ابن غياث : « لا تشهدنّ بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك » (١) ونحوهما ، وتجويز الشهادة استناداً إلى الاستصحاب أو اليد اعتماداً على ما تقدّم من رواية الارث واليد ، أو استناداً إلى البيّنة المعرّفة اعتماداً على ما تقدّم من رواية ابن يقطين المعارضة بالمثل ، لا يخلو من مجازفة. لا من جهة كون العلم في ذلك قد أُخذ صفتياً بالمعنى الذي تقدّم في أوائل تقسيم العلم ، وذلك لوضوح أنّ أخذه في قوله صلىاللهعليهوآله : « على مثلها فاشهد » هو عنوان الكشف والطريقية ، بل من جهة صراحة الخبرين في اعتبار الكشف التامّ الذي لا يحتمل الخلاف ، بل لا يبعد أن يكون ذلك وارداً في مقام الردع عن الاستناد في الشهادة والاعتماد على الأمارات والأُصول العقلائية ، إذ يبعد كلّ البعد أن يكون مثل هذه الأخبار وارداً في مقام المنع عن الشهادة فيما إذا لم يكن في البين علم ولا ما هو بنظر العقلاء قائماً مقامه ، فإنّ ذلك لا يرتكبه إلاّشاهد الزور ، وليس هذا الاهتمام ناظراً إليه ، بل الظاهر أنّ نظره إلى ما ذكرناه من الردع عن الاعتماد على الأمارات والأُصول الاحرازية في مقام الشهادة.
وبالجملة : أنّ صدور مثل هذه المبالغة ممّن هو عالم بأنّ في البين أمارات وأُصولاً يعملها العقلاء ويعتمدون عليها وهو قد أمضى الكثير منها ، كاشف عن أنّه بصدد الردع عنها في خصوص باب الشهادة ، وإن لم يكن بصدد الردع عن ذلك لكانت هذه المبالغة وذلك الاهتمام لمجرّد بيان المنع عن الشهادة كذباً عمداً ، أو ما هو ملحق به من الاعتماد على الظنون غير المعتبرة عنده وعند العقلاء.
ومن ذلك يظهر لك أنّ الأمارات والأُصول الاحرازية بمجرّد دليل اعتبارها
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٤١ / كتاب الشهادات ب ٢٠ ح ١.