للجعل التعبّدي ، بل هو أمر وجداني واقعي ، إمّا أن يكون موجوداً وإمّا أن يكون معدوماً ، كسائر الموضوعات التكوينية الواقعية غير القابلة للجعل التعبّدي والتكوين الشرعي إلاّبلحاظ التنزيل والحكم بترتيب الأثر ، وإنّما أقصى ما في البين هو دعوى كون الحجّية من الأحكام الوضعية القابلة للجعل التعبّدي ، وليست هي عين الاحراز التعبّدي كي يكون جعل الحجّية للأمارة عبارة أُخرى عن جعلها محرزة للواقع بخلق الاحراز فيها خلقاً تعبّدياً ، فإنّ ذلك لا يمكن إلاّ بجعل الآثار اللاحقة للاحراز الوجداني ، بتنزيل ذلك المقدار من الاحراز الوجداني الناقص الحاصل للأمارة منزلة الاحراز الوجداني التامّ الحاصل للقطع.
وعمدة الإشكال هو هذه الجهة ، وأنّ الاحراز قابل للتعبّد وللجعل الشرعي ، وشيخنا قدسسره يراه قابلاً لذلك كما صرّح فيما حرّره عنه في التحريرات المطبوعة في صيدا في مقام الجواب عن إشكال الجمع بين اللحاظين ، فإنّه قال : وأمّا إذا بنينا على عدم تكفّل دليل الحجّية والاعتبار للتنزيل أصلاً ، بل غاية شأنه هو إعطاء صفة الطريقية والكاشفية للأمارة ، وجعل ما ليس بمحرز للواقع حقيقة محرزاً له تشريعاً ، فليس هناك تنزيل حتّى يترتّب عليه الجمع بين اللحاظين الخ (١).
لكن النظر القاصر قاصر عن إدراك قابلية الاحراز للجعل من دون توسّط التنزيل الراجع إلى ترتيب الآثار ، ولا يمكنني الجزم بذلك فعلاً ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً.
وإن شئت فراجع ما حرّره عنه قدسسره في التحرير المذكور في المقدّمة الثالثة فإنّ عباراته هناك في جعل الاحراز أصرح ، لكنّه مع ذلك يقول في أثناء الكلام :
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٢٦.