بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

من التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته ، وإياك والمزاح ، فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك ، وإياك والضجر والكسل ، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والاخرة.

١٦ ـ وقال عليه‌السلام : إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لاحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه.

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير.

١٨ ـ وقال عليه‌السلام : اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجات الله ، وساعة لامر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات. لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، اجعلوا لانفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال ومالا يثلم المروة ومالا سرف فيه. واستعينوا بذلك على أمور الدين ، فإنه روي «ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لديناه».

١٩ ـ وقال عليه‌السلام : تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا. وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب. ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا.

٢٠ ـ وقال عليه‌السلام لعلي بن يقطين (١) : كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان.

____________________

(١) هو على بن يقطين بن موسى مولى بنى أسد كوفى الاصل سكن بغداد من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام قال الشيخ في الفهرست : على بن يقطين ـ رحمه‌الله ـ ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة عند أبى الحسن موسى عليه‌السلام ، عظيم المكان في الطائفة.

وكان يقطين من وجوه الدعاة. فطلبه مروان فهرب ، وابنه على بن يقطين هذا ـ رحمه‌الله ـ ولد بالكوفة سنة ١٢٤ وهربت به امه وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة فلما ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت ام على بعلى وعبيد فلم يزل يقطين بخدمة السفاح وأبى جعفر

٣٢١

٢١ ـ وقال عليه‌السلام : كلما أحدث الناس من الذنوب مالم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء مالم يكونوا يعدون.

٢٢ ـ وقال عليه‌السلام : إذا كان الامام عادلا كان له الاجر وعليك الشكر. وإذا كان جائرا كان عليه الوزر وعليك الصبر.

٢٣ ـ وقال أبوحنيفة (١) حججت في أيام أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام فلما

____________________

المنصور ومع ذلك كان يتشيع ويقول بالامامة وكذلك ولده وكان ـ رحمه‌الله ـ يحمل الاموال إلى أبى عبدالله جعفر الصادق عليه‌السلام ونم خبره إلى المهدى فصرف الله عند كيدهما وتوفى على بن يقطين بمدينة السلام ببغداد سنة ١٨٢ وسنه يومئذ ٥٧ سنة وصلى عليه ولى العهد محمد بن الرشيد ، وتوفى أبوه بعده سنة ١٨٥ ولعلى بن يقطين كتب منها كتاب ما سأل عن الصادق عليه‌السلام من الملاحم وكتاب مناظرة الشاك بحضرته. انتهى. وكان وفات على بن يقطين في أيام كان أبوالحسن عليه‌السلام محبوسا في سجن هارون ببغداد وبقى عليه‌السلام أربع سنين فيه بعد على بن يقطين. وله أيضا مسائل عن أبى الحسن عليه‌السلام واستأذنه في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال عليه‌السلام : «لا تفعل فان لنا بك أنسا ولاخوانك لك عزا وعسى أن يجبر الله بك كسرا ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه يا على كفارة أعمالكم الاحسان إلى اخوانكم». وضمن على بن يقطين لابى الحسن عليه‌السلام أن لا يأتيه ولى له الا أكرمه. فضمن أبوالحسن عليه‌السلام له ثلاث خصال : لا يظله سقف سجن أبدا ولا يناله حد سيف أبدا ولا يدخل الفقر فيه أبدا.

(١) هو نعمان بن ثابت بن زوطى أحد الائمة الاربعة كان جده من الفرس من موالى تيم الله بن ثعلبة فمسه الرق فاعتق فكان أبوحنيفة من أبناء الفرس ولد سنة ٨٠ بالكوفة وكان خزازا يبيع الخز ، صاحب الرأى والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه وقال هو بالقياس والاستحسان حتى أنه قاس في امور معاشه أيضا ، وهو أول من قاس في الاسلام ، وقيل :

أجاز وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه أيضا من المرجئة الذين يقولون لا تضر مع الايمان معصية ، رد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث أو أكثر فقال : لو أدركنى

٣٢٢

أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج (١) ، فقلت : يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال : على رسلك (٢). ثم جلس مستندا إلى الحائط. ثم قال : توق شطوط الانهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقارعة الطريق (٣). وتوار خلف جدار ، وشل ثوبك (٤) ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، وضع حيث شئت ، فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له ، ما اسمك؟ فقال : أنا موسى بن جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت له : يا غلام ممن المعصية؟ فقال عليه‌السلام إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث :

إما أن تكون من الله ـ وليست منه ـ فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على مالا

____________________

رسول الله لاخذ بكثير من قولى ، ونقل الخطيب في تاريخ بغداد بعضها ويعاب عليه بقواعد العربية. مات سنة ١٥٠ واتفق أنه في يوم وفاته ولد الشافعى ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وهى مشهورة معروفة عند العامة بالامام الاعظم وبنى شرف الملك أبوسعد محمد بن منصور الخوارزمى مستوفى مملكة السلطان ملكشاه السلجوقى على قبره مشهدا وقبة وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية وقيل : ان الذى أمر ببناء هذه العمارة هو الب أرسلان محمد والد السلطان ملكشاه وكان الامير أبوسعد نائبا عليها. وفى الاخبار : ان أبا حنيفة : جاء يوما إلى الصادق عليه‌السلام ليسمع منه وخرج عليه‌السلام يتوكأ على عصا فقال له أبوحنيفة يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما يحتاج منه إلى العصا قال : هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اردت أتبرك بها فوثب أبوحنيفة اليها وقال له : اقبلها يا ابن رسول الله؟ فحسر عليه‌السلام عن ذراعه وقال : والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وان هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصاه.

(١) درج الصبى : مشى قليلا في أول ما يمشى.

(٢) الرسل والرسلة : الرفق والتمهل. يقال : على رسلك يا رجل أى على مهلك.

(٣) قارعة الطريق : أعلاه ومعظمه وهى موضع قرع المارة.

(٤) أى ارفع ثوبك. ـ من شال يشول شولا الشئ أى رفعه.

٣٢٣

يرتكب. وإما أن تكون منه ومن العبد ـ وليست كذلك ـ فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف. وإما أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عفا فبكرمه وجوده. وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته. قال أبوحنيفة : فانصرفت ولم ألق أبا عبدالله عليه‌السلام واستغنيت بما سمعت.

٢٤ ـ وقال له أبوأحمد الخراساني : الكفر أقدم أم الشرك (١)؟ فقال عليه‌السلام له : مالك ولهذا ما عهدي بك تكلم الناس. قلت : أمرني هشام بن الحكم (٢) أن أسألك. [ ف ] قال : قل له : الكفر أقدم ، أول من كفر إبليس «أبى واستكبر وكان من الكافرين (٣)» والكفر شئ واحد والشرك يثبت واحدا ويشرك معه غيره.

٢٥ ـ ورأى رجلان يتسابان فقال عليه‌السلام : البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يعتد المظلوم.

٢٦ ـ وقال عليه‌السلام : ينادي مناد يوم القيامة : ألا من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا ، وأصلح فأجره على الله.

٢٧ ـ وقال عليه‌السلام : السخي الحسن الخلق في كنف الله ، لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة. وما بعث الله نبيا إلا سخيا. ومازال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى.

٢٨ ـ وقال السندي بن شاهك ـ وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى عليه‌السلام ـ لما حضرته الوفاة : دعني اكفنك. فقال عليه‌السلام : إنا أهل بيت ، حج صرورتنا (٤) ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا.

____________________

(١) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٣٨٥ عن موسى بن بكر الواسطى والعياشى في تفسيره. عنه قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الفر والشرك أيهما أقدم ـ إلى آخر الاية ـ.

(٢) وكذا في تفسير العياشى ولكن في الكافى «هشام بن سالم».

(٣) البقرة : ٣٢.

(٤) الصرور ـ بالصاد المهملة ـ الذى لم يتزوج أولم يحج.

٣٢٤

٢٩ ـ وقال عليه‌السلام لفضل بن يونس : أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تن إمعة (١) قلت : وما الامعة؟ قال : لا تقل : أنا مع الناس ، وأنا كواحد من الناس. إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر ، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير (٢)».

٣٠ ـ وروي أنه مر برجل من أهل السواد دميم المنظر (٣) ، فسلم عليه و نزل عنده وحادثه طويلا. ثم عرض عليه‌السلام عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له ، فقيل له : يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه ، وهو إليك أحوج؟ فقال عليه‌السلام : عبد من عبيدالله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله ، يجمعنا وإياه خير الاباء آدم عليه‌السلام وأفضل الاديان والاسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه ،

____________________

(١) فضل بن يونس الكاتب البغدادى عده الشيخ من أصحاب الكاظم عليه‌السلام وقال : أصله كوفى تحول إلى بغداد مولى واقفى. انتهى. ووثقه النجاشى ، وروى الكشى ما يدل على غاية اخلاصه للامام الكاظم عليه‌السلام قال : وجدت بخط محمد بن الحسن بن بندار القمى في كتابه حدثنى على بن ابراهيم عن محمد بن سالم قال : لما حمل سيدى موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى هارون جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسى فقال له يا سيدى قد كتبت لى صك إلى الفضل ابن يونس فتسأله أن يروج أمرى فركب اليه أبوالحسن فدخل عليه حاجبه وقال : يا سيدى! أبوالحسن موسى عليه‌السلام بالباب فقال : ان كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا ، فخرج الفضل حافيا يعدو حتى وصل اليه فوقع على قدميه يقبلهما ، ثم سأله أن يدخل فقال له : اقض حاجة هشام بن ابراهيم فقضاها ، ثم قال : يا سيدى قد حضر الغذاء فتكرمنى أن تتغذى عندى فقال : هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد فأجال أبوالحسن عليه‌السلام يده في البارد ثم قال : البارتجال اليدفيه وجاؤوا بالحار فقال أبوالحسن عليه‌السلام : الحارحمى.

(٢) الامع والامعة ـ بالكسر فالتشديد ـ قيل : أصله «انى معك».

(٣) النجد : الطريق الواضح المرتفع. وقوله عليه‌السلام : «انما هما نجدان» فالظاهر اشارة إلى قوله في سورة البلد ١٠ «فهديناه النجدين».

(٤) دميم المنظر أى قبيح المنظر من دم دمامة : كان حقيرا وقبح منظره.

٣٢٥

فيرانا ـ بعد الزهو عليه (١) ـ متواضعين بين يديه ، ثم قال عليه‌السلام :

نواصل من لا يستحق وصالنا * مخافة أن نبقى بغير صديق ٣١ ـ وقال عليه‌السلام : لا تصلح المسألة إلا في ثلاثة : في دم منقطع (٢) أو غرم مثقل أو حاجة مدقعة.

٣٢ ـ وقال عليه‌السلام : عونك للضعيف من أفضل الصدقة.

٣٣ ـ وقال عليه‌السلام : تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل.

٣٤ ـ وقال عليه‌السلام : المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.

٣٥ ـ وقال عليه‌السلام : يعرف شدة الجور من حكم به عليه.

٤ ـ ف (٣) : روي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه قال : صلاة النوافل قربان إلى الله لكل مؤمن ، والحج جهاد كل ضعيف ، ولكل شئ زكاة وزكاة الجسد صيام النوافل ، وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ، ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كمن رمى بسهم بلاوتر ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية وإن امرء اقتصد ، والتدبير نصف العيش ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وكثرة الهم يورث الهرم ، والعجلة هي الخرق ، وقله العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه فقد عقهما ، ومن ضرب بيده على فخذه ، أو ضرب بيده الواحدة على الاخرى عند المصيبة فقد حبط أجره ، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلا بالصبر والاسترجاع عند الصدمة ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي دين أو حسب ،

____________________

(١) الزهو : الفخر والكبر. قال الشاعر :

لا تهين الفقير علك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه

(٢) أى دم من ليس لقاتله مال حتى يؤدى ديته. والمدقعة : الشديدة يفضى صاحبه إلى الدقعاء أى التراب أو يفضى صاحبه إلى الدقع وهو سوء احتمال الفقر. والمدقع الملصق بالتراب والذى لا يكون عنده ما يتقى به التراب.

(٣) التحف ص ٤٠٣.

٣٢٦

والله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة ، وأداء الامانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ، وإذا أراد الله بالذرة (١) شرا أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير ، والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلا بثلاثة أشياء : تصغيرها وسترها وتعجيلها ، فمن صغر الصنيعة عند المؤمن فقد عظم أخاه ، ومن عظم الصنيعة عنده فقد صغر أخاه ومن كتم ما أولاه (٢) من صنيعة فقد كرم فعاله ، ومن عجل ما وعد فقد هنئ (٣) العطية.

٥ ـ كشف (٤) : قال الابي في كتاب نثر الدرر : سمع موسى عليه‌السلام رجلا يتمنى الموت فقال له : هل بينك وبين الله قرابة يحاميك لها؟ قال : لا ، قال : فهل لك حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك؟ قال : لا ، قال : فأنت إذا تتمنى هلاك الابد.

وقال عليه‌السلام : من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.

وروي عنه عليه‌السلام : أنه قال : اتخذوا القيان فإنه لهن فطنا وعقولا ، ليست لكثير من النساء. كأنه أراد النجابة في أولادهن.

قلت : القيان جمع قينة وهي الامة مغنية كانت أو غير مغنية. قال أبوعمر :

وكل عبد هوعند العرب قين والامة قينة ، وبعض الناس يظن القينة ، المغنية خاصة وليس كذلك.

____________________

(١) في بعض النسخ «بالنملة».

(٢) يقال : أولاه معروفا أى صنعه اليه.

(٣) هنى الطعام ـ من باب علم ـ : تهنأ به أى ساغ له الطعام ولذ. وفى بعض النسخ «هنوء» ـ من باب شرف ـ : صار هنيئا. وفى بعضها «فقد هنأ» من باب التفعيل.

(٤) كشف الغمة ج ٣ ص ٤٢.

٣٢٧

وقال : ابن حمدون في تذكرته (١) قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد منك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك.

معنى هذه الاربع : الاولى وجوب معرفة الله تعالى الذي هي اللطف ، الثانية معرفة ما صنع بك من النعم اللتي يتعين عليك لاجلها الشكر والعبادة ، الثالثة أن تعرف ما أراده منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب ، والرابعة أن تعرف الشئ الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.

٦ ـ كش (٢) ، عن حمدويه ، عن الحسن بن موسى ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور الخزاعي ، عن علي بن سويد السائي (٣) قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في الحبس أسأله فيه عن حاله وعن جواب مسائل كتبت بها إليه فكتب بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد الله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ابتغى إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة والاديان الشتى ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتدي ، وسميع وأصم ، وأعمى وبصير ، وحيران ، فالحمدلله الذي عرف وصف دينه بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أما بعد فإنك امرء أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة مودة بما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك بفضلهم ، ورد الامور إليهم والرضا بما قالوا ـ في كلام طويل ـ وقال : ادع إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته ولا تحصر حصرنا (٤)

____________________

(١) المصدر : ج ٣ ص ٤٥.

(٢) اختيار رجال الكشى ص ٣٨٦.

(٣) السائى نسبة إلى ساية : اسم واد من حدود الحجاز. وقيل : قرية من قرى المدينة المشرفة ، وقيل : انها قرية بمكة ، وقيل واد بين الحرمين. وقال في منهج المقال قرية بالمدينة.

(٤) في بعض النسخ «ولا تحصن بحصن رياء».

٣٢٨

ووال آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا : «هذا باطل» وإن كنت تعرف خلافه فإنك لا تدري لما قلناه وعلى أي وجه وصفناه ، آمن بما أخبرتك ، ولا تفش ما استكتمتك ، أخبرك أن من أوجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا ينفعه لامر دنياه ولامر آخرته (١).

٧ ـ كا (٢) : عن العدة ، عن سهل ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور الخزاعي ، عن علي بن سويد. ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد ، والحسن بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور ، عن على بن سويد قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فاحتبس الجواب علي أشهر ثم أجابني بجواب هذه نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الارض إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة ، والاديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتد ، وسميع وأصم ، وبصير وأعمى وحيران ، فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

أما بعد فإنك امرء أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما

____________________

(١) في المصدر «لا من دنياه ولا من آخرته».

(٢) في الكافى ج ٨ ص ١٢٤.

(٣) «عرف ووصف» كذا في بعض النسخ ، فقوله «عرف» بتخفيف الراء أى عرف محمد دينه ووصفه. وفى بعض النسخ «عز ووصف» أى عز هو تعالى ووصف الخلق دينه محمد وفى بعض النسخ «محمدا» بالنصب فعرف بتشديد الراء. والاول أظهر وأصوب.

٣٢٩

استرعاك من دينه (١) وما ألهمك من رشدك ، وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم وبردك الامور إليهم كتبت تسألني عن امور كنت منها في تقية ، ومن كتمانها في سعة ، فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان العظيم (٢) بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم (٣) رأيت أن افسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم ، فاتق الله عز ذكره وخص بذلك الامر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية على الاوصياء أو حارشا عليهم (٤) بإفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله ، إن أول ما أنهى إليك أني أنعى إليك نفسي في ليالي هذه ، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قد قضى الله عزوجل وحتم ، فاستمسك بعروة الدين ـ آل محمد ـ والعروة الوثقى ، الوصي بعد الوصي ، والمسالمة لهم ، والرضا بما قالوا ، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبن دينهم ، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، وتدري ما خانوا أماناتهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

____________________

(١) «حفظ مودة» كانه معطوف على قوله «منزلة» أى جعلك تحفظ مودة امر استرعاك وهو دينه ، ويمكن أن يقرء حفظ على صيغة الماضى ليكون معطوفا على قوله «أنزلك».

(٢) أى كنت أتقى هذه الظلمة في أن أكتب جوابك لكن في تلك الايام دنا أجلى وانقضت أيامى ولا يلزمنى الآن التقية وجاء سلطان الله فلا أخاف من سلطانهم.

(٣) «المذمومة إلى أهلها» لعل المراد أنها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين ركنوا اليها كما يقال : استذم اليه أى فعل ما يذمه على فعله ، يحتمل أن تكون إلى بمعنى اللام أو بمعنى عند أى انما هى لهم بئست الدار وأما للصالحين فنعمت الدار فان فيها يتزودون لدار القرار.

(٤) التحريش الاغراء على الضرر ، والحرش : الصيد ، ويطلق على الخديعة والمعنى الاول هنا أنسب.

٣٣٠

وسألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفى سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إياه كرها فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفرا ولعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عزوجل كلامه ، وهزئا برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، والله مادخل قلب أحد منهما شئ من الايمان منذ خروجهما من حاليتهما ، وما ازداد إلا شكا كانا خداعين ، مرتابين ، منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام.

وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر فاولئك أهل الردة الاولى من هذه الامة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور ، أما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وسألت عن امهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم ، فأما أمهات أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة (٢) نكاح بغير ولي وطلاق بغير عدة (٣) وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه.

وسألت عن الزكاة فيهم ، فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لانا قد أحللنا

____________________

(١) أى لا يتوهم أن القاء الملك مستلزم للنبوة بل يكون للائمة عليهم‌السلام ولا نبوة بعد نبينا.

(٢) العواهر : الزوانى لان تلك السبايا لما سبين بغير اذن الامام فكلهن أو خمسهن للامام ولم يرخص الامام لغير الشيعة في وطيهن.

(٣) أى طلاقهم طلاق في غير الزمان الذى يمكن فيه انشاء العدة أى طهر غير المواقعة مع أنه تعالى قال «وطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة».

٣٣١

ذلك لكم من كان منكم ، وأين كان.

وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم ترفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

وسألت عن الشهادت لهم ، فأقم الشهادة لله عزوجل ولو على نفسك [ أ ] و الوالدين والاقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيما (١) فلا ، وادع إلى شرائط الله (٢) عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحصن بحصن رياء (٣) ، ووال آل محمد عليهم‌السلام ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا : «هذا باطل» وإن كنت تعرف منا خلافه فإنك لا تدري لما قلناه ، وعلى إي وجه وصفناه ، آمن بما اخبرك ، ولا تفش ما استكتمناك من خبرك ، إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لامر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الاذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الامر به ، فإذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك (٤) ولشيعتك المؤمنين فإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عزوجل بالمجرمين ، فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الاخيار.

____________________

(١) الضيم : الظلم يعنى اذا كان يعلم مثلا أن المدعى عليه معسر ويعلم أنه مع شهادته يجبره الحاكم على أدائه فلا يلزم اقامة تلك الشهادة.

(٢) أى إلى الشرائط التى اشترطها الله على الناس بسبب معرفة الائمة من ولايتهم ومحبتهم وطاعتهم والتبرى من أعدائهم ومخالفيهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرائط الوعد والوعيد والتأكيد والتهديد الذى ورد في أصل المعرفة وتركها.

(٣) في بعض النسخ «ولا تحضر حصن زناء».

(٤) الجحفل ـ كجعفر ـ : الجيش الكبير ، ويقال : كتيبة جرارة أى ثقيلة السير لكثرتها.

٣٣٢

٨ ـ الدرة الباهرة (١) : قال الكاظم عليه‌السلام : العروف غل لا يفكه إلا مكافأة أو شكر ، لو ظهرت الاجال افتضحت الامال ، من ولده الفقر أبطره الغنى ، من لم يجد للاساءة مضضا (٢) لم يكن للاحسان عنده موقع ، ما تساب اثنان إلا انحط الاعلى إلا مرتبة الاسفل.

٩ ـ اعلام الدين (٣) : قال موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، أولى العلم بك مالا يصلح لك العمل إلا به ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، وألزم العلم لك ما دلك على صلاح قلبك ، وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبة مازاد في علمك العاجل ، فلا تشتغلن بعلم مالا يضرك جهله ، ولا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه.

وقال عليه‌السلام : لو ظهرت الاجال افتضحت الامال.

وقال عليه‌السلام : من أتى إلى أخيه مكروها فبنفسه بدأ.

وقال عليه‌السلام : من لم يجد للاساءة مضضا لم يكن عنده للاحسان موقعا.

وقال عبدالمؤمن الانصاري : دخلت على الامام أبي الحسن موسى بن ـ جعفر عليهما‌السلام وعنده محمد بن عبدالله الجعفري ، فتبسمت إليه فقال : أتحبه؟ فقلت :

نعم وما أحببته إلا لكم ، فقال عليه‌السلام : هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لامه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون من اغتاب أخاه.

وقال عليه‌السلام : ما تساب اثنان إلا انحط الاعلى إلى مرتبة الاسفل.

وقدم على الرشيد رجل من الانصار يقال له : نفيع ، وكان عارفا فحضر يوما باب الرشيد وتبعه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز ، وحضر موسى بن ـ

____________________

(١) مخطوط.

(٢) المضض : وجع الالم.

(٣) مخطوط.

٣٣٣

جعفر عليهما‌السلام على حمارله فتلقاه الحاجب بالاكرام والاجلال وأعظمه من كان هناك وعجل له الاذن فقال نفيع لعبدالعزيز : من هذا الشيخ فقال له : أو ما تعرفه هذا شيخ آل أبي طالب هذا موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال نفيع : ما رأيت أعجب من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل لو يقدر على زوالهم عن السرير لفعل أما إن خرج لاسوءنه فقال له عبدالعزيز : لا تفعل فإن هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد بخطاب إلا وسموه في الجواب وسمة يبقى عارها عليه أبد الدهر ، وخرج موسى عليه‌السلام فقام إليه نفيع فأخذ بلجام حماره ثم قال له : من أنت قال : يا هذا إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض عزوجل عليك وعلى المسلمين إن كنت منهم الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضي مشركي قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا : يا محمدا خرج لنا أكفاءنا من قريش ، خل عن الحمار فخلى عنه ويده ترعد ، وانصرف بخزي فقال له عبدالعزيز : ألم أقل لك.

وقيل حج الرشيد فلقي موسى عليه‌السلام على بغلة له فقال للرشيد : من مثلك في حسبك ونسبك وتقدمك يلقاني على بغلة؟ فقال : تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة الحمير.

٢٦

* ( باب ) *

«( مواعظ الرضا عليه‌السلام

١ ـ ف (١) : روي عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني.

١ ـ قال الرضا عليه‌السلام لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال :

سنة من ربه ، وسنة من نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنة من وليه عليه‌السلام. فأما السنة من ربه فكتمان السر ، وأما السنة من نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فمدارأة الناس ، وأما السنة من وليه

____________________

(١) التحف ص ٤٤٢.

٣٣٤

عليه‌السلام فالصبر في البأساء والضراء.

٢ ـ وقال عليه‌السلام : صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.

٣ ـ وقال عليه‌السلام : ليس العبادة الصيام والصلاة ، وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.

٤ ـ وقال عليه‌السلام : من أخلاق الانبياء التنظف.

٥ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاث من سنن المرسلين : العطر ، وإحفاء الشعر ، وكثرة الطروقة (١).

٦ ـ وقال عليه‌السلام : لم يخنك الامين ، ولكن ائتمنت الخائن.

٧ ـ وقال عليه‌السلام : إذا أراد الله أمرا سلب العباد عقولهم ، فأنفذ أمره وتمت إرادته. فإذا أنفذ أمرو رد إلى كل ذي عقل عقله ، فيقول : كيف ذا ومن أين ذا.

٨ ـ وقال عليه‌السلام : الصمت باب من أبواب الحكمة ، إن الصمت يكسب المحبة ، إنه دليل على كل خير.

٩ ـ وقال عليه‌السلام : مامن شئ من الفضول إلا وهو يحتاج إلى الفضول من الكلام.

١٠ ـ وقال عليه‌السلام : الاخ الاكبر بمنزلة الاب.

١١ ـ وسئل عليه‌السلام عن السفلة فقال : من كان له شئ يلهيه عن الله.

١٢ ـ وكان عليه‌السلام : يترب الكتاب (٢) ويقول : لا بأس به ، وكان إذا أراد أن يكتب تذكرات حوائجه كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله ، ثم يكتب ما يريد.

١٣ ـ وقال عليه‌السلام : إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه ، وإذا كان غائبا فسمه.

١٤ ـ وقال عليه‌السلام : صديق كل امرء عقله ، وعدوه جهله.

١٥ ـ وقال عليه‌السلام : التودد إلى الناس نصف العقل.

١٦ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال.

____________________

(١) الاحفاء : القص. والطروقة : الجماع. وفى بعض النسخ «واخفاء السر».

(٢) أى يجعل عليه التراب ليجفه. ترب وأترب الشئ : جعل عليه التراب.

٣٣٥

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : لايتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال :

الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، يستكثر قليل الخير من غيره ، ويستقل كثير الخير من نفسه ، لا يسأم من طلب الحوائج إليه ، ولا يمل من طلب العلم طول دهره ، الفقر في الله أحب إليه من الغنى ، والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه ، والخمول أشهى إليه من الشهره ، ثم قال عليه‌السلام : العاشرة وما العاشرة ، قيل له : ماهي؟ قال عليه‌السلام :

لا يرى أحدا إلا قال : هو خير مني وأتقى. إنما الناس رجلان : رجل خير منه وأتقى ، ورجل شر منه وأدنى ، فإذا لقى الذي شر منه وأدنى قال : لعل خير هذا باطن وهو خير له ، وخيري ظاهر وهو شر لي. وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به ، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده ، وطاب خيره ، و حسن ذكره ، وساد أهل زمانه.

١٨ ـ وسأله رجل عن قول الله : «ومن يتوكل على الله فهو حسبه (١)»؟ فقال عليه‌السلام : للتوكل درجات : منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك ، فما فعل بك كنت راضيا وتعلم أنه لم يألك خيرا ونظرا (٢). وتعلم أن الحكم في ذلك له ، فتتوكل عليه بتفويض ذلك إليه. ومن ذلك الايمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها إليه وإلى امنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها.

١٩ ـ وسأله أحمد بن نجم (٣) عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال عليه‌السلام :

للعجب درجات : منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا. ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله (٤) ولله المنة عليه فيه.

____________________

(١) الطلاق : ٣.

(٢) ألا في الامر : قصر وأبطأ وترك الجهد ومنه يقال : «لم يأل جهدا».

(٣) رواه الكلينى ـ رحمه‌الله ـ في الكافى ج ٢ ص ٣١٣ والصدوق ـ رضوان الله عليه ـ في معانى الاخبار باسناده عن على بن سويد المدينى عن أبى الحسن موسى عليه‌السلام. وأما أحمد ابن نجم هذا لم نجد الايعاز اليه في معاجم الرجال.

(٤) وفى بعض النسخ «فيمتن».

٣٣٦

٢٠ ـ قال الفضل (١) قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام : يونس بن عبدالرحمن يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب. قال عليه‌السلام : لاما أصاب ، إن الله يعطي الايمان من يشاء فمنهم من يجعله مستقرا فيه ومنهم من يجعله مستودعا عنده ، فأما المستقر فالذي لا يسلبه الله ذلك أبدا ، وأما المستودع فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه.

٢١ ـ وقال صفوان بن يحيى (٢) سألت الرضا عليه‌السلام عن المعرفة هل للعباد

____________________

(١) الظاهر أنه الفضل بن سنان ولعله ابن سهل ذو الرياستين وزير المأمون وقد مضى ترجمته. ويونس بن عبدالرحمن هو أبومحمد مولى آل يقطين ثقة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، كان وجها في أصحابنا متقدما عظيم المنزلة قال ابن النديم : «يونس بن عبدالرحمن من أصحاب موسى بن جعفر عليهما‌السلام من موالى آل يقطين علامة زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب الشيعة» ثم عدكتبه. انتهى. وكان يونس من أصحاب الاجماع ولد في أيام هشام بن عبدالملك ورأى جعفربن محمد عليهما‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه وروى عن الكاظم والرضا عليهما‌السلام وكان الرضا عليه‌السلام يشير اليه في العلم والفتيا وكان ممن بذل على الوقف مالا جزيلا مات ـ رحمه‌الله ـ سنة ٢٠٨.

(٢) هو أبومحمد صفوان بن يحيى البجلى الكوفى ، بياع السابرى من أصحاب الامام السابع والثامن والتاسع عليهم‌السلام وأقروا له بالفقه والعلم ، ثقة من أصحاب الاجماع وكان وكيل الرضا عليه‌السلام وصنف كتبا كثيرة وكان من الورع والعبادة مالم يكن أحد في طبقته. وكان اوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم ، كان يصلى كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات وذاك أنه اشترك هو وعبدالله بن جندب وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلى من بقى بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكى عنه مادام حيا فمات صاحباه وبقى صفوان بعدهما وكان يفى لهما بذلك وكان يصلى عنهما ويزكى عنهما ويصوم عنهما ويحج عنهما وكل شئ من البر والصلاح يفعل لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه.

كما في جش وصه. وروى عن أربعين رجلا من أصحاب أبى عبدالله عليه‌السلام. وله كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن أبى الحسن موسى عليه‌السلام وروايات.

مات ـ رحمه‌الله ـ بالمدينة وبعث اليه أبوجعفر بحنوطه وكفنه وأمر اسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.

٣٣٧

فيها صنع؟ قال عليه‌السلام : لا. قلت : لهم فيها أجر؟ قال عليه‌السلام : نعم طول عليهم بالمعرفة ، وتطول عليهم بالصواب (١).

٢٢ ـ وقال الفضيل بن يسار (٢) سألت الرضا عليه‌السلام عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ قال عليه‌السلام : هي والله مخلوقة ـ أراد خلق تقدير لا خلق تكوين ـ.

ثم قال عليه‌السلام : إن الايمان أفضل من الاسلام بدرجة ، والتقوى أفضل من الايمان بدرجة ، واليقين أفضل من الايمان بدرجة ، ولم يعط بنو آدم أفضل من اليقين.

٢٣ ـ وسئل عن خيار العباد؟ فقال عليه‌السلام : الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا اعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا عفوا.

٢٤ ـ وسئل عليه‌السلام عن حد التوكل؟ فقال عليه‌السلام : أن لا تخاف أحدا إلا الله.

٢٥ ـ وقال عليه‌السلام : من السنة إطعام الطعام عند التزويج.

٢٦ ـ وقال عليه‌السلام : الايمان أربعة أركان : التوكل على الله ، والرضا بقضاء الله ، والتسليم لامرالله ، والتفويض إلى الله ، وقال العبد الصالح (٣) : «وأفوض أمري إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا».

٢٧ ـ وقال عليه‌السلام : صل رحمك ولو بشربة من ماء ، وأفضل ما توصل به الرحم كف الاذي عنها ، وقال : في كتاب الله : «ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى (٤)».

٢٨ ـ وقال عليه‌السلام : إن من علامات الفقه : الحلم والعلم ، والصمت باب من أبواب الحكمة. إن الصمت يكسب المحبة ، إنه دليل على كل خير. (٥).

____________________

(١) كذا. وتطول عليه : امتن عليه.

(٢) الفضيل بن يسار من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام ومات في أيامه ، ولعله كان قاسم بن الفضيل أو محمد بن الفضيل لانهما من أصحاب الرضا عليه‌السلام.

(٣) أراد عليه‌السلام بالعبد الصالح مؤمن آل فرعون والاية في سورة غافر : ٤٤.

(٤) البقرة : ٢٦٦.

(٥) وفى بعض النسخ «على كل حق».

٣٣٨

٢٩ ـ وقال عليه‌السلام : إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله.

٣٠ ـ وقيل له : كيف أصبحت؟ فقال عليه‌السلام : أصبحت بأجل منقوص ، وعمل محفوظ ، والموت في رقابنا ، والنار من ورائنا ، ولا تدري ما يفعل بنا.

٣١ ـ وقال عليه‌السلام : خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشئ من الدنيا والاخرة : من لم تعرف الوثاقة في أرومته (١). والكرم في طباعه ، والرصانة في خلقه (٢) والنبل في نفسه ، والمخافة لربه.

٣٢ ـ وقال عليه‌السلام : ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.

٣٣ ـ وقال عليه‌السلام : السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه ، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه.

٣٤ ـ وقال عليه‌السلام : إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣٥ ـ وقال عليه‌السلام : يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء :

تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت.

٣٦ ـ وقال له معمر بن خلاد (٣) : عجل الله فرجك. فقال عليه‌السلام. يا معمر ذاك فرجكم أنتم ، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم.

٣٧ ـ وقال عليه‌السلام : عونك للضعيف أفضل من الصدقة.

٣٨ ـ وقال عليه‌السلام : لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث : التفقة في الدين. وحسن التقدير في المعيشة. والصبر على الرزايا.

____________________

(١) الارومة : الاصل.

(٢) رصن ـ كشرف ـ أى استحكم واشتد وثبت. والنبل ـ بالضم ـ : الفضل والنجابة.

وفى بعض النسخ «والرزانة في خلقه».

(٣) هو أبوخلاد معمر بن خلاد بن أبى خلاد بغدادى ثقة من أصحاب الرضا عليه‌السلام وله كتب.

٣٣٩

٣٩ ـ وقال عليه‌السلام لابي هاشم داود بن القاسم الجعفري (١) : يا داود إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لكم علينا حقا. فمن عرف حقنا وجب حقه ، ومن لم يعرف حقنا فلا حق له.

٤٠ ـ وحضر عليه‌السلام : يوما مجلس المأمون وذوالرياستين حاضر ، فتذاكروا الليل والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه. فسأل ذوالرياستين الرضا عليه‌السلام عن ذلك؟ فقال عليه‌السلام له : تحب أن اعطيك الجواب من كتاب الله أم حسابك؟ فقال : أريده أولا من الحساب ، فقال عليه‌السلام : أليس تقولون : إن طالع الدنيا السرطان ، وإن الكواكب كانت في أشرافها؟ قال : نعم. قال : فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والمريخ في الجدي ، والزهرة في الحوت ، والقمر في الثور ، والشمس في وسط السماء في الحمل ، وهذا لا يكون إلا نهارا. قال : نعم. قال : فمن كتاب الله؟ قال عليه‌السلام :

قوله : «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار» أي أن النهار سبقه (٢).

____________________

(١) هو أبوهاشم داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الائمة ، وقد شاهد جماعة منهم : الامام الثامن إلى الامام الثانى عشر عليهم‌السلام وله موقع جليل عندهم وكان منقطعا اليهم وروى عنهم وله منهم أخبار ورسائل وروايات من دلائل أبى الحسن الهادى عليه‌السلام وقال : ما دخلت على أبى الحسن وأبى محمد عليهما‌السلام الا رأيت منهما دلالة وبرهانا. وقال السيد ابن طاووس :

«انه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم» كان أبوهاشم عالما اديبا ورعا زاهدا ناسكا ولم يكن في آل أبى طالب مثله في زمانه في علو النسب وكان مقدما عند السلطان توفى ـ رحمه‌الله ـ سنة ٢٦١. وكان أبوالقاسم بن اسحاق أمير اليمن رجلا جليلا وهو ابن خالة مولانا الصادق عليه‌السلام لان ام حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبى بكراخت ام فرودة ام مولانا الصادق عليه‌السلام.

(٢) رواه الطبرسى ـ رحمه‌الله ـ في المجمع عند بيان الاية من تفسير العياشى عن الاشعث بن حاتم هكذا » قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه‌السلام والفضل بن

٣٤٠