الحيض والنفاس ونحوهما ممّا لا تعلّق له بالمجتهد إلاّباعتبار الأثر الثالث ، وهو صحّة الاخبار عن الواقع الذي أدّت إليه تلك الأمارة ، أو أدّى إليه ذلك الأصل الاحرازي.
أمّا الكلام في المقام الثالث ، وهو موارد الأُصول الشرعية غير الاحرازية مثل البراءة الشرعية ونحوها ، مثل أصالة البراءة عن وجوب الاستعاذة مثلاً قبل الفاتحة في الصلاة ، ومثل أصالة البراءة عن حرمة حمل المصحف للحائض ، فقد يشكل في مثل ذلك بأنّ البراءة إنّما تجري في حقّ الشاكّ الذي يكون متعلّق شكّه تكليفاً راجعاً إلى نفسه دون غيره ، فالبراءة في المثال الأوّل وإن جرت في حقّ المجتهد باعتبار تكليف نفسه ، إلاّ أنّ ذلك لا دخل له بالمقلّد العامي ، لأنّ ذلك التكليف وإن كان تكليفاً للمقلّد أيضاً إلاّ أنّه لا عبرة بشكّه ، فلا يصدق عليه أنّه شاكّ في ذلك التكليف الواقعي كي تجري في حقّه البراءة المذكورة.
أمّا المثال الثاني فبناءً على الإشكال المذكور لا يكون فيه إجراء البراءة ممكناً ، لا بالنسبة إلى المجتهد لأنّه وإن كان شاكّاً إلاّ أنّ متعلّق ذلك الشكّ ليس تكليفاً له ، ولا بالنسبة إلى المقلّد لأنّ متعلّق الشكّ وإن كان تكليفاً راجعاً إليه ، إلاّ أنّه لعدم العبرة بشكّه لا يكون داخلاً في عموم الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعي الذي هو موضوع البراءة الشرعية.
وهذا الإشكال إنّما نشأ من هذه الكلمة وهي أنّه لا عبرة بشكّ العامي الظاهرة في إلغاء شكّه وأنّه لا حكم له لذلك الشكّ ، مع أنّه متحقّق وجداناً ، وأقصى ما في البين هو أنّ كون عدم علمه وشكّه موضوعاً للبراءة الشرعية متوقّف على الفحص ، ولا ريب أنّ الفحص عن الحجّة في قبال البراءة المذكورة ، وتلك الحجّة التي يفحص عنها العامي ليست هي الحجّة الأوّلية على الحكم الواقعي ،