أعني الرواية أو الاستصحاب الجاريين في الحكم المذكور ، لأنّ الحصول على ذلك النحو من الحجّة بل الفحص عنه لا يكون مقدوراً له ، فلا يكون فحصه حينئذ إلاّفحصاً عمّا يمكن أن يكون حجّة عليه ، وذلك منحصر بفتوى المجتهد ، وبعد فرض أنّ ذلك المجتهد الذي يقلّده لا يمكنه الاخبار عن الحكم الواقعي ، لأنّه لم تقم لديه حجّة على وجوده ولا على نفيه واقعاً ، يكون شكّ ذلك العامي وعدم علمه بالحكم الواقعي موضوعاً للبراءة الشرعية ، وعلى هذا الأساس يفتيه بالجواز تسامحاً ، لأنّ ذلك ليس على نحو الحكاية عن أنّ الحكم الواقعي هو الجواز والاباحة ، بل روحه هو جواز الاقدام باعتبار كونه شاكّاً ، وأنّه جواز عذري منشؤه قوله صلىاللهعليهوآله : « رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون » (١). وهكذا الحال في الفتوى بطهارة الحديد استناداً إلى قاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية.
لا يقال : لو كان في الأحياء مجتهد آخر قد اقتنع بأحد الأدلّة على ثبوت الحكم في المسألة المزبورة أو على نفيه ، فلِمَ لا يرجع إليه هذا العامي.
لأنّا نقول : إنّه بعد أن كان قد تعيّن عليه الرجوع إلى المجتهد السابق بأحد الوجوه المعيّنة من كونه أعلم ونحوه ، لا يمكنه الرجوع إلى ذلك الآخر ، لأنّ فتوى ذلك الآخر وإخباره عن الواقع حسبما استفاده من الدليل المذكور لا يكون حجّة عليه.
فإن قلت : إن تعيّن الأوّل عليه إنّما هو فيما له فيه فتوى وإخبار عن الحكم الواقعي ، والمفروض أنّه في خصوص هذه المسألة لا فتوى له حاكية ومخبرة عن الواقع ، وحينئذ فيلزمه الرجوع إلى ذلك الآخر.
قلت : إنّ لازم كون الأوّل مجتهداً وأعلم مثلاً هو أنّه لا يرى ذلك الدليل
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.