قوله : قلت : هذه الدعوى ممّا يكذّبها الوجدان ، بداهة أنّ الأمارات الظنّية ما عدا الأخبار لو لم تكن بنفسها متعلّقة للعلم الاجمالي ، فلا أقل من كونها من أطراف العلم الاجمالي ، لأنّ متعلّق العلم الاجمالي هو المجموع من الأخبار ومن بقيّة الأمارات الظنّية ، وهذا لا ينافي أن تختصّ الأخبار بعلم إجمالي آخر فيما بينها ... الخ (١).
ينبغي لتوضيح هذا المقام أن نقدّم مقدّمة هي مثال خارجي ثمّ نتبعه بتطبيقه على ما نحن فيه ، فنقول بعونه تعالى : لو كان لنا قطيع من الغنم مائة رأس ، خمسون منها سود وخمسون بيض ، فالعلم الاجمالي بتحريم بعض هذا القطيع يمكن أن يكون على صور أربع :
الأُولى : أن يعلم بحرمة خمسة من مجموع ذلك القطيع سوده وبيضه ، لكن يحصل لنا علم إجمالي ثانٍ ، وهو وجود خمسة محرّمة في خصوص السود يحتمل أنّها هي المعلومة الأُولى ، وفي هذه الصورة لا إشكال في انحلال العلم الاجمالي المتعلّق بالمجموع إلى العلم الاجمالي المتعلّق بخصوص السود ، ويكون المعلوم بالاجمال غير مختلف المقدار. ولو عزلت السود عن البيض كان مقدار ذلك المعلوم في السود لم ينقص ، وكانت البيض خالية من العلم بالمحرّم بينها ، كما أنّك لو خلطتها وجاءت ظلمة أوجبت عدم التمييز بينها لم يزد ذلك المعلوم عن ذلك المقدار الذي هو الخمس ، ولو فرضنا أنّك عزلت خمساً من السود وضممت باقي السود إلى البيض ، لم يكن لك علم إجمالي بوجود المحرّم فيها. وفي الحقيقة لا يكون ذلك من باب الانحلال ، بل من باب عدم تأثير العلم الاجمالي الأوّل.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٠٠ ـ ٢٠١.