الذي استند إليه ذلك الآخر دليلاً مصحّحاً للفتوى والحكاية عن الحكم الواقعي ، وفي الحقيقة يكون المجتهد الأوّل مفتياً بعدم ثبوت ذلك الحكم الواقعي ، وهذا المقدار من الإخبار عن الواقع بأنّه لم يثبت يكفي لذلك العامي في عدم وجوب الرجوع إلى المجتهد الآخر ، وإن صحّ له العمل بفتواه من باب الاحتياط ، لكن ربما كان الاحتياط بالخلاف ، كما لو كانت الشبهة في ناحية الأقل والأكثر الارتباطيين كالشكّ في جزئية الاستعاذة ، وكان مجتهده الأوّل قائلاً بلزوم الاحتياط ، وكان المجتهد الآخر قد اقتنع بدليل ينفي الجزئية ، فإنّ رجوعه إلى ذلك الآخر يكون على خلاف الاحتياط.
وهكذا الحال لو كانت الشبهة بدوية تحريمية بأن شكّ في حرمة التنباك ، وكان المجتهد الأوّل قائلاً بالاحتياط الشرعي في الشبهة التحريمية البدوية ، وكان المجتهد الآخر قد قام عنده الدليل الاجتهادي على عدم حرمة التنباك وأنّه حلال ومباح ، ففي هذه الصورة يتعيّن عليه العمل على رأي مجتهده الأوّل ، وأنّ التنباك لا دليل على حرمته ، وأنّ الشاكّ في الشبهة التحريمية يلزمه الاحتياط ، ولا يجوز حينئذ له الرجوع إلى المجتهد الآخر في فتواه الحاكية عن أنّ حكم التنباك واقعاً هو الحلّية وعدم الحرمة.
وأمّا الكلام في المقام الرابع ، وهو موارد الأُصول العقلية مثل مسائل الدوران بين المحذورين الوجوب والحرمة ، ومثل ما لو انتهت النوبة إلى البراءة العقلية ، فحاصل الإشكال فيه أنّ الحكم العقلي لا يجري فيه التقليد ، لاشتراك العامي والمجتهد فيه.
ويمكن الجواب عنه بما حاصله : أنّ ذلك العامي بعد فرض الوصول إلى تلك الدرجة لو كان ممّن يمكن أن يميّز بين قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب