وقت للصلاة يهيجه

بلال ويدعو باسمه كل من دعا

يذكرني رؤيا الرسول بدعوة

ينوه فيها باسمه كل من دعا

فولى أبابكر إمام صلاتنا

وكان الرضا منا له حين يجتبى

أبى الصبر إلا أن يقوم مقامه

وخاف بأن يقلب الصبر والعنا (١)

وقوله عليه‌السلام يرثيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) :

ألا طرق الناعي بليل فراعني

وأرقني لما استهل مناديا

فقلت له لما رأيت الذي أتى

أغير رسول الله إذ كنت ناعيا

فحقق ما أشفقت منه ولم يبل

وكان خليلي عزنا وجماليا

فوالله ما أنساك أحمد ما مشت

بى العيس في أرض تجاوزن واديا

وكنت متى أهبط من الارض تلعة

أرى أثرا منه جديدا وعافيا

شديد جري الصدر نهد مصدر

هو الموت معذور عليه وعاديا

ومما نقل عنه عليه‌السلام قوله ـ وقيل هما لغيره ـ :

زعم المنجم والطبيب كلاهما

أن لا معاد فقلت ذاك إليكما

إن صح قولكما فلست بخاسر

أوصح قولي فالوبال عليكما

ومما نقل عنه عليه‌السلام قوله :

ولي فرس للخير بالخير ملجم

ولي فرس للشر بالشر مسرج

فمن رام تقويمي فإني مقوم

ومن رام تعويجي فإني معوج

ومما نقل عنه عليه‌السلام قوله :

ولو أني اطعت حملت قومي

على ركن اليمامة والشأم

____________________

(١) كذا ، وما أدرى من أى كتاب نقلها هنا من نقلها مع لحن الالفاظ وتكرارها و مادس فيها من زيادة بعض الابيات. (٢) مطالب السؤول ص ٦٢.

٨٧

ولكني متى أبرمت أمرا

تتازعني أقاويل الطغام

وقوله يرثي عمه حمزة لما قتل باحد :

أتاني أن هندا حل صخر

دعت دركا وبشرت الهنودا

فإن تفخر بحمزة يوم ولى

مع الشهداء محتسبا شهيدا

فإنا قد قتلنا يوم بدر

أبا جهل وعتبة والوليدا

وشيبة قد قتلنا يوم احد

علي أثوابه علقا جسيدا

فبوء في جهنم شر دار

عليه لم يجد عنها محيدا

فما سيان من هو في حميم

يكون شرابه فيها صديدا

ومن هو في الجنان يدر فيها

عليه الرزق مغتبطا حميدا

وقوله :

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي

أرحني فقد أفنيت كل خليل

أراك بصيرا بالذين أحبهم

كانك تسعى نحوهم بدليل

وقوله أيضا فيه يرثيه :

رأيت المشركين بغوا علينا

ولجو في الغواية والضلال

وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا

غداة الروع بالاسل النبال

فان يبغوا ويفتخروا علينا

بحمزة فهو في غرف العوالي

فقد أودى بعتبة يوم بدر

وقد أبلى وجاهد غير آل

فخر لوجهه ورفع عنه

بحمد الله طلحة في المجال

حواست جمع كن

رقيق الحد حودث بالصقال

وحضر لديه إنسان فقال : يا أميرالمؤمنين أسألك أن تخبرني عن واجب وأوجب وعجب وأعجب ، وصعب وأصعب ، وقريب وأقرب؟ فما انبجس بيانه بكلماته ولاخنس لسانه في لهواته حتى أجابه عليه‌السلام بأبياته وقال :

توب رب الورى واجب عليهم

وتركهم للذنوب أوجب

والدهر في صرفه عجيب

وغفلة الناس فيه أعجب

٨٨

والصبر في النائبات صعب

لكن فوت الثواب أصعب

وكلما يرتجى قريب

والموت من كل ذاك أقرب

فياما أوضح لذوي الهداية جوابه المتين ، ويا ما أفصح عند اولى الدراية نظم خطابه المستبين ، فلقد عبرا سلوبا من علم البيان مستوعرا عند المتأدبين ، ومهد مطلوبا من حقيقه الايمان مستعذبا عند المقربين.

وقال عليه‌السلام : إذا أقبلت الدنيا فأنفق منها فإنها لا بقى ، وإذا ما أدبرت فأنفق منها فإنها لا تفنى وأنشد :

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة

فليس ينقصها التبذير والسرف

وإن تولت فأحرى أن تجودبها

فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

وقوله عليه‌السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الخلق طرا أنها تتقلب

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب

وقوله عليه‌السلام :

أصم عن الكلم المحفظات

وأحلم والحلم بي أشبه

وإني لا ترك بعض الكلام

لئلا اجاب بما أكره

إذا ما اجتررت سفاه السفيه

علي فإني إذن أسفه

فلا تغترر برواء الرجال

وإن زخرفوا لك أو موهوا

فكم من فتى تعجب الناظرين

له ألسن وله أوجه

وقوله عليه‌السلام :

أتم الناس أعلمهم بنقصه

وأقمعهم لشهوته وحرصه

فلا تستغل عافية بشئ

ولا تسترخصن داء لرخصه

٩٣ ـ الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة : (١) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : العفو عن المقر لا عن المصر ، وما أقبح الخشوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغناء

____________________

(١) مخطوط.

٨٩

بلاء الانسان من اللسان ، اللسان سبع إن خلى عنه عقر العافية ، والعافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله ، وواحد في ترك مجالسته السفهاء ، والعاقل من رفض الباطل ، عماد الدين الورع ، وفساده الطمع.

٩٤ ـ دعوات الراوندى (١) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كيف يكون حال من يفنى ببقائه ، ويسقم بصحته ، ويؤتى ما منه يفر.

وقال عليه‌السلام : في كل جرعة شرقة ، ومع كل اكلة عصة ، وقال : الناس في أجل منقصوص وعمل محفوظ.

نهج (٢) : قال : عيبك مستور ما أسعدك جدك.

٩٥ ـ كنز الكراجكى (٣) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق ، من كسل لم يؤد حق الله ، من عظم أوامر الله أجاب سؤاله ، من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفوالله ، ومن تواضع قلبه لله لم يسأم بدنه من طاعة الله ، الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور غنى ، عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، تصفية العمل خير من العمل ، عند الخوف يحسن العمل ، رأس الدين صحة اليقين ، أفضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب ، إياكم والجدال فإنه يورث الشك في دين الله ، بضاعة الاخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها ، دخول الجنة رخيص ، ودخول النار غال ، التقي سابق إلى كل خير ، من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى ، الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه ، ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل علي ربه ، من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ، ومن نظر في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاك الاحمق بعينه ، كفاك أدبك لنفسك ما كرهته

____________________

(١) مخطوط.

(٢) المصدر باب الحكم والمواعظ تحت رقم ٥١. والجد ـ بالفتح ـ : الحظ أى مادامت الدنيا مقبلة عليك.

(٣) المصدر ص ١٢٨.

٩٠

لغيرك ، اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك ، لا خير في لذة تعقب ندامة ، تمام الاخلاص تجنب المعاصي ، من أحب المكارم اجتناب المحارم ، جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه ، من أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك ، من أساء استوحش ، من عاب عيب ومن شتم اجيب ، ادوا الامانة ولو إلى قاتل الانبياء ، الرغبة مفتاح العطب ، والتعب مطية النصب ، والشر داع إلى التقحم في الذنوب ، ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمدرجات النوائب ، من لزم الاستقامة لزمته السلامة.

٩٦ ـ وقال عليه‌السلام : (١) العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، والصبر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والعدل زينة الامارة والسكينة زينة العبادة ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الادب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم ، والايثار زينة الزهد ، وبذل المجهود زينة المعروف ، والخشوع زينة الصلاة ، ترك مالا يعني زينة الورع.

٩٧ ـ ومن بديع كلامه عليه‌السلام (٢) : إن رجلا قطع عليه خطبته وقال له صف لنا الدنيا فقال : أولها عناء وآخرها بلاء ، حلالها حساب ، حرامها عقاب من صح فيها أمن ، ومن مرض فيها ندم ، ومن استغنى فيها فتن ، ومن افتقره فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، ومن نظر إليها ألهته ، ومن تهاون بها نصرته ، ثم عاود إلى مكانه من خطبته.

٩٨ ـ كنز الكراجكى (٣) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : الجواد من بذل ما يضن بنفسه. من كرم أصله حسن فعله.

وقال عليه‌السلام (٤) : أزرى بنفسه من استشعر الطمع ، من أهوى إلى متفاوت الامور خذلته الرغبة ، أشرف الغنى ترك المنى ، من ترك الشهوات كان حرا ، الحرص مفتاح التعب وداع إلى التقحم في الذنوب ، والشره جامع لمساوي العيوب الحرص علامة الفقر ، من أطلق طرفه كثر أسفه ، قل ما تصدقك الامنية ، رب

____________________

(١) الكنز ص ١٣٨. (٢) المصدر ص ١٦٠.

(٣) المصدر ص ١٦٣. (٤) المصدر ص ١٦٣.

٩١

طمع كاذب ، وأمل خائب ، من لجأ إلى الرجاء سقطت كرامته ، همة الزاهد مخالفة الهوى والسلو عن الشهوات ، ما هدم الدين مثل البدع ، ولا أفسد الرجل مثل الطمع ، إياك والاماني فإنها بضائع النوكى (١) لن يكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه ، من تيقن أن الله سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله أهون الناظرين.

٩٩ ـ وقال عليه‌السلام : (٢) إياكم وسقطات الاسترسال فإنها لا تستقال (٣).

١٠٠ ـ وقال عليه‌السلام : (٤) صديق كل إنسان عقله ، وعدوه جهله ، والعقول ذخائر ، والاعمال كنوز ، والنفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق ، والناس إلى أشكالهم أميل.

١٠١ ـ وقال عليه‌السلام : (٥) الفكرة مرآة صافية ، والاعتبار منذر ناصح ، من تفكر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم ، العجب ممن خاف العقاب فلم يكف ورجا الثواب فلم يعمل ، الاعتبار يقود إلى الرشاد ، كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو ، وكل صمت ليس فيه فكر فسهو ، وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو.

١٠٢ ـ وتروى (٦) هذه الابيات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

إذا كنت تعلم أن الفراق فراق

الحياة قريب قريب

وأن المعد جهاز الرحيل

ليوم الرحيل مصيب مصيب

وإن المقدم مالا يفوت

على ما يفوت معيب معيب

____________________

(١) النوكى جمع أنوك وهو الاحمق.

(٢) الكنز ص ١٩٤.

(٣) الاسترسال في الكلام : الاتساع والانبساط. واستقاله عثرته : سأله أن ينهضه من سقوطه.

(٤) المصدر ص ١٩٤.

(٥) المصدر ص ٢٥٥.

(٦) المصدر ص ٢٧١.

٩٢

وأنت على ذاك لا ترعوي فأمرك عندي عجيب عجيب

١٠٣ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : مازالت نعمة عن قوم ، ولا غضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها ، إن الله ليس بظلام للعبيد.

١٠٤ ـ وقال عليه‌السلام : (٢) المرء حيث يجعل نفسه ، من دخل مداخل السوءاتهم من عرض نفسه التهمة فلا يلومن من أساء به الظن ، من أكثر من شئ عرف به من مزح استخف به ، من اقتحم البحر غرق ، المزاح يورث العداوة ، من عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر ، ماضاع امرء عرف قدره اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا ، من تعدى الحق ضاق مذهبه ، من جهل شيئا عاداه ، أسوء الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ، ولم يبق به أحد لسوء فعله ، لا دليل أنصح من استماع الحق ، من نظف ثوبه قل همه ، الكريم يلين إذا استعطف ، واللئيم يقسو إذا لوطف. حسن الاعتراف يهدم الاقتراف ، أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته ، أحسن إذا أحببت أن يحسن إليك ، إذا جحد الاحسان حسن الامتنان ، العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم ، من بالغ في الخصومة أثم ، ومن قصر عنها خصم ، لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه.

١٠٥ ـ وقال عليه‌السلام : الهم نصف الهرم ، والسلامة نصف الغنيمة.

١٠٦ ـ أعلام الدين (٣) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أفضل رداء تردى به الحلم وإن لم تكن حليما فتحلم فإنه من تشبه بقوم أوشك أن يكون منهم.

قال عليه‌السلام : الناس في الدنيا صنفان : عامل في الدنيا للدنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلفه الفقر ، ويأمنه على نفسه ، فيفني عمره في منفعة غيره وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمله فأصبح ملكا لا يسأل الله تعالى شيئا فيمنعه.

____________________

(١) الكنز ص ٢٧١.

(٢) المصدر ص ٢٨٣.

(٣) مخطوط.

٩٣

١٠٧ ـ وقال عليه‌السلام : عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب وفاته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء ، وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة ، وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله ، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت ، وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرة وهو يرى النشأة الاولى ، وعجبت لعامر الدنيا دار الفناء ، وهو نازل دار البقاء.

١٠٨ ـ وقال عليه‌السلام : الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ، ولا يؤمنهم من مكر الله ، ولا يؤيسهم من روح الله ، ولا يرخص لها في معاصي الله.

١٧

* ( باب ) *

* «( ما صدر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في العدل )» *

* «( في القسمة ووضع الاموال في مواضعها )» *

١ ـ ف (١) : أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا ظاهرة وباطنة ، بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكرزاده ، ومن كفر عذبه. وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والانعام نعمة أنعم بها ومنا وفضلا صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فأفضل الناس ـ أيها الناس ـ عند الله منزلة وأعظمهم عندالله خطرا أطوعهم لامر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحياهم لكتاب الله فليس لاحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله ، وطاعة رسوله ، واتباع كتابه ، وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد نبي الله وسيرته فينا ، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عزو جل ، يقول الله : « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر

____________________

(١) التحف ص ١٨٣ ومنقول في النهج.

٩٤

وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقيكم (١) » فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب ، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله ، يقول الله في كتابه : « إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (٢). وقال : «وأطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فإن الله لا يحب الكافرين (٣)».

ثم صاح بأعلى صوته : يا معاشر المهاجرين والانصار ، ويا معاشر المسلمين أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ، ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين.

ثم قال : ألا إنه من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن ، وأقسام الاسلام ، ليس لاحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته ، جعلنا الله وإياكم من المتقين ، وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم قال : ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ، ولا الذي دعيتم إليه ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها. فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها ، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا ـ رحمكم الله ـ إلى منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا ، والباقية التي لا تنفد رغبكم الله فيها ودعاكم إليها ، وجعل لكم الثواب فيها.

فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار ، وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به أبالحسب والنسب؟ أم بعمل وطاعة ، فاستتموا نعمه عليكم ـ رحمكم الله ـ بالصبر لانفسكم والمحافظة على

____________________

(١) سورة الحجرات : ١٤. (٢) سورة آل عمران : ٣١.

(٣) مضمون مأخوذ من الاية ٣٢ سورة آل عمران.

٩٥

من استحفظكم الله من كتابه. ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى ، ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما امرتم به من التقوى ، فعليكم عبادالله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه.

فأما هذا الفئ فليس لاحد فيه على أحد أثرة (١) قد فرغ الله عزوجل من قسمه فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله ، به أقررنا ، وعليه شهدنا وله أسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا. فسلموا ـ رحمكم الله ـ فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء ، فإن العامل بطاعة الله ، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه «اولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ، «اولئك هم المفلحون» ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته ، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده. أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم.

٢ ـ ف (٢) : لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم الاموال ـ والناس أصحاب دنيا ـ قالوا لامير المؤمنين عليه‌السلام : أعط هذا المال ، وفضل الاشراف ومن تخوف خلافه وفراقه. حتى إذا استتب (٣) لك ماتريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية (٤).

فقال : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام والله لا أطور به ماسمر به سمير (٥) وما أم نجم في السماء نجما (٦) ولو كان مالهم

____________________

(١) الاثرة ـ محركة ـ : الاختيار واختصاص المرء باحسن شئ دون غيره.

(٢) التحف ص ١٨٥.

(٣) استتب : استقام واطرد واستمر.

(٤) رواه الشيخ أبوعلى ابن الشيخ في أماليه مع اختلاف يسير أشرنا إلى بعضها.

(٥) لا أطور به : لا أقاربه. والسمير : الدهر أى لا أقاربه مدى الدهر ولا أفعله أبدا.

وفى الامالى (أتأمرونى أن أطلب النصر بالجور والله لا افعلن ماطلعت شمس ولاح في السماء نجم والله لو كان مالى لواسيت بينهم وكيف وانما هو أموالهم).

(٦) أم : قصد أى ماقصد نجم نجما.

٩٦

مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم.

ثم أزم طويلا ساكتا (١) ، ثم قال : من كان له مال فإياه والفساد ، فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير (٢) وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عندالله (٣).

ولم يضع امرء ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه شكرهم وكان خيره لغيره ، فإن بقي معه منهم من يريه الود. ويظهر له الشكر ، فإنما هو ملق وكذب (٤) وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل ، فان زلت بصاحبة النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وآلم خدين (٥) مقالة جهال مادام عليهم منعما ، وهو عن ذات الله بخيل ، فأي حظ أبور وأخس من هذا الحظ؟!. وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف؟!. فمن أتاه مال فليصل به القرابة ، وليحسن به الضيافة ، وليفك به العاني (٦) والاسير وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين ، وليصبر نفسه على الثواب والحقوق ، فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في الدنيا (٧) ودرك فضائل الاخرة.

____________________

(١) أزم : امسك.

(٢) في بعض النسخ «في غيره تبذير» وفى الامالى «في غير حقه تبذير».

(٣) في الامالى «وهو وان كان ذكرا لصاحبه في الدنيا والاخرة فهو يضيعه عند الله».

(٤) ملق ـ بفتح فكسر ككذب مصدر ـ : التودد والتذلل والاظهار باللسان من الاكرام والود ماليس في القلب. وفى الامالى «وكان لغيره ودهم فان بقى معه من يوده يظهر له الشكر ـ الخ».

(٥) كذا ولعله ألام فصحف والخدين : الحبيب والصديق.

(٦) العانى : السائل.

(٧) في الامالى «فان النور بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا».

٩٧

١٨

* ( باب ) *

* «( ما أوصى به أمير المؤمنين عليه‌السلام عند وفاته )» *

١ ـ جا ، ما (١) : عن المفيد ، عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات ، عن محمد بن همام الاسكافي ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن أحمد بن سلامة الغنوي ، عن محمد بن الحسن العامري ، عن أبي معمر ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الفجيع العقيلي قال : حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام قال : لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال :

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله وابن عمه وصاحبه أول وصيتي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وخيرته ، اختاره بعلمه ، وارتضاه لخيرته ، وأن الله باعث من في القبور ، وسائل الناس عن أعمالهم ، عالم بما في الصدور ثم إني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان ذلك يابني ألزم بيتك ، وابك على خطيئتك ، ولا تكن الدنيا أكبر همك ، واوصيك يابني بالصلاة عند وقتها ، والزكاة في أهلها عند محلها ، والصمت عند الشبهة ، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضيف ، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء ، وصلة الرحم ، وحب المساكين ومجالستهم ، والتواضع فإنه من أفضل العبادة ، وقصر الامل ، واذكر الموت ، وازهد في الدنيا فإنك رهين موت ، وغرض بلاء ، وصريع سقم ، واوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل ، وإذا اعرض شئ من أمر الاخرة فابدء به ، وإذا عرض شئ من أمرالدنيا فتأن حتى تصيب رشدك فيه ، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء ، فإن قرين السوء يغير جليسه ، وكن الله يا بني عاملا وعن الخنى زجورا (٢) وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخ الاخوان في الله

____________________

(١) مجالس المفيد ص ١٢٩ وامالى الطوسى ج ١ ص ٦.

(٢) الخنى ـ مقصورا ـ : الفحش.

٩٨

وأحب الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك. وأبغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك كيلا تكون مثله ، وإياك والجلوس في الطرقات ، ودع الممارات ومجاراة من لا عقل له ولا علم ، واقصد يا بني في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه ، وألزم الصمت تسلم ، وقدم لنفسك تغنم ، وتعلم الخير تعلم ، وكن لله ذاكرا على كل حال ، وارحم من أهلك الصغير ، ووقر منهم الكبير ، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله ، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لاهله ، وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوك ، وعليك بمجالس الذكر وأكثر من الدعاء فاني لم آلك يا بني نصحا ، وهذا فراق بيني وبينك.

واوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له.

وأما أخوك الحسين فهو ابن امك ولا اريد الوصاة بذلك (١) ، والله الخليفة عليكم ، وإياه أسأل أن يصلحكم وأن يكف الطغاة والبغاة عنكم ، والصبر الصبر حتى ينزل الله الامر ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٢ ـ ف (٢) : وصيته عليه‌السلام عند الوفاة :

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب. أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وصلى الله على محمد وسلم. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين.

ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي ، وأهل بيتي ، ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم» وإن المبيرة وهي الحالقة للدين (٣) فساد ذات البين ،

____________________

(١) في أمالى الطوسى «ولا ازيد الوطأة بذلك».

(٢) التحف ص ١٩٧. وفى الكافى باب صدقات النبى «ص».

(٣) في الكافى «من عامة الصلاة والصيام. وان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين».

٩٩

ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.

الله الله في الايتام (١) لا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لاكل مال اليتيم النار».

الله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العلم (٢) به غير كم.

الله الله في جيرانكم ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم ، مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

الله الله في بيت ربكم فلا يخلومنكم ما بقيتم ، فإنه إن ترك لم تناظروا.

وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف (٣).

الله الله في الصلاة ، فإنها خير العمل ، إنها عماد دينكم.

الله الله في الزكاة ، فإنها تطفئ غضب ربكم.

الله الله في صيام شهر رمضان ، فإن صيامه جنة من النار.

الله الله في الفقراء والمساكين ، فشاركوهم في معا؟ شكم.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه.

الله الله في ذرية نبيكم ، لا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم.

الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يأووا محدثا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم ، والمؤوي للمحدثين.

الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم ، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال : «اوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم».

الصلاة ، الصلاة ، الصلاة ، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم

____________________

(١) في الكافى «لا يغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم».

(٢) في الكافى «إلى العمل به».

(٣) «من أمه» أى من قصده.

١٠٠