المصلحة ، وقاعدة التخيير العقلي ، بحيث إنّه يحصل له العلم بفساد إحدى القاعدتين في المورد وعدم جريانها فيه ، وأنّ المحكّم فيه هو القاعدة الأُخرى ، لم يصحّ لذلك العامي أن يقلّد في هذه الجهة ، وإن قلّد في تنقيح أنّ ما هو محلّ ابتلائه من صغريات هاتين القاعدتين ، فإنّه في هذه الصورة ليس على المجتهد إلاّ أن يخبره بأنّ هذه المسألة التي هي محلّ ابتلائه ، وأنّ الحكم الواقعي فيها هو أحد الحكمين المذكورين ، ويذره وما يحكم به عقله في تحكيم أيّ منهما.
وهكذا الحال فيما إذا انتهت النوبة إلى قاعدة قبح العقاب من دون بيان ، أو قاعدة دفع الضرر المحتمل ، فإنّ على المجتهد أن يخبره بأنّ محلّ ابتلائه من ذلك القبيل ، ويذره وما يحكم به عقله من تحكيم إحدى القاعدتين على الأُخرى.
لكن أنّى للمقلّد أن يعرف معنى أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، أو معنى دفع الضرر المحتمل وكونه محكوماً لقاعدة قبح العقاب من دون بيان ، وحينئذ فعليه أن يقلّد أيضاً في هذا الحكم العقلي ، بعد فرض كونه عاجزاً عن حقيقته وتحكيم إحدى قاعدتيه على الأُخرى.
ثمّ إنّك بعد اطّلاعك على هذه التفاصيل التي ذكرناها ، تعرف أنّه لا حاجة في توجيه إجراء المجتهد الأُصول الشرعية في الشبهات الحكمية إلى ما أفاده شيخنا الأُستاذ الأعظم قدسسره في أوائل الاستصحاب من قوله : ولا عبرة بيقين المقلّد وشكّه في ذلك ، بل العبرة بيقين المجتهد وشكّه ، وهو الذي يجري الاستصحاب ، ويكون بوحدته بمنزلة كلّ المكلّفين (١) لما عرفت من أنّه أعني المجتهد يصحّ له الإخبار على طبق مؤدّى الاستصحاب ، وذلك هو تحصيل الفتوى ، من دون حاجة إلى دعوى كونه بمنزلة كلّ المكلّفين ، كما أنّه لا حاجة إلى
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣١٠.